
الحرب الدائرة بين إسرائيل وايران تحمل أهداف كثيرة، وفيها مغازٍ وعِبر، والمخفي من جوانبها، قد يكون غير المُعلن، او أكثر منه. والبلدانِ غامضان في واقعهما، وهما يستندان الى خلفيات ميثولوجية عقائدية قديمة العهد، إضافة لإمتلاكهما امكانيات عسكرية ومالية واسعة، ولو كانت متفاوتة من حيث نوعية الثروات الهائلة التي تملكها ايران، ومن حيث التكنولوجيا العسكرية والرقمية المتقدمة التي تملكها إسرائيل، بينما الولايات المتحدة تقف على حافة التوتر، حليفة لإسرائيل من جهة، وعدوة حتى اشعارٍ آخر لإيران من جهة ثانية.
لا يمكن توصيف الضربات التي أطلقتها إسرائيل على طهران ومدن إيرانية أخرى؛ سوا أنها عدوانٌ موصوف، وهي استهدفت قيادات مدنية ونُخب علمية إضافة لقادة القطاعات العسكرية في الجيش والحرس الثوري، ومن دون أي انذارٍ مُسبق، على شكل عملياتٍ غادرة، لا تُبررها مقولة الدفاع عن النفس، ولا الادعاء بأن العملية محصورة بتدمير برنامج نووي على أهمية هذا الموضوع بالنسبة لهم، والبرنامج يمكن أن يُهدد مستقبل إسرائيل “كما زعم رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو”. من المؤكد وجود أهداف وخلفيات أخرى للعدوان، وقد يكون جزء منها إعادة تكوين الخارطة الجيوسياسية في المنطقة أو في العالم، ورسم مشهد جديد لتموضُع القوى في هذه البُقعة الاستراتيجية من العالم.
وإيران التي بالغت في الاستثمار في البيئة العربية أو الشرق أوسطية المُنهكة، من خلال تسويق رؤىً غير واضحة، تُعلن عنها شيء وتُضمرُ شيئاً آخر، وهي بنت أذرع ساهمت في إنهاك عدد من الساحات، وقدمت خدمات غير مباشرة لإسرائيل – وربما عن غير قصد – من جراء الاستفراد في إدارة جانب أساسي من الملف الفلسطيني، بأساليب لا تتطابق مع معايير التجرُّد الذي يفرضه عمل أي مقاومة، وسياستها لا تتماشى مع الركائز العربية التي تعتمد على الأرض مقابل السلام، او حلّ الدولتين، وفق مبادرة قمة بيروت العربية للعام 2002.
من الواضح أن لإيران أهداف متعددة من خلال الإنفلاش الذي مارسته، وبسبب الطموحات التي تشرع لتنفيذها، ومن الواضح أكثر فأكثر؛ أن إسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة، لديهما أهداف متعددة من جراء الحرب على ايران، ولا يتعلق الأمر بتعطيل البرنامج النووي الإيراني فقط – وطهران كانت قد وافقت في اليوم الثاني من الحرب على مبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنقل عمليات تخصيب اليورانيوم بكاملها الى الأراضي الروسية – وقد يكون من أبرز أهداف قادة إسرائيل الهيمنة على منطقة واسعة وهامة من العالم، تحوي كمّ هائل من الثروات وتتمتع بمكانة استراتيجية خارقة، وبضرب النفوذ الإيراني يتم إزالة أكبر عائق أمام هذه الهيمنة، وهناك أهداف ذاتية تتمثل بتسجيل انتصار شخصي لنتنياهو وهو يطمح لذلك منذ زمن، وليس مصادفةً أن يُطلق بعض مؤيديه شعارات تقول “أنت ملك بني صهيون يا بنيامين”.
أما الولايات المتحدة التي لا يمكن أن يحصل العدوان الإسرائيلي من دون موافقتها؛ فهي تطمح لفرض حاجز أمام المدّ الصيني في منطقة مترامية تمتد من مصر جنوباً حتى بحر قزوين شمالاً، ولا يمكن لمبادرة “الحزام والطريق” أن تنجح بدون المرور فيها، وكذلك تهيئة الظروف لإستثمار الأعمال في البنية التحية والمنشآت الحيوية الإيرانية المتهالكة، والتي تحتاج بمجملها الى إعادة تأهيل، وقد يصل مبلغ إعادة تأهيلها الى 500 مليار دولار، وواشنطن كانت تطمح لتحقيق هذا الهدف بالمفاوضات التي سبقت الحرب.
أما الهدف الأميركي الآخر، فقد يكون العودة بالدور الإيراني على الشاكلة التي كانت قبل نجاح الثورة الإسلامية في العام 1979، أي دور “شرطي الخليج” إذا ما نجحت في إسقاط النظام الإسلامي الحالي، والرئيس دونالد ترامب لم ينفِ إمكانية تغيير النظام في تصريحاته العلنية.
خلف الطموحات الأميركية والإسرائيلية صعوبات كبيرة، وضربات الرد الإيراني كانت موجعة، وقد تحمل الأيام المقبلة مفاجآت غير متوقعة، منها إمكانية تزويد قوى دولية فاعلة لإيران بتكنولوجيا دفاعية متطورة، ومعها قد تتحول إيران الى فيتنام ثانية بدل أن تكون جنَّة استثمارية. وفي الوقت ذاته، قد يكون هناك مفاجآت معاكسة من الجانب الأخر، وبالتالي تتمكن إسرائيل بدعم عسكرية أميركي مباشر، من إحداث تغييرات في بنية النظام الإيرانية وقدراته، وواحد من الخيارات التي تصبح ممكنة، إبرام اتفاق غير متوازن يضمن للولايات المتحدة سيطرة بعيدة المدى على المساحة الإيرانية المترامية، وتوظيفها استراتيجياً واستثمارياً كيفما تشاء، أما نجاة النظام الإيراني من هذه الحرب من دون خسائر كبيرة، فسيعيدنا الى مرحلة تصدير الأفكار، والى إعادة بناء فصائل الحلفاء او “الأذرع” بأسلوب جديد.
المصدر: المدن