قراءة وحوار في كتاب: عطب الذّات. وقائع ثورة لم تكتمل.

أحمد العربي

* في البدء

نحن أمام كتاب جديد متميّز ل د. برهان غليون، اعتقد انّي قرأت اغلب كتاباته ان لم يكن كلها، عبر عقود، لقد كانت كلها كتابات تتمحور حول موضوعها، في علم الاجتماع والسياسة والفلسفة، صحيح انها تنهمك منذ كتاب د برهان الأول: بيان من أجل الديمقراطية في نهاية سبعينيات القرن الماضي، تنهمك في الشأن العام العربي حول ازمة الدولة العربية والسلطات والشرعية والاستبداد والفساد والحلول المقترحة لتجاوز هذا الواقع، الذي عنى استمرار التخلف والقمع والاستبداد وتأبيد الانظمة التي تستغل و تقمع شعوبها، نعم الموضوع كان عاما لكنه من منظور ذاتي ل د برهان كان هما شخصيا لكونه ازمة الامة العربية عموما وسورية خصوصا، لكنه لم يقترب أبدا من الجانب الذاتي (على علمي) في أي من كتبه السابقة، لكنه في هذا الكتاب الذي بين يدينا، نجد د برهان منغمس في الموضوع بذاته محددا موقفه وموقعه من الواقع السوري والعربي منذ بداية شبابه. لعّل دافعه الى ذلك هو الربط بين ماضيه ودوره في الحراك السياسي السوري وبين دوره في الثورة السورية التي تقلد فيها موقع رئيس المجلس الوطني السوري لفترة محدودة، انه يرد القول انه داخل الحالة السياسية السورية المعارضة وفاعل بها منذ عقود، وأن دوره بعد الربيع السوري ٢٠١١م هو استمرار لدوره الماضي وإن بصورة مختلفة.

* المقدمات.

قد يكون المهم التحدث عن ندرة وقلّة الكتب التي تراجع تجربتها السياسية في الفضاء السياسي العربي عموما والسوري خصوصا، الأنظمة المستبدة تستدعي الكتّاب والصحفيين خاصة الاجانب لتكتب عن الرئيس القائد الخالد، بحيث تؤلهه وتزين اعماله وتطمس عيوبه، تقوم بتزييف مسبق لتاريخ لم ينجز بعد ولم يكتب. ذات الحالة تنطبق وإن بصورة أقل حدة على المعارضين للانظمة، قليلة جدا هي المراجعات الفكرية او السياسية لهذه القوى أو لقادتها الذين تأبدوا في قيادة احزابهم، واغلبهم غادر الدنيا وهو منصب الأمين العام لحزبه وجماعته. المهم الكتاب بين يدينا مراجعة نقدية بعد أعوام قليلة على تجربة ادارة قوى الثورة السورية السياسية والعسكرية. وننوه ايضا الى الاعتراف الضمني المسبق بأن لدينا عطب ذاتي فينا و في تسيير أمور ثورتنا، ذلك قبل قراءة الكتاب ومن ثم الحكم على محتواه وتقييمه.

* د. برهان شبابه والهم السياسي.

د.برهان من الشباب السوري الذين تفتح وعيهم على انفصال الوحدة بين مصر و سورية ١٩٦١م، هذه النكبة التي أنهت أول وحدة عربية في العصر الحديث، وانشغال الشباب المسيس في مشكلة العلاقة مع مصر وعبد الناصر وقضية الوحدة، وحدّة قضية فلسطين التي بنيت على جزء منها دولة اسرائيل بعد نكبة هزيمة ١٩٤٨م، ومأزق الشباب العربي مع أنظمة مستبدة تابعة، وقضية العدالة الاجتماعية المفتقدة. المهم كان الشباب العربي جيل د. برهان وما قبله وما بعده منهمك بالبحث عن الأجوبة كيف نتحرر ونتقدم ونتوحد؟. كان د.برهان قريبا من الأجواء اليسارية الماركسية، اجتمع في احدى خلايا الحزب الشيوعي السوري عدّة اجتماعات ثم غادرهم، اصطدم ومحاولتهم أن يدجّنوه ضمن إطرهم الفكرية الخاصة منعا للمحاكمة العقلية الذاتية، وغربتهم عن الواقع السوري. سرعان ما اكتشف ازمة العمل الحزبي اليساري الماركسي والناصري مبكرا. فكر مع صديقه ميشيل كيلو أن يقتربوا من المجموعات الفدائية الفلسطينية التي بدأت بالظهور معلنة العمل الفدائي المسلح لتحرير فلسطين، وسرعان ما تأكد ل د. برهان ان ازمة العمل الفدائي الفلسطيني هي أنها انحازت للعسكرة اكثر وانها تعمل على خلفية الانضباط الذاتي والمنافسة البينية مع بقية القوى الفدائية. مرة أخرى وجد د. برهان انّ العمل الفدائي لا يلبي طموحه السياسي. لذلك قرر أن يكمل دراسته الجامعية التي انهاها مع  وغادر إلى فرنسا ليكمل تحصيله العلمي ويحصل على درجة الدكتوراه. وبالفعل حصل على الاجازة العلمية وقرر العودة الى سورية نهائيا، عاد لكنه اكتشف انه لن يستطيع الاستمرار فيها، لقد وجد أن المناخ السياسي الذي خلقه حافظ الأسد لا يمكن أن يكون هناك عمل سياسي به، وأن من يعمل مصيره الاعتقال أو القتل. لذلك غادر الى الجزائر التي درّس في جامعتها لعدّة سنوات وانجز هناك اول كتبه: بيان من اجل الديمقراطية.

* سورية حكم البعث والأسد رئيسا.

عايش د. برهان انقلاب آذار ١٩٦٣م ووصول حزب البعث وبعض الضباط الناصريين الى السلطة في سورية، وكيف بدأ البعث ينفرد بالسلطة واقصى الناصريين، وسرعان ما بدأ الجناح العسكري في البعث ومنهم حافظ الأسد وصلاح جديد بإقصاء الجناح المدني للبعث برموزه ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار، وكانت الفترة بين ١٩٦٣م حتى ١٩٧٠م كافية ليصل حافظ الأسد الى رأس السلطة في سورية، مبعدا كل خصومه داخل حزب البعث الى المنافي والسجون. حافظ الأسد الذي كان بالتحالف مع صلاح جديد  قد أبعد عفلق وفريقه عن قيادة حزب البعث بعد ١٩٦٦م، ولم يكن لهزيمة ١٩٦٧م أمام العدو الصهيوني، ولا لاحتلال الجولان أي تأثير على حافظ الأسد الذي كان وزيرا للدفاع وقتها، بل على العكس سيعمل بعد الهزيمة على تجميع خيوط السلطة في يده، لقد اختلف سياسيا مع صلاح جديد، لكن الخلاف الحقيقي كان على النفوذ ومن يستفرد بالحكم، كان موقف الأسد من مجازر أيلول الأسود ١٩٧٠م وترك الفدائيين لمصيرهم، وبداية القبول بالتعاطي مع القوى الدولية بمنطق المصالح، ومن ثم إقصاء صلاح جديد وزجّه بالسجن حتى وفاته وتفرده بالحكم في سورية منذ ١٩٧٠م.

* حافظ الأسد: حاكم سورية المؤبد. 

 لم يكن أمام القوى والأحزاب السياسية التي واكبت استقلال سورية وحزب البعث منهم، الّا ان تلم شملها وتعدل طريقة حراكها في سورية منذ انقلاب ١٩٦٣م حتى تربع حافظ الأسد على حكم سورية عام ١٩٧٠م، بادر جمال الأتاسي وهو أحد مؤسسي حزب البعث سابقا الى تشكيل حزب ناصري، الاتحاد الاشتراكي العربي ، ظهرت كذلك بعض الاحزاب الاخرى القومية والناصرية والحزب الشيوعي السوري العريق، الذي كان قد بدأ يشهد إرهاصات اختلافات داخلية فيه على خلفية القضية القومية العربية وقضية فلسطين. وما ان استتب الحكم لحافظ الأسد حتى بدأ يطبق خطّته الاستراتيجية بإلغاء السياسة في المجتمع السوري، اعتمد العنف مع المعارضين، كما أنه استوعب بعض الأحزاب المدجنة التي كانت مجرد تعبير مزيف عن وجود حالة حزبية متنوعة في سورية. بنى حافظ الاسد مع قوى سياسية اخرى ما سمي الجبهة الوطنية التقدمية، التي سرعان ما انسحب منها جمال الأتاسي وحزبه، حيث تبيّن له ولغيره انّ البند الدستوري رقم ٨ يعطي لحزب البعث قيادة الدولة والمجتمع، وهذا يعني أن الوجود الحزبي الآخر غير فاعل ومجرد شاهد زور على ما يحصل في سورية. ان اعتماد الأسد على اقصاء المختلفين اقترن مع بناء بنية عسكرية وامنية متماسكة وقوية، قوامها بشكل أساسي البنية العائلية وبعض الامتداد الطائفي العلوي، كان العنف والبطش هو طريقه لبناء سورية جمهورية الخوف والقمع. استند على ادّعاء انتصاره في معركة تشرين عام ١٩٧٣م مع (اسرائيل) وما تلاها من توافقات مع كيسنجر حول الجولان السوري. كما أنه بدأ يتحرك ليضع يده على القضية الفلسطينية، من خلال وضع المنظمات الفلسطينية امام خيار الولاء له، او العداء منه. كانت القوى الدولية وعلى رأسها أمريكا وبرضى (اسرائيلي) قد قبلت بدور حافظ الأسد في سوريا وفي لبنان لاحقا ومحاولة السيطرة على الثورة الفلسطينية و تدجينها. كانت أحداث الصراع بين القوى الوطنية اللبنانية المتحالفة مع قوى الثورة الفلسطينية بمواجهة القوى الانعزالية المدعومة امريكيا و(اسرائيليا) ودخول القوات السورية ١٩٧٦م الى لبنان تحت دعوى منع الاقتتال ومنع التدخل (الاسرائيلي) وحصول مجزرة تل الزعتر ثم حصار التواجد الفلسطيني في لبنان بالتناغم مع العدوان (الاسرائيلي) لاحقا واخراج المقاومة الفلسطينية بقيادة أبو عمار من بيروت ثم من طرابلس الى غير رجعة م١٩٨٢ و١٩٨٣م. ومن يومها أصبح لبنان تحت الوصاية إن لم نقل الاحتلال السوري، واصبح جزء من المجال الحيوي للنظام السوري، حافظ الأسد وعصابته الحاكمة. كان للنظام السوري خصم وحيد جدي هو النظام العراقي، رغم بعثيتهما، وكان التيار الإسلامي السوري على تنوعه قد اختلف مع الدستور الذي وضعه حافظ الأسد للبلاد. وهكذا بدأت بعض العمليات العسكرية ضد بعض الشخصيات أو المواقع للنظام السوري، كان وراءها جماعة الطليعة الاسلامية المقاتلة، كان رد النظام السوري عنيفا جدا، واعتبر ذلك مبررا ليقضي على الإسلاميين عموما وعلى القوى الوطنية الاخرى المعارضة. حاول الإخوان المسلمين في بداية عمليات الطليعة المقاتلة منذ اواسط السبعينيات النأي بأنفسهم، لكن عنف النظام وبطشه ورفض شبابه الصمت عن فعل النظام، الذي كان رده وحشيا وخاصة بعد مجزرة مدرسة المدفعية في حلب والتي تلاها مجازر ضد الشعب السوري على أنه حاضنة للارهابيين، عشرات الاف القتلى في مدينة حماه وغيرها من المدن السورية. في ذات الوقت لم يكن يقبل ممثلي النقابات السورية والأحزاب السورية الوطنية بما حصل في سورية وطالبت بالخيار الوطني الديمقراطي ورفضت طائفية الإخوان وعنفهم، ورفضت عنف النظام ووحشيته واستبداده. هذا ادى الى حملة امنية واسعة طالت كل القوى الوطنية السورية وممثلي النقابات المهنية. كان الحزب الشيوعي السوري المكتب السياسي بقيادة رياض الترك المنشق عن الحزب الشيوعي بقيادة خالد بكداش، قد وضع يده بيد الاخوان المسلمين وبعض القوى الاخرى، وكانوا متهمين بعلاقتهم مع النظام العراقي وتشكيلهم جبهة تحرير سورية، لذلك كان التنكيل بهم اشد وكان مصير اغلبهم المنافي او الاعتقال لسنين طويلة، حيث اعتقل رياض الترك ثماني عشرة عاما، اغلبها في المنفردة. او الانتقال للعمل السري والاختفاء تحت الارض. أما جمال الأتاسي وحزبه فقد بقي يعتمد المرونة في المواجهة مع النظام، واللعب على الخط الأحمر معه وعدم تجاوزه، إلا في حالات فردية، لذلك كان نصيب كوادره من الاعتقال والتنكيل اقل من المكتب السياسي. ما كادت تنتهي الثمانينات في سورية حتى كانت القوى السياسية السورية في حالة موات حقيقي، قليلة واغلبها معتقل، امتدادها في الجيل الجديد شبه معدوم. لقد أصبحت سورية ذات لون واحد لقطيع طاعة النظام الاستبدادي بإلهه الأوحد حافظ الأسد. في هذه الفترة كانت علاقة د. برهان مع بلده سورية شبه منقطعه وكان يدرك أن وجوده في سورية في هذا الوقت مع التعبير عن مواقفه يعني اعتقال لوقت طويل، على أحسن تقدير، لذلك قرر أن يستمر في تواجده في فرنسا وعمل مدرسا في أعرق جامعاتها، واستمر بانجازاته الفكرية والعلمية. في مطلع تسعينيات القرن الماضي، تواصل مع د. برهان رياض نعسان آغا وكان سفيرا وقتها، اوصل للد. برهان رسالة مفادها أنه مرحب به في بلده سورية. وبالفعل قدم د. برهان إلى سورية والتقى فيها بجمال الاتاسي وكثير من القوى السياسية الاخرى، توصل الى نتيجة مفادها أنه في ظل وجود حافظ الأسد تكاد أن تكون الممارسة السياسية شبه انتحار، خاصة بعد أن أصبح حافظ الأسد وكيلا معتمدا للقوى الدولية في أغلب قضايا المنطقة. ها هو يشارك في تحرير الكويت من العراقيين مع الأمريكان في ١٩٩٠م، دوره في لبنان والهيمنة عليه وتطويعه و تدجينه، دوره في القضية الفلسطينية حيث نفيت الثورة بعيدا الى تونس، صحيح انها ستعود للداخل الفلسطيني لكن بسبب الانتفاضة الفلسطينية. لقد كان عقد التسعينات من القرن الماضي، عقد الموات السياسي في سورية، وظهور مرض حافظ الأسد، وتجهيزه لابنه باسل الأسد ليكون خليفته في حكم سورية، وكيف انتقل لتجهيز ابنه الأصغر بشار ليخلفه في الحكم بعد موت باسل في حادث سير، ستدخل سورية في حالة ثبات داخلي اقتصادي واجتماعي وسياسي الى ان يموت حافظ الأسد في عام ٢٠٠٠م ويأتي ابنه بشار لتدخل سورية في عهد جديد.

* سورية في عهد بشار الأسد حتى الثورة.

كان لموت حافظ الأسد عام ٢٠٠٠م وقعا قويا على اسماع السوريين، قال رياض الترك مات الديكتاتور، كان الانتقال السلس والمخطط له للحكم من الأب للابن، بتعديل الدستور وتثبيته قائدا للجيش وحزب البعث والدولة. اكمال لفكرة التوريث وبناء جمهورية ملكية اسدية في سورية، وكان التقبل الدولي بدء من امريكا لبشار الأسد يعني بناء شرعية تستند على ادوار خارجية منوطة ببشار الأسد وحكمه، ومستندة على الاستمرارية في الطبقة العسكرية الامنية الحاكمة وبنيتها العائلية والطائفية، بعد أن اكتسبت خبرة وثقة بأدائها عبر عقود مع حافظ الأسد. كان لا بد أن يختبر بشار الأسد نفسه في الحكم، وأن يقدم للشعب السوري ولمن تبقى من قواه السياسية المعارضة نوعا من التغيير، ضمن ادّعاء الحوار والرأي والرأي الآخر والانفتاح، وسرعان ما تلقف السياسيين المعارضين من كل الأطياف والمثقفين هذه البادرة، وبدأت تظهر المنتديات الفكرية والسياسية وجمعيات المجتمع المدني وحقوق الانسان، وكان د. برهان قد أصبح يحضر الى سورية بشكل دوري كل صيف ويلتقي بالقوى السياسية ورموزها. لقد توفي جمال الأتاسي في عام ٢٠٠٠م وشغل مكانه نائبه حسن عبد العظيم؛ الذي لم يستطع ان يغطي مكان جمال الاتاسي، حسن عبد العظيم اقل عمقا فكريا وأقل خبرة سياسيا، كان مجرد ظل جمال الأتاسي، كان يعتمد ذات آلية ومرونة جمال الاتاسي بالتحرك حيال النظام، باللعب على الخط الاحمر. كان يؤمن بضرورة التغيير الديمقراطي في سورية لكنه لا يود خوض مواجهة مع النظام عاجز عن دفع ثمنها، لذلك اعتمد خط حراك لا صدامي مع النظام، ويظهر أن النظام تفهم محدودية تأثيرحزبه و التجمع الوطني الديمقراطي الذي ورث قيادته عن جمال الأتاسي، وحصل شكل من علاقة عدم الاعتداء المتبادل الغير معلن. في سورية ايضا كان قد خرج رياض الترك من المعتقل، أكثر صلابة وإصرارا على تحدي النظام ومواجهته، رغم عجزه وما تبقى من كوادره عن فعل أي شيء جدي على مستوى سورية كمعارضة سياسية فعليّة، لكن عقلية رياض الترك سرعان ما اصطدمت بعقلية حسن عبد العظيم، الترك يتهم عبد العظيم بأنه يتعامل مع النظام واجهزته الامنية، وهذا تخوين، وعبد العظيم يعتبر الترك مزاودا بسجنه و عاجزا عن فعل أي شيء، ويعمل ليزجّ بمن تبقى من المعارضين داخل السجن دون أي جدوى حقيقية. المهم هنا ان التواصل المطلوب بين قياديين اساسيين للمعارضة السورية قد ضرب بعمقه النفسي، حاول د. برهان رأب الصدع بين الاثنين كل الوقت، خاصة أن هناك فرصة سانحة للتحول الديمقراطي في سورية في بدايات استلام بشار الأسد الحكم، كان ينجح احيانا و يفشل في اغلب الاحيان، الافق الاستراتيجي السياسي عند القائدين غير متوافق والبنية الشخصية النفسية متناقضة وهناك تخوين. مع ذلك كانت لهذه الفسحة من الحركة الاجتماعية والسياسية انعكاسا ايجابيا على جيل جديد من الشباب التف حول المنتديات وتابعها. كان اهمها منتدى جمال الأتاسي، لكن النظام واجهزته الامنية التي كانت ترصد الحراك وآفاقه، وأنه يتحرك جديا لانتزاع مكتسبات ديمقراطية حقيقية. سرعان ما أخذ القرار من بشار الأسد شخصيا لإيقاف المنتديات وإغلاقها، كان ذلك بعد سنة تقريبا من الحراك، صحيح انه ترك منتدى جمال الأتاسي مفتوحا لفترة من الزمن ثم لحقه الإغلاق. كان قد ظهر في الحراك الديمقراطي وجوها جديدة منها رياض سيف التاجر الدمشقي والنائب في مجلس الشعب الذي رهن نفسه للحراك الديمقراطي وفتح منزله كمنتدى. وفي لقائه مع د برهان بعد قرار اغلاق المنتدى قررا أن يتم الدعوة مرة أخرى إلى جلسة منتدى جديدة، وهكذا حصل، ورغم التواجد الأمني المشاغب نجحت الجلسة بوجود د. برهان، لكنها انتهت صباح اليوم الثاني باعتقال أغلب المشاركين؛ قيادات الناشطين ومنهم رياض سيف نفسه واعتقل اغلبهم لفترة خمس سنوات، كان ذلك مؤشرا على قرار النظام أن ينهي الحراك الديمقراطي السوري وقتها والذي اسمي ربيع دمشق. عمل د. برهان ومعه كثير من الناشطين على رأب الصدع بين حسن عبد العظيم وما يمثله من تجمع وطني ديمقراطي، ورياض الترك، واستطاعوا تشكيل إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، وكان ذلك قد تتوج بالتحاق جماعة الإخوان المسلمين السوريين باعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي. لكن شهر العسل هذا لم يستمر حيث سيعود الخصام بين عبد العظيم ومن يمثل والترك ومن يمثل ويتم المنع القسري لأي عمل جماعي علني، عادت القبضة الأمنية والاعتقالات على أشدها. عمل د.برهان مع الناشطين السياسيين والمثقفين السوريين على اصدار بيان ٩٩ المطالب بالتغيير الوطني الديمقراطي وغيره من النشاطات، حيث تشكلت لجان إحياء المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان. لكن ذلك لم يدم طويلا وعادت سورية مملكة الصمت والقهر والاستبداد. تابع د.برهان التطورات والتغيرات التي حصلت في سورية في عهد بشار الأسد، لقد كان عهد بشار الأسد على المستوى الاقتصادي هو بداية الانفتاح وصدور القانون رقم ١٠ وبداية التحول الى شكل من الرأسمالية بعدما كانت سورية اسيرة لعقود بادعاءات الاشتراكية. كان الانفتاح الاقتصادي والانتقال الى اقتصاد السوق يعني إطلاق يد بشار الاسد وعائلته ومن حوله لحملة نهب علني للبلد كاملة، وسرعان ما بدأت تظهر في سورية غيلان الاقتصاد على رأسهم رامي مخلوف قريب بشار الأسد، الذي وفي سنوات محدودة صار يملك أكثر من ٦٠% من الاقتصاد السوري، أن الشعب السوري لم يعد ضحية الاستبداد السياسي والقهر بل ضحية نهب منظم لامكانات البلد وطاقاتها. وأصبحت الآفاق المستقبلية مسدودة، لذلك كان جواب د.برهان عن سؤال الجزيرة نت عن توقعاته في عام ٢٠١١م ماذا سيكون بالنسبة لسورية والسوريين، اجاب انه (عام القلاقل والتحولات)، أنه عام الغضب. وهكذا كان.

* الربيع العربي والسوري بداية ثورات.

كان عام ٢٠١١م منذ بدايته -كما توقع د.برهان- عاما يحمل في طياته بدايات مواجهات بين الشعوب العربية وحكوماتها، حيث تفاقمت أزمات لقمة العيش وإهدار الكرامة الإنسانية، غياب العدالة تفاقم المظالم، تعميم اليأس، كل ذلك كان ينتظر بوعزيزي ما يحرق نفسه، اندلع الربيع العربي بداية في تونس، و لينتصر مسرعا، انتقل الى مصر التي تحرك شعبها وصار حكم مبارك على كف عفريت. لم الشعب السوري وخاصة سبابه بغافل عن ما يحصل، الشعب يحمل في ذاكرته تجارب القمع والبطش والمجازر حينما تحرك الشعب سابقا في سبعينيات وثمانينات القرن الماضي، لكن الشباب لم يكن يخيفهم تاريخ القمع هذا، هم ضحايا على كل المستويات لن يخسروا سوى خوفهم، بدأت تحتشد وسائل التواصل الاجتماعي و النوايا وكثير من شبكات الشباب وتفكر ان عليهم مسؤولية صناعة الربيع السوري. كان رد د. برهان على قول بشار الأسد أن سورية مختلفة عن دول الربيع العربي، ولن يحصل فيها أي تحرك بسبب التوافق بين القيادة السياسية والشعب، كان رد د.برهان ان سورية وشعبها ودرجة القمع والمظلومية تجعلها أول دولة عربية مرشحة للثورة. فعلا هذا ما حصل، كانت ردة تجار الحريقة على الشرطي الذي أهان زميلهم (الشعب السوري مابينذل)، وتدخل وزير الداخلية لحل الموضوع وديا، مؤشر على طريقة مهادنة لم نعهدها من النظام. كان للنظام وتعزيزاته الأمنية دور في منع مظاهرة الجامع الاموي في دمشق في ١٥ آذار، لقد قمعها داخل المسجد. لكن اهل درعا تمكنوا من الخروج للشارع وتفجير التظاهر في ١٨ آذار ردا على اعتقال ومن ثم قتل ابنائهم الذين كتبوا على جدران مدارسهم (جاك الدور يادكتور)، كان قتلهم واذلال ذويهم شرارة الثورة السورية، التي اندلعت من درعا وتوسعت رويدا رويدا في أغلب البلدات والمدن السورية. تسارع الحراك الشعبي، توسع وامتد، كان لكل مواطن سوري مظلمة ما دفعته للتحرك السلمي عبر التظاهر، مطالبا بحقه الانساني: بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الافضل، رد المظلومية وضرب الظالم كانت وراء تفجر مكبوت الشعب السوري بالكامل. أما النظام فلم يخرج عن ردّه الامني الذي مارسه سابقا عبر عقود؛ الضرب بأقصى قوة والبطش بالحاضنة الشعبية، وصم المتظاهرين بالارهاب والتعامل مع الخارج (العدو) والعمل المسلح. أصبح هدر دم المتظاهرين مباحا الشهداء يسقطوا بشكل يومي، واعتقال الناشطين وتعذيبهم وقتلهم صار جزء من نظرية النظام: ارعاب الناس لكي يكفوا عن التظاهر او عن دعمه.

* كيف واكب المعارضين والسياسيين الثورة السورية.؟.

لا بد من العودة للتأكيد أن سنوات الموات السياسي التي رافقت عقود حكم حافظ الأسد لسورية وابنه بعده، قد جعلت امكانية خلق قوى حيّة مرتبطة موضوعيا وذاتيا مع الشعب ومشاكله كانت شبه معدومة. طبعا باستثناء القلّة التي واكبت الحراك الذي حصل في سنوات ربيع دمشق بعد تسلم بشار الأسد حكم سورية. مع التأكيد على أن القوى السياسية التقليدية لم تبارح مواقفها التقليدية مما يحصل في سورية ومن النظام، وبالأخص من بعضها البعض، إن قوى التجمع الوطني الديمقراطي بقيادة حسن عبد العظيم ما زالت تنوس بين مواقف رمادية تنادي بالتغيير الوطني الديمقراطي، لكنها لا تصعّد مواقفها من النظام متجاوبة مع الشعب الذي يطالب بإسقاط النظام، وصمتا منها على عنف النظام وبطشه ووحشيته بحق المتظاهرين والشعب وسقوط الشهداء بشكل يومي ومستمر. اما جماعة اعلان دمشق وعلى رأسهم رياض الترك فقد استمروا في تخوين الآخرين، اعلنوا تبنيهم لمطالب الشعب الثائر لكنهم باستثناء بعض نشاط لاعضائهم كانوا عاجزين عن مواكبة الثورة على المستوى السياسي والميداني، كما بدأت تنشأ تنسيقيات الثورة السورية بأسماء وتشكيلات متعددة، بحيث تعددت المنابر، وذلك لتعذر التواصل بين الناشطين وجدّتهم في هذا المجال وغياب الأفق الاستراتيجي الذي يحدد خطة عمل يعملون عليها جميعا، لقد كان للقوى الوليدة مشكلة القوى الوليدة مع الثورة التبلور السياسي مفهومة و مستوعبة، لكن لا حل دون تجاوزها مع تجاوز الفرقة والخلاف بين كل الأطراف. هذا على مستوى الداخل. أما في الخارج فقد تداعت قوى سياسية كان الاسلاميين أبرزهم وخاصة الإخوان المسلمين، كذلك شخصيات سياسية ووطنية تداعوا ليكونوا صوتا للحراك الشعبي وللثورة السورية. كان د.برهان في قلب هذا الحراك ومدركا لإبعاده كلها، فهو عايش ازمة الخلاف والصراع بين جماعة اعلان دمشق وجماعة حسن عبد العظيم الذين اطلقوا على انفسهم اسم هيئة التنسيق الوطنية، وعدم قدرتهم على تجاوز خلافاتهم، ومحدودية تواصلهم مع قوى الحراك الشبابي على تعدد تشكيلاتها. كما ادرك د.برهان محاولات القوى المتواجدة في الخارج أن تصادر صوت الثورة وتستثمره، سواء لصالح توجهاتهم العقائدية الخاصة (الاسلامية) أو لعصبيتها وجماعتها المحددة. لقد أدرك د.برهان أن الشعب السوري وثورته يتيمة بلا اب يحنو ويدرك ويوجه ويقود. لذلك كان حذرا في تعامله مع المؤتمرات التي بدأت تقام على عجل، لم يشارك في أغلبها. قام أول مؤتمر من شخصيات سورية لمناقشة الثورة السورية ومواكبتها من حوالي ٣٠٠ شخص في انطاليا التركية في اوائل حزيران ٢٠١١م رعاه أحد التجار السوريين، وبعده مباشرة مؤتمر آخر في بروكسل ضمّ حوالي ٢٠٠شخص رعته جماعة الإخوان المسلمين. لم تستطع هذه المؤتمرات أن تبلور توجها محددا ولا آلية عمل مستمرة. لم يشارك د. برهان في المؤتمرين، كان قد اشترط على مشاركته في أي نشاط جماعي يتعلق بالثورة السورية أن يكون مؤتمرا يتسع لأوسع طيف سوري من الداخل والخارج ممن ينتصرون للثورة السورية. وأن يكون خيارهم الاستراتيجي الخيار الوطني الديمقراطي، مع إسقاط النظام الاستبدادي ومحاسبته عن كل جرائمه بحق الشعب السوري. أن تسارع الحراك في القضية السورية والمؤتمرات المتتالية واجرام النظام، دفع د.برهان أن يكون حاضرا ذاتيا بالنشاط المراد حول ضرورة خلق منبر سياسي يعبر عن الثورة السورية. في شهر آب ٢٠١١م جاء من اقترح أن يكون هناك مجلس انتقالي سوري وان يكون د.برهان على رأسه، أعتذر د.برهان، لكن ذلك  دفعه الى الانغماس أكثر في الحراك. بعد ذلك حصل مؤتمر الإنقاذ في اوائل شهر تموز ٢٠١١م دعي إليه د.برهان، لكنه انسحب منه لسيطرة اللون الواحد عليه، قاصدا الإسلاميين. كان مصرّا على تمثيل الداخل والخارج وكل الأطياف السورية. كما دعا مسؤول المركز العربي عزمي بشارة في أواخر تموز ٢٠١١م إلى ندوة محدودة العدد للقاء تشاوري في ايلول من نفس العام؛ أدت إلى دعوة لبناء ائتلاف وطني سوري يتألف من ٢٥ شخصا منهم ١٦ من الداخل السوري و٩ من الخارج. لكن المقترح لم يفعّل واغلب من وقع عليه مبدئيا تراجع عنه. ثم تكللت المساعي والحراك الى بناء مجلس وطني سوري، كان قد تشكل قبله مجلسا وطنيا مؤقتا لم يحظ بالاعتراف المناسب. شارك د.برهان في هذا المؤتمر وكان قد اشترط أن يكون مجلسا شاملا لكل القوى المعبرة عن الشعب وثورته، و أن يكون هناك توازنا في التمثيل، وأن يكون المؤتمر نواة حقيقية لمجلس وطني سوري أقرب لتمثيل الشعب السوري الثائر فعلا. وهكذا تم الإعلان عن ولادة المجلس الوطني السوري في ايلول ٢٠١١م. يؤكد د.برهان أن لا دور لأي دولة من دول أصدقاء الشعب السوري في تشكيل المجلس الوطني السوري بالشكل الذي حصل. أكد د. برهان أن الدول الداعمة للثورة السورية من عربية وأجنبية، لم تكن على تناقض مطلق مع النظام السوري، فقد كان أغلبها يتحرك ضمن فكرة تصويب النظام وتخفيف عنفه وان يتجاوب نسبيا مع مطالب الناس؛ لأن كل هذه الدول على علاقة وطيدة سابقة بالنظام وهناك مصالح مشتركة، لكن تصعيد النظام ضد الشعب والسخرية العلنية من هذه الدول وقادتها، جعل هذه الأنظمة أكثر جذرية في مواجهة النظام السوري. كان النظام السوري قد أخذ الضوء الأخضر من حلفائه العلنيين إيران وروسيا بأن يتصرف كما يشاء ودعم عسكريا وماليا مع المرتزقة ليقضي على ثورة الشعب السوري، كما كان قد حصل النظام السوري على دعم (إسرائيل) ليستمر بالحكم، (عدو تعرفه خير من عدو تجهله)… الخ، طبعا ومن ورائها أمريكا. للاستطراد نقول ان الحرب في سورية وضد شعبها عنى مصلحة لكل اعداء الشعب السوري اولهم النظام السوري، الضحايا الشعب والبلد بكل مافيها.

يتابع د.برهان التحدث حول المجلس الوطني السوري الذي كان رئيسه، انه ما أن اعلن عنه حتى بدأ الاعتراف به، واصبح المنبر الذي يتحدث من خلاله مع دول العالم كلها عن الشعب السوري وحقوقه وثورته في مواجهة النظام السوري المستبد المجرم. الحراك الداخلي السوري عبر تظاهرة، اعلن قبوله للمجلس الوطني ممثلا له؛ (المجلس الوطني يمثلني)، كما حصل دعم دولي ولقاءات مع الدول الفاعلة دوليا. لم تستطع الدول الداعمة للثورة السورية أن تستصدر قرارا من مجلس الامن يدين النظام او يلزمه بأي فعل يخفف العنف الوحشي بحق الشعب السوري او يدفع بالتحرك نحو حل لحق الشعب السوري بالدولة الديمقراطية العادلة. ذلك بسبب الفيتو الروسي الصيني. كما عمل المجلس الوطني السوري على تفعيل العلاقة مع الدول العربية التي دعمت الثورة السورية، كما تواصل مع الدول التي انتصر بها الربيع العربي؛ تونس ومصر وليبيا، ووعدوا بمساعدة الشعب السوري وثورته على كل المستويات. كما تمكنت جهود المجلس الوطني السوري مع أصدقاء الشعب السوري الى استصدار قرار من الجمعية العمومية للأمم المتحدة باغلبية ساحقة تدين النظام السوري وجرائمه وتطالبه بإعطاء الشعب السوري حقه، وتطالب بمحاسبته، كان ذلك في شباط ٢٠١٢م. صحيح انه قرار غير ملزم للتنفيذ لكنه ذي تأثير معنوي على النظام السوري وداعميه.

كانت هذه جردة مختصرة لأغلب ما قام به المجلس الوطني السوري في بدايات تشكيله، وكان د.برهان مسؤوله الأول.

* الثورة والمعارضة:

        إفلاس النخبة السياسية.

في هذا الفصل يتحدث د.برهان وبكثير من الشفافية عن البنية الداخلية للمجلس الوطني الذي بني وكان أول رئيس له، التكتلات والصراعات والمواقف، وكأنه يقدم شهادة للتاريخ. بعد سبعة أشهر على حراك الثورة السورية تأكد حصول شقاق بيني ممن أعلن انتماؤه للثورة السورية؛ صراع علماني إسلامي، كان طاغيا على الصراع مع النظام، تم طمس حقيقة التوحد الوطني الديمقراطي لكل مكونات الشعب السوري وقواه السياسية بغض النظر عن خلفياتها العقائدية في مواجهة النظام المستبد المجرم، لصالح صراعات بينية طاغية، بين الاسلاميين والعلمانيين، وداخل معسكر العلمانيين انفسهم وكذلك داخل الاسلاميين، كانت تغلب على حقيقة الصراع المصالح الخاصة الذاتية والفردية والفئوية. اختلفوا حول سلمية الثورة وتسليحها، لم يبحثوا في الشروط الموضوعية، اعتمدوا الصراع البيني الذي سيضرب العمل المشترك لمصلحة الثورة السورية.

* اعلان دمشق ودورة في المجلس الوطني السوري.

استطرادا من د. برهان في تنوير وتعرية مواقف كل الأطراف في المجلس الوطني السوري حديث التشكيل، والذي اعتمد في تشكيله على نسب عددية لمكوناته ومنها إعلان دمشق الذي سيكون استمرارا لتكتله السابق ما قبل الثورة وهيمنة حزب الشعب (المكتب السياسي سابقا) عليه، وتفرد رياض الترك بشخصيته و فرادته وإلزامية مواقفه على كل كوادره، لقد استمر بالتواجد في الداخل السوري، كان يبعث قراراته ومواقفه الى ممثل إعلان دمشق في المجلس الوطني وكأنه مجرد رسول وليس شريك له حق اتخاذ المواقف وتطويرها وتعديلها حسب مقتضيات الحال، كان محكوما بتعبير: (هكذا قررت القيادة). هذا من الجانب الاجرائي، اما من الجانب العملي فقد اظهر ممثل إعلان دمشق تذمره من وجود د.برهان في قيادة المجلس، لاعتبار أنه اكاديمي وليس سياسي، ولانه لم يكتوي بنار الاعتقال السياسي الذي عاشه اغلب كوادر الاعلان ولسنوات طويلة. وعندما ناقشوا فترة الرئاسة للمجلس الوطني كان موقفهم متشنجا عند فترة شهر تتغير دوريا، وهذا مستحيل واقعيا ، كيف يستطيع اي رئيس مجلس ان يقوم بدوره بعلاقات دولية واقليمية في فترة شهر واحد؟. والأسوأ عندما تم السؤال عن المبرر في قصر المدة أن الجواب كان بأن أيام النظام السوري معدودة وسيسقط لذلك حقهم وحق الاخرين ان يصلوا لهذا المنصب ويمارسوا قيادتهم للمجلس ؟!!. لم يكن للثورة والشعب أي اعتبار في ردهم، لم يفكروا بالفاعلية والاستمرارية وخلق قنوات التواصل الاقليمية والدولية وتفعيلها، وهذا يعتمد اولا على الشخصية المتفاعلة واستمراريتها لوقت يسمح بخلق الفعالية واستمراريتها. لكل ذلك كان دور جماعة اعلان دمشق معطل ومثبط لد. برهان خاصة ان جماعة الاعلان هم الاقرب فكريا وسياسيا ل د. برهان، لكن المصالح الخاصة والفردية والفئوية كانت الحاكمة في سلوكهم، وهذا أكثر ما جرح د.برهان .

* الإخوان المسلمون ودورهم في المجلس الوطني السوري. 

ينتقل د.برهان للتحدث عن وجود ودور الإخوان المسلمون في المجلس الوطني. كان للإخوان المسلمين سمات عامة أصبحت تميزهم: فهم حاضرين بكثافة في كل مناشط الثورة، يعملون وفق أجندتهم الخاصة الغير معلنة، يعيشون عقد الاقصاء والاضطهاد التي مورست عليهم تاريخيا، يتميزون ببنية تنظيمية راسخة وقوية وعملية، يتفاعلون مع كل معطى أمامهم، يتصرفون للاستحواذ على كل شيء. كانوا قد طوروا موقفهم العقائدي من الواقع السوري، بحيث اعلنوا في مشروعهم الحضاري بعد ٢٠٠٥م و٢٠٠٧م، عن قبولهم الخيار الوطني الديمقراطي المدني لسورية، لكن سلوكهم بقي فئوي ويعيشون حالة ارتياب دائم من الاخرين، عذرهم انهم ضحية هجمة شرسة من بعض العلمانيين السوريين، كما انا الهوى الدولي يومئ لهم بصفتهم الحالة السياسية المولدة لكوادر الإرهاب (الاسلامي) مثل القاعدة و داعش والنصرة لاحقا. كانوا متحالفين مع إعلان دمشق في المجلس الوطني كاستمرار تحالفهم منذ الثمانينات ايام تحالف رياض الترك مع الاخوان وآخرين تحت المظلة العراقية وجبهة تحرير سورية. كانت لهم اجندة موازية يعملون عليها ايام اعلان المجلس الوطني، حيث جمعوا عددا من الناشطين تحت مظلتهم في قاعة اخرى في الفندق الذي حصل به مؤتمر المجلس الوطني وفرضوا على المجلس ان يتوسع شخصيات اخوانية رديفة له أو شخصيات تسترت بهم والتحقت بالمجلس مثل رندة قسيس، كان هدف الإخوان أن يحصلوا على اكبر حضور في المجلس الوطني. وغير ذلك عملوا لتشكيل هيئة حماية المدنيين لعمل موازي لنشاط المجلس الوطني، يقوم بأعمال إغاثية ودعم للشعب السوري على حساب المجلس الوطني وتجاوزا له، بحيث ظهر المجلس وكأنه دون فاعلية ولا دور ايجابي له، وهذا ساعد في ضرب مصداقيته. وحصل نفس الشيء في العمل العسكري للكتائب التي بدأت تتشكل حديثا، حيث قدم الاخوان لها الدعم، وهذا انتهى عند هذه المجموعات إلى تغييب الأجندة الوطنية الديمقراطية لصالح اجندة دينية اسلامية، ستنتهي عند البعض لمواقف طائفية، وعند آخرين ليكونوا رصيدا للجماعات التي صنفت ارهابية وعملت فعلا ضد الشعب السوري وثورته، مثل داعش والنصرة على تغيير مسمياتها. كل ذلك جعل الإخوان يعملون مع المجلس الوطني كأمر واقع و بسلبية، لهم أجندتهم الخاصة لا يعرفون التحالفات ولا التوافقات ولا العمل المشترك، يستخدمون اي علاقة أو مجموعة كمركب لهدفهم الخاص وسرعان ما يتخلون عنه عندما يجدون ذلك من مصلحتهم. لذلك كانوا في المجلس الوطني عبئا وليسوا رافعة وطنية ايجابية.

* مجموعة العمل الوطني ودورها في المجلس الوطني السوري.

يتحدث د.برهان عن مجموعة العمل الوطني أو (مجموعة ٧٤)؛ هم مجموعة ذات خلفية إسلامية، بعضهم اخوان مسلمين سابقين، لا يعرف إن كانوا مستقلين فعلا او احدى تشكيلات الإخوان المعتمدة ليوسعوا حضورهم في المجلس وبالتالي مكتسباتهم، من رموزهم احمد رمضان وعماد الدين رشيد، يتعاملوا مع المجلس الوطني الجديد وكأنه ملكيتهم الخاصة، لأنهم هم من سعى سابقا لتكوين المجلس الوطني المؤقت الذي تم تجاوزه، كان همهم المباشر مصالحهم الخاصة كأفراد و كمجموعة ، متجاوزين مصلحة المجلس ومصلحة الثورة السورية والشعب، لم يقوموا بالأدوار المنوطة بهم، أحمد رمضان كان المسؤول الاعلامي للمجلس ولم يقم بالدور المطلوب منه، وكذلك بعضهم الآخر المسؤولين عن التواصل الدولي، كان هناك إهمال متعمد يضر قطعا في مصلحة الثورة والشعب السوري، تحكمهم عقلية  المحاصصة والمنافسة والمكاسب الذاتية، اغلب رموزهم يتصرفون أن الثورة السورية كعكة مصالح يعمل الكل ليجعل حصته منها أكبر ما يكون.

ينهي د.برهان التحدث عن الاخوان المسلمين وإعلان دمشق ومجموعة العمل الوطني، بأن أدوارهم تناغمت لتفشيل المجلس الوطني عموما، وإدارة د.برهان ولكل أسبابه الخاصة. كانوا يعملوا لتحقيق مصالحهم الذاتية على حساب كل شيء بدء بالمجلس الوطني نفسه وانتهاء بالثورة والشعب السوري.

* الجيش الحر والمجلس الوطني السوري.

تحدث د.برهان بمرارة عن علاقة المجلس الوطني مع الضباط المنشقين، منهم العقيد مصطفى الاسعد الذي كان سباقا للانشقاق، والذي تواصل معه د برهان. كان الأسعد قد أعلن نفسه الاب الشرعي للجيش الحر، عاش احساسا بملكية الجيش الحر، وهو مصدر الشرعية، رفض اي شكل من أشكال التفاهم مع المجلس الوطني، ومحاولة الانتقال الى عمل منظم و مهيكل ومضبوط وفق قواعد عسكرية، ليتمكن المجلس من جعله عنوانا للعلاقة مع الأطراف الإقليمية والدولية المساعدة للثورة السورية، كان تصرف الاسعد مصلحيا فرديا متعاليا. وسرعان ما تفاقمت المشكلة عندما التحق العميد مصطفى الشيخ في الضباط المنشقين وله الاقدمية العسكرية على الاسعد، واختلفوا حول من يقود الجيش الحر، كان مصطفى الاسعد قد طلب من د.برهان بصفته رئيس المجلس ان يعطيه رتبة لواء ليكون قائدا لا ينازعه احد في الجيش الحر، لم يستجب د. برهان لذلك لعدم صحة الحالة ولانها ملكية للثوار والثورة. اصطدم العميد الشيخ مع العقيد الاسعد على الشرعية والمشروعية، بحيث تورط المجلس الوطني بالعمل لحل الخلافات، وذلك اضرّ بالثورة ومحاولة بناء بعض القوى العسكرية التابعة للمجلس الوطني، وترك الموضوع لمجموعات مدنية تكوّن قوى مسلحة بدعم فردي او من دول وتصبح محكومة بأجندة تلك الدول، أو تتكون مجموعات اسلامية ذات أجندات غير وطنية، ستؤدي على المدى المستقبلي الى التشتت والضعف والانحراف في العمل العسكري للثورة السورية. كل ذلك كان سببا في مزيد من ضياع الاستقلالية في التوجه العسكري لقوى الثورة السورية اضافة لغياب توحدها وغياب الاجندة الوطنية عنها، كان حسابها الختامي ضررا على الثورة والشعب السوري.

 

* خيبة الأمل بالمثقفين .

يتحدث د.برهان عن جبهة المثقفين السوريين الذين كان يعول كثيرا عليهم كرديف لمناشط الثوار في كل الميادين. كان إدراك د.برهان الموت السياسي والاجتماعي السوري في فترة الاسد الاب والابن، قد جعلت وجود وحضور الكوادر السياسية و المثقفة الواعية قليلا، لذلك كان رهانه على ما أفرزته مرحلة الحراك في ربيع دمشق في بدايات حكم بشار الأسد، هؤلاء الناشطين الذين اعتقل بعضهم واستمر الأغلب منتميا الى الخيار الوطني الديمقراطي. اصطدم د.برهان ان اغلب هؤلاء السياسيين والمقفين محكومين بعقدهم السابقة الناتجة عن سجنهم وعدم تواصلهم وتفاعلهم وغياب ثقافة الحوار والتفاهم وخلق توافقات عملية مرحلية في حركية سياسية كانت منعدمة اطلاقا. كان ينتظر ان يكونوا الجنود الفاعلين مع المجلس الوطني واجندته الوطنية الديمقراطية المنتصرة للثورة والشعب السوري؛ لكنهم لم يحضروا الا ما ندر. كانوا قد تورطوا واغلبهم علمانيين في الصراع العقائدي مع الإسلاميين بدل ان يوجهوا طاقتهم لدعم ثورة الشعب واجندته في مواجهة النظام واسقاطه، كما أن أغلبهم اعتبر أن المجلس الوطني قد استحوذ عليه الاسلاميين فقرروا الالتحاق بهيئة التنسيق الوطنية، بما يعنيه من موقف رمادي سياسيا ومتذبذب حيال الشعب والثورة واتجاه النظام. كما ان اغلب المثقفين اخذوا موقف المتفرج السلبي من تداعيات الثورة والعمل مع المجلس الوطني. تارة يتهمونه أنه يستدعي التدخل الخارجي، وتارة بأنه يجب أن نتفاهم مع النظام رغم كل افعاله بحق الشعب السوري، او تشويه المجلس وانه موقع للسرقة والنهب وبيع القضية السورية. تحول اغلب المقفين لقوى ضاربة ضد المجلس دوليا وإقليميا وبكل الوسائل الممكنة. اقتنع اغلب الايجابيين منهم انهم عاجزين عن فعل اي شيء، لقد اقنعوا انفسهم ان المجلس الوطني محتل من الاسلاميين ولا امل وآثروا السلبية. وتورط الاغلب في شن حرب على المجلس وعلى الدول التي اعتبرت داعمة له خاصة تركيا وقطر. كما اعتمد البعض حملة تشهير بالمجلس ورئيسه بالذات د.برهان. مع ذلك كان الالتحاق البعض منهم بالمجلس دور إيجابي مثل هيثم المالح وغيره.

يتحدث د.برهان واقع حال المجلس الوطني وما وصل إليه من طريق مسدود، فبعد ثلاثة أشهر انقطع تواصل د.برهان مع مكونات المجلس، قرر كمخرج ان يدعو للجمعية العامة للمجلس، تحدث مع المنصف المرزوقي رئيس تونس المؤقت بعد ثورتها. وحصل المؤتمر في تونس طرحت فكرة تمديد فترة الرئيس إلى سنة ، واختلفوا، حصل التصويت ووافق الاغلب واختلفوا صراخا وضربا بالايدي والكراسي، اعيد التصويت على ستة اشهر، وافق الاغلب واختلفوا بالايدي والكراسي. كان ذلك صادما ل د.برهان فقرر إلغاء التصويتين. ومع ذلك اكتشف د.برهان ان هناك اجتماع ل٧٠ سخصية في احدى القاعات على رأسهم كمال اللبواني وفواز تللو والبني، اجتمعوا على الاساءة بال د برهان وكان ذلك مؤلما له. اين هم واين المجلس وما درجة الارتباط بين هذه الكوادر والشعب المستباح من النظام في سورية كلها.

كان احساسه بخيانة الكل للدم السوري قويا وقاسيا.

* الشرعية العربية والدولية للثورة السورية.

عمل د.برهان في ذات الفترة على ضرورة تفعيل الحضور العربي والدولي للثورة السورية، التقى رئيس الجامعة العربية بصفته رئيس المجلس الوطني، طالبهم  بتوحيد المعارضة السياسية للنظام، لانه سيكون مقدمة للحصول على مقعد سورية في الجامعة العربية، وكان هذا مقدمة للاعتراف الدولي. بعث د برهان بعض كوادر من المجلس الوطني المتواجد في اسطنبول إلى القاهرة التي كانت مركزا لهيئة التنسيق الوطنية، حصلت الاجتماعات وطالت لمدة شهرين تمخضت عن رسالة توافق سياسي قدمت للجامعة العربية. لكن تقديمها اقترن مع خروج شخصين بموقفين مختلفين أساءا للاتفاق وحقيقته. خرج أحمد رمضان وهو ممثلا للمجلس الوطني وكان مشاركا في إعداد الاتفاق، مع ذلك يندد به ويعتبره تراجعا عن ثوابت المجلس الوطني. كما خرج هيثم مناع ليؤكد على أن الاتفاق تاريخي بين المجلس والهيئة، وبالحالتين اساءة للاتفاق وحقيقته وأنه مجرد ورقة تفاهم اعدت للجامعة العربية. خرج د.برهان للاعلام ووضح الأمر وتم تجاوز الالتباس، بعد ذلك تم الإعداد لمؤتمر القاهرة لقوى المعارضة والثورة السورية في تموز ٢٠١٢م، حصل المؤتمر وأكد على ذات المواقف والاشكالات والاختلافات، لم يستطع للأسف صناعة الهيئة الواحدة للثورة السورية سياسيا وعسكريا. هذا يعني أن حالة الثورة السورية ومن يمثلها يدخل المجهول والتشتت والضياع اكثر والأيام القادمة أكثر سوءا.

* من الانقسام إلى الفوضى.

يتحدث د.برهان عن واقع العمل داخل المجلس الوطني السوري الذي كان هو رئيسه، وكان فصل لاحقا وهنا من استحواذ القيادات التي رسخت نفسها ومن تمثل من إعلان دمشق والإخوان المسلمين وهيئة العمل الوطني، تؤبد سيطرتها وامتلاكها للمجلس وتحتكره لها. كانت هذه القيادات تعزف كل الوقت على فكرة التسلح للثوار وطلب الدعم العسكري والمالي وان لا حل الا اسقاط النظام. وطرحت فكرة توسعة المجلس الى ٤٠٠ عضو بعد ان كان ٢٥٠ عضو، دون أي ضابط حقيقي لهذه التوسعة، بحيث تزيد عبء جهل الاعضاء ببعضهم وعدم توافقهم، مع عدم وجود أي تغيير في مراكز القوة والهيمنة للأطراف الاساسية. وهذه الهيمنة على المجلس جعلته جزء من حملة صراع مستديم بينه وبين المنتسبين للثورة والعمل السياسي المعارض المتواجدين خارجه مثل هيئة التنسيق، وبذلك لم يعد يقنع الاطراف الاقليمية والدولية بأنه ممثلا لقوى الثورة والمعارضة، واقتنعت هذه القوى بأن قوى المعارضة والثورة السورية عاجزة عن التوحد وبالتالي حرمت المجلس من امكانية الاعتراف به، وبدأت كل دولة تعمل لتخلق امتدادها فكرا ومصلحة داخل المعارضة والثورة السورية. من هنا بدأت قضية الشعب السوري وثورته رهينة بيد الحلفاء والأعداء. كانت للأسلمة التي بدأت تظهر بقوة في تكوين المجلس أو القوى العسكرية دورا مساعدا لتشويه النظام للثورة وانها طائفية، مما جعل الكثير من مكونات الشعب السوري الدينية والمذهبية تنكفئ عن الالتحاق بالثورة، وتؤثر الوقوف على الحياد وانتظار ما يأتي به المستقبل، وبهذا الشكل خسرت الثورة الكثير من مشروعيتها ومن داعميها من مجموع الشعب الضحية للنظام وأفعاله. كما غابت عن المتحكمين بالمجلس عقلية العمل الجبهوي المصلحي، التي تركز على الاهداف المشتركة وتتجاوز كل خلاف عقائدي او سياسي لصالح العمل المشترك، لقد حولوا الثورة والمجلس لحزب سياسي رغم ان الثورة والعمل السياسي لاجلها هو اتفاق كل المتضررين على ما يجب فعله وفعله بعد ذلك. كل ذلك جعل القوى الاقليمية والدولية تصل لقناعة بأن المجلس قد استنفذ دوره ومهمته، وبدأ التفكير الجدي في خلق الائتلاف بديلا عنه، مع مزيد من التدخلية به وضرب استقلاليته. كان ذلك بداية تفكير د.برهان بأن المسار وصل الى مستوى غير مقبول واصبح يفكر بمغادرة مركب المجلس، الذي وجده اصبح يعمل ضد ما خلق لأجله.

* معارضة المعارضة:

 هيئة التنسيق: أعاد د.برهان التذكير بوجود وفعل هيئة التنسيق الوطنية، التي وجدت لها مبررا أن تعلن شرعيتها معبرة عن القوى السياسية المعارضة والثورة السورية، مختلفة مع اجندة المجلس الوطني الذي اتهمته بأنه يستدعي التدخل الخارجي لاحتلال سورية، وانه يورط الشعب السوري بالعمل المسلح الذي يضر بالسوريين جميعا سلطة ومعارضة، وانه لم يستنفذ امكانية الحوار والحل مع النظام السوري، البعض ادعى أن لهجته المنخفضة لكون اغلبهم في الداخل، والبعض اعتبرهم مدعومين من النظام لشق الثورة وإقناع كل الاطراف ان القوى السياسية المعارضة السورية عاجزة عن أن تتوحد سياسيا وعسكريا، وهذا عنى عند هذه الاطراف ان لا يوجد عند هذه المعارضة من يمكن ان يمثلها في اي استحقاق دولي قادم. بهذا الشكل يتبادل المجلس الوطني بهيمنة إعلان دمشق به مع صراعه التاريخي مع هيئة التنسيق على وأد القضية السورية وجعلها إقليميا ودوليا في حالة موات واقعية.

* الانشقاق الكردي.

يتحدث د.برهان في هذا الفصل عن دور الأحزاب الكردية في المجلس الوطني السوري، ويعود الى القضية الكردية عموما والقضية الكردية في سورية خصوصا، فهو يقر بالحق القومي للأكراد كأمة بأن يكون لهم دولتهم القومية تماما كما شعوب المنطقة: العرب والترك والفرس، لكنه يطالبهم بالتفكير بالظرف العام الذين هم فيه في هذه البلدان، دورهم في تركيا عبر حزب العمال الكردستاني أساء للكرد حيث كان الحزب اداة اقليمية بيد النظام السوري استثمر ارهابيا في تركيا، وأعلنت الدولة التركية الحرب عليهم، كذلك في إيران عاملتهم الدولة بالبطش وانعكس ذلك عليهم بالسوء، أما في العراق فقد استطاع الكرد الوصول للحكم الذاتي في مناطق تواجدهم شمال العراق مستفيدين من الصراع بين أمريكا ونظام صدام حسين عبر عقود سابقة، اما تواجدهم في سورية فهو الاضعف من حيث العدد أو الامتداد، لذلك كانت اجندة اغلب الاحزاب الكردية هي الاعتراف بخصوصية قومية ثقافية ولغوية وأكثر ما يطمحون به هو حكم ذاتي إداري ان امكن، لكن همهم الأكبر مع بقية القوى السياسية السورية المعارضة هو اسقاط الاستبداد في سورية ورفع الغبن عن الشعب السوري وهم منه، ناضلوا للحصول على الجنسية للمحرومين منها، وللحصول على تطوير تنموي واجتماعي في مناطق طرفية مهملة. كان الأكراد السوريين متوزعين بين بضع عشر حزبا، أغلبهم يتبع فكريا وسياسيا الى فكر مصطفى البرزاني ومن بعده ابنه مسعود البرزاني، علاقتهم قوية مع حكومة اقليم شمال العراق الكردي، وهناك ايضا امتداد لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المنافس لحزب برزاني في العراق، حزبا مماثلا في سورية، الاتحاد الديمقراطي، الذي هو عمليا امتداد لحزب العمال الكردستاني، المتمركزة قيادته في قنديل على الحدود العراقية التركية، مع التأكيد أن حزب العمال الكردستاني هو صناعة نظام حافظ الأسد و صنيعته منذ ثمانينات القرن الماضي، ليكون أداة صراع ومساومة ضد تركيا ويوجه طاقات الشباب الكردي السوري خارج الساحة السورية. المهم ان الشباب الكردي في سورية كان سبّاقا في الربيع ومشاركا فيه بفعالية، الأحزاب كانت مترددة، تنتظر كيف ستؤول الأمور وكيف تستثمر هذا الحراك لأجل أجندتها الخاصة، كان مشعل تمّو وحزب المستقبل الكردي الاستثناء الوحيد المنخرط مع الشباب الكردي في الثورة السورية وحراك التظاهر ضد النظام والدعوة لإسقاطه وبناء دولة ديمقراطية في سورية، لكنّ النظام السوري اغتاله وضعف الحراك الكردي بغيابه. الأحزاب بدأت تتواصل فيما بينها ومع حلفائها. الأحزاب التابعة للبرزاني التقت به اكثر من مرّة وبعضها بوجود د.برهان انتهت بنتيجة ميدانية وهي النأي بالنفس واخراج المناطق الكردية من الحراك الشعبي السوري في مواجهة النظام، وهذا تناغم مع فعل النظام الذي أراد شراء ود الأكراد عبر منح الجنسية لمستحقيها اصلا وعدم استعمال العنف المفرط في مناطق تواجدهم. وهناك نتيجة سياسية وهي استثمار الفرصة لرفع سقف المطالب الكردية الى مستوى البحث عن الكيان الكردي في الشمال السوري بأشكال مختلفة؛ حيث اعتمدت الأحزاب المتحالفة مع البرزاني لتشكيل المجلس الوطني الكردي بأجندة كردية خالصة وكانت تماطل المجلس الوطني السوري، ولا تلتحق بأي من مناشطه، تستغل أي مناسبة للتحدث عن قضيتهم الكردية وحقهم بالحكم الذاتي او الدولة الكردية حيث هم، وعلى مستوى آخر قام حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وهو امتداد لحزب العمال الكردستاني بالتمدد على الأرض بخلق قوة عسكرية كردية وطرح مقولة كردستان الغربية عن الوجود الكردي في سورية، وكان هناك تناغم بين هذا الحزب والنظام السوري، حيث تم تسليم السلطة وحتى بعض الإمداد العسكري للحزب من قبل النظام في أغلب مناطق تواجدهم. وبهذا الشكل تكون الاحزاب الكردية قد عزلت الاكراد السوريين في مناطق تواجدهم عن المشاركة في حراك الثورة السورية، إلا ما ندر، كما أنها وضعتهم في اجندة لا وطنية سورية، سواء كما فعل المجلس الوطني الكردي الذي استمر يماطل ولا يلتزم فعليا مع المجلس الوطني السوري، او امتداد حزب العمال الكردستاني على الارض حيث أصبحت السلطة الحقيقية بيده وبدأ الاكراد يعيشون اجواء بطش واستبداد واعتقال من هذه القوة ولا صوت لاي مختلف. هكذا تم إبعاد الاكراد عن الحراك الوطني الديمقراطي السوري في أحرج اوقاته، تارة بالمطالبة بالغاء كلمة العربية من اسم الدولة السورية، وتارة بالمطالبة بالاقرار بحقهم بالحكم الذاتي او خلق كيان خاص لهم قبل اي عمل مشترك. والنتيجة إفشال العمل في المجلس الوطني السوري وإضعافه، وانتقالهم بقسميهم ليكونوا جزء من أجندة القوى الاقليمية والدولية، وهذا يعني انهم خارج الاجندة الوطنية الديمقراطية السورية. هذا ما وثقه د.برهان عن الحضور الكردي في تلك الفترة الحرجة من الثورة السورية.

* عدنان العرعور.

مهدي منتظر ام اعور الدجال؟

يتحدث د.برهان في عنوان يحمل الكثير من التهكم عن الشيخ السلفي عدنان العرعور ودوره في الثورة السورية. عدنان العرعور شيخ سلفي وهابي من مدينة حماة السورية، انتقل الى السعودية منذ عقود، كانت السعودية قد استخدمت مواهبه الخطابية ومعلوماته الدينية في معركتها مع التمدد الشيعي الذي قامت به إيران بعد سيطرة الخميني ومن بعده تياره على السلطة هناك، كان ذلك في محطات فضائية خُلقت لذلك مثل محطة صفا. كان يركز على الخلاف المذهبي بين السنة والشيعة، وكان يؤسس فكريا ووجدانيا الى عداء طائفي سينبت صراعا دمويا في كثير من البلدان بعد حين. عندما قامت الثورة السورية، وجه العرعور كل طاقته لدعم الثورة لكن وفق أجندته الخاصة: الصراع السني – الشيعي العلوي، كان ذلك على حساب حقيقة الصراع كونه صراع شعب بكل أطيافه ضد دولة استبدادية، كان يأخذ الدعم بالظهور الإعلامي المكثف، هذا اضافة للخطابة الدينية التي تتوغل في وجدان الناس، البساطة والتجييش العاطفي والنفسي سلاحه المعنوي المباشر، يضاف الى ذلك محاولته أن يصنع لنفسه شرعية ثورية من خلال تأمين الدعم المادي مال وسلاح لكثير من المنكوبين السوريين والكثير من المجموعات المسلحة المتواجدة بكثرة بثوب ورايات إسلامية. كان ذلك على حساب المجلس الوطني السوري ودوره، المجلس الذي يحاول أن يجعل قضية الثورة السورية قضية شعب وحرية وعدالة وكرامة في مواجهة الاستبداد، وليس صراعا طائفيا كما يحاول أن يؤكد النظام، يستقطب كل الغير مسلمين حوله، وليجند القوى الدولية وحلفاؤه ضد الإرهاب (الاسلامي السني) ، كما حصل بعد ذلك. حاول العرعور أن يستحوذ على المجلس الوطني السوري بالمطالبة بالدخول به شريطة أن يحصل على نصف مقاعده، وعندما رُفض طلبه لانه خارج الاجندة الوطنية ولانه يريد مصادرة المجلس له، بدأ بحملة شعواء على المجلس وعلى د.برهان شخصيا وصلت الى مستوى التكفير والتخوين. المهم كان العرعور قد تمدد في واقع الثورة السورية بين الشعب والمقاتلين، حيث كان المعبر شبه الوحيد للدعم المادي والعسكري للثورة والشعب المنكوب والثوار، كان ذلك ضمن شبه قرار دولي وإقليمي. استطاع العرعور ان يشق الصف الوطني للثورة السورية في سنواتها الأولى، لقد زرع النباتات الاولى لخلق الفصائل الاسلامية مثل أحرار الشام وجيش الإسلام، وتغذى كثير من الشباب بأفكاره لتكون امتدادا بشريا للنصرة وداعش بعد ذلك، وعندما انتهى دوره في السنوات اللاحقة مع ضعف الجيش الحر وانهزامه ودخول القضية السورية في مسار التعطيل والمراوحة، وبداية تراجع المد الشعبي والدعم الخارجي، غاب العرعور من الصورة وكأنه لم يكن يوما قائد الثورة المعلن، انه رجل دور به ظهر به وبنهايته اختفى. لكن بكثير من الاضرار المميتة للثورة والشعب السوري.

* خيارات السياسة والحرب.

تحدث د.برهان عن معاناة الشباب السوري الثائر امام اصرار النظام على الرد على الحراك السلمي والتظاهر باعلى درجات العنف القتل والاعتقال، والذي سيزيد من حدته لاحقا ليصل الى قصف المدن وتشريد الناس وارتفاع أعداد الشهداء بشكل يومي ليصل بالشهر الواحد الى الالاف. كل ذلك جعل المجلس الوطني والناشطين أمام أمام خيارات مرّة هل يصبر على النظام وقتله للشعب، أم يلجأ الى خيارين قد يكونا اضطراريين: طلب التدخل الخارجي وعسكرة الثورة السورية.

* الثورة المخدوعة أو خرافة التدخل الخارجي.

تحدث د.برهان بالتفصيل عن واقع حال حراك الشباب السلمي عبر التظاهر وبدأ من اليوم الاول للثورة السورية، وكيف أخذ النظام قراره مبكرا بالقضاء على الحراك بأي ثمن، وبالفعل بدأ النظام بالتصدي للتظاهر بالسلاح الحي وبدأت قوافل الشهداء تتزايد. كان د.برهان والمجلس يعيشون أجواء الاختلاف حول ضرورة طلب التدخل الخارجي، كانت تجربة التدخل الخارجي في الذهنية السياسية والشعبية توحي بالاحتلال كما حصل بالعراق، وان الغرب ومنذ عقود لم يأتي للمنطقة العربية إلا لمصلحته وضد مصلحة الشعوب العربية، كان هناك صراع خفي وعلني بين طالبي التدخل وان النظام قد استفرد بالشعب السوري قتلا واعتقالات وتشريد الناس وتدمير للمدن، كان ذلك قد حصل بعد أشهر من بداية الثورة السورية، وكان النظام مدعوما من الايرانيين والروس بكل الامكانات. لذلك كان مطلب الدعوة للتدخل الخارجي مشروعا لدى اغلب ناشطي الثورة واغلب كتل المجلس الوطني، وكانت هيئة التنسيق قد حددت موقفها الرافض للتدخل الدولي في سورية، واعتبرته احتلالا، واعتبرت من يستدعيه اقرب للخيانة. كان لهذا الموقف نتيجة حتمية وهو شق صف القوى المعارضة للنظام، كما أن ذلك لمصلحة النظام الذي أكد ان بعض المعارضة خونه، ودفع هيئة التنسيق للتقرب من النظام أكثر ولعلها تجد معه حلا. لكن ذلك لم يغير من حقائق الأرض شيء. اولها ان ظروف التدخل الدولي في سورية غير محققة، فهناك الفيتو الروسي الصيني، وهناك الدور (الاسرائيلي) الذي تبين انه لا يرغب في اسقاط النظام، وان هناك توافقات ما معه، كما ان الغرب وامريكا لم يغادروا مقولة: ان لا حل عسكري للأزمة السورية، وأن الحل سياسي. لذلك كان الخلاف على التدخل الخارجي ليس ذي معنى، انه خلاف على امر لن يحصل. كما ان المجلس الوطني كان مطالبا بموقف يستدعي حماية الشعب السوري من بطش النظام وعنفه، لذلك كان مطلب الحماية الدولية هو الحل الوسط الذي طرحه د.برهان في مواجهة النظام، ومع ذلك لم يتم الاستجابة له، لأن الدول تتصرف وفق مصالحها وليس لدوافع انسانية، لكن تأرجح الموقف من التدخل الخارجي زاد من تشرذم وضياع المعارضة السياسية بين طالب للتدخل العسكري المباشر وطالب الحماية الدولية للشعب السوري وبين رافض للتدخل الخارجي بأي شكل، وهذا عنى تشتت قوى المعارضة وغياب وحدتها ووحدة موقفها. وهذا ما ضعفها أمام الشعب والقوى الدولية التي لم تجد أمامها طرفا واحدا تتعامل معه في شأن الثورة السورية من جانب المعارضة والثوار.

* الثورة المسلحة.

تحدث د.برهان عن موضوع تسليح الثورة السورية بإسهاب وتسلسل زمني مسلطا الضوء على كل المعطيات المرتبطة بموضوع التسليح. بالبداية كان حراك الشباب الثائر سلميا عبر التظاهر وسرعان ما أصبح حراكا شعبيا غطى تقريبا جغرافيا سورية، وصلت اعداد بعض الجمع إلى الملايين. كان قرار النظام السوري بإسقاط الثورة بأي ثمن وراء العنف الوحشي الذي بدأ يسجل أعدادا متزايدة من الشهداء على مساحة التراب السوري. لقد عمد النظام على عدة محاور لضرب الثورة السورية وانهائها، كان أولها العنف المتصاعد حتى وصل بعد اشهر الى تدمير احياء واحتلال مدن بالقوة العسكرية، القتلى بالآلاف والمعتقلين كذلك والمشردين تزايدوا داخل سورية ثم الى الجوار الجغرافي الاردن ولبنان وتركيا والعراق، وثانيها اخراج المعتقلين الاسلاميين من سجون النظام السوري بما يحملوه من فكر سلفي واستعداد لمواجهة النظام بأجندة طائفية وعبر العمل المسلح وهذا ماحصل، وهذا ما كان يسعى له النظام ليجر الشباب الثائر لمربع العمل العسكري ليبرر التنكيل بهم وبالشعب السوري الذي يحتضنهم، كذلك الترويج لكون الثوار إسلاميين وارهابيين وطائفيين، وكان النظام قد اعتمد في دفع الناس والثوار لاختيار العنف والعمل العسكري، اعتمد على ترويج فديوهات طائفية لقتل واذلال الكثير، مع إظهار المذابح و والمجازر الوحشية في كثير من المدن. لم يكن أمام الشباب الثائر الا ان يفكر بالتسليح بداية لحماية التظاهر ثم لمواجهة هجمات النظام على بعض المناطق الشبه محررة ثم ليصل لمواجهة مفتوحة مع النظام. كان الخلاف استفحل بين المجلس الوطني وهيئة التنسيق حول موضوع العمل العسكري للثوار كان أمرا منتهيا ولابد منه، لكنه ساهم بشق التمثيل السياسي للثورة ودفع هيئة التنسيق لتكون اقرب لاجندة النظام. يركز د.برهان على أن أي حديث عن تجنب العمل العسكري عند الثوار هو نوع من الانتحار والاستسلام للنظام، لم يكن الثوار مستعدين ولا قادرين على القبول به. كان عنف النظام من جهة وعجز المجتمع الدولي والجامعة العربية عن حل المشكلة السورية عبر بعثاته المتتالية التي لم تنجح في حل القضية السورية لتعنت النظام كل الوقت، كان يستند على دعم مطلق من روسيا وإيران، وعلى صمت امريكي و(اسرائيلي) وعجز عربي عن فرض أي أجندة عليه، لذلك استمر في أجندته الخنوع أو القتل بحق الشعب السوري كله. كان تسلح الثوار امرا واقعا، لكنه كان ممتلئا بالعيوب والمشاكل، في البدء لم يكن للمجلس الوطني أي قدرة على صناعة كتائب مسلحة تابعة سياسيا له، لا امكانات عسكرية ومادية لديه، الضباط المنشقين بقيادتهم رياض الأسعد ثم العميد مصطفى الشيخ وصراعات النفوذ وصناعة قيادات للجيش الحر متصارعة على القيادة والنفوذ، تبعية الجيش الحر للمانح الشيخ العرعور وتحويل الولاء لشخصه واجندته الطائفية الخاصة، ولا حتى بعد انشقاق اللواء الحاج علي، لم يستطيعوا أن يخلقوا بنية عسكرية تابعة للثورة بجانبها السياسي، لم يستجب بعض الضباط ولا تجاوبت المجموعات المسلحة على الأرض. ولا دعمت من دول الخليج بشكل كافي لتتحول لأمر واقع. كما كان صراع قيادات الكتائب المدنية الغير مؤهلة عسكريا مع من التحق بالثورة من الضباط، تعدد مصادر التمويل والدعم لمئات الكتائب والالوية والجيوش من دول الخليج او من متمولين خليجيين بتغطية من الدول، ووفق ذات الاجندة الطائفية. عمل د.برهان والمجلس على محاولة دمج الضباط المنشقين في المجموعات المسلحة والنتيجة شبه صفرية، عمل على توحيد هذه القوى بكل عيوبها لتكون العنوان الذي يعبر عن الثورة السورية المسلحة، ولا جدوى. أما من أرادت القوى الدولية أن تدعمه فقد ضبط ضمن غرف الموم والموك، بقيادة أمريكا وبعض الدول الأوروبية والأردن وبعض دول الخليج. كان الكيان الصهيوني وامن حدوده خطا أحمر وأي عمل عسكري يجب أن يأخذ الضوء الأخضر من المانحين. السلاح مضبوط، لا مضاض طائرات، لا تقدم نوعي على النظام. كان تعدد الجماعات العسكرية المقاتلة مأزقا للثورة فلا قيادة واحدة ولا اجندة مشتركة ولا خطة استراتيجية للتنفيذ، تعدد المانحين ومرجعية اغلبهم الاسلامية جعل أغلب القيادات العسكرية مجموعات من الإسلاميين خريجي السجون السورية ، والتسميات توضح اين اصبحت ثورة الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية عند المقاتلين، جيش الإسلام وقائده زهران علوش، أحرار الشام الإسلامية وقائدها غسان عبود ..الخ،  مجموعات الدروع الاسلامية وداعميها الإخوان المسلمين. لقد صبغت الثورة السورية باللون الإسلامي، وذلك عنى دوليا تحول الثورة الى حرب اهلية ذات صبغة طائفية. لقد حاول د.برهان طوال فترة ترؤسه للمجلس الوطني وحتى بعد ذلك الدفع باتجاه ترشيد العمل العسكري للثورة السورية وتوحيده، أو توحيد قادته، وتوحيد اجندته، تركيزه على البعد الوطني الديمقراطي للثورة ومستقبل سورية، لكن كانت الحصيلة ضعيفة جدا. بل على العكس لقد اصبحت الاسلمة بكل منعكساتها السلبية على الثورة السورية سمة عامة للعمل العسكري الذي سيكون بعد ذلك حضورا للقاعدة عبر مسمى جبهة النصرة و داعش كأمر واقع و كونهما أعداء نظريا وعمليا للثورة السورية.

* أسلمة الثورة .

في هذا الجزء من الحديث عن أسلمة الثورة السورية يحاول د.برهان أن يوسع دائرة البحث معرفيا للموضوع، منعا للالتباس الذي أصبح مقصودا في مجال التداول، حيث الخلط بين الإسلام كدين و انتماء سياسي و كخيار استراتيجي عند البعض، هذا غير الاستخدام في الصراع الدولي، و بين النظم والقوى السياسية المواجهة لها. هذا غير تحويل الإسلام والمسلمين دوليا الى عقيدة ارهاب بالضرورة، والمسلم ارهابي تحت الاختبار. يفصّل د.برهان ليقول ان الاسلام كدين واعتقاد مثله مثل بقية الأديان والمعتقدات يشكل عند الأغلبية المجتمعية مرتكزا نفسيا وخلقيا وعباديا للكثير من المسلمين، هو بهذا المعنى معطى وجودي غير معادي لأحد بالضرورة بل هو مرتكز اجتماعي كتعبير عن انتماء اعتقادي وجودي، أما الاسلام السياسي فهو خيار يراه البعض نموذج لبناء المستقبل من خلال الدولة الاسلامية، على اختلاف في طروحات أصحابها، وهذه الاحزاب والحركات الاسلامية كانت في القرن الماضي للان في موقع المواجه للأنظمة، وكان نصيبها القمع والمعتقلات والتنكيل، وكانت معها بعض القوى العلمانية ضحية لذات الانظمة القمعية. وعند الحديث عن الثورة السورية سيكون للإسلام حضور متعدد المعاني، فعند المتظاهر المضحي بروحه هو استعداد للشهادة في وجه سلطة قاتلة والذهاب الى رحاب جنة الله، وعند البعض الآخر هي صورة المجتمع الذي يجب أن تصنعه الثورة؛ دولة الإسلام وشريعته. وعند التحدث عن الثورة السورية؛ ففي المرحلة السلمية كانت الاجندة المدنية الديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة مهيمنة، وكانت كل الفئات الاجتماعية بتنوعها الإسلامي والعلماني تعمل مع بعضها. لكن عندما انتقلت الثورة السورية الى مرحلة العمل المسلح مجبرة، كانت الأسلمة احدى تبعياتها، سواء بجانبها الإيماني، أو لمن أراد إعادة إحياء مشاريعها لخلق الدولة الإسلامية، وكان هذا بداية الافتراق والصراع بين العلمانيين والإسلاميين في الثورة السورية. لقد تواجد العلمانيين في مناشط الثورة لكن كان حضورهم ودورهم هامشيا، استحوذ الاسلاميين على المشهد بشكل شبه كامل، حاولوا السيطرة على المجلس الوطني والائتلاف بعد ذلك، لقد تجاوزوا عقدة التواري والانكفاء وتقدموا ليقودوا الصفوف، وخاصة في مجال العسكرة بدء من التسميات الى الأجندات والممارسات، غابت الهوية المدنية الديمقراطية بشكل كامل نسبيا. والعلمانيين وجدوا انهم مهمشين وبالتالي عادت السجالية الصراعية بين الإسلاميين والعلمانيين الى الواجهة في مشهد الثورة السورية وعلى حساب الثورة وفاعليتها والشعب السوري وقضيته العادلة.

* إسلاميون وعلمانيون

صراع الإيديولوجيات المأزومة.

* قوة الإسلاميين.

في هذا القسم من الكتاب يعود د.برهان الى عقود ماضية في سورية والوطن العربي ليكشف أن التيارين الإسلامي والعلماني قد تبادلا المواجهة على أرض الواقع، وأن التيار العلماني كان له الغلبة بعد فترة التحرر من الاستعمار الغربي واستطاع ان يصل الى السلطات في أغلب البلاد العربية ومنها سورية، لكن هذا التيار ظهر بأسوأ حالاته وهو الدولة الاستبدادية الظالمة، ففي سورية كانت السلطة علمانية في الظاهر والقوانين والادعاءات القومية الاشتراكية ، لكنها كانت في حقيقة الأمر عصبوية وفئوية وطائفية أيضا، هذا فضلا عن استبداديتها. مما جعل العلاقة مفتوحة على الصراع بين النظام السوري والاسلاميين منذ عقود، كان هناك دوما مبررات لذلك، حيث أعلن الاسلاميين الحرب على النظام في أواخر سبعينات وبداية ثمانينات القرن الماضي التي كان حصيلتها مجازر وضحايا في أكثر من مدينة سورية أيام الصراع بين النظام السوري والطليعة المقاتلة ومعهم الاخوان المسلمين بعد حين. كان لهذا الصراع نتائج شبه استئصالية للإسلاميين في الواقع السوري، انتشروا في بلاد الغربة وتابعوا عملهم ونشاطهم الفكري والسياسي كإخوان مسلمين، بنوا مؤسساتهم وعلاقاتهم وفعاليتهم في أكثر من مجال. كان الإخوان قد ادركوا ان الساحة اصبحت مفتوحة لهم بعد هزيمة التيار القومي العربي بمعاركه مع العدو الصهيوني ومعارك البناء الداخلي، وكيف سقطت العلمانية تحت هيمنة السلطة الاستبدادية، أما ما تبقى من علمانيين فقد كانوا أقرب لحلات حزبية منعت من الامتداد في الواقع واصبحت اقرب للحالات الفردية، زعيم وبجواره عصبة صغيرة، لذلك عندما حصل الربيع السوري كان الإخوان المسلمين ببنيتهم التنظيمية وقوتهم الاقتصادية، بحضور جمعياتهم الاهلية، جاهزين ليملؤا الفراغ الحاصل في المناطق المحررة، لديهم الكادر الكافي والقدرة الاقتصادية والاستعداد لتقديم الممكن المطلوب منهم، بينما كان العلمانيون على قلتهم مجرد ظاهرة صوتية عاجزة عن العطاء ومصابة بداء الذاتية والصراع البيني والبحث عن المصالح الخاصة. زاد من قوة الإسلاميين على الارض السورية وجود جيش من الائمة والخطباء، كانوا لسان حال النظام في شؤون الدين والمساجد والخطابة والامامة، لكنهم خرجوا مع الملايين التي تركت بلداتها والتحقوا بعد ذلك بالثورة السورية، شكلوا المجلس الإسلامي السوري وأصبحوا مرجعية دينية مجتمعية ومع  المجموعات المسلحة ليكونوا بموقع المعلم الفكري بجوار القائد الميداني واصبحوا لسان حال الثورة بوجهها الديني الفاقع، بدأت تظهر الفتاوى الشرعية وغاب القانون وحل حكم رأوه حكم للشرع الاسلامي، وهذا ادى لعزل الكثير من القضاة والمحامين المنتمين للثورة عن أن يقومون بدورهم في مجتمع تشكل في اللجوء والتشرد على عجل. كان حضور الإسلاميين بنوعيهم قد غطى على الآخرين واصبحوا المرجع الذي قدم الكوادر والمال والاغاثة والفكر والفتوى والرأي في كل مستجد، لكن ليس بالضرورة بالاتجاه الصحيح.

* الإسلاميون وحلفاؤهم.

يتابع د.برهان الحديث عن الإسلاميين ودورهم في الثورة السورية، مطلا على شبكة علاقاتهم العربية والدولية. وكيف كانوا حصان الرهان عند دول الخليج بشكل أساسي، كما عند الداعمين الاهليين الخليجيين ايضا. لقد كان الدعم يمر الى المجموعات المسلحة المتوالدة مرفقة بالتوجيه الفكري والعقائدي. في هذه المرحلة ولدت ونمت ظاهرة العرعور وكونه مصدر اساسي مهم للدعم المادي والعسكري للمجموعات المسلحة المنتمية للثورة و أجندتها الإسلامية. تكامل مع ذلك موقف دول الخليج و القوى الاهلية الداعمة من ايران ودخولها بكل ثقلها الى جانب النظام، هذا الدخول الذي أخذ الشكل الطائفي الشيعي بكل فجاجة. حزب الله اللبناني الشيعي وادعائه الدفاع عن الأماكن المقدسة، المرتزقة الافغان والايرانيين، كلها اعطت لونا طائفيا شيعيا، هذا اضافة اللون الطائفي العلوي الذي عمل النظام على ترسيخه ضمن العلويين السوريين بأنهم مستهدفين و أقنعهم بأنهم حاضنته الشعبية، لقد جعلهم وقود محرقته وبدمهم. كان من الطبيعي أن يكون الرد شعبيا وعند الثوار طائفيا سنيا. لقد دافع الخليجيين عن ذواتهم وخوفا من التمدد الايراني عندهم، من خلال دعمهم للثوار بشكلهم الإسلامي في سورية. كما أن للأسلمة وجه آخر في الثورة السورية، أنها شكل من أشكال الرد على صمت الغرب على ما يحصل من سورية وترك الشعب السوري ضحية امام النظام السوري المستبد القاتل. لم يفهم موقف روسيا إلا ضمن هذه الخلفية حيث قال لافروف وزير خارجيتها: أنه لن يسمح بأن يحكم سورية السنة، ولا رفض بابا الفاتيكان لقاء المجلس الوطني السوري، ولا اعتبار المطران الروسي الحرب في سورية حرب مقدسة ضد الارهاب، نعم هناك من روج لمقولة: استمرار الحرب الغربية الصليبية المقدسة في سورية والشرق. لم يخرج من الذهن الجمعي العربي والسوري ان الغرب يتصرف من خلفية دينية مسيحية ضد شعوب مسلمة، هي مستهدفة كضحية وعقائدها الإسلامية مدانة لأنها عقائد ارهابية. او هكذا ترسخت في العقل الجمعي السوري والعربي. صحيح هي تعمل وفق مصالحها التي وجدتها مع العدو الصهيوني، ومع الانظمة المستبدة التابعة، وضد الربيع العربي كاملا، والتي ساعدت وساهمت في اجهاضه في كل بلدان الربيع العربي. لكل ذلك كانت الأسلمة في الميدان عند الثوار المتوجهين للموت في كل لحظة وعند الشعب الضحية طوق النجاة الأخير، كل ذلك بغض النظر عن الحساب الختامي الذي حرف الثورة عن هويتها المدنية الديمقراطية، واخذها اتجاه أسلمة ستتطور لتصبح ارهابية وضد الثورة والشعب بعد حين، حين تتوالد النصرة وداعش وتكبر وتصبح المهيمنة في مشهد الثورة السورية.

* ضعف العلمانيين.

تحدث د.برهان عن ازمة العلمانيين السوريين منذ عقود سابقة الى بداية الثورة وتفاعلهم معها، تحدث عن أزمتهم البنيوية، قلتهم وضعفهم وشلليتهم، أعطى للموات السياسي الذي فرضه حافظ الأسد دورا في ذلك. كما انه توقف عند عيوبهم الذاتية وصراعاتهم البينية ومع الإسلاميين، رغم ان الواقع والمهام المطلوبة سياسيا كل الوقت كانت تتطلب توافقات سياسية من نوع ما بينهم. لقد أكد مجددا عن عجزهم عن قيادة مركب الثورة. لقد كان قاسيا جدا في تقييم العلمانيين والإسلاميين معا، وحملهم مسؤولية ما آلت اليه اوضاع الثورة بعد مرور سنوات عليها. كما أنه اعاد التأكيد على مشكلة الإسلاميين تنوع خلفياتهم الفكرية واجندتهم، وتبعيتهم للمانحين وعجزهم الواقعي عن التوحد، والصراع البيني، فشلهم في تحقيق طروحاتهم في مناطق سيطرتهم، انهم اقرب لتصرف النظام وبعيدين عن ان يكونون ثوار يخدمون الشعب ومصالحه كل الوقت. كما اكد د.برهان على فشل المجموعات الاسلامية على تنوعها على تمثل الثورة السورية أجندتها التحريرية والعادلة والديمقراطية. لقد أوغل الاسلاميين في تمثل كونهم اسلاميين يحكمون بشرع الله. ثم خلافاتهم التي جعلتهم لا يتفقون على شرع الله. لكل قائد مجموعة شرعي يحمل مسؤولية تبرير ارادة القائد على كل المستويات، خرجت الثورة عن أن تكون باصالة اهدافها الاولى عند الاسلاميين، انحدروا يكونوا طائفيين ومتصارعين ولا أفق استراتيجي عندهم. والعلمانيين كذلك. المهم ان العلمانيين والاسلاميين عجزوا عن أن يقوموا بالدور المناط بهم وكانوا وبالا على الثورة والشعب السوري وثورته.

* الثورة المغدورة بين الجهاديّة والارهاب

يؤكد د.برهان على أن العام الأول للثورة في سورية ٢٠١١م كان عام العمل السلمي وأن النظام بعنفه الطاغي أنهى الحراك السلمي، وان العام الثاني ٢٠١٢م كان عام العمل العسكري للجيش الحر والجماعات الجهادية المنتمية للثورة السورية على اختلاف اجنداتها، بينما كان العام الثالث ٢٠١٣م للثورة السورية عام انحسار امتداد الثورة السورية بجانبها العسكري لصالح داعش التي تمددت على أغلب مساحة الأرض التي حررتها قوى الثورة السورية، اضافة للنصرة حيث تقاسما السيطرة على المناطق المحررة من سورية.  يعود د.برهان للوراء كثيرا متابعا علاقة النظام السوري منذ حافظ الأسد وابنه بعده، رابطا بين النظام والقوى الدولية المتحكمة في المنطقة، أمريكا وروسيا و(إسرائيل). لم يكن النظام السوري بعيدا عن استعمال العنف مع خصومه السياسيين في الداخل السوري وخارجه في أي وقت. هاهو حافظ الأسد يزج بالسجن رفيق نضاله صلاح جديد حتى ما قبل وفاته، ويلاحق رفيقه الاخر الى لبنان محمد عمران واغتاله هناك، لم تسلم لبنان من الحضور السوري للهيمنة، أولها مجزرة تل الزعتر ١٩٧٦م، ثم مجازر بحق المسيحيين، ومطاردة للوطنيين اللبنانيين، اغتيال كمال جنبلاط، طرد الفدائيين الفلسطينيين من لبنان بالتناغم مع الحصار(الاسرائيلي) ١٩٨٢م، ثم طرد أبو عمار من طرابلس ١٩٨٣م ، مواجهة الشعب السوري ومعارضيه بأعلى درجات العنف أيام الصراع بين الإخوان المسلمين والنظام في أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي، راح ضحيتها عشرات الآلاف من المواطنين السوريين في حماة وغيرها، كان النظام السوري يسوّق نفسه إقليميا ودوليا كل الوقت، على انه راع للمصالح الغربية، لقد وضع يده على لبنان بالتوافق مع الغرب، رغم ما أصابه من فعل النظام هناك، حيث قتل المئات من الامريكان والفرنسيين في تفجيرات بيروت في ثمانينات القرن الماضي، صنع النظام بالتعاون مع ايران حزب الله في لبنان وعمل على جعله القوة الوحيدة المقاتلة والمتحكمة في لبنان، واستخدامها فزاعة وللتحرش ب(اسرائيل) عندما يكون للنظام السوري مصلحة، في لبنان أصبح الحضور السوري هو الدولة ومصلحة النظام السوري هي العليا في مرحلة الاسد الاب والابن. وعندما حاولت قوى اقليمية ودولية إخراج سورية من لبنان قام النظام السوري بتدبير اغتيال رفيق الحريري في ٢٠٠٥م، وعندما حاول الغرب أن يلاحق النظام بقضية اغتيال الحريري، أعاد اعتماد نظامه عند الغرب من خلال دور مباشر في قضية محاربة الإرهاب الذي كان قد ضرب أمريكا عام ٢٠٠١م. النظام السوري على علاقة عريقة وماضية بالجماعات الاصولية التي ستصبح بعد حين إحدى أهم جبهات العمل ضد الغرب وأمريكا، عبر عمليات عنف مسلح. لقد كان للنظام السوري اسبقية في حربه مع الاسلاميين من الطليعة الجهادية والاخوان المسلمين منذ عقود سابقة، هذا الصراع الذي أورث الكثير من المعتقلين في السجون السورية وكثير من الاختراقات الامنية لهذه المجموعات، التي اعادت احياء دورها وعملها من خلال الالتحاق بالعمل الجهادي في أفغانستان الذي رعته أمريكا في أواخر القرن الماضي، هذا العمل الجهادي الذي سوف ينتهي بنصر لأمريكا وحلفائها، مصحوبا بخلاف الجهاديين الاسلاميين مع الحليف الامريكي، الذي سيتحول لعدوهم الاول و يتمخض ذلك عن عمليات مهاجمة أهداف امريكية ٢٠٠١م، وتحويل امريكا اجندتها لمحاربة ارهاب القاعدة التي ضربتها في عمقها، سيكون للنظام السوري دورا استخباراتيا في دعم امريكا في ذلك. لكن الأمريكان سيقررون استثمار ما حصل و يحتلوا العراق ٢٠٠٣م، ويهددون النظام السوري ايضا عبر وزير خارجيتهم كولن باول، اعتبر النظام السوري الوجود الامريكي في العراق فرصة له لإعادة شرعنة وجوده والحاجة له كنظام، عمل على جبهتين الاولى قدم للأمريكان الكثير من المعلومات الاستخبارية عن الإرهابيين، والثانية فتح المجال لكثير من الشباب السوري والعربي للدخول الى العراق لمحاربة الوجود الامريكي هناك، روج لذلك وصمت عن التغلغل، عمل مع إيران على استيعاب قيادات وكوادر القاعدة وإعادة زرعها في العراق، وما هي إلا سنوات حتى كانت القاعدة قد أصبحت رقما فاعلا في الداخل العراقي واستمرت الحاجة غربيا للنظام السوري في حربهم على الإرهاب. وما أن بدأ الربيع العربي وبعده السوري حتى كان هناك توافق أمريكي روسي (اسرائيلي) على رفض اسقاط النظام السوري، واعطي له اشارة السماح بممارسة كل الاساليب لإسقاط ثورة الشعب السوري. اعتمد النظام استراتيجية العنف المسلح بحق الناشطين والثوار والشعب، كي ينقل الثوار للعمل المسلح، ويؤكد انهم ارهابيين بعد ذلك، في ذات الوقت أفرج عن الكثير من المعتقلين الاسلاميين حاملي فكر القاعدة الجهادي، وكان لهم دور اساسي في تشكيل الجماعات الجهادية المسلحة ضد النظام السوري. في مستوى آخر يربط د.برهان بين مراحل الثورة وانتقالها من السلمية الى العمل المسلح نتاج بطش ووحشية واجرام النظام، وأن العمل المسلح ترك دون قيادة سياسية ومحكوم بالداعمين الذي فرضوا عليهم اجندة اسلامية، لم يتوحدوا ولم يرتبطوا بالواجهة السياسية للثورة وقتها المجلس الوطني، وانتقلوا من الاجندة الوطنية الديمقراطية إلى العمل على بناء الدولة الاسلامية وتطبيق الشريعة. كان الانتقال الى مرحلة الجماعات الجهادية بنسختيها القاعدة (النصرة) وداعش هو تشرب الفكر جهادي الذي كان قد تدرج منذ عقود من المظلومية على يد انظمة حكم استبدادية، نسخته الاخيرة كانت تؤمن بالجهاد بصفته هو العمل الملزم على المسلم لمواجهة العالم الكافر، وعلى رأسه أمريكا، هذا الجهاد المتمثل بالعمليات الجهادية الانتحارية والقتال حتى النصر، وهذا يتحصل في المناطق الساخنة التي يتواجد فيها الأمريكان وحلفاؤهم، مثل العراق سابقا وسورية الان، لذلك عادت القاعدة بنسختها الجديدة داعش بكل قوتها لتنشط في سورية والعراق، واستطاعت في فترة قياسية الهيمنة على اغلب سورية وكذلك العراق، أخذت الموصل العراقية والرقة السورية، حصلت على سلاح بالمليارات ومال سائل بحدود المليار توسعت بطريقة غريبة دون أي مواجهة حقيقية، لم تصطدم مع الجيش السوري الا نادرا، لكنها كانت السلاح الذي وجه لصدر الثورة السورية، معتمدة على فتوى محاربة المرتدين اولى من محاربة الكفار، على اعتبار الثوار مرتدين والنظام كافر، لقد كانت يد النظام ويران حاضرة في أجندة داعش بالكامل، سواء اختراق او كتنسيق مباشر، لذلك انتزعت من الثوار اغلب الاراضي المحررة وما تبقى مثل إدلب سيطرت عليه النصرة (هيئة تحرير الشام). لقد كانت القاعدة وداعش مبررا لتحول الثورة السورية من مطالب بالدولة الديمقراطية الى اعتبارها حربا اهلية داخلية وحربا ضد الإرهابيين من النظام ودوليا، وهذا ما كان يخطط له النظام السوري، وما ان انتهى دور داعش الميداني بتبرير اسقاط الثورة السورية بجانبها العسكري، حتى استطاع التحالف الغربي ان ينهي داعش بكل جبروتها وامتدادها وكأنها فقاعة صابون. لقد خدمت داعش والنصرة استراتيجية النظام وحلفاؤه روسيا وإيران علنا، وبوركت بالجهد الغربي لإنهاء داعش واعادة شرعنة النظام السوري، الذي لم يكن هناك أي طرف دولي وإقليمي جاد بإسقاطه. رغم الثمن الكبير الذي دفعه الشعب السوري من ارواح ومال الشعب خراب الديار والتشرد وضياع الأمل والمستقبل. او لنقل لأجل ذلك كانوا يعملوا بالتوافق مع نظام باع الوطن والشعب لمصلحة استمرار حكمه.

* فوضى العالم – أفول الغرب.

* الدور الامريكي:

 كان انحسار الدور الأمريكي في القضية السورية هو البارز، في الوقت الذي كانت القوى السياسية المعارضة بتنوعها واختلافاتها، وقوى الثورة وممثليها والقوى العسكرية بتنوعها متيقنة من حصول التدخل الدولي في سورية لمساعدة الشعب السوري لمواجهة استبداد ووحشية النظام. رغم أن كل المؤشرات لم تكن تدل على ذلك. في البداية كان موضوع التدخل الدولي المحتمل والمطلوب موضوعا اختلاف يصل إلى درجة التخوين بين أغلب مكونات المجلس الوطني السوري وبين هيئة التنسيق الوطنية، تتراشق به الأطراف التهم؛ استدعاء الغرب لاحتلال سورية؛ او ترك الشعب السوري ضحية المجازر الدائمة والتشريد وسورية للتدمير. غير أن الموقف الأمريكي كان واضحا منذ البداية؛ لقد دعمت أمريكا اعلاميا الربيع السوري وحق الشعب بالعدالة والديمقراطية، وكان اوباما واضحا برفض العنف الوحشي للنظام السوري بحق الشعب، صعّد موقفه الى مطالبة الأسد بالتنحي، لكن عندما سئل عن تدخل أمريكا ؟، فكان جوابه لا مصلحة لأمريكا بالتدخل، رغم استعمال الكيماوي ضد الشعب من قبل النظام، هذا يعني ترك الشعب السوري لقدره، بالتفاصيل أكثر؛ تركت أمريكا سورية بلدا تابعا للروس الذين وقفوا بالمطلق مع النظام السوري ضد الشعب السوري وثورته، أمريكا لم تجد لها مصلحة في التصدي لروسيا، وعندما بدأت بعض الدول الخليجية بمساعدة السياسيين أو المجموعات المسلحة كانت أمريكا حاضرة في حجم المساعدات ونوعها وضبطها، صمتت عن فوضى العمل السياسي والعسكري للثورة السورية، وعندما فكرت أن تدعم الثورة السورية عسكريا كان ذلك رمزيا عبر تدريب اعداد بالمئات وأن تدعم بسلاح خفيف مع بعض مضادات الدروع، والذي لم ينفذ منه إلا القليل والذي توقف بعد ذلك بالكامل في عهد ترامب، كان الانطباع لدى د.برهان والمجلس الوطني عبر لقائهم مع الامريكان ان اوباما لا يريد التورط بمواجهة مع روسيا في سورية، وان القوى السياسية والعسكرية ليست مؤهلة لتواجه النظام او تكون بديلا له، وكانت عبر غرف الموم والموك بمثابة ضابط ايقاع لحركة الثوار على الأرض. كان هناك اولوية اخرى عند أمريكا في منطقتنا؛ انها البرنامج النووي الإيراني، حيث عكفت إدارة أوباما على أنهاء هذا البرنامج، وكان الثمن إطلاق يد إيران في المنطقة، فقد كانت اليد الباطشة في العراق واليمن وسورية عبر مليشيات شيعية أفغانية وقوات ايرانية وحزب الله اللبناني، حيث كان لتناغم الدورين الإيراني والروسي خاصة بعد ٢٠١٥م دور أساسي في اعادة هيمنة النظام على اغلب سورية. وكانت أمريكا قد أعلنت اشتباكها مع داعش عبر تحالف دولي بنته لهذا الهدف، واشترطت لمن تدعمه في سورية ان يحارب داعش فقط، وكان لدعمها المفتوح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، فرع حزب العمال الكردي في سورية دور أساسي في تضخيم حضوره ودوره في إنهاء داعش وتوسع مجال سيطرته على الارض لأكثر من ثلث سوريا، ورفع سقف مطالب الأكراد السوريين من المواطنة المتساوية والحقوق الثقافية والقومية في سورية الواحدة الديمقراطية، الى الحديث عن كردستان الغربية واقليم كردستان في سورية، يعني شبه دولة بكل ما يعني من اختلال مجتمعي و تصرفات عنصرية وخلق مشكلة في البنية المتنوعة في الشمال السوري، هذا غير الأزمة التي فتحت مع تركيا التي ترى اعادة هيمنة فرع حزب العمال الكردي في سورية على المناطق المجاورة لها مشكلة أمن قومي لن تقبل بها، والحالة مفتوحة على كل الاحتمالات. المهم الحضور الأمريكي في قضية الثورة السورية، يظهر أنه سلبي ومنسحب وترك الحالة في سورية في اسوأ حالاتها شعب نصفه مشرد مئات آلاف الضحايا دمار أكثر من نصف سورية التي أصبحت تحت هيمنة قوى دولية واقليمية. هل ما حصل نتيجة عدم الاهتمام الأمريكي في المنطقة واستدارتها للتفكير في مصالحها مع الصين وغيرها؟ أم هي سياسة معتمدة من خلال ترك هذه الفوضى تأكل الكل لتحصيل مصلحة سياسية واقتصادية من المنطقة كلها، ظهرت باستثمارات ترامب الفجّة والعلنية والوقحة بعد ذلك.

* أوروبا وتجمع “أصدقاء سورية”.

يتناول د.برهان الموقف الأوربي عموما من الربيع السوري وتطوراته، بصفة جماعية والدول الفاعلة على حدى. فمنذ البداية بات واضحا تبعية الموقف الأوروبي للموقف الامريكي. واقتصر الدور الأوروبي بأغلب ممارساته على الدور الانساني والاغاثي. وللدقة كان الجانب الإعلامي الاستعراضي للأوربيين ومعهم اصدقاء الشعب السوري في السنوات الاولى واجتماعاتهم المتتالية وعدد الدول الكبير المشارك وبعضها تجاوز المئة دولة. بياناتهم الاعلامية طالبت بالتغيير الديمقراطي في سورية وطالت النظام وافعاله العنيفة ضد الشعب السوري بما فيها استخدام الكيماوي، لكنها كانت لا تجد لها دائما أي فرصة تطبيق على الارض. كانت محكومة بموقف أمريكا وهو ادارة الصراع على الأرض السورية واستثماره سياسيا، كما كان الفيتو الروسي الصيني حاضرا دوما لأجل تفشيل اي قرار دولي ملزم لتغيير النظام او اجباره على إصلاحات حقيقية. كان لقاء جنيف قد تمخض عن بيان جنيف ١ للحل التوافقي في سورية، لكنه بقي مجرد وثيقة لم تفعّل بالواقع. كان المجلس الوطني بقيادة د.برهان قد التقى مع اغلب الدول الفاعلة في القضية السورية، وكان يعرف أن حدود فاعلية الدور الأوروبي محكوم بالموقف الأمريكي الغير جدي في مواجهة النظام السوري، ومحكوم ايضا بالفيتو الروسي ومحكوم بالاختلافات الأوروبية البينية. لذلك كان الدور الأوروبي مقتصر على المساعدات الانسانية الاغاثية وغيرها. حتى هذه كانت تصرف عبر هيئات دولية تصل أخيرا إلى مؤسسات تابعة للنظام يستفيد هو وحاضنته الشعبية منها. لم يقدم للمجلس اي امكانيات لمساعدة الشعب السوري الذي تشرد وخسر مصدر رزقه وتهدمت مدنهم، وهذا انعكس على مصداقية المجلس امام الشعب السوري، مع التأكيد على أن الخلافات والمنافسات والمصلحية الحاكمة داخل المجلس جعلته عاجزا عن أن يقوم بدوره، على تواضعه. يتحدث د.برهان أيضا عن كثير من الدبلوماسية التي حصلت وقام بها، لكنها لم تستطع أن تطال كل الدول التي كان من الممكن أن تقوم بدور إيجابي للشعب السوري وثورته، كما اكد على نقص الكوادر التي كان يجب أن تساهم بهذا، وعدم مشاركة قوى المجلس المشغولة في نفسها ومصالحها الضيقة. بكل الأحوال لم يكن للأوروبيين ومن بعدهم دول أصدقاء الشعب السوري أي دور سياسي جدي فاعل على مستوى القضية السورية حيث بقيت منه مجموعة عمل مصغرة فيها أمريكا وتركيا ومصر ودول الخليج وبعض الدول الأوروبية، محكومة بمصالح الدول واجنداتها الخاصة وبالسقف الأمريكي داخل أصدقاء الشعب السوري، والفيتو الروسي خارجه.

* الفيتو الروسي.

يتناول د.برهان الموقف الروسي من القضية السورية بالتفصيل، فهو بحكم موقعه في المجلس الوطني السوري التقى بأغلب ممثلي القوى الدولية الفاعلة على الأرض السورية بما فيها لافروف وزير خارجية روسيا. لم تخفي روسيا مع إيران موقفها الداعم المطلق للنظام السوري بالمال والسلاح وتدفق القوات والتدخل العسكري الروسي المباشر منذ ٢٠١٥م لقلب الموازين العسكرية لصالح النظام داخل سورية. عندما التقى د.برهان مع لافروف عن موقفهم المدافع عن النظام السوري بالمطلق كان مضمون جوابه طول الوقت: ان روسيا تريد الرد على الغرب وأمريكا من تعاملهم مع روسيا بشكل هامشي، وعدم أخذها ومصالحها وقوتها بعين الاعتبار دوليا وعلى مستوى منطقتنا العربية. كان لما حصل في العراق سابقا وليبيا بعد ذلك يؤكد هذا التهميش والاستهتار، لذلك قرر الروس مواجهة الغرب في سورية، مع ادّعائهم ان لا مصالح اقتصادية او سياسية أو استراتيجية لروسيا في سورية. كما أن النظام السوري ومنذ ايام حافظ الاسد وبعده ابنه قد مدّ جسور المصالح وتبادل المنافع مع الغرب عبر عقود، روسيا لا ترى فيما يحصل في سورية سوى صراع على النفوذ ذهب ضحيته الشعب السوري، هي لا تفكر في النظام ووحشيته ولا دور تدخلها العسكري مع الإيرانيين وتكلفته الغالية على الشعب السوري قتلى بمئات الآلاف ومشردين بالملايين ونصف سورية المهدم، خسارة الشعب السوري لفرص العيش الإنساني السوي لعقود قادمة. المهم لروسيا هو هزيمة الغرب في سورية، وبهذا المعنى حصل لها ما أرادت. يؤكد د.برهان ان امريكا والغرب قد فشل في سورية ان يحمي الشعب السوري أو أن يدعم التغيير الديمقراطي او تغيير النظام او التقدم فعلا في مسار حل ما. لقد ادعى الغرب أنه فشل في أفغانستان وبعدها في العراق لذلك كان حذرا في تورطه في سورية. الحساب الختامي في سورية دعم روسي إيراني مطلق للنظام السوري ونتائج كارثية على الشعب السوري وثورته وراءه فعل روسي إيراني وصمت غربي. هذه هي روسيا في سورية.

* الموقف التركي.

يتابع د.برهان التحدث عن موقف الدول المؤثرة في القضية السورية، ويصل الى الموقف التركي، يعود بالعلاقة التركية السورية الى عهد حافظ الأسد وكيف كان يستخدم الورقة الكردية للضغط على الأتراك، خاصة احتضان حزب العمال الكردستاني وزعيمه عبد الله أوجلان ودعمه سياسيا وعسكريا والسماح له بالتدريب للقيام بعمليات عسكرية ضد تركيا انطلاقا من الأراضي السورية، وكيف حصل تغير نوعي بموقف النظام السوري عندما قررت تركيا مهاجمة سورية إن لم تكف عن دعم حزب العمال الكردي في عام ١٩٩٨م، وكيف تم انهاء الازمة باتفاق اضنة الذي أوقف الدعم لحزب العمال وطرد عبد الله أوجلان، الذي ادّى بعد حين لاعتقاله، واعطاء تركيا حق التدخل الى عمق ٥كم في الأراضي السورية لمواجهة الارهابيين، وانهاء اي ادعاءات بملكية الاراضي من الطرفين، وهذا يعني تخلي النظام السوري عن لواء اسكندرون. كل ذلك جعل العلاقات التركية السورية تسير في طريق التطبيع، وتم تفعيل ذلك بعد وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة في تركيا في ٢٠٠٢م وحصول اتفاقات تبادل تجاري تركي سوري اصبحت تركيا شريك اقتصادي رئيسي مع النظام السوري، كما كان الانفتاح السوري التركي مدخلا للانفتاح التركي الخليجي، كان هذا الانفتاح مصدر قوة اقتصادية وسياسية للنظام السوري و طبقة المنتفعين حوله وازلامه ، كذلك في مواجهة مفاوضاته بالشراكة مع الأوروبيين. استمرت المصالح التركية السورية بالنمو حتى الربيع السوري. كان لتركيا دور بارز في محاولة التوفيق بين مطالب الشعب السوري والنظام، كانت ثقة تركيا بالنظام أكبر من حقيقتها، حاول احمد داوود اوغلوا كثيرا مع النظام لكي يسير في طريق الإصلاحات، لكن النظام تعنت وأخذ قرارا بإنهاء الحراك الشعبي بالقوة، مدعوما من روسيا وايران. لم تستطع تركيا أن تبقى دون موقف معلن من النظام وأفعاله، وكانت تركيا دولة حاضنة للسوريين اللاجئين وداعمة للقوى السياسية وللمجلس الوطني السوري ولقوى الثورة السورية، لكن من خلال التوافق الدولي عبر الدعم الخليجي وعبر مجموعة العمل الموم والغطاء الأمريكي. كان للربيع السوري ومن ثم الثورة منعكسات سلبية على تركيا، فقد خسرت شراكة اقتصادية كبيرة مع سورية، وتوترت العلاقات بينها وبين روسيا الى درجة المواجهة العسكرية بعد أن كانت شريك اقتصادي رئيسي مع تركيا، وتوترت العلاقات مع ايران ايضا، وعادت نشاطات حزب العمال الكردي وعمله المسلح الى البروز داخل تركيا، هذا غير تمدد فرع حزب العمال في سورية وتحوله الى قوة عسكرية مدعوم أمريكيا ومسكوت عنه روسيا، ووصل الى التحكم بثلث الاراضي السورية ورفع مطالبه الى الحكم الذاتي او الاستقلال عن سورية، مما يعني مشكلة أمن قومي على الحدود الجنوبية لتركيا. صحيح إن تركيا قد رممت علاقتها مع روسيا وإيران، وأصبح الثلاثي هو عراب حل المشكل السوري تحت عين أمريكا ورضاها، وإعادة توطيد العلاقات الاقتصادية والسياسية مع روسيا وإيران، وأنها بقيت متوازنة وايجابية مع ملايين السوريين المتواجدين على أراضيها، وأنها عملت على حماية نفسها قدر الإمكان من المشكل السوري، توسعت في منطقة درع الفرات وغصن الزيتون، وما زال تواجد حزب العمال الكردي في شرق الفرات ازمة بالنسبة لها تحاول ان تجد له حلا سياسيا او عسكريا. كم ان تركيا كانت الحاضنة عمليا للمجلس الوطني ومن بعده الائتلاف. اهم ما في موقف تركيا انها اتخذت موقفا مبدئيا ايجابيا من الثورة السورية رغم الثمن الغالي الذي دفعته ضررا لمصالحها مع كثير من الأطراف.

* سورية مسرح لحرب ايران الاقليمية.

يركز د.برهان هنا على العلاقات الايرانية السورية ودور إيران منذ عقود مع النظام السوري في المنطقة وعلاقاتها الاستراتيجية. ابتدأت العلاقة بين نظام حافظ الأسد وإيران الشاه منذ ١٩٧٥م، حيث زار الاسد ايران ووطد علاقاته معها، صنع حلفا منافسا لعراق صدام حسين المتنافس والمتناقض مع حافظ الأسد، وما ان حصلت الثورة الايرانية حتى أصبحت العلاقة بين النظام الايراني الجديد بقيادة الخميني والنظام السوري أكثر عمقا واستراتيجية ايضا. فقد دعم النظام السوري ايران في حربها المديدة مع العراق، وكان بذلك خارجا عن الإجماع العربي، وطّد النظام السوري والإيراني علاقاتهما على كل المستويات اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، ساهما في بناء حزب الله في لبنان وجعلوه اداتهما الإقليمية في لبنان داخلا، وفي الصراع والمساومة مع (اسرائيل). كانت استراتيجية النظام الإيراني قائمة على مدّ نفوذها العقائدي والسياسي في المجال الإقليمي لها وهو العمق العربي، امتداد لمشروعها الشيعي ونفوذها السياسي، أصبحت حاضرة في لبنان وفي العراق وقدمت نفسها مع النظام السوري وحزب الله حلفا للمقاومة والممانعة، غطّت واقع طموحها الامبراطوري، بشرعنة دعواها الدينية (التشيع) ونشرها اضافة لمواجهة العدو الصهيوني. اعتبرت سورية امتدادها الاستراتيجي، وما أن بدأ الشعب السوري بثورته  ٢٠١١م حتى قدّم الايرانيون النصائح للنظام ان يتعامل معها باعلى درجات القسوة والعنف، وقدم للنظام كل الدعم المالي والعسكري الذي قدر بعشرات المليارات من الدولارات في سنوات عدة، كانت طوق النجاة للنظام، كما اوعزت لحزب الله اللبناني أن يدخل لسورية ويكوّن مع مجموعات مسلحة إيرانية وعراقية وغيرها، داعما النظام السوري الذي بدأ يتهاوى، كانت أعداد المقاتلين المدعومين من إيران ماليا وامتدادا بعشرات الألوف، هذا غير دعم المجموعات التي شكلت في سورية رديفة للنظام والتي ستعرف لاحقا بالشبيحة والتي تصل الى مئة الف مقاتل. اعتبر النظام الإيراني النظام السوري امتداد له ومحافظة منه، وأهميته تزيد على أهمية بعض محافظاته، كانت معركة النظام بالنسبة له معركة وجود، لذلك كان الشعب السوري الثائر ضحية التدخل الوحشي الايراني مع ادواته في سورية، بالتناغم طبعا مع التدخل الروسي، سيكون لايران وروسيا الدور الأساسي لإنقاذ النظام السوري من السقوط. سيحاول الايرانيون ان يتواصلوا مع المجلس الوطني السوري وأن يتفاهموا معه من موقع مصلحة النظام، اشترط د.برهان ممثلا للمجلس ان يكون هناك اعتراف إيراني مبدأي بحق الشعب السوري أن يختار نظام حكمه، لكن الإيرانيين رفضوا أن يقايضون النظام بأي بديل، كانوا حريصين على توصيل رسالة مفادها أن سورية لهم ولن يتخلوا عنها، ومستعدون ان يدفعوا لكل متعاون معهم الثمن الذي يريد، لذلك لم يحصل أي لقاء رسمي بين المجلس الوطني والايرانيين. وبدأ الإيرانيون عبر حزب الله وحسن نصر الله حملة شرسة بحق المجلس الوطني ود.برهان، تبريرا للتدخل في سورية ، سرعان ما ظهر حزب الله كمجرم بحق الشعب السوري رغم أنه كان قد صنع لنفسه كاريزما القوة الوحيدة المتبقية المواجهة للعدو الصهيوني، لقد سقط حزب الله والادعاء الإيراني في ممانعته في دماء الشعب السوري، لقد وضح حقيقة المشروع الإيراني التوسعي الطائفي في سورية والعراق ولبنان واليمن بعد ذلك. وحتى في دول الخليج. لقد ظهرت إيران للأسف بمنطقها الإمبراطوري التوسعي عدوة للشعب العربي في سورية وغيرها من البلدان. محاولات نشر التشيع في اوساط السوريين، كما عملت على الإحلال البشري من إيرانيين وأفغان وعراقيين شيعة في كثير من المناطق السورية، عملت وتعمل على عدم عودة اللاجئين السوريين الى بلداتهم وترك هذه البلدات والمناطق مجال حيوي فارغ لموجات الاحتلال الايراني في سورية. كل ذلك مع النفوذ السياسي مع الحضور العسكري القاتل والمقاتل، جعلها تظهر كعدو للشعوب العربية، ولن يتغير حالها الا عندما يسقط حكمها الاستبدادي بمرجعيته السياسية والدينية وتعود إيران دولة ديمقراطية بحجمها الطبيعي. الى ذلك الوقت ايران دولة مساندة للنظام السوري ومتورطة بالدم السوري وتبعيات المأزق السوري العام.

* الخليج والعرب والثورة السورية.

ينتقل د.برهان للحديث عن الدور الخليجي والعربي في حراك الثورة السورية السياسي والعسكري. يؤكد بداية على أن السياسة هي القدرة على فعل الممكن ضمن احتمالات مختلفة، وأنه لا فرصة للعمل لمن يحكم نفسه بالمواقف المسبقة، من مثل كيف لانظمة ملكية استبدادية كدول الخليج أن تساعد الثورة السورية ومطالبها في الحرية العدالة والديمقراطية. السياسة أن تجد دائما مشتركات مع اطراف اخرى لتصل لأهداف مشتركة استراتيجية أو مرحلية، هذا ما حكم الحراك السياسي للمجلس الوطني مع كل الاطراف الدولية والاقليمية بما فيها دول الخليج. عمليا كانت دول الخليج قد نسجت الكثير من المصالح المشتركة مع النظام السوري وبعضها عبر عقود. كان هدفها منذ بداية حراك الربيع السوري ترشيد تصرف النظام السوري وليس اسقاطه، لكنّ تمادي النظام السوري في عنفه المطلق مع حراك الشعب السوري، وعدم استجابته للنصح الخليجي المصحوب بالمنح المالية والوعود بالدعم، و تعالي النظام وسخريته من دول الخليج وقادتها، ادخال ايران الى عمق سورية وإطلاق يدها في الدولة السورية، وارتكابها وحلفائها الجرائم بحق الشعب السوري وإسقاط ثورته، كل ذلك جعل دول الخليج تقرر أن تساعد الثورة السورية سياسيا وعسكريا، ليس انتصارا للاجندة الوطنية الديمقراطية، بل لمواجهة الاجندة الايرانية واحتلالها الفعلي لسورية، وهي كانت قد استولت عمليا على العراق عبر أجندتها والقوى التابعة لها، وكذلك لبنان عبر حزب الله. واليمن بعد ذلك عبر دعم جماعة الحوثي، أن دول الخليج تنظر لدعم الثورة السورية وكأنه دفاع عن النفس، لكن هذا الدعم تميز بأنه دعم مرتبط بكل دولة على حدى، وضمن آلية صناعة حليف ذاتي يتصرف وفق مصلحة هذه الدولة، كان لكل دولة اجندة خاصة، قطر ودعمها للإسلاميين، الإمارات ودعمها للمختلفين معهم علمانيين ومستقلين، السعودية اطلقت العرعور وفق أجندة دينية سلفية موغلة في البعد عن الاجندة الوطنية الديمقراطية للثورة، لكنها كانت ممتلئة ماليا، وبالتالي جندت الكثير من المجموعات الاسلامية في الثورة السورية، هذا عدا عن المأزق الذاتي للحراك السياسي للثورة السورية، المتصارعة على التصدر والمغانم، الغائب الأوحد الرؤية السياسية الاستراتيجية وقدرة صناعة موقف واحد سياسي وعسكري يمثل الثورة السورية، كان ذلك مطلوبا و ممكنا، لكنه لم يتحقق، تساعد على عدم تحقيقه تعدد اجندات الدول الداعمة وتصارع مصالح قواد الكتائب مع صراع القوى السياسية السورية و رؤاها ومصالحها وحصتها من كعكة الثورة السورية كغنيمة حرب للاسف. تشكل المجلس الوطني تواصل د.برهان مع ممثلي أغلب دول الخليج، حاول أن يشرعن تمثيل الثورة السورية عبر المجلس داخل الجامعة العربية، لكن صراع المصالح والأجندات أو الزعامات، كل ذلك منع توحيد الموقف المعارض السوري بين المجلس الوطني وهيئة التنسيق، منع إمكانية حصول ممثلي الثورة السورية على مقعد سورية في الجامعة العربية، كمقدمة لحصولهم على مقعد سورية في هيئة الأمم المتحدة وهي خطوة ضرورية لرفع الشرعية عن النظام السوري وأخذ الشرعية لممثلي الثورة السورية. لم يحصل ذلك وخسرنا فرصة، كذلك عدم ربط الدعم العسكري الخليجي بالمجلس الوطني جعلته دون قدرة وفاعلية على الأرض، ربطة بالدول مباشرة جعله أسيرا لها وأجندتها كدول أكثر من كونه ممثلا للثورة، هذا غير الدفع لأسلمة المجموعات المقاتلة مما حرف الثورة عن أهدافها الوطنية الديمقراطية، وتحولها لجماعات جهادية، ستمهد الأرض لتوالد القاعدة ممثلة بالنصرة  ثم ولادة داعش بعد ذلك، لنصل الى مرحلة تصبح هوية القوى المسيطرة على الارض اسلاميين او النصرة او داعش وغاب الجيش الحر، الذي دخل قادته في صراع القيادة والمصالح، الذين لم يتقبلوا بناء بنية عسكرية تراتبية تستفيد من خبرات الضباط المنشقين، وتتبع اجندة سياسية ترتبط بالمجلس الوطني او الائتلاف بعد ذلك، وهذا الاقتراح لم يأخذ فرصته بالتحقق. يتحدث د.برهان عن علاقة المجلس مع الدول العربية التي انتصر فيها الربيع بداية مثل تونس ومساعدتها المتواضعة للثورة السورية حيث استقبلت مؤتمر المجلس الوطني هناك، أو مصر في مرحلة مرسي التي تبنت بالكامل الثورة السورية، ما قبل انقلاب السيسي العسكري على الثورة المصرية، ومن ثم انقلابها على الثورة السورية. كذلك ليبيا التي احتضنت المجلس الوطني وأعلنت استعدادها للمساعدة عسكريا، كان ذلك ما قبل أن تسقط هي أيضا في صراع الغنيمة وضياع الدولة الليبية. تحدث ايضا عن تفهم المغرب لمطالب الشعب السوري وثورته، وعن العراق الذي حاول مسؤولوه أن يلتقوا بالمجلس الوطني، لكن د.برهان رفض اللقاء ماقبل التصريح عن حق الشعب السوري أن يقرر خياراته السياسية كيف يشاء، ولم يحص التصريح ولم يحصل اللقاء. كما ان الاسرائيليين بعثوا وسطاء للتواصل مع المجلس الوطني حيث رفض طلبهم. أن إسرائيل دولة محتلة لجزء من الارض السورية وقرار اللقاء معها هو خيار يقره الشعب بعد ان يسقط الاستبداد وبالصيغة المناسبة، ولأي أهداف كانت، أما الآن فلا. ولم يحصل أي لقاء.

يعود د.برهان مجددا وفي سياق الكتاب كله للاستعانة بقواعد السياسة الدولية وتفسير الموقف الغربي عموما. محللا العولمة وما ادت اليه لإعادة النزعة القومية والمصلحية للدول، وان الدول تتصرف وفق مصالحها وليس وفق ادعاءاتها الفكرية والسياسية، وأن الغرب ديمقراطي في داخل الدولة، لكنه يتصرف مع بقية دول العالم وخاصة مع منطقتنا العربية محكوما بمصالحه التي لا علاقة لها بالعدالة والديمقراطية بالضرورة. الغرب رتب علاقاته مع دول المنطقة مع معرفته باستبداديتها وشموليتها وظلمها لشعوبها، وكونها متوافقة سرا او علنا مع الكيان الصهيوني في فلسطين، ومصالحه في المنطقة، لذلك كانت سلبيتها تجاه الربيع العربي متناقضة مع دعواها السياسية كدول ديمقراطية، لكنها متوافقة مع مصالحها، وقد يكون للغرب دور في اعادة تثبيت هذه الانظمة او تغيير وجوهها، او تركها للخراب. وصناعة نموذج الاستبداد او الحرب الاهلية. ليس صدفة عودة السلطة في تونس ومصر إلى حكم العسكر، وليس صدفة إدخال اليمن وليبيا في حرب اهلية طاحنة، ليس صدفة ان يسمح للنظام السوري أن يقتل مئات الالاف من شعبه وان يشرد الملايين وان يدمر أكثر من نصف البلاد، وأن يجد مع ذلك من يحميه ويعطيه الشرعية ويحاول اعادة تأهيله ضمن لعبة دولية ممجوجة ووقحة.

ليس غريبا أن يظهر الغرب عاجزا أمام جبروت النظام وفعله بحق الشعب السوري، وان تطلق يد روسيا وايران لتفعل ما تفعل في سورية، ومن ثم بحث الكل عن مكتسبات من كعكة المنطقة رغم كل المآسي التي حصلت ومازالت تحصل بها.

* انقلاب التاريخ:

                 من الانتفاضة إلى الكارثة.

يعود مجددا د.برهان للتحدث عن النظام السوري وخصوصية بنيته الداخلية، في محاولة لتفسير عنف النظام ووحشيته بحق الشعب السوري.

* الصراع على السيادة.

يتحدث د.برهان عن وصول حافظ الأسد الى السلطة في سورية منذ انخراطه في الجيش وفي حزب البعث، احساسه ورفاقه بالغبن لاستبعادهم لمصر ايام الوحدة المصرية السورية، تشكيلهم للجنة العسكرية في حزب البعث ببنيتها الاقلوية، قيامهم بحركة آذار ١٩٦٣م، سيطرة البعث على السلطة ثم إقصاء القيادة المدنية ١٩٦٦م، ثم إقصاء رفاق اللجنة العسكرية والاستفراد بالسلطة من قبل الأسد ١٩٧٠م. اعتمد حافظ الأسد ببناء سلطته على استثمار بنيته العائلية والعشائرية والطائفية لصناعة قوة سلطته وبنية هيكلها الأساسي الأمني والعسكري. توسع د.برهان كثيرا في تحليل ظاهرة الحكم العائلي العشائري الطائفي كنموذج، كما فعل حافظ الأسد، هذه السلطة المنفصلة عن الشعب التي ترى نفسها سادة والشعب عبيد، سلطة تستحوذ على كل مكتسبات الدولة، تعتمد على القمع والبطش والتنكيل بالمعارضين وعلى اصغر واتفه الاسباب، تخلق نموذجا للرعب في ذهن الشعب عقابا لمن يخرج عن ارادة الحاكم، طبقة الحكم منفصلة شعوريا وواقعيا ومصلحة عن مجموع الناس، لذلك كانت تنظر للشعب بصفته مجال استثمار وليس عليه إلا السمع والطاعة، لذلك نفهم التنكيل بالمعارضين وحاضنتهم الشعبية بمجازر يذهب ضحيتها عشرات الالاف من الناس كما حصل في حماة وغيرها في ثمانينات القرن الماضي. هذه العصبية العائلية العشائرية لحافظ الاسد وابنه من بعده والتي نهلت من الطائفة العلوية قوامها في بنيتها العسكرية والامنية، والتي أشبعت بالمكتسبات، حولت سورية بالنسبة لهم لبلد محتل يتصرفون به كما يشاؤون والشعب لأعداء محتملين يُحاربون كل الوقت ليستمروا بالطاعة والعبودية. لذلك كان يرى د.برهان أن الواقع السوري قائم على معادلة ظلم لا حل لها إلا بإجبار النظام للتخلي عن الحكم لصالح مجموع الشعب، سواء بالثورة عليه او اجباره دوليا. وهذا يعني أن سورية كانت جاهزة موضوعيا للحرب الاهلية. لذلك كانت استجابة النظام لمطالب الشعب السوري بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية من النظام السوري هي العنف المطلق لإعادة العبيد الى بيت الطاعة مهما كان المردود المأساوي على مجموع الشعب السوري وسورية أيضا.

* الحرب العربية الإيرانية الثانية.

في عنوان لافت يتابع د.برهان ربط عوامل تشكل الحدث السوري وتطوره بالشكل الذي حصل مدخلا فيه العامل الإيراني. فبعد أن قرر النظام العائلي العشائري الطائفي السوري أن يعتمد العنف المطلق لمواجهة الشعب، وبكل انواع الاسلحة، لكن المظاهرات المليونية وقرار الشعب السوري بعدم العودة للذل والخنوع والاستبداد، وبداية مواجهة النظام بالعنف المسلح، قد جعل النظام ينهار رويدا رويدا أمام الثوار ويخسر الأرض والسلطة والهيبة. في هذا الوقت كان التدخل الإيراني كحالة انقاذية للنظام السوري. وللحديث عن الدور الإيراني في منطقة الشرق الأوسط يعود د.برهان الى بداية التشكيل السياسي الحديث للمنطقة كلها على أنقاض إسقاط الخلافة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. ثلاث معاهدات دولية صنعت شكل المنطقة العربية المشرقية وجوارها، معاهدة لوزان صنعها الغرب مع بقايا الجيش العثماني، وسايكس بيكو الفرنسية الانكليزية لتقسيم المشرق العربي للدول التي هي عليه الآن، ووعد بلفور الإنجليزي بوطن قومي لليهود في فلسطين. هذه المعاهدات صنعت المنطقة والشعوب أصحاب الحق هم ضحيتها وليس لهم أي فرصة للتدخل. هم من سيكون ضحيتها بالاستعمار المباشر ثم بدول ورثت الاستعمار وتركته. كانت إيران الشاه تمثل مصلحة الغرب في الشرق الأوسط، وعندما سقط الشاه وجاء الخميني ومعه مشروعه الديني الامبراطوري، اصطدم بداية بالعراق الذي دعم غربيا وعربيا لمواجهة الطموح الايراني. لكن العراق سرعان ما سيكون ضحية تدخل دولي عبر عقود لاضعافه اولا ثم احتلاله في ٢٠٠٣م من قبل امريكا وتحالفها الدولي. استغلت إيران الفرصة للاستمرار في مشروعها الاسلامي ومده في الشرق الاوسط كله. كانت العراق اولى ضحاياه بعد اسقاط صدام واحتلال العراق، أصبح الكادر الشيعي العراقي المتشبع بالرؤيا الايرانية هو الحاكم الفعلي في العراق، خاصة بعد خروج أمريكا من العراق في ٢٠٠٦م. وكانت ايران قد هيمنت واقعيا على لبنان عبر حزب الله و بالتوافق والتنسيق مع نظام حافظ الأسد وبعده ابنه. لذلك كانت سورية جزء مهم من الهلال الشيعي الذي اصبح امرا واقعا لذلك كان خيار إيران ان تخوض حربها الثانية ضد العرب كلهم في سورية، حيث كان الخليجيين قد دعموا الثورة المسلحة ضد النظام.  جيشت إيران الكثير من المرتزقة العراقيين والأفغان والإيرانيين ليكونوا وقودا في الحرب السورية، بمنطق طائفي مريض يستحضر التاريخ وكاننا امام حروب يزيد والحسين، الشعب السوري هو الضحية وهو المستهدف ودمه مهدور في معادلة مصالح النظام السوري والايراني والادوار العربية والغربية العاجزة أو المتربصة.

* تجدد الحرب الباردة.

يتابع د.برهان رصد تطور العمل العسكري من النظام ضد الشعب السوري، انضمام إيران وميليشياتها العراقية والافغانية وحزب الله لصفوف النظام في معركة ابادة للشعب السوري وثورته. كان السوريون والعرب ينتظرون تدخلا امريكيا لنصرة الشعب السوري المعرض للابادة، لمواجهة التغول الايراني الذي استباح سورية كاملة. لكن الرئيس الأمريكي أوباما لم يتدخل وترك السوريين الى أقدارهم وما يستطيع تقديمه لهم عرب الخليج، من دعم عتاد، كل ذلك موضوع تحت المراقبة والضبط الأمريكي. في هذه الاثناء كانت روسيا التي تمخضت عن الاتحاد السوفييتي المنهار ١٩٩٠م ، قد بدأت تفكر في مواجهة عصر القطب الواحد التي قررته أمريكا. تدخلت روسيا في سورية عندما وجدت أن ميزان القوى على الأرض السورية ما زال لصالح الثورة او اقرب للتوازن رغم التدخل الإيراني، وأن امريكا لا تود ان تتدخل في سورية، لذلك قررت روسيا التدخل العسكري المباشر في ٢٠١٥م مستهدفة الشعب السوري وثورته بأسوأ حرب ابادة على الشعب السوري. كل ذلك تحت نظر الغرب والعالم، وكأنها متفقة مع الامريكان، تُركت سورية لقدرها الاسود. الروس خرجوا من المعركة منتصرين أعادوا دولتهم الى مرحلة القطبية الدولية الثنائية، اختبروا أسلحتهم بفخر واعتزاز. كل ذلك على حساب دم وحقوق ومستقبل الشعب السوري.

* غياب القيادة: محاولة للفهم.

يحاول د.برهان أن يفسر ما آلت اليه اوضاع الثورة السورية من فشل مريع، وما انعكس على الشعب السوري بمأساة تكاد تكون الاسوأ في التاريخ بحق شعب قام للطلب بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الافضل، مئات الآلاف من القتلى واضعافهم من المصابين ما يزيد عن نصف الشعب السوري مشرد ولاجئ وحياته في اسوأ حالاتها، اكثر من نصف سورية مدمر. يعيد د.برهان كل ذلك بتركيز شديد الى تكامل عوامل داخلية سورية وإقليمية ودولية؛ فعلى مستوى السوري السوري كان خيار الشعب مطلقا في مطالبه المحقة، وكان النظام بتركيبته العائلية العشائرية الطائفية غير مستعد أن يتنازل عن اي مكتسب له كنظام محتل لشعب من العبيد. تكامل مع ذلك الدعم الايراني المطلق للنظام في كل شيء مكملا هلاله الشيعي. اضافة لاعادة روسيا لدورها الدولي في سوريا بحيث حسمت المعركة لصالح النظام على الأرض. كذلك ضعف الدعم المقدم من دول الخليج للثورة السورية وتفتته بحيث عجز عن مواجهة النظام وإيران وروسيا. كما كان لوقوف أمريكا وحلفائها متفرجة على المأساة السورية جعلتها تصل الى ما وصلت اليه. مع ذلك يؤكد د.برهان اننا كثوار وسياسيين سوريين مسؤولين عن الشعب السوري وثورته كنّا في اسوأ حالاتنا؛ الاختلافات بين القيادات السياسية ، مجلس وطني وهيئة تنسيق، الخلافات داخل كل حالة سياسية، الشللية والمصلحية والنظرة الذاتية الضيقة جعلت الأداء السياسي سيئا، بحيث لم يحظى التمثيل السياسي على المصداقية الكافية، أصبح

ألعوبة بيد الاطراف الدولية والاقليمية الفاعلة في القضية السورية. يضاف إلى ذلك واقع العمل العسكري الذي نشأ عشوائيا ولم يتوحد وتعدد في مصادر تمويله ومساراته حسب الدول والقوى الداعمة، وكانت الاسلمة بأنواعها المأزق الذي جعل الثورة يتيمة وتخسر داعمها الدولي وتتحول مهمة الغرب الى محاربة الارهاب، وترك الشعب السوري وثورته ضحية في يد النظام وحلفائه ودفعنا ذلك الثمن الغالي. يرى د.برهان أننا لو كنا سياسيين و ثوار متوحدين و منطلقين من خطة استراتيجية واضحة المعالم وعرفنا كيف نتفاعل مع الفاعلين الإقليميين والدوليين في القضية السورية. كان الحساب الختامي مختلفا وأقرب لمصلحة الشعب السوري وثورته.

* صناعة النخبة أو التعقيم السياسي.

حاول د.برهان أن يفسر ظاهرة ضعف أداء الأحزاب السياسية السورية المعارضة و ناشطيها، كذلك الثوار العسكريين خارج اطار الذاتيات المريضة أو المصلحية، بالرجوع الى التمييز بين مجتمع ديمقراطي يبني نخبه على قاعدة الولاء الوحيد للوطن والشعب، والعمل لصناعة الكفاءة التي تجد لها مسارها كخيارات اجتماعية وسياسية واقتصادية للأفراد والدولة، بهذا الشكل تنشأ النخبة السياسية ضمن شروط صحيّة وتختبر نجاحها وفشلها امام الناس ومعهم وفق خيارات سياسية محددة. هناك تداخل الى درجة التطابق بين خيارات السياسي الذاتية والعامة في الدولة الديمقراطية، حيث يكون نشاطه منسجم وجدانيا وعقليا وانسانيا بين مصلحته الخاصة والمصلحة العامة للبلد والمجتمع كما يراها في خياراته السياسية، والمنافسة السياسية والشعب يقرر اي خيارات يأخذ وفق الالية الديمقراطية المعاشة في الدولة على كل المستويات. الدولة الديمقراطية تؤمن قنوات فاعلية وتوالد دائم لنخب جديدة وترحيل نخب لم تنجح خياراتها، الدولة الديمقراطية تنجح دوما بخلق نخبها السياسية وعلى كل الصعد حيث تكون الدولة في واقع أفضل على الدوام، حسب حيوية نخبها كل الوقت. أما في الدولة الاستبدادية فالأمر مقلوب. فلا نخبة كفاءة بل نخبة ولاء، لا مصلحة دولة ومجتمع بل مصلحة العصبة الحاكمة، لا منافسة الّا على خدمة الحاكم والرياء والنفاق له لكسب ودّه وفتاته، هذه التربية العملية الحاصلة في الدولة الاستبدادية ستنتج الانتهازية والباطنية والازدواجية والكذب والخداع وهيمنة عقلية المصلحة الخاصة ولو على حساب المجموع الشعبي، تماما كما السلطة المستبدة، لذلك لا نخب بريئة من أمراض الاستبداد والانتهازية والمصلحية في الدولة الاستبدادية. هذا وعندما يتواجد بعض النخب الحزبية او المهنية التي تختار مواجهة المستبد، يكون سحقها هو المطلوب: الاعتقال والقتل والنفي والعزلة والمحاربة بلقمة العيش، هذه النخبة المعارضة ستكون تحت ظروف القهر السياسي معرضة أيضا للإصابة بأمراض الاستبداد نفسه، رغم انها ضحيته. جنون العظمة، التمترس وراء الاعتقاد وكأنه حق مطلق، استسهال تخوين الآخرين، تغطية العمل للمصلحة الخاصة في ظروف الثورة على أنها تعويض عن تضحيات قدمت، عدم القدرة على التفاهم مع المختلف، صعوبة صناعة توافقات جبهوية لأهداف مشتركة. هذا غير غياب الإدراك السياسي الاستراتيجي العام للواقع ضمن معادلة متحركة في سوريا والإقليم والعالم. هكذا أراد د.برهان ان ينصف المعارضة السياسية السورية وقادة الثوار بأنهم: ارادوا او لم يريدوا هم ايضا ضحية استبداد قد شوههم وجعلهم على الصورة التي هم عليها. لعله توصيف يندرج ضمن الشروط المخففة بالحكم على الناشطين السياسيين والعسكريين في الثورة السورية في حساب فشل الثورة السورية، على الأقل للآن، وانعكاس ذلك على الشعب السوري بأسوأ ما يكون.

* الخاتمة.

يختم د.برهان كتابه إعادة مركزة لمحتويات كتابه، مركزا على أن ما حصل في الثورة السورية كان لا بد أن يحصل وفق معادلة داخلية سورية، حرب النظام وحلفائه على الشعب السوري وثورته. واقليمية ودولية تضامن روسيا وإيران لدعم النظام السوري حتى ينتصر على الشعب السوري وثورته، تواطؤ وصمت أمريكا والغرب وقبولهم بالمحصلة بما حصل، توقف عند العيوب التي شابت النشاط المعارض السياسي والعسكري للثورة وأنه كان من الممكن ان يكون أفضل. وأنهى كتابه بأن الثورة السورية كسرت حاجز الخوف وانتقل الناس للمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الافضل، لن يرجعوا الى ما قبل هذه اللحظة، المهم كيف نستفيد من اخطائنا كثوار وسياسيين، لنواكب ثورة شعبنا في موجة جديدة.

* ولنا رأي:

١. اعتقد ان كتاب العطب الذاتي: وقائع ثورة لم تكتمل. هو أهم كتاب للان يصدر عن الثورة السورية، واقعها ومسارها وتطوراتها، بحدود ما اطلعت، فهو من داخل مطبخ صناعة الحدث في الثورة السورية سياسيا وعسكريا، على الاقل في السنوات الاولى، وأهميته تكمن في شفافيته وقدرة النقد الذاتي والارتفاع بالموضوع لمستوى الشعب السوري وثورته، المسؤولية عن ما حصل بكل شجاعة، وتسمية الأخطاء والمخطئين أحيانا، وأنه عند الحديث عن قضية شعب نُكب بحياة أبنائه وتشرده ودمار بلاده، لا أحد خارج المساءلة والمحاسبة. لم يكن كتاب تعرّي ذاتي، بل كتاب تشخيص صحي للمرض: سوريا وإقليميا ودوليا ماذا حصل وكيف ولماذا؟ وأخيرا ماذا علينا أن نفعله كثوار وسياسيين وعسكريين منتمين للثورة من أجل المستقبل.؟.

٢. إن تشخيص د.برهان في الكتاب أن السبب الرئيسي لانتصار النظام السوري وحلفائه على الشعب السوري وثورته هو الانكفاء الامريكي عن المنطقة وتركها الى التغول الإيراني من جهة وعودة روسيا كقوة دولية يجب أن يحسب حسابها من البوابة السورية.

نعتقد نحن ان الدوافع الايرانية والروسية في حضورهم في القضية السورية والاقليم عموما صحيح كما ذكر د.برهان، اما التراجع الأمريكي أو لنسمه القبول بالهزيمة في سورية، فذلك نختلف عليه.

أمريكا نراها راعية لكل ما حصل في منطقتنا العربية وفي سورية بشكل اساسي ايضا.

في البداية لم تخرج المنطقة العربية منذ بداية القرن الماضي وسقوط الخلافة العثمانية عن أن تكون ضمن استراتيجية الغرب لتحقيق مصالحه المحددة سلفا بتقسيم المنطقة واحتلالها الذي حصل لفترة عقود وأكثر، وتبعية الدول المتشكلة بعد التحرير وفق مصلحة طبقة الحكام والغرب الذي كان الى الحرب العالمية الثانية انكلترا وفرنسا وامريكا، ثم بعد الحرب العالمية الثانية اصبحت امريكا القائدة. وحكمت المنطقة من الاستعمار الغربي اولا ثم إعلان وعد بلفور بوطن قومي لليهود ١٩١٧م واحتلال فلسطين من قبل الانكليز وإحلال اليهود فيها، وخروج الانكليز منها بعد اعلان خلق الكيان اليهودي (اسرائيل) في فلسطين، ودعم الغرب المطلق لهذا الكيان في حروبه المتتالية مع الدول العربية المجاورة في ١٩٤٨م،١٩٦٧م، ١٩٧٣م، وهزيمة العرب فيهم بشكل كامل. واستثمار هذه الحروب لجعل اسرائيل دولة شرعية في المنطقة. اجبار الانظمة التابعة للتسليم بذلك، بدأت بمصر السادات ١٩٧٨م وتبعتها الاردن وعُمان والحبل على الجرار، وكان ثالث العوامل الحاكمة لمصلحة الغرب في منطقتنا هو النفط وجوده والسيطرة عليه واستمرار تدفقه للغرب لكونه عصب الاقتصاد الحديث، وهكذا حصل منذ اكتشاف النفط العراقي على يد الانكليز والسعودي على يد الامريكان ومن ثم أصبح للغرب الحضور الطاغي في النفط العربي، بحث وتنقيب واستخراج وتسويق واعادة استثمار اموال النفط مع الانظمة التابعة من قبل الغرب وخاصة أمريكا كل الوقت.

٣. لم تكن الخطة الاستراتيجية للغرب تسير دون عقبات وبشكل أتوماتيكي، بل اقترنت بحالات صراع مع بعض الشعوب او الحكام سواء في المرحلة الاستعمارية التي انتهت بتضحيات الشعوب، ولا تم التسليم ب(اسرائيل) دون مواجهة بل بحروب، رغم هزيمة الانظمة العربية فيها كلها تقريبا، حصل الصراع مع عبد الناصر عندما قام بالوحدة المصرية السورية لأنها تعيد العرب لمرحلة التوحد المعتبرة محرمة استراتيجيا عند الغرب واسقطت الوحدة وكان للغرب دوره. كما اعتدت (اسرائيل) وانكلترا وفرنسا على مصر بعد إعلان عبد الناصر تأميم قناة السويس عام ١٩٥٦م، فشل الاعتداء الثلاثي لكن استمر العمل للقضاء على عبد الناصر بصفته يقف في وجه المخطط الاستراتيجية للغرب، هزيمة حزيران ١٩٦٧م اولا ثم حرب الابادة الموجهة على الفدائيين في الأردن عام ١٩٧٠م ووفاة عبد الناصر المفاجئة. عادت الانظمة لتكون في موقع التابع للغرب بعد ذلك، وإن كان بعضها غير منضبط كان موضوعا وفق نظرية عدو تحت السيطرة ويستخدم لتحقيق المطلوب منه دون وعي وإرادة مسبقة. هكذا سوق نفسه حافظ الاسد مع الغرب منذ وصل للحكم في سورية وأصبح حاكمها المطلق، خدم الغرب في لبنان وفي العداء للثورة الفلسطينية وترحيلها بعيدا عن فلسطين، ساعد في معركة الغرب مع الإسلاميين المصنفين ارهابا، في عهد الاسد الاب والابن. كان صدام حسين عدو معلن للغرب لكنه استخدم في معاركه لتحقيق مصالحها. العداء المستحكم بين صدام حسين وحافظ الأسد يخدم الغرب، الحرب بين إيران الخميني منذ ١٩٧٨م الى ١٩٨٦م التي استنزفت الطرفين خدمت الغرب، ثم حصاره واحتلاله للكويت والحرب الدولية عليه وإخراجه من الكويت لأنه اراد تغيير الخطط الاستراتيجية للغرب في منطقتنا، ثم حصار العراق ثم تنفيذ خطة اسقاطه كحاكم لم يلتزم بما يريد الغرب واستثمارا لهجمات القاعدة على أمريكا في ٢٠٠١م، ثم احتلال العراق من قبل الأمريكيين وتكلفة ذلك زادت عن ٥٠٠ مليار دولار مع عدة الالاف من الجنود القتلى غير المصابين والمرضى النفسيين. خرج الامريكان من العراق في ٢٠٠٦م وتركوه دولة فاشلة ومحكوما بتقسيماته الطائفية ضحية حرب اهلية ونظام فساد طائفي، لكن النفط العراقي يتدفق للغرب دون انقطاع. بعد ذلك عادت المنطقة العربية تسير وفق الخطة الاستراتيجية الأمريكية – الإسرائيلية، إلى أن جاء الربيع العربي.

٤. كان الربيع العربي زلزالا في المنطقة العربية وحركة شعبية تواجه مظلومية معاشة في كل دولة من انظمة مستبدة، تطالب بحق الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الافضل كطور انساني أفضل تتحرك له كل الشعوب، سقطت الأنظمة لعجزها أن تواجه الشعوب بملايينها. لكن أمريكا والغرب ووراءه واسرائيل لم تقبل هذا المتغير لأنه سيعدل بعد حين من معادلة المظلومية العربية الغربية، في فلسطين قد تواجه (إسرائيل) ويتم العمل على تشكيل دولة فلسطين على الضفة الغربية، وقد تؤسس لزوال (إسرائيل) ذاتها. ثم تحقيق الديمقراطية والعدالة في دول استبدادية فاشلة تنهب شعوبها، ستعيد النفط وريعه للشعب، كل ذلك سيعيد الغرب بصفته سيد منطقتنا العربية الى ندّ نتباحث معه من منطق الحقوق وتبادل المصالح. لذلك سارعت امريكا و(اسرائيل) للعمل على إسقاط الربيع العربي والثورات التي قامت، تم استيعاب الثورة التونسية وجعلها تحت الوصاية ثانية، في مصر انقلب الجيش على الثورة وعادت مصر جزء من منظومة امريكا و(اسرائيل) في المنطقة العربية. ليبيا واليمن دخلتا في حرب اهلية، لتكون نموذج لمقولة الاستبداد او الحرب الاهلية.

٥. قبل الخوض في الحديث عن سورية وثورتها. أود التركيز على تطور في استراتيجية أمريكا و(اسرائيل) في منطقتنا، وهي نتاج اعادة تفكير العقل الامريكي في كيفية الهيمنة على المنطقة والعالم، وكيف كان الثمن المالي والعسكري للتدخل الامريكي في افغانستان والعراق باهظا، جعلهم يفكرون بأن يصلوا لأهدافهم دون أن يشاركوا بتكاليف مباشرة فيها، صناعة الفوضى الخلاقة، وحروب  التسيير الذاتي، سواء من خلال وجود أطراف جاهزة لتكون جزء من الصراع في ميدان الصراع، يكفيها الامداد المالي والسلاح، وهذا ما سوف تقوم به امريكا وحلفاؤها بأموال الحلفاء أنفسهم، هذا ما حصل فعلا في اليمن وليبيا وسورية بعد ذلك. كما انها الحقتها بنظرية صناعة الدول الفاشلة عندما لا تكون تابعة، والنموذج الصومالي حاضر سابقا والليبي واليمني والسوري -نسبيا- حاضر الآن.

٦. في سورية كانت كل الظروف ستؤدي لأسقاط النظام وبناء الدولة الديمقراطية، سمح له باستقدام إيران وحزب الله والمرتزقة الطائفيين العراقيين والافغان والروس كذلك، لأنه في اي صراع يتطلب له شروط لوجوده واستمراره، في سورية هناك ثورة الشعب السوري ورفض النظام أن يقدم للشعب اي تنازل. بالنسبة للمقاتلين هناك الشعب وشبابه والنظام وجيشه وامنه، عندما وصل النظام إلى مأزقه امام الثورة، كان أمامه السقوط او جود الداعم مقاتلين وسلاح ومال، أمريكا ترى ذلك، وهي أمام خيارين، إما سقوط النظام ووصولها الى محظور الدولة الديمقراطية في سورية ومطالبها الشرعية في الجولان وتحويلها لنموذج عربي او السكوت عن الحضور الايراني الذي كان قد أعاد انتشاره في العراق ولبنان وسورية  واليمن والخليج لاحقا؛ وفق نظرية ولاية الفقيه ومشروع امبراطورية ايرانية، كانت إيران جاهزة لتخدم في معركة أمريكا واسرائيل في سورية. كان الشعب السوري جاهزا لتقبل الدعم العسكري والمالي والسلاح من دول الخليج التي كانت تدافع عن وجودها امام الايرانيين، وكان الشعب السوري يدافع عن وجوده امام حرب ابادة من النظام وحلفائه في سورية. بهذا الشكل ضمنت امريكا معارك الصراع الأهلي الإقليمي بين كل الأطراف، الذي ستجني ثماره بعد حين.

٧. لكن الصراع في سورية رغم التدخل الايراني ما زال لصالح الشعب السوري وثورته وداعميه، لذلك صمتت امريكا عن استعادة روسيا دورها وبالقوة الى جانب النظام السوري منذ عام ٢٠١٥م وهكذا وعبر توافقات ظهرت تباعا للعلن جعلت هذا الانتصار للنظام وحلفائه على الشعب السوري وثورته، حصل نتيجة تخطيط مسبق والكل كانوا فيه متواجدين بأدوار محددة. منذ بداية الثورة خرج رامي مخلوف ليقول أمن سورية من أمن (إسرائيل). التدخل الايراني ترك دون تنسيق غربي من تحت الطاولة سوى الصمت لان إيران نفسها تعامل وفق اجندة حرب طويلة الامد لإسقاط سلطتها وقوتها الاستراتيجية في المنطقة حسب الطريقة العراقية استنزاف وحروب وأزمات داخلية ومن ثم انهيار. لا نعلم هل بصحبة طلقة الخلاص أم لا. السبب أن إيران بعد العراق هي الدولة الوحيدة المنافسة جديا (لإسرائيل) في المنطقة. لذلك كان تركيز أوباما على اولوية نزع قدرة إيران النووية من يدها وهكذا حصل، صحيح انه اعطيت إيران حق التمدد في كثير من البلدان، وهذا ايضا استنزاف لها، ألم يسمح الغرب ل صدام باحتلال الكويت يوما. الان إيران تدفع ثمنا اقتصاديا وعسكريا وشعبيا لهذا التمدد والمسعى الامبراطوري في كثير من البلدان. انها تجهز ل تساق الى المذبح.

أما روسيا فوضعها مختلف ُسمح لها بالتدخل في سورية لتعديل الميزان لتسقط الثورة السورية، العرّاب كان (اسرائيل) وبرضى امريكي، الملفات الدولية الاخرى مجمدة، لم تعتبر امريكا دور روسيا معادي لها، بل مكمل بوعي او دون وعي لما تريده امريكا. إسقاط ثورات الربيع العربي جميعها وكذلك في سورية. وهكذا حصل.

٨. نعم كانت تكلفة حرب احتلال العراق وتحويله الى دولة فاشلة حوالي ٥٠٠ مليار دولار دفعتها امريكا غير قتلاها بالآلاف. ببنما حرب اسقاط الربيع العربي والسوري، كان عائده على أمريكا مئات المليارات على شكل عقود أسلحة ومنح حصل عليها ترامب وكأنه في فرح باذخ، هذا غير اثمان سلاح حروب مفتوحة في سورية والعراق وليبيا واليمن، كلها او أغلبها تصب في الخزانة الامريكية. وحتى عندما قررت أمريكا ان تشارك في الحرب على الإرهاب في سورية والعراق، دعمت حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري فرع حزب العمال الكردي في سورية بالسلاح والمال ليخدم لها أجندتها في مناطق الثروة في سوريا الشرق والشمال الشرقي، حيث الثروة النفطية والمحاصيل الزراعية. ومازالت أمريكا تحتفظ بالسيطرة عليهم وتستثمرهم لمصالحها.

أخيراً :

حتى في جغرافية سورية الان في الشهر الرابع من عام ٢٠١٩م. معطيات الأرض أن النظام وحلفاؤه إيران وروسيا يسيطرون على أقل من نصف سورية. إيران منهكة ولم تعد قادرة ان تدفع لروسيا فاتورة تدخلها في سورية، بعد الحصار الأمريكي لها. مناطق النظام مكتظة بالسكان مدن دون إنتاجية، الحياة فيها أقرب للجحيم اقتصاديا واجتماعيا. الشمال السوري منطقة غصن الزيتون ودرع الفرات يسيطر عليها الجيش الحر برعاية تركية يعيشون بالمعونات التركية. ادلب وما حولها حقل ألغام ممتلئ بالسوريين الهاربين من مناطقهم تحت سيطرة هيئة تحرير الشام(النصرة) منطقة مفتوحة على كل الاحتمالات واهمها انها قد تكون جرح مؤلم للسوريين دائم النزف. المنطقة الشرقية والشمالية الشرقية تحت هيمنة فرع حزب العمال الكردي اسميا وأمريكا عمليا. في هذه المنطقة تكمن إمكانيات سورية الاقتصادية النفط والمحاصيل الزراعية. يعني عمليا أمريكا تقبض على أهم ورقة في سورية. تلوح بها في مواجهة النظام وإيران وروسيا وتركيا ايضا.

لم تكن امريكا ووراءها (اسرائيل) خارج الملعب في منطقتنا العربية منذ دخولها منطقتنا قبل قرن تقريبا. وكانت دائما الفائزة بالحصول على مصالحها ومصالح (اسرائيل) كل الوقت للأسف.

 

المصدر: الأيام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى