التحليل الأدريناليني وتحليل الجكارة

حازم نهار

كتبت مقالة منذ نحو 9 سنوات بعنوان “تحاليل سياسية” ليست سياسية)، ذكرت فيها عشرة أنماط شائعة من تحليل الواقع السياسي، ومعظمها ضالة ومضلِّلة، واهمة وناشرة للوهم، وبعيدة من حقائق الواقع، ينساها صاحبها بعد فترة وجيزة من الزمن، ولا تترك أثرًا لديه أو لدى المتلقين، ولا تضيف في المآل أي تطور أو تغيير في طرائق التفكير، أو في مستوى معرفة الواقع، والتنبؤ بمساره وحوادثه.

أنماط التحليل الشائعة هذه يمكن أن تكون موجودة مجتمعة لدى الشخص نفسه، بحسب الحدث السياسي المتناول، واللحظة الزمنية التي يمر بها صاحب التحليل، وهي: التحليل السياسي الأيديولوجي، التحليل السياسي الإعلامي، التحليل السياسي الطائفي أو المذهبي، التحليل السياسي الرغبوي أو الذاتي، التحليل السياسوي، التحليل السياسي الإقليدي أو الخطي، التحليل السياسي القياسي، التحليل السياسي الرقمي، التحليل السياسي الحقوقي، التحليل السياسي القائم على “الجكارة”.

النمط العاشر من أنماط التحليل (التحليل السياسي القائم على “الجكارة”)، وهذا الأخير شاع في ظل حالة التوتر والاستقطاب الحادة في الوضع السوري، فليس من النادر أن يقوم محلِّل ما بتقديم تحليله للواقع بالانطلاق من عدائية مفرطة تجاه خصومه أو “جكارة” بمخالفيه أو معارضيه.

هناك نمط جديد من التحليل يمكن أن يُضاف هو التحليل الأدريناليني: نمط من التحليل اللحظي، مرتبط بمستوى الأدرينالين لدى “المحلل” صعودًا وانخفاضًا، فتراه متابعًا لنشرات الأخبار ويتأثر مباشرة بما يسمعه، ويبني عليه، ويحلل، ويتوقع، ثم يُصدم. يرتفع معدل الأدرينالين عندما يسمع أحدهم أن طائرة مسيرة لحزب الله اخترقت الأجواء الفلسطينية، وقتلت عددًا من الإسرا…ئيليين، وأحدهم عندما يسمع أن ضربة إسرائيلية طالت إيران أو وكلاءها، وهكذا.

المؤسف أن كتابًا وصحافيين وإعلاميين ومديري قنوات تلفزيونية وغيرهم قد اندرجوا في هذا النمط الأدريناليني من قراءة الواقع. إنهم ينوسون بين التحليل الأدريناليني وتحليل الجكارة.

إن القدرة على إنتاج تحليل سياسي صائب وقراءة حوادث الواقع ومساراته وسياساته، تحتاج إلى جملة من الأدوات الضرورية (أهمها قراءة الحقائق الاستراتيجية الواضحة والحاسمة وليس الغرق في التفاصيل اليومية)، ومن دونها لا يمكن أن نسمي أي مقاربة للواقع والوضع السياسي إلا شكلًا من أشكال الهذر والتخريف، أو شكلًا من التضليل المقصود أو غير المقصود للذات والآخر أو شكلًا من أشكال التعبير عن الخوف الكامن من أن يسير الواقع على عكس ما يرغب “المحلِّل”.

المصدر: صفحة حازم نهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى