لاشك أن الحديث عن رحيل المقاتل الفلسطيني العربي يحيى السنوار ..يمكن ان يكون قد صار حديثا ثانويا.بالنسبة الى كم وحجم ونوع وفظاعة الأحداث والحرائق والانفجارات المتلاحقة والمتحققة على اوطاننا وشعوبنا…
لكنني اعتقد ان سياقات الصراعات المتفجرة في منطقتنا منذ احتلال العراق عام 2003 واندلاع ثورات الربيع العربي ومآلاتها …والعنوان الأعرض الذي غطى هذه الصراعات اي ما يسمى مشروع الشرق الاوسط الجديد…والمقدمات السياسية والاعلامية والثقافية التي هيأت وروجت لهذا المشروع منذ تسعينات القرن المنصرم على مستوى العالم. ..
وهذه الحالة الملتهبة والمدماة التي يستهدفنا بها نظامنا الدولي السائد والمهيمن…
كل ذلك يمنحنا الحافز بل والواجب ان نستمر في إعمال الفكر والعقل معا…في سبيل اجتراح المقاربات الفكرية التي يمكن ان تساعدنا على انتاج ما نصبو اليه جميعا من مخارج لما نحن فيه…
وهو الامر الذي ربما يكون وصفه بالقتل التاريخي الفريد والممنهج مطابق له تماما…
لقد كان للمواقف المتباينة بل والمتناقضة من رحيل يحيى السنوار التي صدرت عن مثقفينا وسياسيينا ودوائرها الشعبية …والتي رسمت صورة بانورامية لعمق الخلاف والتناقض القائم بين هذه المواقف… كان له بالنسبة لنا معنى اخر ….
هذا المعنى يشير الى حجم وعمق الانقسام والتشظي في البنية الثقافية لمجتمعاتنا وشعوبنا …والذي ينعكس على البنية السياسية لدينا فيجعلنا كما نحن عليه اليوم مجزئين متفرقين مبعثرين عاجزين عن الوصول إلى حالة جمعية تمكننا من انتاج ادارة او قيادة عامة موحدة لشؤوننا الحياتية والثورية والسياسية… .وتنقذنا مما نحن فيه ..حيث يوغل الاخر في وجودنا قتلا وذبحا وابادة….
ومن الواضح بالنسبة للكثير منا…ان هذا التشرذم والتباين والتجزؤ انما هو نتاج ابعاد ايديولوجية متعددة تهيمن على ثقافتنا وتفعل فعلها في عملية التفكير والتعبير عن الرأي وفي تحديد المواقف …حيث كانت اعتبارات ومعايير مفهوم الشهادة… ومفهوم العمالة ومعنى القتل.. المعتمدة كأساس في قراءة مسالة رحيل السنوار..هي العامل الحاسم في تحديد هذه المواقف… هذا مع تثبيت ان لتعقيدات الصراع وتداخلاته الدولية وعلى راسها الدور الايراني.. دور فاعل في الاختلاف في التعبير عن هذه التباينات والمواقف…..لكن مالم ننتبه له حتى الان.. كسياسيين ومثقفين ومهتمين بالشأن العام…انه بالرغم من مرور اربعة عشر عاما على انطلاق ثورتنا السورية …التي كان لها فضل كشف العديد من أمراضنا والتي كان على رأس هذه الامراض.. تبعثر قوانا وتشرذمنا وانقسام ومثقفينا..
وكشف ما للأيديولوجيا من تأثير سالب ومشتت … و للفهم الكلاسيكي للعمل السياسي الذي يستهدف السلطة اولا واخيرا….من دور في تعميق وتجذير ظاهرة التشرذم والانقسام التي نشير اليها…..كل ذلك. ولم ننتبه الى ان الفعل الثوري الذي انجزناه..على المستوى السياسي والسلطوي عام 2011..كان ينبغي ان يترافق بفعل ثوري اخر على المستوى الفكري والثقافي ومستوى الوعي….مما يعني انه كان علينا ان نقطع تماما مع عدد من الاليات والبديهيات الفكرية والسياسية والمفاهيمية التي نشانا عليها..في زمن ما قبل الثورة …كالتسليم بالبعد الايديولوجي في منظوماتنا الثقافية والفكرية وكذلك ببدهية التنافس والتصارع في التعبير عن الراي والاحقية في ذلك وجميعه لتصدر المشهد والفضاء السياسي.. وبالتالي امتلاك ناصية السلطة والقيادة…وهو…..الامر الذي اي عملية القطع… لم يتحقق لدينا حتى الان……
ان تحقق مليونية التظاهر في بدايات الثورة لم يكن ليكون لولا تحقق امتلاك فكرة التوحد في طرائق التفكير الذي رافقه ايضا توحد الهدف …اي ان التفكير والاقتناع العفوي والتلقائي من قبل الفئات الثائرة بالتواجد في الساحات بأكبر عدد ممكن من المتظاهرين هو ما يستدعي اسقاط كل ما من شانه ان يدفع الى التنابذ والتنافر والتباعد من عوامل ايديولوجية او سياسية او طبقية او مصلحية… وهو الامر الذي بتوفره حقق وحدة الرؤى ووحدة التفكير الى جانب وحدة الهدف …….
وعليه…يمكننا الوصول الى الاستنتاج التالي..لكي نتمكن من الخروج من المأزق الوجودي التاريخي الذي نُدفع اليه كما دفع الهنود الحمر في امريكا……. نحن بحاجة الى تحقيق قوتنا الشعبية الضاربة …تلك القوة التي تكمن في توحدنا وتكتلنا كشعوب وكأمة …وهذا التوحد والتكتل يمكن الوصول اليه …من خلال ثورة اخرى على مستوى الوعي والفكر والثقافة….وهو ما يستدعي منا القطع تماما مع حزمة الادوات والاليات والمفاهيم الفكرية التي نشانا عليها تاريخيا في زمن ما قبل الثورة..وكانت سببا في تفرقنا وهو ما اسلفنا الحديث عنه ..
والمبادرة للتمسك ببديهيات ومسلمات ثورية متجددة.. اي امتلاك مفاهيم وادوات الفكر والثقافة التي تحث على تجمعنا وتوحد مواقفنا….في مواجهة الهدف الواحد ..
وهو اليوم اسقاط نظام العصابة والاجرام ونصرة ثورتنا السورية العظيمة.. .
عندها…سنجد اننا لن نختلف في تقييم احداث كحدث افتقاد يحيى السنوار وامثاله…بل سنجد اننا مدفوعون من اجل التمسك بوحدة مواقفنا. والمحافظة على قوتنا التي نسعى اليها ان نعتبر ما يحدث في غزة فلسطين وفي لبنان مادة تساعدنا على استثمارها وتجييرها ..لصالح توحدنا وتكتلنا.. ووسيلة لإزاحة العدو الايراني عن ساحة من ساحات نضالنا التاريخي….لا ان نختلف ونزداد تشرذما وتفرقا ومواتا..
وهو ما يحفزنا ان نستدعي حكمة وفكر أحد شعرائنا الاوائل…المهلب بن ابي صفرة..
في قوله..
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا..
وإذا افترقن تكسرت افرادا…