خلال ساعات قليلة، كانت الأراضي السورية مسرحاً لهجومين اعترف الاحتلال الإسرائيلي بالمسؤولية عن أحدهما في ريف محافظة القنيطرة، والذي جاء بعد ساعات من قصف يرجح أنه إسرائيلي أيضاً على قاعدة هي الأكبر للقوات الإيرانية في سورية، في مشهد بات “اعتيادياً” في الآونة الأخيرة، إذ تتكرر الغارات الجوية التي تستهدف الوجود الإيراني، والذي يمتد على طول الجغرافيا التي يسيطر عليها النظام السوري. قصف سارع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى المجاهرة به عندما جزم بأن “الجيش الإسرائيلي ضرب الخلية التي حاولت تنفيذ هجوم عند حدود الجولان، كما أنه قتل من أرسلها”. وأضاف نتنياهو، في حديث مع صحافيين أمس: “ضربنا الخلية ومن أرسلها”، مؤكداً أن “إسرائيل ستفعل كل شيء لحماية نفسها”. واعتبر أن ما جرى رسالة إلى حزب الله اللبناني، قائلًا: “عليهم أن يأخذوا هذا بالاعتبار”.
واستهدفت طائرات مروحية وأخرى حربية تابعة لجيش الاحتلال، مساء الإثنين، مواقع لقوات النظام في ريف محافظة القنيطرة جنوبي البلاد. وأعلن متحدث باسم جيش الاحتلال أن ذلك يأتي رداً على عملية زرع عبوات ناسفة تم إحباطها يوم الإثنين الماضي جنوبي هضبة الجولان. وذكرت وسائل إعلام النظام السوري أن الدفاعات الجوية تصدّت للهجمات، وأشارت إلى أن أضرار القصف الذي استهدف مواقع عسكرية اقتصرت على الماديات. في المقابل، سارع جيش الاحتلال إلى الإعلان، وبشكل نادر، بعد أقل من ربع ساعة من الهجوم، عن مسؤوليته عن القصف. وقال بيان رسمي صدر عن جيش الاحتلال “إن المواقع التي استهدفها القصف تشمل مواقع رصد واستطلاع، ووسائل لجمع المعلومات، ومدفعيات مضادة للطائرات ووسائل قيادة وسيطة في قواعد للجيش السوري”. وأضاف البيان أن “جيش الاحتلال سيعتبر النظام السوري مسؤولاً عن كل عملية تنطلق من أراضيه، وسيواصل العمل ضد أي مس بسيادة دولة إسرائيل”.
واستبقت وسائل الإعلام الإسرائيلية الهجمات، وأعلنت قبل وقوعها بساعتين تقريباً، أن التقديرات في جيش الاحتلال تشير إلى أن محاولة خلية عسكرية زرع عبوات ناسفة ليلة الأحد-الإثنين في جنوب سورية عبر اجتياز الحدود باتجاه الجولان السوري المحتل، جاءت من قبل مليشيات تابعة لإيران، تنشط في الجولان، وليست من قبل “حزب الله”. وأشارت هذه التقديرات التي تم نشرها في وسائل الإعلام، إلى أنه سبق لإيران أن استخدمت مليشيات محلية تابعة لها في جنوب سورية وأخرى تم إرسالها من الخارج لدعم النظام السوري في قمع الثورة السورية لأغراض مشابهة. وكان الاحتلال قد أشار مع إعلانه ليلة الأحد عن رصد وتصفية خلية حاولت زرع عبوات ناسفة على الحدود، إلى أنه لا يعتقد أن “حزب الله” وراء العملية، وإن كان لا يستبعد ذلك. مع ذلك فإن التقارير الإسرائيلية التي نشرت مساء الإثنين قبل القصف بنحو ساعتين، كانت مؤشرا على نيّة الاحتلال استهداف مواقع في سورية، لا سيما وأن المتحدث الرسمي باسم جيش الاحتلال، هايدي زيلبرمان، قال إن دولة الاحتلال تعتبر النظام السوري مسؤولاً عن العملية. وأشارت “هآرتس” إلى أن مسؤولين رفيعي المستوى في جيش الاحتلال التقوا الإثنين بقيادة القوات الدولية في الجولان “أندوف” وقدموا لها احتجاجاً رسمياً على محاولة زرع عبوات ناسفة على الحدود في الجولان.
وجاء هذا الهجوم بعد ساعات قليلة من قصف طائرات مجهولة، عدة مواقع في ريف البوكمال على الحدود السورية العراقية. ونقل المرصد السوري لحقوق الإنسان عن مصادر وصفها بـ”الموثوقة” أن نحو 15 عنصراً من المليشيات الموالية لإيران قتلوا خلال هذا القصف، مشيراً إلى أن الطائرات التي يُعتقد أنها إسرائيلية استهدفت مواقع للقوات الإيرانية والمليشيات الموالية لها، ضمن قاعدة “الإمام علي”، وقرب السكة وعمق بادية البوكمال في ريف دير الزور الشرقي، ما أدى إلى تدمير مواقع ونقاط ومستودعات للأسلحة. ووفقاً لمصادر المرصد، فإن آليات عسكرية تابعة لتلك القوات نقلت قتلى وجرحى إلى داخل الأراضي العراقية عقب الضربات، كما استنفرت القوات الإيرانية داخل البوكمال، مشيرة إلى أن انفجاراً عنيفاً دوى في منطقة الحزام الأخضر جنوب مدينة البوكمال في ريف دير الزور، مساء الأحد، نتيجة غارة من طائرة حربية مجهولة، استهدفت موقعا للمليشيات الإيرانية هناك. ويأتي ذلك فيما يواصل الحرس الثوري الإيراني تعزيز مواقعه على الرغم من القصف المتكرر. وذكرت مصادر محلية أن نحو 40 سيارة مليئة بعناصر من المليشيات الإيرانية دخلت الأراضي السورية أمس الثلاثاء آتية من العراق، واتجهت نحو قاعدة “الإمام علي” الإيرانية التي تعرضت للقصف فجر الإثنين.
وفي السياق، قال عنصران من قوات حرس الحدود العراقية، أحدهم ضابط برتبة ملازم، لـ”العربي الجديد”، إن عناصر إيرانية يرجح أنهم من الحرس الثوري أجروا زيارة سريعة إلى مواقع ومعسكرات على الحدود العراقية السورية ضمن محور التنف- البوكمال- القائم يوم الإثنين دامت عدة ساعات، مؤكدين أن وصولهم المنطقة تم من خلال الأراضي السورية وليس العراقية. وأوضح الضابط في قيادة قوات حرس الحدود العراقية-المنطقة الثانية، لـ”العربي الجديد”، أن عربات رباعية الدفع دخلت بشكل متفرق في وقت واحد عبر الشريط الحدودي بين العراق وسورية الساعة الثالثة من عصر الإثنين، ضمت شخصيات إيرانية، وأجرت لقاءات مع الفصائل المسلحة الموجودة في منطقتي العلامة والشيلمانة، وهما نقاط حدودية بين العراق وسورية وتنتشر فيها مقرات لمليشيات مسلحة أبرزها “كتائب حزب الله” و”الطفوف” و”الخراساني” إضافة إلى مليشيا “النجباء”. ووفقا للمصدر ذاته، فإن المعلومات المتوفرة من مصادر مقربة من المليشيات بأن الشخصيات الإيرانية ضباط في الحرس الثوري وقدموا من دمشق وليس من داخل العراق.
فيما أكد عنصر آخر في قوات حرس الحدود لـ”العربي الجديد” أن الزيارة هي الأولى من نوعها منذ نحو شهرين وتأتي بالتزامن مع إعادة انتشار للمليشيات على الحدود العراقية السورية، إذ دخل قسم منهم الجانب العراقي بواقع 4 و6 كيلومترات بعدما كانوا داخل سورية، مرجحا أن يكون ذلك لتجنب قصفهم. في الإطار ذاته قال موقع “نهر ميديا”، المعني بتغطية الأوضاع في الشرق السوري إن “حركة كثيفة لسيارات وآليات تابعة للمليشيات العراقية دخلت إلى العراق من المعبر العسكري يعتقد أنها تحمل قتلى وجرحى نتيجة غارات استهدفت مواقعها داخل الجانب السوري”. إلا أن عنصرا في اللواء 45 في “الحشد الشعبي” يدعى محمد الطليباوي نفى ذلك لـ”العربي الجديد”، مؤكدا أنه لم يصل من الجانب السوري أي قتلى من الوحدات العاملة هناك.
وتلاحقت في الآونة الأخيرة غارات جوية من المرجح أن طائرات إسرائيلية تقوم بها، استهدفت مواقع تابعة للمليشيات الإيرانية في عدة مناطق سورية مع التركيز على ريف دير الزور الشرقي جنوب نهر الفرات الذي تحوّل إلى منطقة نفوذ إيرانية بلا منازع. وكشفت دراسة حديثة أن الوجود الإيراني موزع على أكثر من 100 قاعدة ونقطة تمركز، لا سيما في الجنوب والشرق السوري الذي تحوّل جانب منه إلى منطقة نفوذ إيرانية. وينشر الحرس الثوري في كل المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام، والتي قدّرها مركز “جسور” للدراسات المعارض بنحو 63 في المائة من مساحة البلاد، قوات إيرانية ومليشيات تابعة له شكّلها من مرتزقة أفغان أو باكستانيين أو عراقيين، إضافة إلى مليشيات محلية تتلقى تمويلاً وتدريباً من إيران، هذا فضلاً عن الوجود العسكري المباشر لحزب الله اللبناني.
وأصدر المركز مطلع الشهر الحالي خريطة لقواعد ونقاط وجود القوات الإيرانية في سورية فقط وليست للمليشيات التابعة لها، وأوضح أن لهذه القوات 125 موقعاً، موزعة على 10 محافظات، في مقدّمتها درعا بواقع 37 موقعاً، وتليها دمشق وريفها بواقع 22 موقعاً ومن ثم حلب بواقع 15 موقعاً، ودير الزور 13 موقعاً، وحمص في وسط البلاد 12 موقعاً، واللاذقية 6، وحماة 6 مواقع، والسويداء 5 مواقع، والقنيطرة 5 أيضاً، وفي محافظة إدلب 4 مواقع. وأشار مركز “جسور” إلى أن إيران “تمثّل إحدى أكبر القوى العسكرية في سورية حاليّاً بعد روسيا وأميركا وتركيا”، موضحاً أن قاعدة “الامام علي” في ريف دير الزور أكبر وأضخم القواعد العسكرية الإيرانية في سورية، وهي “محصنة تحصيناً عالياً جداً”. ووفق المركز، تضم القاعدة آلاف الجنود ومختلف أصناف القوات، على مساحة جغرافية واسعة ليس بعيدا عن الحدود السورية العراقية. وأقامت طهران هذه القاعدة التي تعرضت للقصف من طيران التحالف الدولي والمقاتلات الإسرائيلية أكثر من مرة، في عام 2019 إثر طرد تنظيم “داعش” من المنطقة. ويأتي الاهتمام الإيراني بالشرق السوري لوقوعه في وسط طريق بري تعمل طهران على فرضه، يمتد من الأراضي الإيرانية ويعبر العراق وسورية، وصولاً إلى سواحل المتوسط في لبنان.
ووضع الحرس الثوري ثقله في ريف دير الزور الشرقي، حيث نشر قوات إيرانية ومليشيات متعددة من مدينة الميادين غرباً إلى مدينة البوكمال شرقاً بطول أكثر من 50 كيلومتراً. وأبرز المليشيات الموجودة في هذه المنطقة الممتدة جنوب نهر الفرات الذي يشطر محافظة دير الزور من الوسط، مليشيا “فاطميون” وقوامها عناصر شيعية أفغانية، ومليشيا “زينيون” المكونة من عناصر باكستانية ينتمون إلى عرق البشتون. كما نشرت إيران عدة مليشيات تابعة لـ”الحشد الشعبي” العراقي، إضافة إلى مليشيات محلية منها “لواء القدس” الذي يضم مرتزقة سوريين من أصل فلسطيني من مخيم باب النيرب في حلب.
وإضافة إلى قاعدة “الإمام علي”، يُعتبر “البيت الزجاجي” من أبرز القواعد الإيرانية في سورية، وهو موجود في الجهة الشمالية الغربية من مطار دمشق الدولي. وفي دراسة نشرها مركز “حرمون”، في مايو/ أيار الماضي، أشار الكاتب السوري العقيد خالد المطلق إلى أن “البيت الزجاجي” بناء “يتألف من 180 غرفة موزعة على خمسة طوابق: الأول والثاني فوق الأرض والباقي تحت الأرض، والطابق الأخير تحت الأرض يحوي خزائن مليئة بملايين الدولارات التي تنقل جواً من طهران”.
المصدر: العربي الجديد