الصراع الإسرائيلي الإيراني وآثاره على المنطقة

زكاريا ملاحفجي

جاء الهجوم الإسرائيلي في ظل التفاوض الأميركي حول البرنامج النووي الإيراني والملف الصاروخي، فاستهدفت إسرائيل المنشآت العسكرية والرادارات، وكذلك القيادات العسكرية الإيرانية، ثم تطور الاستهداف ليشمل مبنى التلفزيون ومستشفى، وهو ما يوحي برغبة إسرائيلية قد تتعدى مجرد ضرب المنشآت العسكرية الإيرانية، إلى محاولة إسقاط النظام الإيراني نفسه. وقد طلبت إسرائيل من الولايات المتحدة الأميركية قذائف خارقة للترسانات العسكرية.

إلا أن الولايات المتحدة رفضت ذلك. ثم توالت الضربات الصاروخية الإيرانية، التي ردّت عليها إسرائيل. وإن هذه الضربة العسكرية العلنية تُشير إلى تحول جذري في طبيعة المواجهة بين الطرفين، بعد أن كانت محصورة بين وكلائهما. ويُثير الهجوم تساؤلات ملحة حول دوافع أفعال إسرائيل، والرد الإيراني، وتداعياتها الأوسع على الاستقرار الإقليمي والعالمي.

تحاول إسرائيل استغلال نجاحاتها ضد حزب الله وحماس، وسقوط الأسد في سوريا، لتوجيه ضربة موجعة لإيران. ولا يقتصر دور إسرائيل على عرقلة البرنامج النووي الإيراني، بل يبدو أنها ملتزمة بفرض عقوبات تُلحق ضررًا دائمًا بالقدرات العسكرية للنظام الإيراني وعزيمته السياسية.

يمكن للطرفين مواصلة الهجمات الصاروخية التي تُدمّر البنية التحتية وتُوقِع ضحايا، لكن من المرجّح ألا تستمر هذه المرحلة من الصراع سوى لأسابيع قليلة.

ببساطة، اعتقدت إسرائيل أن الوقت قد حان لوقف القنبلة الإيرانية، وأن اللحظة مناسبة لشن ضربة وقائية. ففي عالم ما بعد 7 أكتوبر، تعتقد إسرائيل أن القنبلة الإيرانية تُشكّل خطرًا وجوديًا على أمنها. وبفضل الحرب في غزة ولبنان، وجهت إسرائيل ضربات موجعة لشبكة وكلاء إيران، وخاصة حزب الله. علاوة على ذلك، في أكتوبر، كانت إسرائيل قد دمرت بالفعل بعض أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية.

ومنذ هجوم حماس في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أصبحت إسرائيل أقل تحفظًا في شنّ عمليات عسكرية ضد خصومها. وتُظهر العمليات في غزة، والعمليات ضد حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن، وتوسّع النفوذ الإسرائيلي في سوريا، من خلال ضرب البنى العسكرية السورية، واحتلال قمة حرمون، والتمركز في المنطقة العازلة، أنّها سيطرت على مساحة تعادل نصف الجولان السوري.

ومع تضاؤل احتمالات التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران عبر التفاوض مع الولايات المتحدة، ربما رأى صناع القرار في إسرائيل أن الفرصة أصبحت سانحة، ونظروا إلى العمل العسكري ضد إيران باعتباره الخيار الوحيد القابل للتطبيق على الطاولة، لمنع إيران من الحصول على القدرة على إنتاج الأسلحة النووية، خاصة أنها تجاوزت العتبة النووية.

فالبرنامج النووي الإيراني وصل إلى مستويات متقدمة (تخصيب اليورانيوم بنسبة تتجاوز 60%)، وتقييم إسرائيل لاستنفاد الخيارات الدبلوماسية، والفرصة الاستراتيجية التي أتاحها ضعف حزب الله عقب اغتيال حسن نصر الله، كلها عوامل تشير إلى أن قرار إسرائيل بالضرب المباشر – بدلًا من الحرب عبر الوكلاء – يُمثل تحولًا جذريًا من “حرب الظل” إلى المواجهة العلنية.

يمكن للطرفين مواصلة الهجمات الصاروخية التي تُدمّر البنية التحتية وتُوقِع ضحايا، لكن من المرجّح ألا تستمر هذه المرحلة من الصراع سوى لأسابيع قليلة. ويكمن الخطر الأكبر المحتمل لنشوب صراع إقليمي في أن تُعزز هذه الهجمات عزم إيران على تطوير أسلحة نووية، ما قد يؤدي إلى شرق أوسط نووي.

ولا تزال أمام إيران خياراتٌ عدة، فبالرغم من تضرر وكلائها بشدة، ما يزال بإمكانها الاستفادة من هذه الجماعات إلى حدٍّ ما، وهذا ما ذكرته وكالات إيرانية بأن خامنئي لم يعلن الحرب بعد.

والأهم من ذلك، أن إيران تمتلك ترسانة هائلة من آلاف الصواريخ القادرة على بلوغ إسرائيل، والتي – نظرًا لمساحتها الضيقة – ستكون عرضة لأضرار جسيمة. ولولا مساندة أميركا عبر منظومة MS3 التي تعترض الصواريخ الإيرانية، لكانت خسائر إسرائيل أكبر بكثير.

إن حجم ونطاق الضربات في الأزمة الحالية يمثلان تصعيدًا كبيرًا، كما يتضح من ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في كلا البلدين. ومن المرجّح أن تستمر إيران في تكثيف ردها العسكري في الأيام والأسابيع المقبلة، بدلًا من البحث عن مخرج دبلوماسي، رغم أن منظومات الاعتراض الصاروخي لدى إسرائيل قد تنفد خلال أسبوعين، وتحتاج إلى تزويد أميركي عاجل.

يُظهر رد إيران الفوري قدراتها الصاروخية التقليدية، لكن استراتيجيتها الأوسع ستُركز على الأرجح على تفعيل العمليات عبر الوكلاء. ويُشير انخراط قوات الحوثيين بالفعل إلى هذا النهج. ولا تزال مخاطر التصعيد عالية.

ولا تزال إيران تتجنب أي استهداف مباشر للقوات الأمريكية، لكن التهديد الذي يواجهه الجنود الأميركيون في المنطقة حقيقي.

أما من منظور المنافسة مع روسيا والصين، فإن الخيار الأمثل للولايات المتحدة هو السماح لإسرائيل بمواصلة هجماتها على إيران. فإيران حليفة لروسيا، ومتحالفة بشكل متزايد مع الصين، لذا فإن إضعافها فعليًا يضر بمصالح القوتين.

وهذا يؤكد أن التعامل مع التوترات في الشرق الأوسط جزء لا يتجزأ من الجهود الأميركية الأوسع لإدارة تنافسها الاستراتيجي مع الصين وروسيا بفعالية.

ستعتبر إسرائيل أنها فشلت في هذه الحرب إذا حافظت إيران على مشروعها النووي. أما إذا رضخت إيران وأوقفت مشروعها النووي والصاروخي، فحينها يمكن القول إنها انهزمت، وأصبحت دولة ضعيفة.

الولايات المتحدة ليست – ولا ينبغي لها أن تكون – مراقبًا محايدًا في هذا الشأن، وحتى مع تجاهل الدعم التاريخي الأميركي لإسرائيل، سيتعين على واشنطن الموازنة بين أولوياتها المتضاربة: منع طهران من امتلاك أسلحة نووية، مقابل إبعاد الولايات المتحدة عن التورط في صراع جديد في الشرق الأوسط، رغم حديث ترامب عقب نجاحه عن إنهاء الحروب في العالم، إلا أن الواقع يبدو مغايرًا لما قاله.

قد يُعيد الهجوم رسم خريطة الشرق الأوسط، إذا نجحت إسرائيل في تصعيدها، وإذا أدى ذلك بدوره إلى زعزعة استقرار النظام الإيراني، فقد يُغير ذلك موازين القوى في المنطقة. ولكن، كما تعلمت الولايات المتحدة، فإن تغيير الأنظمة في الشرق الأوسط أمر محفوف بالمخاطر، ولا توجد ضمانات لنتيجة إيجابية، وتجربتها في العراق مثال واضح على ذلك.

الآثار الاقتصادية المحتملة

من الناحية الاقتصادية، ومع بدء العمليات العسكرية، ارتفعت أسعار النفط، مما يشير إلى تزايد المخاطر في أسواق الطاقة. ولكن من السابق لأوانه الحكم بشكل قاطع على العواقب الاقتصادية العالمية.

هناك عاملان محددان يجب مراقبتهما لإصدار حكم أدق بشأن العواقب الاقتصادية:

  1. ما إذا كانت الحرب ستتسع دائرتها.
  2. ما إذا كان المرور عبر مضيق هرمز سيُغلق.

في حال حدوث أيٍّ منهما أو كليهما، من المرجّح أن ترتفع أسعار الطاقة بشكل أكبر، مما يزيد من خطر حدوث ركود عالمي. أما في حال عدم حدوثهما، فستبقى هناك مخاطر متزايدة، ولكن زيادات الأسعار ستكون محدودة ويمكن للعالم التكيف معها على الأرجح، وإن كان ذلك سيؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي.

من المرجّح أن تُحفّز الضربات الإسرائيلية وتصاعد الصراع مع إيران مضاعفة جهود الأخيرة لامتلاك القدرة على إنتاج أسلحة نووية. صحيح أن المنشآت النووية الإيرانية الرئيسية قد تضررت، واستُهدف بعض العلماء النوويين، إلا أن تدمير مواقعها النووية تحت الأرض سيكون أصعب على إسرائيل، ولا تزال إيران تحتفظ بخبرة نووية كبيرة وأماكن تخصيب سرية.

بصفتها دولة على أعتاب امتلاك السلاح النووي، حافظت إيران على برنامج نووي مدني متقدم لعقود، لكنها دأبت على تقليص طموحاتها النووية لتجنب ردود الفعل الدولية السلبية وضمان انتعاش اقتصادي. وقد تُغيّر الضربات الإسرائيلية حسابات إيران الاستراتيجية، وتدفعها إلى السعي لامتلاك أسلحة نووية رغم المخاطر المرتبطة بها. أو على الأقل، قد تدفعها إلى إعادة النظر في التزاماتها تجاه نظام حظر الانتشار النووي، في الوقت الذي تُقيّم فيه القيادة الإيرانية خطواتها التالية.

من الصعب تصور موافقة إيران على فرض قيود إضافية على برنامجها النووي خلال هذه الفترة.

ستعتبر إسرائيل أنها فشلت في هذه الحرب إذا حافظت إيران على مشروعها النووي. أما إذا رضخت إيران وأوقفت مشروعها النووي والصاروخي، فحينها يمكن القول إنها انهزمت، وأصبحت دولة ضعيفة.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى