مخيم اليرموك يستعيد نبضه.. رمضان الأول بلا قيود منذ أكثر من عقد

“المخيم غير شكل” بهذه اللهجة الفلسطينية المنكّهة ومن داخل مخيمات الشتات، عبّر رجل ستيني عن فرحه بالحياة التي بدأت تعود إلى شوارع مخيم اليرموك في دمشق بشكل ملحوظ، معتبراً أن هذا هو رمضان الأول منذ عام 2012، تكون فيه حركة مشاة وسيارات وعائدين ومحال وبسطات تزين شارع مخيم اليرموك الرئيسي، وتلون شكل الحياة فيه بعد أن كان باهتاً، معزولاً، مقيّداً.

ورغم الركام المتناثر هنا وهناك، يمكن لمن زار المخيم قبل إسقاط نظام الأسد في كانون الأول الماضي، وعاد لزيارته مؤخراً، أن يبتهج تلقائياً لابتهاج المخيم الصامت، والذي تحرر كما تحررت سوريا وتنفس الصعداء.

كان الحاجز على مدخل مخيم اليرموك التابع لفرع فلسطين يضيّق الخناق على الداخل والخارج من المخيم، ويغض البصر عن عناصر الفرقة الرابعة الذين نهبوا حتى آخر لحظة قبل سقوط النظام ما استطاعوا، أما من يريد العودة أو الترميم أو إقامة فعالية أو رسم جدارية وطنية، فهو يحتاج إلى تقديم سلسلة موافقات للفرع، على أن تُقدَّم قبل ثلاثة أشهر على الأقل، وتأتي غالباً مع الرفض، مما جعل المخيم كئيباً، خالياً إلا من بعض العائلات التي لا قدرة لها على دفع الإيجار خارج المخيم، فاختارت جيرة الركام الذي احتل مساحة 70% من مخيم اليرموك.

هذا الحال ينطبق أيضاً على المحالّ التجارية والبسطات التي كان يشتهر بها مخيم اليرموك كسوق من أكبر أسواق العاصمة دمشق، فمهمة فتح بسطة في مخيم يخلو حتى من المستهلكين تكاد تكون شبه مستحيلة، إلا وفق شروط الحاجز، فإما أن تدفع إتاوة وضريبة، أو تحاصص الضابط المناوب ورجاله في الغلّة.

رمضان مميز هذا العام

أما ما يميز رمضان هذا العام، على الرغم من بديهية الأمر، ألا وهو بسطة معروك أو عرق سوس وتمر هندي، إلا أن وجود هذه البسطات بكثرة في شارع المخيم الرئيسي كان له أثر لدى القاطنين والزائرين، إذ منحهم الأمل بأن المخيم قد يعود يوماً، وقد شرع بالعودة فعلاً.

العائدون مع عفش منازلهم، وترميم بعض الأبنية، ورسم الجداريات الفلسطينية التي مُنعت في السنوات الأخيرة بعهد النظام المخلوع حتى فقد المخيم شكله وروحه تماماً، يعتبرون أن المخيم لا يكون حيّاً إلا بأهله والعائدين إليه.

تحمل سكان المخيم الحصار والتدمير والتجويع، ثم تحملوا ما فرضته فروع الأمن في النظام المخلوع من موافقات تعجيزية يحتاج المواطن إلى تقديمها قبل ثلاثة أشهر، وقد لا تأتي بالموافقة، سواء لترميم بيته أو للعودة إليه أو لإدخال عفش منزله أو إخراجه. ولم يقتصر الأمر على السكان فقط، بل امتد إلى التجار وأصحاب الحرف والمحال الذين أصبح وجودهم في السنوات الأخيرة شبه معدوم، مقتصراً على بعض البقاليات والمكاتب العقارية التي لعبت دوراً في العبث بعودة الناس وإشعارهم بالخطر، بحجة الهدم ومخطط التنظيم، مما أخر كثيراً ما طال انتظاره.

أما عن رمضان، فقد عبّر السكان الحاليون في المخيم عن فرحهم بكثافة بسطات التمر هندي والعرق سوس والناعم والمعروك. ورغم بساطة وبديهية الموضوع، فإنه لم يكن كذلك في المخيم، إذ كان الحاجز على مدخل المخيم يفرض إتاوة على الباعة، فإما محاصصة في الأرباح أو رشاوى هائلة لغض البصر عنه لفترة محددة تنتهي بسرعة، ثم يُعاد تهديده بسحب البضاعة مجدداً، وهكذا.. مما جعل العمل كبائع بسطة في المخيم مخاطرة قد يخسر فيها البائع مصدر رزقه ورزق عائلته الوحيد.

ورغم كل ما حلّ بمخيم اليرموك من نكبات، توحّدت فيها نكبة الشعب الفلسطيني مع نكبة الشعب السوري، ورغم الألم ومرارة الدمار الهائل، فقد عاد الأمل إلى هذا المكان الذي يعتبره الفلسطينيون ليس مجرد أي مكان، بل هو أكبر المخيمات، ورمز الشتات، وبوابة العودة. ويؤمنون حتماً أنه عندما يعود الناس إلى المخيم ويقومون بإعماره – ونقصد ليس فقط إعمار البناء، بل إعمار القلوب، والتكافل الاجتماعي والوطني – فإن العودة من أول الطريق إلى فلسطين تصبح مضمونة ومؤكدة.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين تعود له الحياة برمضان 2025 بعد أن فقد شعبنا الفلسطيني الراحة والأمانمنذ عام 2012 بالمخيم، بهذا المخيم توحّدت نكبة شعبنا الفلسطيني مع نكبة شعبنا، ورغم الألم ومرارة الدمار الهائل، عاد الأمل لشعبنا الفلسطيني من هذا المخيم لأنه أكبر المخيمات، ورمز الشتات، وبوابة العودة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى