“محورٌ” بأوصال مفككة

لوسيان شهوان

إسرائيل تستمرّ بالتصعيد، وتسعى إلى تفكيك محور الممانعة عبر قطع أوصاله وطُرق امداداته إلى حزب الله، وصولاً إلى ضرب كل أذرعه وفصلها بعضها عن بعض.

قراءة التصعيد الإسرائيلي في الآونة الأخيرة وتحديداً داخل لبنان أفضت إلى ثابتة واحدة، ألا وهي أن كل شيء مُتوقع من الحكومة الإسرائيلية، والسبب أن هذه الحكومة الإسرائيلية ربطت كل معاركها من تاريخ 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 حتى اليوم بمعاني العقد الاجتماعي بين الدولة الإسرائيلية والشعب المبني منذ نشأة إسرائيل على “الأمن والأمان” في بقعة جغرافية داخل الشرق الأوسط، بما يعني أن كل الجنون الإسرائيلي الذي نشاهده اليوم مصدره القلق على الوجود الذي شعر به كل من يعيش داخل الكيان الاسرائيلي في 7 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي.

بقصفها المقرّ المركزي لحزب الله بثمانين قنبلة MK84 في حارة حريك، واغتيالها رمز “حزب الله” وأمينه العام السيّد حسن نصر الله، أدخل الجنون الإسرائيلي المنطقة برمّتها في مرحلة أخرى أشد خطورة من سابقاتها، ومع توسّع العمليّات الحربيّة الإسرائيلية في الداخل اللبناني وتطوّرها باتجاه سوريا، الشريان الحيوي لإمداد حزب الله في لبنان، بدأت الإشارات الإسرائيلية تأخذ معاني مختلفة باتجاه كافة أذرُع المحور، فالهدف الإسرائيلي الأخير لا بد لها من الاستعداد أكثر للوصول إليه.

لضرب الأذرُع الإيرانية بعدان أساسيان: الأوّل متمثلٌ بحركة “حماس” وقطاع غزة، و”حزب الله” وحدودها الشمالية، إضافة إلى العمق السوري والجولان. فالبعد الأوّل بعدٌ وجوديّ -حدوديّ مرتبط بأمن إسرائيل القريب. الثاني، متمثل بالحوثيين ورسائل إسرائيل إلى الحديدة، ومع الفصائل الشيعية داخل العراق، فهي رسائل موجّهة لإيران مفادها أن باستطاعة إسرائيل توجيه ضربات ناجحة ولو ابتعد الهدف عنها 1800 كم، كالذي حصل على ميناء الحديدة. ولعلّ إيران فهمت الرسالة، وردّتها بصواريخ موجّهة إلى تل أبيب لتحفظ توازناً ما يرتبط بأمنها بالمباشر.

وتحقيقاً لأهدافها الوجوديّة – الحدوديّة، وجّهت إسرائيل في نهاية الأسبوع الماضي ضربات مركّزة على معابر حدوديّة شرعيّة وغير شرعيّة بين لبنان وسوريا، منها ما يربط بين ريف القصير والأراضي اللبنانية، وأخرى قريبة من معبر كفريابوس الشرعي بريف دمشق على بعد بضع الكيلومترات من الحدود اللبنانية – السورية، في إشارة واضحة إلى منع إدخال “حزب الله” السلاح من سوريا إلى لبنان. كما طال القصف الإسرائيلي آليات في منطقة ريف دمشق، إضافة إلى موقع عسكريّ في كفريابوس، كما طال القصف منطقة حوش السيد علي وهي نقطة أساسية في حركة “حزب الله” بين لبنان وسوريا. فإسرائيل تسعى إلى شلّ إمدادات “الحزب” برّاً، بالتوازي مع تهديداتها للطائرات الإيرانية واحتمال هبوطها في مطار بيروت لما قد يضع هذه الطائرات في مرمى نيرانها. واستكمالاً لكل ذلك، لم تتأخر إسرائيل في استهداف “فيلا” تابعة للفرقة الرابعة في الجيش السوري بقيادة ماهر الأسد في بلدة حدوديّة في ريف دمشق، فهذه رسالة للأسد ولفرقته المؤتمنة سورياً على الحركة الحدوديّة. كما أن الجيش الإسرائيلي كان قد أعلن منذ أيام عن اغتيال محمد جعفر قصير في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهو قائد الوحدة 4400 في “حزب الله”، المسؤولة عن تهريب الأموال والوسائل القتالية للحزب بين إيران وسوريا ولبنان.

الضربات الإسرائيلية داخل سوريا اعتبرها كُثر أيضاً تحذيرات وتهديدات لما تبقى من نظام في سوريا بهدف منعه من التعاون مع الفصائل الإيرانية داخل سوريا، التي يُحكى انها تستعد لمغادرة الأراضي السورية، ولإرغامه على التزام القواعد التي تفرضها إسرائيل بالحديد والنار.

إسرائيل تستمرّ بالتصعيد، وتسعى إلى تفكيك محور الممانعة عبر قطع أوصاله وطُرق امداداته إلى حزب الله، الذراع الأقوى في المحور، وصولاً إلى ضرب كل أذرعه وفصلها بعضها عن بعض، وذلك قبل أن تصبح إيران دولة نووية. وهنا تتقاطع إسرائيل مباشرة مع الولايات المتحدّة الأميركية على الملف الأهمّ والأخطر بالنسبة إليها، ألا وهو القدرة النووية الإيرانية التي قد تنضج بين لحظة وأخرى. غير أن تحقيق كل ذلك هدفه في نهاية المطاف العمل على إنهاء النظام داخل إيران واستكمال تفعيل الخطّ التجاري الذي يضع إسرائيل على أهمّ خطّ تجاري بين آسيا وأوروبا.

https://www.annahar.com/articles/annahar-writers/%D9%85%D8%AD%D9%88%D8%B1-%D8%A8%D8%A3%D9%88%D8%B5%D8%A7%D9%84-%D9%85%D9%81%D9%83%D9%83%D8%A9

المصدر: النهار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى