عن إحياء الحياة السياسية في سورية

معقل زهور عدي

أفضل ما يميز العهد الجديد خلال الشهور الستة التي انقضت هو الحريات العامة وبصورة خاصة حرية الرأي، فلا يمكن أن يجادل أحد اليوم أنه ولأول مرة منذ زمن طويل أصبح بمقدور السوري التحدث في السياسة كما يريد دون أن يخشى أن يقوده كلامه نحو الدعوة من أحد فروع المخابرات السورية سيئة السمعة لفنجان قهوة ربما يكون آخر فنجان يشربه في حياته.

لم نسمع عن أحد تم اعتقاله بسبب رأيه، وحتى حين يصل انتقاده لأعلى سلطة في الدولة وهو أمر دفع السوريين نحو السياسة بزخم لم يكن معهودا منذ انقلاب آذار عام 1963 .

الحريات العامة هي أساس الديمقراطية وشرطها الأول لكنها ليست الديمقراطية.

مع ذلك فهناك مخاوف مشروعة لدى كثيرين من أن يكون ربيع الحريات السورية اليوم مجرد مرحلة للعبور نحو نظام سياسي لايمكن وصفه بالديمقراطية يختفي فيه ذلك الربيع لنعود للدخول في نسق آخر لايمكن أن يكون طبعة استبداد مشابهة لاستبداد النظام البائد بالتأكيد فذلك شبه مستحيل ولكن حالة وسطى هجينة بين الاستبداد والديمقراطية .

عدم وجود تصور واضح لملامح الدولة الجديدة يضع النقاط على الحروف , والطريقة التي جرى فيها تصميم وتنفيذ مؤتمر الحوار الوطني وما نتج عنه من إعلان دستوري , وأخيرا الطريقة التي يجري الحديث فيها عن انتخاب مرشحين لمجلس الشعب من بين مرشحين يتم تعيينهم سلفا من قبل لجنة معينة من الحكومة ضمن إخراج لطيف من جولات لتلك اللجنة وفروعها على المحافظات للاستماع لرأي الجمهور قبل تعيين المرشحين الذين ستوافق اللجنة العليا للانتخابات على ترشحهم . هذه الطريقة التي لايمكن وصفها بحال من الأحوال بأنها ديمقراطية , فالديمقراطية لايمكن أن تقبل حصر حق الترشيح بأشخاص يوافق عليهم الحكم ويمرون من خلال مصفاة مصممة وفق معاييره الخاصة .

والديمقراطية لاتقبل أن تكون من تلك المعايير حيادية عضو مجلس الشعب أي بصريح العبارة أن لايكون ذا لون سياسي , ولا تقبل أن يوضع المرشحون المقبولون ضمن فئتين كفاءات علمية أو فنية أو فئة ماسمي بالوجهاء والأعيان في عودة غير محمودة لمجلس الأعيان العثماني .

غني عن القول إن الديمقراطية لاتقبل حجز ثلث مقاعد مجلس الشعب للسلطة الحاكمة أيضا .

مجلس شعب كهذا لايمكن وصفه بالديمقراطي وبعبارة أكثر تحديدا بكونه يمثل الشعب السوري بطريقة شرعية .

ربما لايكون نسخة عن مجلس الشعب للعهد البائد لكنه بالتأكيد ليس المجلس النيابي المطلوب والذي يلامس طموح السوريين الذين دفعوا أثمن التضحيات من أجل حريتهم .

ولعل أحد المثقفين الوطنيين كان على حق عندما قال لقد أدرت ظهري لهذا المجلس منذ أن تم اختيار اسمه , وبالفعل لم يكن موفقا استعادة اسم مجلس الشعب سيء الذكر وكان المنتظر العودة للعهد الديمقراطي السوري حين كان للمجلس اسم هو المجلس النيابي .

على أية حال فلم يخب الظن بمجلس الشعب الجديد بمجرد الاعلان عن الطريقة التي سينتخب فيها وهي لاتمت للديمقراطية بصلة .

سوف يزيد مجلس الشعب الجديد من المخاوف والهواجس في أن ربيع الحريات العامة الذي تشهده سورية اليوم يحمل إمكانية الانتكاس نحو المجهول ولا نقول أكثر من ذلك كي لا ننضم لخانة المتشائمين .

حسنا في المقابل ماهو المطلوب ؟

دعونا نطرح مجلس الشعب جانبا , ونعتبره جزءا من تجربة مقيدة بالمرحلة الانتقالية , وهكذا نتخلص من المخاوف والهواجس مؤقتا لنستمر في فتح نوافذ الأمل .

المطلوب هو إحياء الحياة السياسية وهي إحدى المهام الأساسية للمرحلة الانتقالية .

وإحياء الحياة السياسية يعني ضمن مايعنيه تقنين الحريات العامة أي إصدار قانون الأحزاب والصحافة , واستقلال القضاء بما في ذلك طريقة انتخاب المحكمة الدستورية العليا , واستقلال النقابات المهنية والعمالية استقلالا تاما عن السلطة التنفيذية بحيث تنتخب مجالسها بطريقة حرة وديمقراطية .

والأهم من ذلك كله اليوم أن تقدم السلطة بوضوح وشفافية شرحا يحدد مهمة ما يسمى بالادارة السياسية التي باتت ملازمة للسلطات التنفيذية في المحافظات .

هذه الادارة التي ستخلق ازدواجية في عمل الدولة تعيد قصة تدخل فروع الأمن في عمل أجهزة الدولة مما سوف ينتج عنه سلب صلاحياتها وفي النهاية استعادة الدولة الأمنية بدلا عن الدولة الديمقراطية .

لعل الشعب السوري في معظمه يقدر حرج الظروف التي تمر بها سورية في المرحلة الانتقالية , ولذا لم يكن مطلوبا في الأصل من أجل إضفاء الطابع الدستوري على الدولة الجديدة سوى إعلان دستوري مؤقت يتكون من عشر نقاط أو أقل يحدد هدف التغيير النهائي والخطوط العامة لسياسة الدولة ويضع مرجعية دستورية كدستور العام 1950 للمرحلة المؤقتة الانتقالية .

وفي السياسة الداخلية احترام الحريات العامة والخاصة وحقوق الانسان وإحياء الحياة السياسية وتشجيع المجتمع المدني بمعناه الواسع والانصراف لمهام توحيد البلاد والعدالة الانتقالية والتعافي الاقتصادي .

لم نكن بحاجة لدستور مؤقت بدل الاعلان الدستوري المؤقت مكون من بضع وخمسين مادة .

أصبح مادة للجدل والاختلاف .

ولسنا الآن بحاجة لمجلس شعب أعرج تذكرنا طريقة انتخابه وصلاحياته المختزلة بالعهد البائد نحن بحاجة لاعادة النظر بالادارة السياسية ومهامها وبحاجة لتقنين الحريات العامة وبحاجة أكيدة للعدالة الانتقالية وتبلور رؤية سياسية واضحة للدولة المنشودة كدولة ديمقراطية.

المصدر: صفحة معقل زهور عدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى