
لكل بلد خصائصه التي ينفرد بها، وسواء كنا بصدد الاقتصاد أو السياسة فأي مقاربة حقيقية ناجحة للنظام الاقتصادي أو السياسي لا تنبع من تطبيق نموذج نظري بقدر ما تنبع من المواءمة بين خصائص البلاد وبين نموذج محدد للنظام الاقتصادي أو السياسي يناسب تلك الخصائص ويناسب متطلبات العصر ومفاهيمه والعلاقات الدولية السائدة.
في بحثنا عن النظام السياسي الذي يحقق الاستجابة المثلى للخصائص السورية لابد أن نأخذ بالاعتبار كلا من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية.
ففي حقل الاقتصاد تمتاز سورية بوجود شعب يمتلك قدرة واضحة على النشاط الاقتصادي ضمن شروط الاقتصاد الحر ( تجارة – صناعة – زراعة – خدمات ) ولا يحتاج سوى لدولة تؤمن له الأمن والاستقرار والخدمات العامة وسيادة القانون والرعاية الاجتماعية .
وفي الحقل الاجتماعي تمتاز سورية بتنوع في مكوناتها الاجتماعية على نحو كبير، هذه المكونات التي تشكلت وأعيد تشكيلها باستمرار في كل حقبة تاريخية عبر مئات السنين لكنها رغم تميزها كانت تتداخل فيما بينها من خلال نسق حضاري – ثقافي أشار إليه أحد الباحثين الغربيين بوضوح كالتالي : ( )
في عصرنا الراهن ورغم المشتركات بين تلك المكونات الاجتماعية فقد أصبحت تتطلع للتعبير عن خصائصها المتميزة أكثر من أي وقت سابق .
عبر التاريخ كانت الديموغرافيا السورية باستثناء فترات محدودة لا تنتج سوى مدن حضارية متناثرة ضمن حاضنة حضارية واسعة، وقد استمر ذلك بأشكال مختلفة في العصور الاسلامية
ومنذ تحلل الدولة العباسية حتى العصر العثماني كانت تنشأ وتتحلل الامارات المتجاورة في بلاد الشام باستمرار فمن الحمدانيين في حلب إلى الاخشيديين والفاطميين والسلاجقة والأيوبيين والمماليك لم تشهد سورية سوى بلحظات تاريخية طارئة كما حدث في عهد صلاح الدين الأيوبي دولة مركزية أو مايشبه الدولة المركزية .
لست هنا بصدد النقاش في شكل الدولة من حيث المركزية أو اللامركزية لكن بصدد الاشارة للتنوع الاجتماعي والخصائص المحلية للمناطق السورية ضمن الرابطة العربية والرابطة السورية العامتين .
هذه الخصائص التي تنتج طبيعة سورية تميل نحو الديمقراطية التي تتيح التعبير عن تنوعها بخلاف الحكم الديكتاتوري الذي يقمعها ويجعل تفتحها صعبا أو مستحيلا .
وإذا نظرنا في تاريخ سورية الحديث نجد أن العصر الذهبي لسورية من حيث النمو الاقتصادي والتقدم والانفتاح على العالم والحياة السياسية السليمة كان هو العصر الديمقراطي وخاصة بين 1954-1958 ولم تشبه شائبة سوى نمو دور المؤسسة العسكرية في السياسة , هذا الدور الذي انتهى باستيلاء المؤسسة العسكرية على السلطة بصورة تامة بعد انقلاب العام 1963 .
الديمقراطية ليست ترفا في سورية وليست شعارا ولا ايديولوجيا، الديموقراطية هي النظام السياسي الوحيد الذي يلبي طموحات وطبيعة الشعب السوري ويفتح أمامه الطريق نحو المستقبل.
المصدر: صفحة معقل زهور عدي