شهدت مدينة دمشق وريفها في الأسابيع الأخيرة طفرة بأعداد المصابين بفيروس كورونا، وسط انهيار تام للقطاع الصحي وعجز النظام السوري عن السيطرة أو الحد من الأزمة الصحية التي تجتاح مناطق سيطرته.
وأعلنت وزارة الصحة في حكومة النظام السوري تسجيل 45 إصابة جديدة بكورونا، في أعلى حصيلة يومية تعلن عنها. وقالت إن الإصابات ارتفعت إلى 892 إصابة، وهي أرقام مشكوك فيها من قبل مسؤولي النظام نفسه.
وبدلاً من العمل على توعية المواطنين بخطورة الوضع الراهن، عمد النظام السوري إلى التعتيم الإعلامي حول الأرقام الحقيقة للمصابين وعدد الوفيات بفيروس كورونا، وتاجر بأرواح مواطنيه، فاستغل احتياجات الناس الصحية ليعقد صفقات ربحية.
أولى تلك الصفقات، كانت احتكار النظام لفحوص كورونا والمتاجرة فيها، حيث أعلنت وزارة الصحة السورية عن توافر المسحات للراغبين بالسفر خارج سوريا في عدد من المراكز ضمن العاصمة في الوقت الذي خلت فيه المشافي المحلية من الفحوص. وقامت بتسعير الاختبار الواحد بمئة دولار أميركي.
أضاف ذلك إلى معاناة الطواقم الطبية في مشافي العاصمة وزاد من عشوائية العمل فيها، فبات معظم الأطباء يلجؤون إلى طرق بديلة للكشف عن الفيروس. ويقول أحد الأطباء في مستشفى الأسد الجامعي ل”المدن”: “ليس لدينا فحوص للكشف عن الفيروس على الإطلاق. لذلك أصبحنا نعتمد بكشوفنا على التصوير الشعاعي للرئة بعد مطابقة الأعراض، وبعدها نقوم بفحص نسبة الأوكسجين في الدم. ووفقاً للصور والتحاليل نبني تشخيصنا للحالة، وهو تشخيص غير دقيق بالطبع، ويتطلب مجهوداً مضاعفاً”.
وأضاف أنه “حتى إذا تبين أن الشخص يحمل الفيروس وأنه يحتاج لجهاز تنفس، فإننا أصبحنا غير قادرين على تدارك الأمر، فالمشفى ليس قادراً على استيعاب أكثر من 10 في المئة من الحالات التي نستقبلها يومياً”.
الحلول البديلة التي يطرحها النظام في الأسواق متوفرة للأغنياء فقط. عدد كبير من أسطوانات الأوكسجين عرضها ليتاجر بها في المراكز الطبية، وأوحى للناس أن الحل الأمثل في الوقت الحالي هو بتجهيز مشافٍ منزلية. ورفع سعر هذه المعدات الطبية بشكل كبير جداً، حتى وصل سعر أسطوانة الأوكسجين سعة 22 ليتر إلى 270 ألف ليرة سورية، وسعر أسطوانة الأوكسجين سعة 12 ليتر إلى 215 ألف ليرة سورية، ليصبح هذا الحل مقتصراً على فئة محدودة من الشعب السوري.
وعلى الرغم من تبرع العديد من الجمعيات الخيرية في دمشق بثمن الأوكسجين لبعض المصابين، وعلى الرغم من محاولة بعض التجار التدخل لإيجاد حلول رخيصة، مثل معمل “أوكسجين النبك”، الذي أعلن عن استعداده لإعادة تعبئة الأسطوانات بسعر رمزي، يتراوح بين 1000 و2500 ليرة سورية؛ إلا أن العائق يبقى بالحصول على الأسطوانة والجهاز الطبي المرفق بها.
وحتى في حال تمكن المواطن من تأمين الجهاز يقع في مشكلة آخرى وهي توافر الكهرباء لتشغيل الجهاز، خصوصاً أنه في الأيام الأخيرة تعمّدت محافظة دمشق قطع التيار الكهربائي عن جميع المناطق لساعات طويلة، ليصل مجمل ساعات تشغيل التيار الكهربائي يومياً إلى ست ساعات كحد أقصى.
وفي هذا السياق تحدثنا شاهدة من العاصمة دمشق قائلة: “دفعت ما يقارب نصف مليون ليرة سورية لتأمين أسطونة أوكسجين وتجهيزاتها لشقيقتي المصابة بفيروس كورونا، إلا أن الكهرباء غير متوافرة معظم الوقت لتشغيل الجهاز، ولا يمكن تشغيله على المولدات العادية، فكان يتوجب علي أن أقوم بشراء مولد خاص لتشغيله ويبلغ ثمنه ما يقارب 700 ألف ليرة سورية، وذلك فوق قدرتي المادية. لذلك استسلمنا للأمر الواقع، ونحن مضطرون لتعريض حياة أختي للخطر، ووضعها على الجهاز عند توافر الكهرباء فقط”.
حالة الهلع في دمشق وصلت الى أقصاها، بعد أن تناقلت وسائل إعلام محلية وعربية تسريباً منسوباً إلى معاون مدير صحة دمشق، يفيد بأن إجمالي إصابات بفيروس كورونا في دمشق وريفها يصل إلى 110 ألاف إصابة، وأن عدد الوفيات وصل إلى مايقارب ال832 خلال الأسبوع الفائت.
وتسببت هذه التسريبات بخروج كل من وزارة الصحة ومكتب دفن الموتى بتصريحات متناقضة؛ فوزارة الصحة لم تنفِ ما سُرب من تصريحات، وإنما اكتفت بالتصريح بأن الأعداد التي تصرح عنها رسمياً هي التي ثبتت إصابتها من خلال تحليل “PCR”. أما مكتب دفن الموتى فهو لم ينكر أرقام الوفيات المذكورة في التسريبات، ولكنه أنكر أن يكون سبب الوفاة هو فيروس كورونا، وادعى بأن ازدياد أعداد الوفيات في دمشق الأسبوع الماضي ناجم عن موجة الحر التي تجتاح البلاد.
وأبلغ شاهد عيان “المدن” بما يجري في مقبرة زين العابدين في دمشق قائلاً: “قبل يوم واحد من عيد الأضحى، دُفن ما يقرب من خمسين شخصاً في المقبرة. ويتم الدفن بطريقة خاصة، فلا يتم تغسيل الموتى ولا الصلاة عليهم، ولم يرافق الموتى أي من أقربائهم، وإنما تأتي بهم سيارات تابعة للمستشفيات مع فريق مكون من أربعة أشخاص يلبسون سترات وبزات واقية، وجرى دفنهم بعد صلاة المغرب لعدم لفت الانتباه؛ وكأنهم ينفذون عملية سرية”.
المصدر: المدن