
تسعى إسرائيل إلى فرض شروطٍ سياسيّة وأمنيّة على القيادة السّوريّة الجديدة. تدخلُ هذه الشّروط في إطار “تغيير الشّرق الأوسط” الذي أعلنَه قبل أيّام قليلة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو. فما هي هذه الشّروط؟ وكيف ستتعامل القيادة السّوريّة مع المطالب الإسرائيليّة؟
أعلنَ رئيس الحكومة الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو أنّ بلاده سيطرت على قمم جبل الشّيخ الاستراتيجيّة، وبذلكَ غيّرت وجهَ الشّرق الأوسط. لا خِلاف على أنّ السّيطرةَ على تلك القمم تعني تحوّلاً كبيراً على المستويين السّياسيّ والعسكريّ في المنطقة برمّتها. ومن ضمنِ ذلكَ جعل العاصمة السّوريّة دمشق في وضع الساقط بالمعنى العسكريّ لا السّياسيّ.
تُتيح السّيطرة على قمم جبل الشّيخ حرّيّة الحركة لقوّات الاحتلال في مناطق الجنوب السّوريّ، وأيضاً نحوَ دمشق وعمق البقاع اللبنانيّ في حال قرّرت تل أبيب ذلك. ولذا يُمكِنُ القول إنّ وجهَ الشّرق الأوسط تغيّر على الصّعيدين الأمنيّ والعسكريّ. لكن ما تأثير ذلكَ على المستوى السّياسيّ؟
مطالب إسرائيل
يقول مصدرٌ سوريّ لـ”أساس” إنّ إسرائيل أرسلَت عبر قنوات الوساطة لائحة مطالب وشروط للقيادة السّوريّة الجديدة تتضمّن الآتي:
1- إعلان منطقة الجنوب السّوريّ منطقةً خاليةً من السّلاح، والعمل على نزعِ السّلاح الموجود فيها.
2- ضمان حرّيّة الحركة للجيش الإسرائيلي على عمقٍ يرواح بين 35 و40 كيلومتراً داخل الأراضي السّوريّة في حالِ اشتبهَت تل أبيب بأيّ “تهديد وشيك” أو “مصدر للخطر”.
4- بحث نقل نصف مليون فلسطينيّ من قطاع غزّة إلى مناطق الشّمال والشّرق السّوريَيْن.
التطبيع الكامل للعلاقات بين دمشق وتل أبيب، من دون أيّ شرطٍ مُسبق بما يتضمّن عدم المُطالبة بالجولان المُحتلّ أو القمم المُحتلّة في الجزءِ السّوريّ من جبل الشّيخ
5- الإبقاء على القواعد العسكريّة الرّوسيّة في منطقة السّاحل السّوريّ من أجل إيجاد توازنٍ بين روسيا وتركيا في سوريا. وفي هذا الإطار، علم “أساس” من مصادر دبلوماسيّة غربيّة أنّ نتنياهو أوفدَ أحد مُساعديه قبل أيّام إلى موسكو لحثّ الكرملين على البقاء في سوريا وعدم الخروج من منطقة السّاحل. إذ تعتبرُ تل أبيب أنّ انسحاب موسكو من المنطقة سيُعزّز من نفوذ تركيا في البحر المُتوسّط، وسيُعزّز تلقائيّاً نفوذها في الشّمال اللبنانيّ.
6- التطبيع الكامل للعلاقات بين دمشق وتل أبيب، من دون أيّ شرطٍ مُسبق بما يتضمّن عدم المُطالبة بالجولان المُحتلّ أو القمم المُحتلّة في الجزءِ السّوريّ من جبل الشّيخ، مقابل “خفض التصعيد العسكريّ والسّياسيّ”.
ردّ الشّرع… وتركيا؟
كانت هذه المطالب حاضرة في اللقاءات العربيّة التي عقدَها الرّئيس السّوريّ أحمَد الشّرع قبل وأثناء مشاركتهِ في القمّة العربيّة الاستثنائيّة في القاهرة. إذ اختارَ الشّرع منبرَ القاهرة ليَرُدّ بشكلٍ واضحٍ على لائحة المطالب الإسرائيليّة في كلمته التي ألقاها في أوّل مشاركةٍ له في قمّة عربيّة بعد تعيينهِ رئيساً انتقاليّاً لسوريا.
اعتبَرَ الشّرع في كلمتهِ أنّ الدعوة إلى التهجير القسريّ للشّعب الفلسطيني “وصمة عار ضدّ الإنسانية بكلّ المعايير”. وقالَ إنّ دمشق لا تعتبر هذه الدّعوة تهديداً للشعب الفلسطيني وحسب، بل للأمّة العربيّة بأسرها.
حملت كلمة الشّرع أيضاً ردّاً على المطالب المُتعلّقة بالتّخلّي عن الجولان وقمم جبل الشّيخ ومنح إسرائيل حرّيّة العمل في الأراضي السّوريّة، إذ أكّدَ أنّ الإدارة السّوريّة تتمسّك باتّفاق فضّ الاشتباك المُوقّع بين سوريا وإسرائيل في سنة 1974.
السّرّ في تمسّك الشّرع باتفاقيّة 1974 وإعلان نتنياهو إلغاء العمل بها هو ما تسمّيه إسرائيل مبدأ حرّيّة الحركة. إذ إنّ الاتفاقيّة تنصّ بشكلٍ واضحٍ على امتناع الجانبيْن عن جميع الأعمال العسكريّة في البرّ والبحرِ والجوّ، وتُحدّد بوضوحٍ أيضاً أنّه يُسمَح للجانبيْن باستخدام سلاح الجوّ حتّى خطوطهما من دون أيّ تدخّلٍ في أجواء الآخر.
يقول مصدرٌ سوريّ لـ”أساس” إنّ إسرائيل أرسلَت عبر قنوات الوساطة لائحة مطالب وشروط للقيادة السّوريّة الجديدة
إلى ذلكَ أُقرَّت اتفاقيّة 1974 استناداً إلى قرار مجلس الأمن الدّوليّ 338 الصّادر في 22 تشرين الأوّل 1973، الذي بدورهِ يدعو في فقرته الثّانية إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن 242 الصّادر سنة 1967. إذ ينصّ القرار الأخير على انسحابِ القوّات الإسرائيليّة من المناطق التي احتلّتها بعد حرب حزيران 1967، بما فيها هضبة الجولان السّوريّ.
اتّفاق دفاع مشترك سوريّ – تركيّ
بدورها تقول مصادر دبلوماسيّة تُركيّة لـ”أساس” إنّ أنقرة تدرسُ إمكان الإسراع في توقيع اتفاقيّة دفاعٍ مُشتركٍ مع القيادة السّوريّة الجديدة تكون ردّاً تُركيّاً واضحاً على الانتهاكات الإسرائيليّة في سوريا. تنظرُ أنقرة إلى التحرّكات الإسرائيليّة في سوريا باعتبارها تحدّياً لحدود نفوذها الجديدة، ولذا تعتبر أنّ توقيع اتفاقيّة دفاعٍ مُشتركٍ مع دمشق ستساهمُ في الحدّ من التحرّكات الإسرائيليّة.
تدعم أنقرة الإسراع في تعزيز السّلطة الجديدة في سوريا، خصوصاً ما يتعلّق بتعيين “مجلس الشّعب الجديد”، لأنّ ذلك سيُعطي شرعيّة لأيّ اتفاقيّة توقّعها أنقرة مع دمشق، سواء أكانَ على الصّعيد الدّفاعيّ أم على الصّعدِ الأمنيّة والاقتصاديّة والتّجاريّة.
غزو إسرائيليّ؟
ما يثيرُ القلقَ أنّ إسرائيل بعد السّابع من تشرين الأوّل 2023 باتت تتعامل مع الشّرق الأوسط كساحة قتالٍ مفتوحة من دون حدود. وليسَ تفصيلاً أنّ نتنياهو يُصرّ على اعتبار سوريا ضمنَ “الجبهات السبع” التي يُقاتل عليها، وهي: قطاع غزّة، والضّفّة الغربيّة، لبنان، سوريا، العراق، اليمَن وإيران.
في خطابه الأخير الذي ألقاه في الكنيست الإسرائيليّ أعادَ نتنياهو استحضار عبارة “الجبهات الـ7″، وذلكَ على الرّغم من سقوط نظام بشّار الأسد وانسحابِ إيران وفصائلها من سوريا. وهذا يرفعَ منسوبَ القلق من أن تُقدِم تل أبيب على غزوٍ برّي لمناطق واسعة من جنوب سوريا وضواحي العاصمة دمشق لفرضِ لائحة الشّروط على القيادة السّوريّة.
أمعنَ نتنياهو ووزير دفاعهِ يسرائيل كاتس في الأيّام الأخيرة في وصفِ القيادة السّوريّة الجديدة بأنّها “إسلاميّة إرهابيّة”
ليسَت تفصيلاً عابراً الأنباء التي تحدّثت عن مُصادقة الحكومة الإسرائيليّة على مشروعِ قانون يسمحُ للجيش باستدعاء 400 ألف جندي إضافي بحلول 29 أيّار المُقبل. إذ إنّ ربطَ هذه المصادقة بإمكانيّة استئناف القتال في غزّة ليسَ في محلّه.
إنّ استدعاء هذا العدد الهائل من الجنود بعد تنصيب إيال زمير (السّكرتير العسكريّ السّابق لنتنياهو) رئيساً للأركان، وهو الآتي من سلاح المُدرّعات، في سابقةٍ في تاريخ رئاسة الأركان الإسرائيليّة، لا يدلّ على أنّ هذا الحشد هو لغزّة، بل لعمليّةٍ في بقعةٍ جغرافيّة واسعة يُحتمل أن تكونَ سوريا.
أمعنَ نتنياهو ووزير دفاعهِ يسرائيل كاتس في الأيّام الأخيرة في وصفِ القيادة السّوريّة الجديدة بأنّها “إسلاميّة إرهابيّة”، وذلك لتبرير أيّ عملٍ عسكريّ مُحتمل قد تقوم به تل أبيب داخل الأراضي السّوريّة. فهل يحشدُ نتنياهو للضّغط على القيادة السّوريّة الجديدة لقبول مطالبه؟ أم رهانه هو على الوصول إلى دمشق وقلب المشهدِ السّياسيّ فيها؟
الإجابة في الميدان وفي ما بقي من سنة 2025 التي أعلنَ رئيس الأركان الإسرائيليّ الجديد أنّها “سنة الحرب”.
المصدر: اساس ميديا