
يُستخدم مصطلح “الشرعية الثورية” كثيرًا بصورة خاطئة أو في سياق التسويغ، وتحت هذا العنوان تُرتكب موبقات وأخطاء كثيرة.
في الحالة السورية:
- لدينا ثورة انطلقت في آذار/ مارس 2011، واستمرت بضع سنوات واضحة المعالم (شعب في مواجهة سلطة شمولية)، ثم أصبحنا أمام حالة صراع عسكري بين الثورة وسلطة نظام الأسد، ثم تبخرت الثورة إلا من بعض الجزر الصغيرة، وأصبحنا أمام قوى مسلحة كان معظمنا (على الأقل في السنوات الأخيرة) يطلق عليها “سلطات الأمر الواقع” المرتبطة بأجندات إقليمية ودولية، وكانت معظمها متهمة بأنها أخذت الثورة إلى غير أهدافها وطموحاتها، ومنها “الجيش الوطني السوري” و”هيئة تحرير الشام” و”قوات سوريا الديمقراطية”، وغيرها. وهناك آلاف التصريحات والبيانات والبحوث والبوستات والمقابلات من قبل كثير من السوريين ضد هذه السلطات وممارساتها وأفكارها.
- فجأة، وفي لحظة استثنائية، وخارج إطار جميع التحاليل وتوقعات أجهزة الاستخبارات، سقطت سلطة نظام الأسد، وأصبحت “هيئة تحرير الشام” و”الجيش الوطني السوري” في السلطة، وهي لحظة مهمة في تاريخ سوريا، والفرح بسقوط نظام الأسد طبيعي ومن حق الجميع.
- لكن هذه المفاجأة الكبرى تبعتها مفاجآت لا تقل عنها حجمًا، ومنها الحالة المتسارعة من التكويع عند “أهل الثورة” باتجاه اعتبار “هيئة تحرير الشام” قوة ثورية أو تنتمي إلى الثورة السورية، في أكبر مخالفة للعقل والذاكرة السورية.
- أنا أؤمن أن هناك كثيرًا من الوطنيين السوريين داخل كل قوة عسكرية، ومنها “هيئة تحرير الشام”، و”الجيش العربي السوري”، وغيرهما. لكن عندما ننتقد فإننا ننتقد الخط العام والنهج العام لأي قوة عسكرية وليس الأفراد العاديين المنضوين فيها.
- عندما نريد تسويغ أداء السلطة الحالية استنادًا إلى مصطلح “الشرعية الثورية”، فإن هذا يعني أننا كنا متفقين قبل 8 ديسمبر الماضي على أن “هيئة تحرير الشام” تمثِّل الثورة وتنتمي إلى الثورة، وهذا غير صحيح (هناك آلاف التصريحات من السوريين ضدها قبل تاريخ سقوط النظام).
- السلطة الحالية موجودة في موقعها بحكم إنجازها العسكري الممتدح، إضافة إلى توازنات إقليمية ودولية مستجدة، وأداؤها لا يحتاج إلى تسويغ استنادًا إلى مبدأ “الشرعية الثورية”، فهي ما زالت سلطة أمر واقع، ولم يكن يُنظر إليها بوصفها قائدة للثورة السورية.
- تحاول السلطة الراهنة أن تقترب من أهداف الثورة السورية، وأداؤها أفضل كثيرًا جدًا مما هو متوقع منها استنادًا إلى ما نعرفه من توجهاتها وممارساتها السابقة.
- إن تعاملنا مع السلطة الحالية يجب أن يستند إلى ما تقدمه على صعيد بناء الدولة الوطنية الديمقراطية: هناك أشياء إيجابية قدمتها خلال الأشهر الثلاثة الماضية (ومنها قناعتها بمبدأ الحوار الوطني، واستخدامها لأدوات بناء الدولة الحديثة مثل “الإعلان الدستوري” و”مبدأ الانتخابات” و”المجتمع المدني”… إلخ، ومنها سعيها لتثبيت السلم الأهلي وحصر السلاح بيد الدولة، على الرغم من القصور الظاهر في جميع هذه الأمور)، وهناك أشياء سلبية لا بد من نقدها ومواجهتها من أجل مصلحتها ومصلحتنا.
- الخلاصة: (1) لا يحتاج أداء السلطة الحالية إلى تسويغ ومباركة على أساس “مبدأ الشرعية الثورية”، واستخدام هذا المبدأ في هذا السياق خاطئ. (2) السلطة الحالية هي سلطة أمر واقع (وهذا حدث كثيرًا في التاريخ)، ويمكنها أن تكتسب الشرعية الوطنية كلما اقتربت من معايير بناء الدولة الوطنية الحديثة.
- الغاية من هذا المنشور هي للقول إن شرعية السلطة القائمة موجودة أمامها لا خلفها؛ أي أنها لا تمتلك شرعية ثورية ما قبل 8 ديسمبر، لكنها يمكن أن تمتلك شرعية وطنية (وهي الأهم) مستقبلًا في حال استطاعت بناء دولة المواطنة بالشراكة مع جميع السوريين.
المصدر: صفحة د- حازم نهار
مصطلح “الشرعية الثورية” تطلق على من حمل أهداف الثورة وتمثلها وناضل من أجل تحقيقها، وسلطة دمشق الحالية هي سلطة أمر واقع حصلت عليها في 08-12-2024 وقبلها كانت سلطة أمر واقع وستظل كذلك لحين تمثلها لأهداف الثورة وحال استطاعت بناء دولة المواطنة بالشراكة مع جميع السوريين ألحرار,