تشير معطيات عسكرية وميدانية إلى أن النظام السوري يستعدّ لحملة عسكرية في الشمال الغربي من سورية، بهدف دفع فصائل المعارضة السورية شمالي الطريق الدولي “أم 4″، الذي يقطع محافظة إدلب. ويأتي هذا الأمر في مقدمة أهداف قوات النظام ومليشيات إيرانية تساندها. في المقابل، تتحسّب فصائل المعارضة من محاولة النظام خرق اتفاق موسكو الذي يحكم الشمال الغربي من سورية منذ مارس/ آذار الماضي من أجل التقدم على الأرض، ما دفعها إلى تعزيز مواقعها الدفاعية عن المناطق التي تسيطر عليها جنوبي الطريق الدولي، وأبرزها مدينة أريحا، إحدى أكبر المدن في محافظة إدلب. وذكرت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام أن الأخير دفع بتعزيزات إلى خطوط التماس في ريفي حماة الشمالي الغربي وإدلب الجنوبي، لتحصين نقاطها، ومواجهة ما سمّتها بـ “التنظيمات الإرهابية”، مشيرة إلى أن هذه التنظيمات استقدمت هي الأخرى تعزيزات إلى مواقعها في ريف إدلب الجنوبي. وفي السياق، نقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية عما سمته مصدراً ميدانياً من “الفرقة 25 مهام خاصة” التابعة للنظام، قوله إن تعليمات وصلت إلى قادة التشكيلات العسكرية المرابطة على خطوط النار، تقضي بضرورة رفع الجاهزية واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة، وتعزيز الجبهات، تحسباً لأي توتر قد تشهده الجبهة خلال الأيام القليلة المقبلة. وأوضح المصدر أن “وحدات الجيش السوري في ريف إدلب عملت أخيراً على نقل واستقدام تعزيزات نوعيّة إلى ريفي إدلب وحماة تضمّنت عربات ومدافع وعتاداً وذخيرة، في ضوء استمرار المجموعات المسلحة بخرق اتفاق وقف إطلاق النار، وشنّ هجمات شبه يومية على مواقع الجيش في جبل الزاوية وسهل الغاب”.
من جانبه، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن التعزيزات التي استقدمتها قوات النظام على مدار الأيام القليلة الماضية توجهت إلى محاور التماس في سهل الغاب بريف حماة الشمالي الغربي، وليس إلى خطوط التماس في جبل الزاوية وريف إدلب الجنوبي. وفي مقابل حشود النظام المتزايدة، أرسلت غرفة عمليات “الفتح المبين” التي تضم فصائل المعارضة في محافظة إدلب، أول من أمس الجمعة، تعزيزات عسكرية إلى محاور التماس مع قوات النظام السوري والمليشيات الرديفة لها في ريف إدلب الجنوبي، وفق ما أفادت مصادر في “الجبهة الوطنية للتحرير”، أكبر تجمع للفصائل في شمال غربي سورية، مشيرة إلى أن الغرض هو “تعزيز المواقع الدفاعية”. من جهته، أكد المتحدث الرسمي باسم “الجبهة الوطنية للتحرير”، النقيب ناجي مصطفى، في حديث مع “العربي الجديد”، أن هناك بالفعل تحرّكاً لقوات النظام والمليشيات على الجبهات في منطقة جبل الزاوية وريف إدلب الجنوبي. وأشار إلى أن الفصائل الثورية أرسلت تعزيزات إلى هذه الجبهات للتصدي لأي عمل عسكري يمكن أن تشنه عصابات الأسد والإيرانيين. وشدد على أن “الجبهة” لديها جاهزية كاملة لكل السيناريوهات المحتملة في الشمال الغربي من سورية. وكان لافتاً دفع النظام للتعزيزات بعد يومين فقط من تسيير القوات التركية والروسية أول دورية مشتركة على طول الطريق الدولي الذي يربط مدينة اللاذقية، كبرى مدن الساحل السوري، بمدينة حلب، كبرى مدن الشمال، انطلاقاً من قرية ترمبة في ريف إدلب شرقاً، وصولاً إلى قرية حور العين في ريف اللاذقية غرباً. ومن المرجح استعانة قوات النظام بمليشيات إيرانية عدة منتشرة في ريفي إدلب الجنوبي والشرقي، في حال القيام بأي عمل عسكري ضد فصائل المعارضة. وقد كشفت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” أن المليشيات تتخذ من مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي مقرّاً لها، إضافة إلى بلدتي عينجارة وأورم الكبرى في ريف حلب الغربي، موضحة أن أبرز هذه الفصائل هي كتائب الإمام علي، وحزب الله، ولواء الرضوان. ويبدو أن التعزيزات لا تزال في طور الضغط السياسي من قبل الجانب الروسي على الجانب التركي، لاستعادة الحركة التجارية على طريق “أم 4” وبقية الطرق في الشمال الغربي من سورية، من بينها خط الترانزيت القادم من أوروبا والذي كان يقطع سورية باتجاه الأردن ومن ثم إلى دول الخليج. كما لا يمكن عزل ما يحدث في محافظة إدلب من تحركات ميدانية، عما يجري في الملف الليبي مع اشتداد التنافس بين أنقرة وموسكو على النفوذ في ليبيا، وهو ما ينعكس سلباً على مجمل الأوضاع في الشمال السوري، في ظلّ تبادل الطرفين الرسائل السياسية على الأرض، سواء في ليبيا أو سورية. من جانبه، يستبعد الكاتب المختص بالشأن الروسي طه عبد الواحد أن تدعم موسكو أي عمل عسكري من جانب قوات النظام “يمكن أن يقوّض التفاهمات مع أنقرة والتي باتت تشمل الوضع الإقليمي بشكل عام، بما في ذلك الأزمة الليبية إلى جانب القضية السورية”. ويشير في حديث لـ”العربي الجديد” إلى أنه “في حال جرى أي عمل عسكري سيكون ضمن توافق بين الروس والأتراك، حتى لو لم يعلن عن ذلك”. وبرأيه فإن روسيا تدرك أنه مع وجود عشرات آلاف الجنود الأتراك في المنطقة حالياً، فإن أي هجوم قد يتحوّل إلى مواجهة مباشرة بين الجيش التركي والنظام وهذا تعقيد للمعقد، موسكو بغنى عنه.
في موازاة ذلك، لا يزال الجيش التركي يدفع بتعزيزات إلى نقاطه وقواعده في محافظة إدلب، مع دخول رتل تركي جديد، مساء أول من أمس الجمعة، من معبر كفرلوسين الحدودي شمالي إدلب إلى داخل الأراضي السورية، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. وكشف المرصد أن الرتل مؤلف من 35 آلية من عربات مصفحة وشاحنات تحمل معدات لوجستية، توجّهت نحو المواقع التركية في المنطقة، خصوصاً نقطتي مورك وشير مغار في ريف حماة الشمالي، ضمن مناطق سيطرة قوات النظام في ريف حماة. وجرى إدخال طعام إلى النقطتين، إضافة إلى تبديل عناصر. ومنذ إبرام اتفاق موسكو نقل الجيش التركي آلاف الجنود إلى داخل محافظة إدلب موزعين على نحو 60 نقطة تمركز، إضافة إلى قاعدة كبرى في مطار بلدة تفتناز في ريف إدلب الشمالي الشرقي. ونصّ اتفاق موسكو على وقف جميع الأعمال العسكرية على طول خطّ الاتصال في منطقة التصعيد بإدلب ابتداء من 6 مارس الماضي، مع إنشاء ممر أمني بعمق ستة كيلومترات شمالي طريق “أم 4” وستة كيلومترات جنوبه، وتسيير الدوريات التركية – الروسية المشتركة. لكن من الواضح أن قوات النظام تحاول انتزاع كامل ريف إدلب الجنوبي جنوبي طريق “أم 4” حيث لا تزال قوات المعارضة تحتفظ بوجود قوي في هذا الريف، خصوصاً مدينة أريحا، إضافة إلى بلدات عدة، منها البارة ودير سنبل وسرجة. كذلك تُسيطر فصائل المعارضة على منطقة جبل الزاوية الاستراتيجية التي تضم أكثر من 30 قرية، إضافة إلى وجود في سهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي.
المصدر: العربي الجديد