العهد الجديد وضرورة مراجعة السياسة الداخلية

معقل زهور عدي

الحمد لله، أظهر الشعب السوري أن أربعة عشر عامًا من الثورة والتضحيات الهائلة لم تذهب هدرًا، لم ينجر الشعب للفتنة كما تمنى أعداؤه الكثيرون، ليس لأنه كان مخطئا، ولكن لأنه أدرك بوعيه الجديد أن ثمن الفتنة لا يمكن احتماله. رأى بأم عينه الذئاب والضباع المتربصة به من كل حدب وصوب وأيقن أن إشعال الفتنة يعني إحراق كل منجزاته التي حصل عليها وأثمنها حريته وخلاصه من نظام وحشي لم يعرف له التاريخ المعاصر مثالا منذ الحرب العالمية الثانية .

الآن : لا ينبغي للعهد الجديد أن يغتر بتجاوز الفتنة , لاينبغي أن تمر دون جردة حساب , ومراجعة صادقة مع النفس , بتواضع وإخلاص , والاعتراف بالخطأ , الخطأ في سياسة ذهبت بعيدا في تجاهل ليس عواطف الشعب ولكن إرادته الحرة المحقة في رؤية محاسبة جدية للنظام البائد بمجرميه وبشبيحته .

أين أخطأت الادارة الحكومية ؟

بدأ الخطأ في تأخير العدالة الانتقالية التي كان يفترض أن تبدأ عملها قبل عدة أشهر , وكان يفترض أن تعلن قوائم المتهمين بارتكاب المجازر والانتهاكات بحق الشعب وعلى رأسهم بشار الأسد وكبار ضباطه من رؤساء الأجهزة الأمن والجيش والمنظمات الاجرامية التي سماها بالرديفة , أقلها قائمة بعدة مئات من المجرمين كدفعة أولى وتقديمهم لمحاكمات علنية وإصدار أحكام ضدهم حضورا وغيابا , والطلب من الانتربول تسليم الهاربين من سورية . كل ذلك أمر ممكن ولايحتاج لكل ذلك التأخير .

ويمكن أن يجري ذلك مع استكمال بناء هيئة العدالة الانتقالية والقضاء الذي تستند إليه , مثل تلك الاجراءات كانت وماتزال ضرورية للاستجابة لارادة الشعب في محاسبة من أجرموا بحقه وإعطاء الأمل في عدالة حقيقية ملموسة سواء كانت انتقالية أو عدالة مطلقة .

شعبنا يمتلك من الوعي مايكفي لتقدير أن بناء الدولة والسلم الأهلي ومستقبل سورية لايسمح بمحاكمة مئات الألوف من الضباط والعناصر والشبيحة الذين تورطوا في الانتهاكات والمجازر والتعذيب , لكنه يريد أن يرى عدالة انتقالية حقيقية وليس مجرد وعود بعد ستة أشهر من إسقاط النظام .

تأخير تشكيل هيئة العدالة الانتقالية وتأخير قيامها بأي إجراء ملموس , ثم الدفع بلجنة السلم الأهلي وإظهارها في تبرير إطلاق سراح المجرم فادي صقر والعفو عنه وتقديمه كحمامة سلام ووسيط للسلم الأهلي أعطى انطباعا قويا أن هناك من يريد تمييع العدالة الانتقالية والقفز فوقها نحو السلم الأهلي في حين أن تطبيق العدالة الانتقالية هو الذي يفتح الطريق أمام السلم الأهلي وليس العكس كما حاولت لجنة السلم الأهلي التسويق له في مؤتمرها الفاشل  .

ماهي الدروس التي ينبغي للادارة استخلاصها ؟

أولا : أن عدم الاصغاء لنبض الشعب وتجاهل إرادته تحت أي ذريعة هو عمل خاطىء , ويحمل مخاطر قاتلة يمكن أن تودي بكل الانجازات التي تحققت حتى الآن .

ثانيا : أن الاستئثار بالقرار دون وجود مجلس استشاري فعال سوف يجعل السقوط في الأخطاء السياسية سهلا مهما تمتع الحكم بالكفاءة والاخلاص .

ثالثا : أن السياسة الداخلية بحاجة لمراجعة شاملة وماحصل في الأيام الماضية يقرع ناقوس الخطر فقد  كانت البلاد على خطوات من تفجر حالة شعبية يمكن أن تنتهي بفتنة يعلم الله وحده إلى أين تقود .

رابعا : أنه لاغنى عن عدالة انتقالية حقيقية وفعالة تشعر الشعب بأن النظام البائد تجري محاسبته عبر محاسبة أكابر مجرميه على الأقل بسرعة ومحاسبة بقيتهم عبر إجراءات قانونية تشمل مروحة من العقوبات وفق مايثبته القضاء .

خامسا : تصحيح الخطأ في تقديم السلم الأهلي على العدالة الانتقالية .

سادسا : الاعتذار من الشعب عن استخدام فادي صقر كوسيط مصالحة , وإيداعه السجن أو الاقامة الجبرية على الأقل بانتظار محاكمته .

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. قراءة موضوعية لماجرى ويجري على الساحة السورية، وتصويب بعض الأخطاء التي وقعت بها الإدارة الجديدة، بتأخير العدالة الإنتقالية عن السلم الأهلي، وغياب المرجعية الشرعية للقرارات والإستماع لنبض الشارع، دعوة لتصويب القرارات نتمنى أن تأخذ آذان صاغية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى