الصراع في سورية.. هل يخلق تغييرات جذرية في موازين القوى بالمنطقة؟

زايد الدخيل

عمان- في وقت يستمر فيه التصعيد العسكري بين فصائل معارضة سورية وقوات النظام المدعومة من حليفها الروسي لليوم السابع على التوالي، وسقوط مئات القتلى بينهم مدنيون، قال مراقبون، إن عدة اسباب ادت لتفجر الاوضاع في البلاد، اهمها عدم الالتزام بقرار مجلس الأمن 2254، وانعدام السعي في مفاوضات لتحقيقه.

ويرى هؤلاء في احاديث خاصة لـ”الغد”، أن الضربات التي وُجِّهت لحزب الله مؤخرا، وانشغال إيران، وانغماس روسيا في أوكرانيا، سرعت الاحداث في سورية، فضلا عن تطلع تركيا لاستغلال ذلك لتغيير الوضع القائم، خصوصا وأن نظام الرئيس السوري بشار الأسد، رفض حتى الآن الانخراط في مفاوضات مع أنقرة.

وفي هذا الاطار، يقول رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية د. خالد الشنيكات، ان المشهد في سورية يتسم بالغموض، والتحركات المفاجئة والسريعة، بعد سيطرة فصائل المعارضة على حلب، يطرح اسئلة حول سرعة ما جرى، ويبدو ان المشهد تغير – على الاقل- منذ معركة طوفان الاقصى، بخاصة فيما يتعلق باللاعبين الاساسيين في سورية.
واشار الشنيكات، إلى تقييد وصول الايراني إلى سورية، وقصف الميليشيات والجماعات المعارضة للمستشارين العسكريين الايرانيين عدة مرات، ما اضعف او قيد الوجود الايراني هناك، أما القضية الاخرى فهي حزب الله الذي تعرض لانهاك شديد في حربه مع الكيان المحتل، وخسائر قلصت وجوده في سورية، ما يضعفه في اي تصعيد.
واستكمل، أما تركيا فتتسم سياستها في سورية بالحذر، برغم انها لديها آمال في 3 قضايا، اولها، عودة اللاجئين، وثانيها، ضبط الحدود، وثالثها، ربما استئناف العلاقات الطبيعية مع سورية، وهو ما لم يتحقق في السنوات الماضية، برغم تصريحات مسؤولين اتراك بهذا الامر، مضيفا أن موقف تركيا واضح – على الاقل، بانها تتخوف من نتائج هذه التحركات غير المحسوبة، اما قضية روسيا فهي فعليا منخرطة في حرب اوكرانيا كليا، وأثر ذلك سلبيا على وجودها في سورية، وقلصت قواتها خلال الحرب في سورية لصالح حربها التي تخوضها منذ اكثر من ثلاث سنوات في اوكرانيا.
واضاف الشنيكات، “اما الولايات المتحدة التي لم تتفق بعد مع النظام السوري على توجهاته، فيبدو انها تمارس اكثر من دور، اذ تستهدف تنظيم القاعدة، ودخلت في صراع مع الميليشيات المتعاونة مع ايران اكثر من مرة، وتبادلال القصف، وهي في هذه المرحلة تبدو مراقبة لتقرر نمط سياستها، واعتقد بأنها تنسق مع الاحتلال الصهيوني بما يجب ان تتخذه من خطوات لتضمن أمن الكيان أولا.
من جهته، قال النائب الاسبق د. هايل الودعان الدعجة، يبدو ان توقيت عملية المعارضة العسكرية بقيادة هيئة تحرير الشام ضد قوات الحكومة السورية قبل بومين، يشي بان له علاقة بما يجري في المنطقة من فوضى وصراعات وحروب، بخاصة في قطاع غزة، ولبنان التي شهدت مؤخرا اتفاقا لوقف اطلاق النار بين الكيان وحزب الله، بما يمكن اعتباره ترسيخ حالة الضعف التي تعاني منها قواته المساندة للحكومة السورية.
وقال الدعجة، إن انشغال ايران الداعم الرئيس الآخر للنظام بما يجري في لبنان، وانعكاسه سلبيا على نفوذها وسيطرتها الاقليمية، وتراجع قبضتها ودعمها للتنظيمات المسلحة التي تدور في فلكها وتعمل تحت امرتها، واستثمار اميركا ودول اوروبا انهماك روسيا بحربها في اوكرانيا، يعقد مهمتها العسكرية هناك، اذا ما فتحت جبهة جديدة امامها في سورية، دون اغفال لدور تركيا ايضا، بعد فشل محاولاتها في التطبيع مع الحكومة السورية، وسعيها لابعاد الجماعات الكردية ذات التوجهات الانفصالية عن حدودها الجنوبية.
واضاف “كلها ظروف وتحديات اقليمية، فرضت نفسها على المشهد السوري، وهي على وشك إحداث تغيير في موازين القوى، بطريقة يمكنها ان تصب في خدمة السيناريوهات الاميركية والصهيونية، الساعية لتقليص نفوذ ايران وإضعاف دورها في المنطقة”.
وأتم: وهذا من شأنه الضغط على الحكومة السورية للانخراط في العملية السياسية، تنفيذا للقرار رقم 2254 الذي يهدف لانهاء الصراع في سورية، وتحقيق الانتقال السياسي بها، واشراك الشعب السوري في تحديد المسار السياسي لمستقبل سورية تحت إشراف الأمم المتحدة، لتشكيل هيئة حكم انتقالية يشارك فيها ممثلون عن الحكومة السورية وفصائل المعارضة، والمكونات السورية لصياغة دستور جديد، تجري على اساسه انتخابات سورية حرة ونزيهة.
بدوره، قال الخبير العسكري والاستراتيجي نضال ابوزيد، ان توقيت تحريك فصائل المعارضة شمال غرب سورية، يشير الى ان المستفيد، تركيا الداعم الرئيس للفصائل، مستغلة بذلك البيئة التي خلقتها انعكاسات العمليات في جنوب لبنان وانكفاء حزب الله في سورية، وعدم رغبة الجانب الروسي بالدخول في صدام عسكري، قد يستغله الجانب الاميركي لاستنزاف القوات الروسية في سورية، في وقت تنشغل فيه روسيا بالحرب الاوكرانية، يضاف لذلك عدم قدرة الجيش السوري على القتال دون اسناد ودعم لهاتين القوتين، ما وفر بيئة مناسبة سهلت السيطرة السريعة للمعارضة.
لكنه وحسب ابوزيد، فان زخم تقدم قوات المعارضة انخفض نوعا ما مقارنة باليومين الماضيين، والتي سيطرت فيها على حلب وريف ادلب الجنوبي وسراقب، اهم نقطة استراتيجية، اذ السيطرة عليها تعني التحكم بالحركة على الطريقين الدوليين: M5 لذي يربط جنوب سورية بشمالها، وM4 الذي يربط بين غرب وسورية وشرقها وصولا للقامشلي.
واضاف ابوزيد، ان اسباب انخفاض وتيرة تقدم المعارضة باتجاه حماة جنوبا، تعود على ما يبدو لتوجيهات تركيا لها بإبطاء التقدم، انتظارا لما ستؤول اليه زيارة وزير الخارجية الايراني عراقجي الى دمشق وانقرة، فيما يتوقع بانه يحمل مبادرة قد تقرب وجهات النظر بين الجانبين، بحيث تدفع ايران لتقديم تنازلات تتعلق بعدم المطالبة بانسحاب القوات التركية من شمال غرب سورية، ودفع الفصائل الكردية جنوبا بعيدا عن الحدود التركية، مقابل التقارب مع تركيا والتفاوض على انسحاب الفصائل المدعومة منها، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام من حلب، والعودة للحدود وفق اتفاق خفض التصعيد في العام 2016.
واشار ابوزيد الى ان زيارة عراقجي لدمشق اول من أمس، ستحدد ملامح اليوم التالي لتطورات الاحداث في سورية، فان قبل النظام السوري بالشروط التركية ووافقت ايران على بقاء المليشيات الايرانية بعيدا عن التدخل في اسناد قوات الاسد، فان ذلك سيدفع تركيا للضغط على الفصائل للتوقف عند حدود حماة، والتفاوض على الانسحاب من حلب، ولكن اذا تعنت الاسد ورفض القبول بالشروط التركية، ورفضت ايران اعادة تموضع المليشيات الشيعية، فذلك يعني ان الاوضاع قد تذهب باتجاه التأزيم اكثر، وتطور خيار الصدام المسلح في ظل اصرار الفصائل السيطرة على حماة وحمص.
وحول تاثير ما يجري في سورية على الاردن، اشار الى ان التطورات شمالا للآن، يمكن اعتبارها مضبوطة في سياقات تركية، ويبدو ان الاردن ايضا يراقب التحركات الدبلوماسية لوزير الخارجية الايراني، وفي الوقت نفسه يراقب الحدود الجنوبية لسورية، والتي تشكل تهديدا مركبا على الاردن، إذ إن انتشار المليشيات الشيعية من البوكمال الى تدمر، وارهاصات العلاقة الدرزية في السويداء مع النظام السوري، وانتشار فصائل المعارضة في درعا وريفها، واستمرار نشاط جيوب تنظيم “داعش” الارهابي في البادية السورية في محيط جبل البشري بريف الرقة والرصافة ومناطق آثريا والرهجان المتصلة بريف حماة الشرقي، إضافة لبادية السخنة وتدمر بريف حمص الشرقي، وبادية دير الزور، ما يجعل المنطقة الممتدة من المثلث السوري العراقي الاردني ولغاية صلخد السورية التي تبعد عن الحدود الاردنية 15 كم، هي المنطقة الاكثر انفلاتا امنيا من الجانب السوري، ما يشكل تهديد كبيرا على الاردن.

المصدر: الغد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى