
تحتاج مراقبة الحراك الإقليمي بشقه الكردي على أكثر من جبهة في هذه اللحظة الفارقة بالمقاييس التركية والعربية والكردية، إلى أكثر من عين تتابع وتسجل ولا تهمل التفاصيل مهما كانت بسيطة وثانوية.
هي تستدعي ربما وجود العين السابعة التي جرى الحديث عنها في الأساطير، والتي تعتبر تجسيدا لقوة خارقة قادرة على رؤية أبعد من الواقع المادي، ومراقبة أكثر من مكان، ورصد أكثر من زاوية، والتمييز الدقيق بين المواقف والتصريحات، وتحليل شكل اتخاذ القرار في التعامل مع وقائع ملموسة أو دوافع إعلان مواقف لأسباب مخفية في الزمان والمكان.
يصف البعض في الأوساط الكردية ما يجري بأنه أبعد من عملية رصد ومتابعة للتحركات السياسية على أكثر من جبهة محلية وإقليمية. تطورات المشهد كما يريدها العديد من القيادات الكردية هي أن تذكر بأجواء ما قبل قرن من الزمن لحظة “سيفر” ثم “لوزان” وعصيان الشيخ سعيد وبعدها “جمهورية مهاباد”. لكنها وحسب قيادات تركية هي مرتبطة بفرصة سانحة لإخراج الملف من الثلاجة مجددا، وبعد سنوات طويلة من التريث وفي أعقاب فشل أكثر من محاولة لإنهاء لغة السلاح وتفكيك عناصر “حزب العمال الكردستاني” وسحب هذه الورقة من يد قوى عديدة تلعبها ضد الإقليم. الجانب العربي من ناحيته يريد تسوية الموضوع بعيدا عن لغة التصعيد والمواجهة العسكرية، ومن خلال حوار بناء لا يهدر الفرصة التاريخية السانحة اليوم كي تنهي كل دولة داخل حدودها نقاشات الملف في إطار، مسار وطني يحمي وحدة الدولة وتماسكها.
تطورات المشهد كما يريدها العديد من القيادات الكردية هي أن تذكر بأجواء ما قبل قرن من الزمن لحظة “سيفر” ثم “لوزان” وعصيان الشيخ سعيد وبعدها “جمهورية مهاباد”.
عندما تحرك دولت بهشلي الزعيم القومي المتشدد لتفعيل الملف الكردي بشقه التركي في مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي، لم يكن يتوقع لا هو ولا غيره حجم مفاجأة المشهد السوري التي أطاحت بنظام الأسد، وما حملته التطورات هناك من نقاشات سياسية داخلية مرتبطة بما يجري في شرق الفرات، وفرص الوصول إلى تفاهمات سورية – سورية، ومدى الاستعداد لحسم نقاشات الموضوع من دون تصعيد واحتقانات لا يحتاجها السوري لفترة زمنية طويلة. وكذلك لم يكن في الحسبان أن نقاشات كردية – كردية عابرة للحدود على خط أربيل – القامشلي – أنقرة – دمشق ستجري بهذا الزخم، للبحث عن حلول وطنية – إقليمية تستعد لمواجهة رغبات البعض في فرض شرق أوسط جديد يستفيد من حالة الانقسام والشرذمة والتباعد في المواقف والرؤى حول هذا الملف المزمن. وهو لم يضع في الحسبان أنه سيأتي اليوم الذي يتسلم فيه زعيم “الحزب الديمقراطي الكردستاني ” في إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني، رسالة من أوجلان، نقلها وفد من حزب “المساواة وديمقراطية الشعوب” التركي، خلال استقباله الوفد في أربيل. وحيث أعرب البارزاني عن استعداده الكامل لدعم عملية السلام في تركيا وإنجاحها، مشيرا إلى أنها الطريق الوحيد الصحيح للوصول إلى حل.
نحتاج إلى قدر كبير من الرؤية الشاملة. إلى عيون النسر الحادة التي لا يفوتها أي تفصيل ونحن أمام مشهد التحولات الكبرى التي تشهدها الساحة الإقليمية بشقها الكردي.
فهناك: حراك تركي على مستوى الداخل منذ 5 أشهر من خلال تفعيل ورقة عبد الله أوجلان من جديد بعد فشل أكثر من محاولة سابقة. وحراك سوري على جبهتي دمشق – القامشلي بعد متغيرات أواخر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. ودخول سريع للقيادة السياسية الكردية في أربيل، مستفيدة من تحسن علاقاتها بأنقرة، في محاولة لتقديم خدماتها على خط الوساطات والتهدئة بين أكراد سوريا أولا ثم بين أكراد سوريا والعراق ثانيا وبعدها نقاشات ذلك مع الجناح الكردي السياسي الناشط في تركيا ثالثا. حدود الضوء الأخضر الذي توفره أنقرة هنا مهمة جداً. فحساسية الموضوع في الداخل التركي معروفة. وإذا ما شعرت القيادات السياسية التركية أن المسار يتقدم باتجاه مغاير لما تنتظره وتريده في شرق الفرات لناحية حسم وجود المجموعات الإرهابية وسحب السلاح الأميركي من يد “قسد” والتلويح الدائم بورقة “داعش”، فهي ستقطع الطريق سريعا على محاولات تتعارض مع حساباتها وأولوياتها.
رمى دولت بهشلي وهو يعلن بداية مسار جديد تحت عنوان “تركيا بلا إرهاب” الكرة في ملعب الآخرين. هو كان يتحدث عن الملف بشقه التركي، لكن أردوغان كما يبدو أراد دمج الموضوع بالمشهد السوري وتوسيع رقعة النقاشات لتكون عابرة للحدود، ويسحب من خلالها الورقة الكردية من يد أكثر من لاعب إقليمي ودولي يتمسك بتحريكها منذ عقود.
قناعة الكثيرين هي أن حراك اليوم يجمع بين التحديات والفرص، يحتاج إلى قراءات مختلفة تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات المحلية والإقليمية السياسية والأمنية والاقتصادية. لكن العقبة الأخرى الواجب الاستعداد لها هي الجبهة الإيرانية الغائبة والتي تقول طهران إن لا علاقة لها بها. ثم إصرار تل أبيب على تسجيل اختراق سياسي أمني في الملف لصب الزيت فوق النار وإبقاء “التوتر” الكردي الإقليمي قائماً. من دون أن نُغفل هنا مسألة أن واشنطن لن تفرط بورقة “قسد” قبل أن تطمئن على مصالحها في سوريا. فالإمساك بالورقة الكردية هناك يقوي موقفها التفاوضي مع أنقرة ودمشق وبغداد في الملف. كيف ومتى سيعلن ترمب موقفه من مسألة سحب القوات الأميركية من سوريا؟ هل هو الآخر ينتظر ما سيقوله عبد الله أوجلان في الرسالة المرتقبة التي يجري الحديث عنها وسيوجهها من سجنه في آذار/مارس المقبل موعد عيد نوروز ليحدد موقفه؟
بقدر ما ستكون الأعين مشدودة نحو حراك القيادة الكردية في أربيل على أكثر من مسار، ستكون الأنظار موجهة نحو ما الذي سيقوله أوجلان، وهل سيكون لما سيقوله تأثيره على المتبقي من كوادر “حزب العمال” في شمال العراق وشرق الفرات؟ وكيف ستتلقى قيادات “حزب المساواة وديمقراطية الشعوب” الكردية فحوى الرسالة وتلتزم ببنودها؟
رمى دولت بهشلي وهو يعلن بداية مسار جديد تحت عنوان “تركيا بلا إرهاب” الكرة في ملعب الآخرين. هو كان يتحدث عن الملف بشقه التركي، لكن أردوغان كما يبدو أراد دمج الموضوع بالمشهد السوري وتوسيع رقعة النقاشات لتكون عابرة للحدود، ويسحب من خلالها الورقة الكردية من يد أكثر من لاعب إقليمي ودولي يتمسك بتحريكها منذ عقود. التقاء ما تفعله أربيل عند ما سيقوله أوجلان وقبول قيادات حزب “ديم” وشرق الفرات به، هو ما سيساعدنا على التعرف إلى الرؤية الكردية الجديدة ومدى استعدادها للتعامل مع ما تنتظره أنقرة ودمشق وبغداد وطهران حتى ولو تجاهلت الأخيرة ما يجري.
القنبلة السياسية التي فجرها قبل أيام “حزب هدا بار” الكردي الإسلامي بحسب توصيفات الكثيرين وشريك “تحالف الجمهور” والعدو الأول لحزب العمال، وهو يستعرض نتائج أعمال ورشة نظمها في دياربكر حول الموضوع الكردي أغضبت الكثيرين، وستحمل معها نقاشات داخلية كبيرة كما يبدو. هو يريد التذكير بنفسه وبحصته في المشهد، لكنه يفعل ذلك وهو يطرح “المساءلة التاريخية لأسباب إنسانية” حول ما ارتكب من أخطاء، ويتحدث عن “الاستقرار الذي يريده الجميع في كردستان وأن سعادة أنقرة تمر عبر استقرار ديار بكر”. بقدر ما تحتاج الأمور الى عين سابعة، هي تحتاج أيضا الى اجتراح معجزات في التعامل مع ملف بالغ التعقيد والتشابك.
المصدر: تلفزيون سوريا
حراك سياسي ودبلوماسي يصورها البعض من القيادات الكردية كما كانت منذ مائة عام لحظة “سيفر” ثم “لوزان” وعصيان الشيخ سعيد وبعدها “جمهورية مهاباد”.هل ستنتج شيئ لتحسين وضع الأكراد بتواجدهم بالدول الخمسة [إيران والعراق وتركيا وأرمينيا وسورية] أم سيرضخوا للرؤية الأممية بقبول الخضوع للمواطنة بدول تواجدهم؟.