تحتاج الفرضية القائلة إن نظام الأسد أفرج عن معتقلي سجن صيدنايا الإسلاميين، في بداية الثورة، بهدف أسلمتها وعسكرتها، إلى اختبار أدق يبحث في الأسماء والمآلات.
والحال أن عدداً غير قليل من هؤلاء خرج بتجربة قاسية وذكريات مؤلمة منعته من الانخراط في الاحتجاجات. فعاد إلى منزله ليُمضي حياة هادئة غفلاً، سواء في مناطق سيطرة النظام أو في تلك التي خرجت عن حكمه. وبعضهم غادر إلى دول الجوار أو أكمل طريق اللجوء إلى أوروبا. وعلى العموم كان هؤلاء من ذوي التهم الأخف والأحكام الأقصر نسبياً، ممن لم تتبلور عندهم عقيدة “المجاهد” وشخصيته.
وبالمقابل فإن بعض ذوي القضايا الثقيلة والأحكام الأشد، التي ربما تكون السجن المؤبد أو تمتد لعشرات السنين، لم يخرجوا من السجن إلا بعد سقوط النظام. إذ لم يصل تراكم آثار مراسيم العفو إلى درجة انتهاء مدة سجنهم لأن تهمهم تتصل بالعمل المسلح أو التجمعات التنظيمية الجادة. ولو كان في نية النظام، في الحقيقة، أن يُخرج فاعلين “ليحرفوا الثورة” ويضفوا عليها الصبغة الإسلامية لما وجد أنسب منهم.
يسود اعتقاد بأن معتقلي سجن صيدنايا الإسلاميين المفرج عنهم لا بد أن يتوجهوا إلى داعش، أو “جبهة النصرة”، غير أن الأعداد تقول إن أقل مقاصد السجناء كانت داعش، ثم “النصرة”، في حين توجهت كثرتهم إلى “أحرار الشام”.
وذلك فضلاً عن عدد من معتقلي سجن صيدنايا الإسلاميين الذين انقطعت أخبارهم بعد تحويلهم منه. والكتلة الأكبر من هؤلاء هم الذين نُقلوا إلى سجن حلب المركزي (المسلمية) وكانوا أحد أبرز أهداف الفصائل لحصار هذا السجن بقصد تحريرهم. وعندما فك النظام الطوق، في أيار/مايو 2014، نقلهم إلى مكان مجهول لمحاسبتهم على دورهم في مساندة الحصار من الداخل، وتقول الترجيحات إنهم أعدموا. ومرة أخرى لو أراد الإفراج عن سجناء، يبادل عليهم ويطلقهم في المناطق المحررة لينشروا أفكارهم الجهادية في الوقت نفسه، لكان هؤلاء على رأس سلّم الخيارات.
كما أن هذه الأسطورة تفترض أن معتقلي سجن صيدنايا الإسلاميين المفرج عنهم لا بد أن يتوجهوا إلى داعش، باعتبارها الجهة الأكثر تشويهاً للثورة وتشويشاً على أهدافها السياسية وخطابها المدني وسمعتها الخارجية. فإن لم يكن فإلى “جبهة النصرة” وخاصة في مرحلتها القاعدية. غير أن الأعداد تقول إن أقل مقاصد السجناء كانت داعش، ثم “النصرة”، في حين توجهت كثرتهم إلى “أحرار الشام”. كما أسهمت أعداد نادرة في تأسيس “جيش الإسلام” في دوما بريف دمشق. وبالقياس إلى داعش و”النصرة” تعدّ “أحرار الشام” حركة جهادية معتدلة بملمح وطني.
ويتضح هذا من أسماء صيدنايا السابقين بين قادة “الأحرار” الذين قضوا بالتفجير الشهير في أيلول/أيلول 2014. ومنهم أمير الحركة أبو عبد الله الحموي (حسان عبود)، وقائدها العسكري أبو طلحة الغاب (عبد الناصر الياسين)، وشرعيها أبو عبد الملك (محمود طيبا)، ومسؤول جناحها السياسي محب الدين الشامي (محمد فداء بنيّان)، ومسؤول ملفها الخارجي تمّام (طلال الأحمد)، وعضو مجلس شوراها يوسف العاصي (أبو عبد الله). وهؤلاء من مؤسسي “كتائب أحرار الشام” بعد الإفراج عنهم في 2011.
“جبهة النصرة” و”جبهة فتح الشام” و”هيئة تحرير الشام” ضمت عدداً أقل وأخف حضوراً من الصيدناويين.
وكان عدد آخر من سجناء صيدنايا قد بادروا إلى تأسيس “حركة الفجر الإسلامية” التي توحدت مع “الكتائب” لتأسيس “حركة أحرار الشام الإسلامية” في مطلع عام 2013. ورغم أن أبو عبد الله الحكيم (محمد الحسن)، أمير حركة “الفجر”، عاد وانسحب بها من الاندماج؛ إلا أن عدداً من أبرز قادتها تابع مع “أحرار الشام”، كشرعيها العام أبو سارية الشامي (فراس السخني) وأبو حمزة شرقية (حسين عبد السلام).
كما أسس السجين الصيدناوي السابق أبو يوسف بنّش (أحمد بدوي) جماعة “الطليعة الإسلامية” التي أسهمت في الاندماج واستمر فيه حتى قضى في الانفجار نفسه. في حين استمر شريكه في تأسيس “الطليعة”، وهو سجين صيدناوي آخر يدعى يوسف قطب (أبو جميل)، قائداً عسكرياً في “أحرار الشام” حتى قتل في معركة فتح إدلب في 2015.
وكان عضوان بارزان في لجنة التفاوض التي مثلت السجناء في أثناء استعصاء صيدنايا من عرّابي تأسيس “أحرار الشام”. هما أبو العباس الشامي (محمد أيمن أبو التوت)، الذي اعتزل العمل الحركي لاحقاً، وحسن صوفان (أبو البراء) الذي خرج بصفقة تبادل في عام 2016 وتولى إمارة الحركة، وينسب إليه انشقاقها ثم توجهها إلى تحالف عضوي مع “هيئة تحرير الشام”. وفي الغضون تولى إمارتها عدد من سجناء صيدنايا السابقين كأبي يحيى الحموي (مهند المصري) وعامر الشيخ (أبو عبيدة). وإن كانت نسبة الصيدناويين أخذت بالتراجع مع استلام الصف الثاني.
داعش لم تقم وزناً خاصاً لسجناء صيدنايا. فقد تكونت من عصب عراقي خارج من السجون هناك، بوكا وغيره، ومن ذاكرة جزراوية يسكنها سجن الحاير السعودي، ومن سجون أخرى في مصر وتونس والمغرب وأنحاء شتى من العالم. ومع ذلك برز من سجناء صيدنايا السوريين اثنان من قياداتها اشتهرا بدمويتهما، استلما ولايتي الرقة وحلب.
ومن جهته قاد الصيدناوي السابق هاشم الشيخ (أبو جابر) انشقاقاً عن الحركة عرف باسم “جيش الأحرار” فاوض “جبهة فتح الشام” على تشكيل “هيئة تحرير الشام” التي تولى أبو جابر قيادتها شكلياً لفترة.
في حين ضمت سلسلة “جبهة النصرة” ثم “جبهة فتح الشام” ثم “هيئة تحرير الشام” عدداً أقل وأخف حضوراً من الصيدناويين. إذ لم يُسجن هناك قائدها أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) وأمنيّها أبو أحمد حدود (أنس خطاب) ومسؤول علاقاتها الخارجية زيد العطار (أسعد الشيباني). وإن كان من معتقلي صيدنايا السابقين شرعيها مظهر الويس، وقائدها في حماة المنشق عنها الذي عرف باسم صالح الحموي (أس الصراع في الشام)، واقتصاديها المنشق أبو أحمد زكور (جهاد الشيخ)، وأميرها في القلمون المنشق أبو مالك التلي (جمال زينية) وعدد آخر. فقد تشكلت “النصرة” بداية من جهاديين سوريين عائدين من العراق وعراقيين وأردنيين وسوريين خارجين من صيدنايا وآخرين بلا سابقة تنظيمية.
أما داعش فلم تقم وزناً خاصاً لسجناء صيدنايا. فقد تكونت من عصب عراقي خارج من السجون هناك، بوكا وغيره، ومن ذاكرة جزراوية يسكنها سجن الحاير السعودي، ومن سجون أخرى في مصر وتونس والمغرب وأنحاء شتى من العالم. ومع ذلك برز من سجناء صيدنايا السوريين اثنان من قياداتها اشتهرا بدمويتهما؛ هما أبو لقمان (علي الشواخ) والي الرقة، وأبو الأثير (عمرو العبسي) والي حلب. وقد قتلا على يد التحالف الدولي لمحاربة داعش.
المصدر: تلفزيون سوريا