قال الممثل الأميركي الخاص إلى سوريا والمبعوث الخاص للتحالف الدولي ضد «داعش» جيمس جيفري، إن روسيا لديها نفوذ كافٍ، وهي أساسية في الصراع الدائر في سوريا، وإن تدخلها هو ما منع سقوط الأسد وليس إيران.
وأضاف جيفري في مؤتمر صحافي عبر الهاتف حضرته «الشرق الأوسط»، أن إيران كانت متورطة بشكل كبير في سوريا حتى عام 2015، ورغم ذلك لم يستطع الأسد وقف تقدم المعارضة، إلى أن تدخلت موسكو وتحديداً قواتها الجوية التي قلبت المعادلة. وقال إن إيران لا تملك الموارد الكافية رغم قواتها الموجودة على الأرض، لكن ليست لديها قوة جوية، و«بقاء الأسد هو بسبب روسيا، وبالتالي نتوقع أن تسلم روسيا الأسد على طاولة المفاوضات». وقال إن «الروس وقّعوا عام 2015 على القرار 2254، ولدينا اتصالات متكررة معهم، ونعتقد أن المرونة التي أبداها النظام لعقد اجتماع اللجنة الدستورية بما في ذلك اللقاء مع معارضين له، هي علامة على أن الروس يضغطون عليه، ونحن نحثهم على المزيد». لكنه استدرك قائلاً إن «روسيا لم تتخذ بعد قراراً استراتيجياً بالانتقال كلياً من خيار الحل العسكري إلى الحل السياسي».
وأضاف جيفري أنه سيتوجه إلى جنيف الأسبوع المقبل لعقد لقاءات جانبية مع ممثلين من دول أوروبية وشرق أوسطية بالإضافة إلى أعضاء من المعارضة السورية الذين يشاركون في أعمال اللجنة الدستورية المشكّلة من الأمم المتحدة بموجب القرار 2254 والتي ستعقد اجتماعاً لها في 24 من الشهر الجاري. وقال: «على الرغم من أن واشنطن ليست طرفاً في هذه اللجنة، فإنها تدعم العملية السياسية لحل النزاع السوري الداخلي المستمر منذ ما يقرب من عقد من الزمن».
وأضاف أن واشنطن تتطلع بشدة لرؤية تقدم في هذه العملية، آملاً التوصل إلى تطوير دستور جديد، على أن تكون الخطوة التالية هي إجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة تضم جميع السوريين، وليست انتخابات مزيفة كالتي جرت أخيراً. وقال إن «واشنطن على اتصال وثيق مع مبعوث الأمم المتحدة غير بيدرسن، وشركائنا الدوليين الآخرين لتعزيز هذا الأمر».
ونفى جيفري رداً على سؤال من «الشرق الأوسط» نيته مغادرة موقعه ومهمته، قائلاً إنه سمع بالتقارير التي تتحدث عن ذلك، وأنه منهمك في جدول رحلاته وزياراته بدءاً من جنيف، وأنه لن يعلق على استقالة برايان هوك، المبعوث الخاص لإيران.
وشدد جيفري على أن «نظام الأسد يجب أن يقبل إرادة الشعب السوري في العيش بسلام وألا يتعرض للتهديد بالعنف والهجمات والاعتقالات التعسفية والتجويع والوحشية والأسلحة الكيماوية». وأكد مواصلة الجهود من أجل إيجاد حل لهذا الصراع وتحقيق هزيمة «داعش» و«القاعدة» والتوصل إلى حل سياسي لا عودة فيه للصراع السوري بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وسحب جميع القوات التابعة لإيران.
وأكد أن بلاده ستحافظ على أقصى الضغوط السياسية والاقتصادية لتحقيق ذلك، ومن بينها العقوبات التي وردت في «قانون قيصر» التي بدأ تنفيذها في يونيو (حزيران) الماضي، وأن تلك العقوبات لا تستهدف الشعب السوري بل النظام، فالولايات المتحدة هي أكبر مانح للمساعدات الإنسانية للشعب السوري، وقدمت 11.3 مليار دولار حتى الآن. وأضاف أن تعليق تلك العقوبات مرهون بقيام الحكومة السورية بالوفاء بالشروط التالية: «وقف استخدام المجال الجوي السوري من نظام الأسد وعناصره لاستهداف السكان المدنيين، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المحاصرين والنازحين والسماح لهم بالعودة طواعية وبكرامة، ومحاكمة مرتكبي جرائم الحرب». وأوضح أن تلك العقوبات وضعت نظام الأسد في موقف ضعيف جداً، لكنّ أعمال النظام هي المسؤولة أولاً عن الحالة التي وصل إليها، لدوره في تسهيل جهود إيران لإقامة «هلال شيعي» في شمال بلاد الشام، من طهران عبر بغداد ودمشق وسهل البقاع في لبنان إلى بيروت. وهو ما أثّر على سوريا بشدة، حيث إن الحرب كلها كانت لتحقيق هذا الهدف. وهذا بدوره أثّر على لبنان حتى قبل الانفجار المروع في مرفأ بيروت، بما في ذلك انهيار العملة اللبنانية وكذلك العملة السورية، وليس كما حاول الأسد الادعاء في خطابه. لكن جيفري أكد أن الأسد في خطابه الأخير بدأ يتحدث للمرة الأولى عن العملية السياسية، وهو تحول كبير في لهجته، رغم عدم القدرة على الوثوق به، لأنه لا يزال بدعم من روسيا وإيران يصر على الحل العسكري.
وحث جيفري دولاً عدة على إرسال إشارات واضحة لنظام الأسد لإفهامه أنْ لا سبيل للعودة عن العقوبات أو عودة العلاقات الدبلوماسية معه كما هو حاصل في عدم عودته إلى الجامعة العربية أو رفع العقوبات الأوروبية عنه إذا لم يلتزم بالقرار 2254. وأضاف أن قوات الأسد المتمسكة بالخيار العسكري لحل الصراع لم تتمكن من إنجاز أي تقدم منذ شهر مارس (آذار) الماضي، لا بل على العكس تعرضت قواته لهزيمة ساحقة على يد القوات التركية في منطقة إدلب في حرب خاطفة لم تدم سوى 72 ساعة. وأكد جيفري أنه على الرغم من ضعف النظام فإنه لا يتوقع أن ينهار، مؤكدا أنه لا نية لواشنطن بتغيير النظام السوري بل بتغيير سلوكه.
ودافع جيفري عن إبرام شركة أميركية عقداً نفطياً مع قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على شمال شرقي سوريا. وقال إن «حكومة الولايات المتّحدة لا تمتلك الموارد النفطية في سوريا ولا تسيطر عليها ولا تديرها». وأضاف: «يمكنني أن أوكّد لكم أنّ من يسيطر على المنطقة النفطية هم أبناء شمال شرقي سوريا ولا أحد آخر».
ولا يزال القسم الأكبر من حقول النفط في شرق سوريا وشمالها الشرقي خارج سيطرة دمشق، وتسيطر عليه بشكل أساسي قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتّحدة. وتمثّل العائدات النفطية المورد الأساسي لمداخيل الإدارة الذاتية الكردية التي تسيطر على هذه المناطق.
وكانت دمشق قد ندّدت الأسبوع الماضي بهذا الاتفاق الذي لم تعلّق عليه حتى اليوم الإدارة الذاتية الكردية ولا قوات سوريا الديمقراطية. لكنّ مسؤولين في واشنطن تحدثوا عن اتفاق «لتطوير حقول النفط» من دون ذكر اسم الشركة الأميركية التي قالت وسائل إعلام إنّها شركة «دلتا كريسنت إنرجي».
وكان السيناتور الأميركي الجمهوري ليندسي غراهام المعروف بعلاقته الوطيدة مع القياديين الأكراد في سوريا، قد قال الأسبوع الماضي خلال جلسة استماع في الكونغرس إنّه تحدّث بشأن الصفقة مع القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية.
وقال غراهام: «يبدو أنهم وقعوا صفقة مع شركة نفط أميركية لتطوير حقول النفط في شمال شرقي سوريا».
ورداً على سؤال لغراهام خلال الجلسة في الكونغرس، أكد وزير الخارجية مايك بومبيو، أن الولايات المحتدة تدعم الاتفاق. وقال بومبيو إنّ «الاتفاق استغرق وقتاً أطول بكثير مما كنا نأمل. نحن الآن في مرحلة تطبيقه. يمكن أن يكون تأثيره كبيراً».
والخميس أعلن جيفري أنّ واشنطن «ليس لها أي ضلع في القرارات التجارية لشريكنا المحلي في شمال شرقي سوريا». وأضاف أنّ «الشيء الوحيد الذي فعلناه» هو «الترخيص لهذه الشركة» لكي تفلت من حزمة العقوبات الواسعة التي تفرضها الولايات المتحدة على النظام السوري.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد تراجع عن قراره سحب كل الجنود الأميركيين من شمال شرقي سوريا وأمر بإبقاء بضع مئات منهم «حيث يوجد النفط».
والخميس أكّد المتحدّث باسم البنتاغون جوناثان هوفمان أنّ الهدف الأوحد للوجود العسكري الأميركي في سوريا هو منع تنظيم «داعش» من السيطرة على النفط.
وقال: «الهدف هو منع منظمة إرهابية من الوصول إلى النفط لتمويل عملياتها»، مشيراً إلى أنّ القرار «يسمح من جهة ثانية لشركائنا (…) بمواصلة عملياتهم الدفاعية لهزيمة الإرهابيين في هذه المنطقة وتمويل جهود إعادة الإعمار».
المصدر: الشرق الأوسط