تواترت أنباء المناطق اللبنانية عموما، عن ظاهرة ملفتة تتعلق بالمبادرات الإنسانية التضامنية التي يقوم بها مواطنون متطوّعون لمساعدة النازحين من أبناء الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية والبقاع، وكل المناطق جرّاء العدوان الصهيوني الإجرامي على لبنان والمنطقة..
تظاهرات تفصح عن جملة حقائق ميدانية اجتماعية، ذات طابع وطني كاد ينسيها إعلام مرتهن ودعائي وطروحات سياسية فئوية، تخدم مصالح خاصّة، بعيدة عن الولاء للوطن والالتزام بالدفاع عن وجوده شعبا واحدا وأرضا حرة ودولة فاعلة..
1/ إنها ظواهر تعبر عن شعور فطري عفوي بوحدة لبنان ووحدة اللبنانيين كشعب .. تعبر بصدق عن مصير وطني لبناني واحد.. وهو تضامن ليس بغريب على لبنان وأبنائه.. ويعرفه الذين عاشوا وعايشوا الحروب والأزمات والنكبات التي تعرض لها لبنان منذ الإستقلال..
2/ تعكس وعيا شعبيا عاما بخطر المشروع الصهيوني، وإمتدادات عدوانه وتوسعه لتشمل كل لبنان وكل اللبنانيين، وليست مقتصرة على فئة واحدة.. وهذا بحد ذاته تأكيد إضافي على وحدة المصير الوطني، ولا سيما حيال الخطر الصهيوني.. وهذا يفتح الآفاق واسعة أمام الوطنيين لنشر أطماع وخطر المشروع الصهيوني واستهدافاته الإجرامية التي لن توفر أحدا..
3/ تثبت فشل كل الطروحات المذهبية وما يستند عليها من مشاريع سياسية فئوية، وهي انعزالية تقسيمية في مجملها على إختلاف شعاراتها التي تخفي وراءها مصالح سياسية وحزبية، ذات إرتهانات خارجية ولا ننتمي إلى المصلحة الوطنية ووحدة الوطن.
وعلى الرغم من الجهود الجبارة والإمكانيات الضخمة التي صرفت في كل ميادين السياسة والتربية والثقافة والإعلام، لتثبيت عصبيات طائفية ومذهبية، تحمل معها مشاريعها السياسية تريد إيهام اللبنانيين، أنهم لا يشكلون شعبًا، وبالتالي، لا حلّ لهم سوى الكيانات الإنقسامية المرتهنة لتبعيات ما خارج الوطن؛ وعلى الرغم من تلك الجهود المبذولة والمدعومة من قوى أجنبية ذات إمكانيات هائلة؛ فإنها سقطت في ميدان المأساة الوطنية التي يعيشها اللبنانيون؛ فكانت مظاهر الإحتضان والتضامن مع النازحين والمنكوبين؛ تأكيد على تلك الروابط الوطنية التي ترتقي فوق كل أنواع العصبيات، رغم التحريض المستمر عليها.. وهي عصبيات يمقتها معظم الشعب اللبناني، وإن تغطت تارة بالفيدرالية وتارة بالدفاع عن لبنان وخصوصياته أو إختراع هويات له تناقض هويته العربية وتتخلى عنها..
4/ تثبت أصالة الشباب اللبناني وتمسكه بقيم مجتمعه الأخلاقية والإنسانية؛ رغما عن كل التعبئة والتسويق التحريضي اليومي الذي تمارسه قوى وأدوات العولمة الرأسمالية المخربة، لإشاعة التفكك الإجتماعي والفساد، ونشر ثقافة الفردية الأنانية والذاتية النفعية الإستهلاكية التي تتخلى عن كل قيم التضامن الإجتماعي والغيرية والشهامة، وإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم والمنكوب والمحتاج.. فكان لافتا إقبال الشباب اللبناني ذكورا وإناثا على التطوع في مساعدة النازحين، وتوفير ما أمكن من آحتياجاتهم.. مما جعلهم يستحقون كل ثناء وتقدير وينبه إلى ضرورة تنشيط كل المؤسسات التربوية والتعليمية – شعبية وحزبية ونقابية ورسمية – التي تحصن هؤلاء الشباب بالتثقيف وصناعة وعي وطني حقيقي، يواجه أخطار العولمة وتداعياتها السلبية المفسدة..
5/ الأخلاق فوق كل التبعيات الفئوية.. وهذا ينبه إلى ضرورة وأهمية تحصين مجتمعاتنا من كل دعوة إلى التحلل الأخلاقي بحجة الحداثة او الموضة وسواها. وفي سياقها محاولات تفكيك الأسرة ثم تفكيك الإنسان ذاته ليصبح بلا هوية، وبلا قيم إنسانية وطمس الجانب التكويني الروحي في شخصيته، مع ما يعني ذلك من إنحطاط وتدهور وإنهيار فردي وعام.. فلا يجوز ترك الشباب يواجه كل تلك الاخطار والتحديات بمفرده أعزلا محاصرا مستهدفا.
6/ غياب الدولة ومؤسساتها الخدماتية والوظيفية في مجال الرعاية والإغاثة والمساعدة وتوفير متطلبات العيش للنازحين وشروط السلامة والنظافة.. وجميعها من مسؤولة الدولة التي لا تزال مغيبة تنتظر توافقا مزعوما بين أطراف النظام الطائفي المتهالك الفاسد.. ولولا أن الجيش والقوى الأمنية تمارس دورا ملحوظا في حماية مراكز الإيواء والتجمعات؛ لأمكن القول بغياب تام للدولة ودورها الوطني..
كل هذا، ينبغي أن يَحثّ اللبنانيينَ المخلصين لإنتمائهم الوطني الحرّ على العمل معا في إستعادة وبلورة رؤية وطنية توحيدية جامعة، تصب في بناء دولة حقيقية قائمة على العدالة وسيادة القانون والمشاركة المتكافئة والديموقراطية السليمة، والتخلي عن أيّ إرتهانات خارجية هنا او هناك وعن المشاريع السياسية الفئوية لصالح إنتماء وطني لبناني جامع أصيل.. وتقرير المصير الوطني والمصالح الوطنية، بما يراه ويقرره اللبنانيون بعيدا عن التدخلات الخارجية..
فالمصير الوطني لا يقرره غير الوطنيين، أبناء الشعب وليس أية قوة خارجية..
المصدر: المدار نت