بعدما ردت تركيا بعنف على النظام السوري إثر هجومه على قواتها يوم الخميس في إدلب ما أدى إلى مقتل 33 جندياً تركياً، ومع إعلان أنقرة “تحييد” 2100 عنصر من قوات النظام، دلت المعطيات أمس السبت على أن وضع شمال غربي سورية عاد إلى طاولة التفاوض بين موسكو وأنقرة، مع كشف مصادر تركية لـ”العربي الجديد” عن توصل الطرفين إلى اتفاقات أولية حول إدلب، تضمن وقف إطلاق النار في المنطقة، لكنها لا تزال بحاجة لموافقة قيادتي البلدين. إلا أن شكوكاً تبقى تحوم حول تطبيق هذا الاتفاق الجديد، خصوصاً أن روسيا كانت قد خرقت العديد من الاتفاقات السابقة مع تركيا، ولا سيما اتفاق سوتشي، عبر دعم تمدد النظام في إدلب في الفترة الأخيرة، وذلك قبيل انتهاء المهلة التي حددها الأتراك للنظام السوري كي يسحب قواته إلى خلف نقاط المراقبة العسكرية التي أقامتها أنقرة في شمال غربي سورية.
وعلم “العربي الجديد” من مصادر تركية مطلعة على المفاوضات بين أنقرة وموسكو أن الطرفين توصلا إلى اتفاقات أولية حول إدلب، لا تزال بحاجة إلى موافقة القيادات العليا في البلدين من أجل الوصول إلى صيغة نهائية لها. وبحسب المصادر، فإن الطرفين توصلا بشكل مبدئي إلى اتفاق نهائي شامل يتضمن وقفاً لإطلاق النار في المنطقة، وخفض التصعيد بشكل يرضيهما، لا سيما تركيا. وتفيد تفاصيل الاتفاق بأنه ستُترك للنظام السوري السيطرة على الطريق الدولي من حلب حتى مدينة سراقب الاستراتيجية، فيما سيكون الإشراف على بقية أقسام الطريقين الدوليين “إم 4″ الذي يربط حلب باللاذقية، و”إم 5” (حلب-دمشق) عبر دوريات تركية-روسية مشتركة ونقاط مراقبة، ويتم فتح الطريقين لكل الأطراف من النظام والمعارضة.
وبحسب المعلومات، يشمل الاتفاق انسحاب النظام من المناطق التي تقدّم إليها على الطريقين الدوليين، ما يعني انسحابه من معرة النعمان ومحيطها، وبقاء سراقب بيد المعارضة، ومن الممكن تعديل مواقع بعض نقاط المراقبة التركية المحاصرة. ولكن الأهم حسب المصادر أن الاتفاق سيكون شاملاً، وقد تسعى أنقرة لتعزيزه دولياً، إذ سبق أن كان هناك طرح دولي رُفض من موسكو لنشر قوات دولية لتفصل بين النظام والمعارضة. وتبقى ملامح الصفقة هذه بحاجة إلى إقرار نهائي، إذ تنتظر أنقرة جواباً وموافقة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الاتفاق الأولي، لتعقبها قمة تجمعه مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، لإقرار الاتفاق بشكل نهائي.
من جهتها، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أمس أنه تم خلال اللقاءات بين المسؤولين الروس والأتراك يومي الأربعاء والخميس “التركيز على خفض التصعيد على الأرض مع مواصلة مكافحة الإرهابيين”. كذلك أبدى مسؤولو البلدين عزمهم على “حماية المدنيين في داخل وخارج منطقة خفض التصعيد وتوفير مساعدة إنسانية عاجلة إلى كل الذين يحتاجون إليها”، وفق الوزارة.
في السياق، نقلت وكالة “الأناضول” عن مصادر دبلوماسية تركية أن مساعد وزير الخارجية سادات أونال، أطلع السفير الأميركي لدى أنقرة ديفيد ساترفيلد على معلومات حول هجمات النظام التي أدت لمقتل 33 جندياً تركياً في إدلب، وأبلغه تطلعات تركيا من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
في هذا الوقت، كان أردوغان يقول إنه طالب بوتين بتنحي روسيا جانباً وإفساح المجال أمام تركيا لمواجهة نظام بشار الأسد. وفي كلمة ألقاها أمس في إسطنبول، قال الرئيس التركي حول اتصاله مع بوتين عقب مقتل الجنود الأتراك في إدلب الخميس: “قلت لبوتين: ماذا تفعلون هناك؟ إذا كنتم تريدون إنشاء قاعدة، لكم ذلك، لكن ابتعدوا عن طريقنا واتركونا لوحدنا مع النظام”. وأضاف: “لروسيا حالياً أكثر من قاعدة في سورية، مثل طرطوس وحميميم، وليست لدينا مشكلة في ذلك”.
وأعلن أن القوات التركية تواصل الانتقام لدماء الضحايا الذين سقطوا الخميس، وأنها حيّدت أكثر من 2100 عنصر من قوات النظام، ودمرت حوالي 300 آلية وموقع بينها 94 دبابة، و37 مدفعية، و28 راجمة صواريخ، و17 عربة مدرعة. وأضاف: “كما دمرت القوات التركية عدداً من المواقع من بينها مدارج للطيارات، ومستودعات للأسلحة، وأنظمة دفاع جوي، وعنابر الطائرات، فضلاً عن مصنع لإنتاج الأسلحة الكيميائية”. وأكد أن الضغوط على قوات نظام الأسد ستزداد يوماً بعد يوم، وأن تركيا ستظهر حزمها للنظام وداعميه في هذا الشأن.
وشدد أردوغان على أن تركيا لا تسعى إطلاقاً لمغامرة في سورية أو توسعة حدودها، معتبراً أن الأزمة في إدلب جرى حبكها بهدف التضييق على بلاده، وأن الهدف الرئيسي من هذا السيناريو هو تركيا وليس سورية. ولفت إلى أن أنقرة ليست لديها أية أطماع في النفط أو الأراضي السورية، إنما تهدف فقط لإنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً على طول حدودها المشتركة مع سورية. وأضاف: “لكل من يتساءل حول أسباب وجودنا في إدلب، أقول لم نذهب إلى هناك بناءً على دعوة الأسد، إنما تلبية لدعوة الشعب السوري، وليست لدينا نيّة لترك المنطقة طالما يريد الشعب السوري منا البقاء هناك”.
وتعهد الرئيس التركي بإبقاء حدود تركيا مع أوروبا مفتوحة للسماح للمهاجرين بالعبور، مع تأكيده أن بلاده لم تعد قادرة على التعامل مع موجات جديدة من النازحين الهاربين من الحرب في سورية. وأضاف أن 18 ألف مهاجر تجمّعوا على الحدود التركية مع أوروبا منذ الجمعة، مضيفاً أن عددهم قد يرتفع إلى 30 ألفاً السبت. واستخدمت الشرطة اليونانية أمس السبت القنابل المسيلة للدموع لمنع اللاجئين الذين رشق بعضهم القوى الأمنية بالحجارة، من العبور، وفق وكالة “فرانس برس”.
ميدانياً، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس إن ضربات جوية وبرية تركية على قوات النظام وحلفائها في إدلب أسفرت عن مقتل 48 من “قوات النظام والمسلحين الموالين لها” في الساعات الأربع والعشرين الماضية. وأضاف أن الطائرات الحربية السورية والروسية واصلت الضربات الجوية أمس على مدينة سراقب. فيما نقلت وكالة “رويترز” عمن قالت إنه قائد عسكري في التحالف الإقليمي الداعم للأسد إن ضربات تركية قرب سراقب في وقت متأخر الجمعة أدت إلى مقتل تسعة من أعضاء “حزب الله” وإصابة 30 آخرين. فيما أعلن مسؤول تركي رفض الكشف عن هويته، وفق وكالة “فرانس برس”، أن بلاده دمرت “منشأة للأسلحة الكيميائية تقع على بعد 13 كيلومتراً جنوب حلب فضلاً عن عدد كبير من الأهداف التابعة للنظام”. بينما نفى التلفزيون السوري التابع للنظام وجود هذه المنشأة.
جاء ذلك فيما انتهت أمس المهلة التي حددها أردوغان لقوات النظام، للانسحاب خلف نقاط المراقبة التركية في إدلب، وفق تفاهمات أستانة وسوتشي، مهدداً بشن عملية عسكرية هناك. وتحتفظ أنقرة بـ12 نقطة مراقبة رئيسية في محيط محافظة إدلب، تتوزّع في 12 موقعاً في أرياف حلب وإدلب وحماة واللاذقية. وتقع النقطة الأولى في قرية صلوة بريف إدلب الشمالي، والنقطة الثانية في قلعة سمعان بريف حلب الغربي، والثالثة في جبل الشيخ عقيل بريف حلب الغربي. أمّا النقطة الرابعة ففي تلة العيس بريف حلب الجنوبي، والخامسة في تل الطوقان بريف إدلب الشرقي، والسادسة بالقرب من بلدة الصرمان بريف إدلب الجنوبي. وتأتي النقطة السابعة في جبل عندان بريف حلب الشمالي، والثامنة في الزيتونة في جبل التركمان إلى اللاذقية، والتاسعة في مورك بريف حماة الشمالي. وتقع النقطة العاشرة في الراشدين الجنوبية بريف حلب الغربي، والحادية عشرة في شيارمغار بريف حماة الغربي، والثانية عشرة والأخيرة في جبل اشتبرق بريف إدلب الغربي. وحاصرت قوات النظام أغلبها منذ منتصف العام الماضي وحتى يوم الخميس الماضي، وهو ما أجج الصراع ونقله إلى مستويات خطرة. والنقاط المحاصرة هي: نقطة مورك وشير مغار في ريف حماة الشمالي، والصرمان وتل الطوقان. كذلك حاصرت قوات النظام عدة نقاط أخرى أقامها الجيش التركي خلال شهر فبراير على عجل في محاولة لإيقاف تقدّم قوات النظام في عمق محافظة إدلب، خصوصاً باتجاه مدينة سراقب.
ويطالب الأتراك بالعودة إلى حدود اتفاق سوتشي المبرم عام 2018، ما يعني انسحاب قوات النظام من مجمل محافظة إدلب ومن ريف حماة الشمالي ومن أجزاء واسعة من ريفي حلب الغربي والجنوبي. ومن أبرز المناطق التي تطالب تركيا بانسحاب النظام منها: معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي، ومدينة خان شيخون جنوب شرقي إدلب، إضافة إلى مدن وبلدات مورك وكفرزيتا وقلعة المضيق في ريف حماة الشمالي، ومناطق في ريف حماة الشمالي الغربي الواقعة في سهل الغاب، وبلدات في ريفي حلب الغربي والجنوبي منها العيس والزربة وخان العسل وحريتان وحيان والمنصورة وكفر حمرة. وسيطرت قوات النظام على هذه المناطق على عدة مراحل بدءاً من مايو/ أيار الماضي بدعم ناري من الطيران الروسي، في تجاوز واضح لتفاهمات مسار أستانة واتفاق سوتشي.
وحول السيناريوهات المتوقعة بعد انتهاء المهلة التركية، قال القيادي في فصائل المعارضة السورية، العميد فاتح حسون، في حديث مع “العربي الجديد”: “العملية العسكرية هي مجموع معارك عسكرية، والمعركة العسكرية قد تكون بعدة مقاتلين وقد تصل لآلاف، وقد تبدأ العملية بمعارك محدودة متعددة المحاور منسقة مع بعضها بالنيران والزمان والمكان، أو بالتتالي مساندة لبعضها، وبالتالي فالعملية آتية وبداياتها بدأت”. وتابع: “خيارات العمل ضد النظام ليست محصورة شمال غرب سورية فقط، فهناك جبهات إن تحركت امتدت وأوجعت”. وأشار إلى أن تركيا “تعمل على امتصاص الصدمة مبدئياً، وقامت بالتوجّه الضاغط إلى المعسكر الغربي سريعاً، مع الاستمرار بمعارك محدودة ضد النظام، فإن كان موقف واشنطن صادقاً وله حضور ميداني عسكري فاعل، فقد نرى غالباً انقلاباً من تركيا على محور روسيا-إيران، وتنفيذ عملية واسعة في إدلب وشرق الفرات، وإن وجدت تركيا أن الدعم الأميركي ليس فاعلاً في وجه روسيا فستلجأ للضغط على الأخيرة للعودة إلى حدود اتفاقية سوتشي، مع العمل على الانتقام من الأسد”.
المصدر: العربي الجديد