جاب حشد كبير من أبناء السويداء شوارع المدينة، اليوم الثلاثاء، انطلاقاً من دوار الشعلة وصولاً إلى ساحة الكرامة، في تظاهرة تطالب القيادة المحلية في المحافظة وفي سورية، بمنع إعادة إنتاج وتدوير الزعامات السياسية وحتى التقليدية المعروفة بتبعيتها للنظام السابق وحزب البعث من جديد.
وجاءت هذه التظاهرة التي تحمل شعار “لا لإعادة تدوير الزعامات السياسية والتقليدية”، رداً على محاولة عدد من الزعامات التقليدية المحسوبة على النظام المخلوع، إعادة تقديم نفسها استناداً لانتماءاتها الفئوية والعائلية. وجمع أكثر من لقاء وجهاء ورجال دين ومسؤولين سابقين في الحزب والدولة، ليثمر عن تكتلات فئوية وعائلية وعشائرية، تهدف لإعادة تدويرهم، ومنهم قياديون في حزب البعث وزعماء عشائريون.
وقال الناشط المدني منيف رشيد إن بعض هذه الزعامات زار دارة قنوات، وبارك للشيخ حكمت الهجري بانتصار الثورة، متجاهلاً كل التاريخ الذي قضاه في حضن النظام السابق والذي كان جزءاً منه، الأمر الذي أثار استفزاز من تضرر من ممارساته السابقة من متظاهري ساحة الكرامة السابقين.
من جهته، قال الناشط السياسي عدنان أبو عاصي لـ”العربي الجديد”: “ما زالت السويداء تتأرجح بين مفرزات التكتلات العائلية وقرارات الوجهاء ورجال الدين، وما زال البعض من أزلام النظام السابق يجد في العائلة والعشيرة ملاذاً آمناً ليس فقط للاحتماء من المحاسبة، بل لينطلق منه في تمثيل العائلة وأخذ دور في المستقبل، متجاوزاً كل الممارسات التي قام بها ضد المناوئين لحكم الأسد”.
وأضاف أبو عاصي: “لعل عدم دخول قوات من خارج السويداء ومنح الفصائل المحلية، وحتى المجموعات التي كانت تتبع للجهات الأمنية هذه الفرصة لتقرير مصير المحافظة، أعطى هؤلاء الأشخاص الثقة في محاولة إعادة إنتاج السلطة البائدة”. وأردف: “نحن في هذا الاحتجاج أردنا أن نؤكد لهؤلاء أن زمن التسلط والاضطهاد والقمع قد ولى وأصبح من الماضي، ولسنا بصفتنا حراكاً شعبياً بصدد تولي دور القانون والقضاء والمحاسبة، ولكننا بالموقع الذي يستطيع منع تدوير هؤلاء أو تزعمهم لأي موقع أو سلطة”.
وأشار الناشط إلى أن تفضيل الحكومة الجديدة للواقع الخدماتي والمعيشي على الواقع الأمني حتى الآن، أعطى الفرصة لمن انتفعوا من النظام السابق للتريث والاطمئنان وحتى التمسك بمناصبهم، وإن كانت الانتفاضة الشعبية استطاعت عزل معظمهم، وتنصيب نواب عنهم بشكل مؤقت حتى صدور تعيينات جديدة.
من جهة أخرى، أصدر شيخ عقل طائفة الموحدين المسلمين الشيخ حمود الحناوي بياناً مكتوباً، يوم أمس الاثنين، دعا فيه لعقد مؤتمر على مستوى محافظة السويداء تتشارك فيه القوى المدنية والاجتماعية والسياسية من مختلف الطوائف، للتعاون وتوحيد الرؤى حول المرحلة المقبلة. ورأى الشيخ الحناوي، أن هذا المؤتمر المحلي الجامع يؤسس للمؤتمر الوطني المزمع عقده في دمشق، موضحاً أن واقع الجبل اليوم ما زال يتأرجح بين عيش نشوة التغيير، والقدرة على التغيير الذي لم تتشكل صورة واضحة عنه، ولم يقدم أي مشروع وطني واضح حتى الآن. وأكد الانفتاح على أي حوار أو خيارات تصب في مصلحة السويداء والوطن.
وكان الحناوي أبدى تأييده للانتفاضة الشعبية السورية منذ بدايتها، في وقت حيّد نفسه عن اتخاذ مواقف علنية ضد النظام السابق درءاً للمخاطر الأمنية، فيما استأثر نشاطه خلال السنوات الماضية في حل الخلافات الطارئة بين السهل والجبل في منطقة حوران، والتي تضم محافظتي درعا والسويداء، كما أبدى نصرته للانتفاضة الشعبية في السويداء منذ انطلاقتها قبل حوالي عام ونصف العام.
وفي السياق، دعا الإعلامي علي الحسين في حديثه مع “العربي الجديد”، إلى أخذ بيان الشيخ الحناوي بجدية، فـ”الأمر لا يحتمل أي تأجيل في محافظة لم تخرج بعد عن عباءات الزعامات التقليدية”، معتبراً أن مثل هذا الأمر سيشكل نقلة نوعية للمحافظة من طور التبعية إلى تطبيق مفهوم الحرية، والسلام، والاستقرار المبني على اللحمة لإعادة بناء الوطن السوري، ومن ضمنه محافظة السويداء.
ودعا الحسين كل المؤثرين في الملف السياسي والذين كانت لهم بصمتهم في التغيير، وعلى رأسهم الشيخ الهجري، للإسراع في عقد هذا المؤتمر لضمان الوصول إلى بر الأمان، محذراً من تبعية التباطؤ في ذلك، لأن المواطن لا يزال في طور الاحتقان، وخاصة من حالة الظلم في عهد النظام المخلوع. وأوضح الحسين: “كلنا محتقنون خاصة أننا تأذينا، لكن علينا أن نجعل التسامح دون تنازل عن الحقوق القانونية، هو عنوان المرحلة درءاً لأي فتنة قد تحدث”. وحث الحسين الحكومة الجديدة على السعي لحل الأمور العالقة بطرق قانونية تكفل العدالة للجميع، وتضمن تحقيق ما خرج الشعب لأجله، لأن النصر لا يتحقق فقط بزوال الأسد، بل بزوال منظومته الفكرية، وتغيير التفكير، وتحويله لتفكير يعزز حقوق المواطنة والعدالة والمساواة.
المصدر: العربي الجديد