هل أفادت نصائح طالبان الحكم السوري الجديد؟

حسام جزماتي

بعد يومين فقط من إسقاط بشار الأسد بثت وكالة “أفغانستان بالعربي” كلمة مصورة للمولوي عبد الحق حمّاد، أحد قادة حركة طالبان، في “رسالة صادقة” حملت “نصائح ذهبية” لأهل سوريا في مرحلة التمكين وبناء المستقبل، لتكون الثورة نموذجاً للعدل والكرامة، وفق تعبير الوكالة.

وقد لاقت تلك الدقائق الست رواجاً واسعاً في أوساط نخبة التحرير وكوادره ومعظم حاضنته، لا سيما وأن انتصار طالبان، في آب 2021، بإجبارها القوات الأميركية على الانسحاب، كان قد شكّل، في البيئة الحاكمة لإدلب ومحيطها وقتئذ، بشرى كبيرة تشير إلى أمور عدة أولها إمكان فوز الطرف الأضعف من أبناء البلد على محتل يمثل الدولة الأقوى في العالم، وثانيها احتمال تأقلم المجتمع الدولي مع من يفرض وجوده كأمر واقع على الأرض، وتغيير تقييمه له من وصفه جماعة متشددة تتصل بالإرهاب.

بعد تهنئة “الأهل” في سوريا، شعباً وقادة، يؤكد المولوي عبد الحق على عشر نقاط نعرض أبرز ما ورد فيها:

  1. أول ما نوصيكم به هو أن يكون عملكم خالصاً لله سبحانه وتعالى، تذكروا أن النصر أمانة.
  2. النصر ليس نهاية الطريق، بل هو بداية اختبار جديد، فلا تستعجلوا في تغيير كل شيء دفعة واحدة، فالإصلاحات التدريجية المدروسة أكثر استدامة.
  3. لا تسمحوا للخلافات أن تفرّق صفوفكم، تذكروا أن أعداءكم يتربصون بكم.. اجتمعوا على كلمة سواء، واجعلوا مصلحة الأمة فوق كل اعتبار، وإذا كانت هناك مؤسسات أو أنظمة قائمة يمكن إصلاحها فلا تهدموها بل أصلحوها، لا تفرّطوا في خبرات موظفي الدولة القادرين على المساهمة بل أدمجوهم في مسيرة البناء، لا تدَعوا الجراح التي خلّفتها سنوات الحرب تعيق إعادة بناء المجتمع.
  4. كما أمر الله نبيّه صلى الله عليه وسلم بالعفو.. اعفوا عمن أساء واغرسوا في قلوب شعبكم التسامح والمحبة، اجعلوا الماضي درساً وانظروا إلى المستقبل.
  5. لا يمكن لدولة أن تقوم على الأفراد وحدهم، أسسوا نظاماً قوياً من المؤسسات يحكم بالعدل ويضمن حقوق الجميع، ضعوا قوانين صارمة لمحاربة الفساد والمحاسبة وراقبوا تنفيذها بلا محاباة.
  6. اعملوا على تأمين الغذاء والصحة والتعليم والمأوى لكل مواطن، هذه مسؤوليتكم الأولى.
  7. تعاملوا بحكمة مع العالم، ابنوا علاقات قائمة على الاستقلال والكرامة وابتعدوا عن التبعية لأي طرف، استفيدوا من التعاون الدولي في بناء وطنكم من دون تفريط.
  8. لا تنسوا أن النصر من عند الله، فاستمروا في التوكل عليه في كل قراراتكم.
  9. لا تتعجلوا في اتخاذ القرارات واعملوا بخطى ثابتة ومدروسة لتحقيق الأهداف.
  10. تكوين مجلس شورى يضم نخبة من العلماء ذوي الحكمة والبصيرة.

من زاوية عملية لم يكن هناك ما يدفع الذين وصلوا إلى السلطة في دمشق إلى الاستماع لنصائح خراسانية، فليس لدى أفغانستان عقوبات ترفعها ولا تمويلات تقدّمها، غير أن الرسالة كانت فرصة ثانوية لهم للقول إن التحولات الواقعية للجماعتين جاءت من منبع واحد، فها هي طالبان، الموثوقة الخبيرة، تنصح بالعفو والتسامح وبالمحافظة على المؤسسات وبالاستفادة من موظفي النظام.

لكن هذه نظرة إلى السطح فقط. فمن المعروف أن طالبان، من قبل هذه النصائح ومن بعدها، جماعة عارمة، واثقة من نفسها ومن شعبيتها، مجاهدة في حدودها، وليست مجموعة سلفية جهادية تحيرت في التنظيم حتى وجدت درب السلامة في التحول إلى ما أسماه بعضهم “جهادية محلية” بدا تجليها “البراغماتي” على شكل مشروع دولة مسكونة بالتنمية، محافظة ملبرلة، بهدف استعادة دورها الاقتصادي في المنطقة.

أما ملف التعاون مع الدول من دون المساس باستقلالية القرار فلا يبدو واضحاً كفاية في الحالة السورية التي دأبت على الحديث عن شراكات استراتيجية ربما كانت أكثر من طاقة بلد واحد صغير على استيعابه..

وذلك فضلاً عن أن اختلاف تجربتي البلدين يجعل سحب بعض النصائح متعذراً من الناحية الواقعية وإن حملت العنوان نفسه، فبين السوريين وبين العفو مجازر لا تكاد تحصى، ومقابر جماعية ما تزال تُكشف، وفظائع وإعدامات في السجون، وهذه كلها حقوقٌ للضحايا وذويهم لم يفوضوا أحداً بالتنازل عنها أو بالتعامل في ملفها بطريقة غامضة انتقائية وفق مصالحات فردية تتعدد تبريراتها وتكثر التسريبات عنها، لا سيما في حالات رجال الأعمال المرتبطين بنظام الأسد أو بعض ضباطه وقادة ميليشياته كما أثير حول العفو الأخير.

أما ملف التعاون مع الدول من دون المساس باستقلالية القرار فلا يبدو واضحاً كفاية في الحالة السورية التي دأبت على الحديث عن شراكات استراتيجية ربما كانت أكثر من طاقة بلد واحد صغير على استيعابه، في حين تبدو المصالحة مع دول كانت عدوة، كالولايات المتحدة الأميركية و”إسرائيل”، أمراً لا يمكن أن يحدث من دون ثمن لم يتضح.

وفي النصائح تتكامل المحافظة على المؤسسات مع بناء نظام قوي عادل، ومع الاستفادة من خبرات موظفي الدولة السابقين ودمجهم في عملية البناء، وهي أمور تختلف عن تطويع المؤسسات، وأولها الوزارات والهيئات العامة، لهيمنة جماعة مترابطة بإحكام ومحسوبة على بعضها بعلاقات من تحت الطاولة ومن وراء الكاميرا.

وكذلك لا تشبه مرور المحافظة على الموظفين بطرق فرعية لا يحركها هاجس البناء؛ مثل ضمان متنفذين جدد لأقاربهم أو أبناء بلداتهم الذين لم ينشقوا، أو استمرار مديرين وموظفين في أعمالهم بعد تسويات مالية، مما يعطي ما تجري المحافظة عليه شكل المؤسسات لا حقيقتها.

في المجمل لا يختلف الهيكل العام للنصائح الطالبانية عن شروط الدول الغربية رغم أن ذلك يبدو مفاجئاً لبعضهم، إذ يصب الكل في خانة “بناء الدولة” الكفؤة التي تقدم الخدمات الأساسية لمواطنيها من دون أن يخالط ذلك تمييز أو استئثار لصالح جماعة فئوية من أي نوع، وهو كذلك ما يطلبه قطاع كبير من السكان من الحكم الجديد، لكن آخرين سواهم يصرّون على عقلية “نحن الدولة ولاك”!

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى