عن دار ازمنة للنشر والتوزيع صدرت رواية “ليل ولات الطويل” للكاتب الكردي السوري د.آلان كيكاني. التي كان قد كتبها في عام ٢٠٠٤م و أحداث الرواية ممتدة منذ أكثر من عقد قبل ذلك التاريخ.
السرد في الرواية على لسان الراوي. وهي تتحدث عن قصة خليل وزينب الحبيبين الذين هربا من قريتهما الكردية الواقعة في شمال العراق لكي يستطيعا الزواج. بعد الصعوبات التي منعت تحقيق ذلك بشكل طبيعي.
زينب ابنة حسن أغا رئيس القبيلة الكردية الممتدة على قريته وغيرها من القرى. لديه اراضي شاسعة. وقطعان من المواشي. ويعتبر من اغنى اهل المنطقة. هذا غير تزعمه لقبيلته. لديه ابنته الكبرى زينب واخا لها يصغرها بحوالي العشر سنوات.
أما خليل فهو ابن أحد أفراد القبيلة من فقرائها. أمه تعمل في خدمة بيت الآغا. كان من ذات سن زينب. كان يلتقي بها في المدرسة حيث يدرسان سوية. وكذلك في قصر والدها عندما يذهب إلى أمه حيث تعمل.
كبر الطفلان خليل وزينب وكبر الحب بينهما. وعندما حاول خليل طلب يد زينب للزواج. كان رفض الآغا قطعيا. فكيف يزوج ابنته من ابن خادمته الفقيرة المتواضعة النسب والحسب. وهكذا لم يبقى امام خليل وزينب خيار إلا الهرب هو وهي خارج القرية وحتى خارج العراق حتى يستطيعوا الزواج.
كان ذلك في أوائل عقد التسعينات من القرن الماضي. هرب خليل وزينب. وعندما علم الأغا بذلك غصب وقرر قتل ابنته وحبيبها. حتى يغسل العار الذي أصابه بسببهم…
بدأت المطاردة. واستطاع خليل وزينب ان يصلا الى الحدود العراقية التركية. كانت العلاقة بين الأتراك والعراق وسورية ليست جيدة. حيث كانت المجموعات الكردية ال ب ك ك حزب العمال الكردستاني تنشط هناك ويحصل صدام بينهم وبين الدولة التركية. التقى خليل وزينب على الحدود بإحدى المجموعات المسلحة. علموا قصتهم وأنهم اكراد من العراق. ساعدوهم بالسكن في كهوفهم لأشهر وصنعوا لهم عرسا وتزوجا عندهم. وصبروا حتى يؤمنوا لهم سبيلا للخروج من تركيا إلى اليونان ومنها إلى إنكلترا حيث يقصدان للعيش هناك.
كانت العراق تحت حكم صدام حسين. وبعد وقت ستحصل محنة احتلال الكويت وقبل ذلك كانت الحرب بين العراق وايران والصراع بين الأكراد ونظام صدام. كلها تدفع الاكراد وكثير من العراقيين للهجرة الى أوروبا هربا من هناك.
ساعد أحد زعماء القبائل الكردية في تركيا خليل وزينب بالخروج الى مدينة ادرنة على الحدود التركية اليونانية مع قافلة مواشي كان يتاجر بها بين تركيا وأوروبا. وكان الخبر وصل إلى الأغا والد زينب عن مكان وجود ابنته وحبيبها. بعث من يتابعها ويقضي عليها وعلى حبيبها. وصل المتعقبون لكن زينب وخليل كانوا قد غادروا قبل وقت. قتلوا بعض رجال الآغا التركي. وحصلت على اثر ذلك صراعات بين القبيلتين الممتدتين في تركيا والعراق.. وكان لا بد أن يدفع والد زينب ديّات عن المقتولين ويبيع من أرضه وماشيته حتى ينهي صراع قبلي يضر الجميع.
وهكذا وصل خليل وزينب الى الحدود التركية اليونانية. حاولوا عبور نهر يفصل الدولتين. لكن النهر جرف خليل واستطاعت زينب العبور وتلقفها معمّر يوناني كان يعيش بمفرده بعد وفاة زوجته .عاملها مثل ابنته.
كانت زينب حامل في شهرها الثالث. أما خليل فقد جرفه الماء واعادة بعد فترة إلى الجانب التركي من النهر وهناك تلقفه النور المنتشرين في تلك المنطقة. وهكذا التحق بهم حتى يؤمن لقمة عيشه. ويبحث عن زينب ويعرف ما مصيرها. وبعد بحث لأيام لم يعثر لها على أثر. فقرر ان ينتقل الى الجانب اليوناني. تعرف على شابين كرديين. و اعلنا انهما مهربان وانهما يساعدانه لينتقل الى اليونان. طلبا منه مبلغا كبيرا، اضطر أن يعمل عند النور لأشهر حتى يؤمنه. وبعد ذلك اعطى المبلغ للشابين واخذوه الى الحدود ليتم تهريبه. في الطريق تخلوا عنه عبر حيلة وتركوه وهربا ولم يعد يراهما. عاد إلى النور وأخبرهم حاله. وعاد يعمل معهم. ويفكر كيف سينتقل إلى اليونان . وجاءه الحل عندما تم انتقال النور كلهم الى الطرف اليوناني فهم قوم رحل ينتقلون بين البلدين يلحقون لقمة عيشهم وأعمالهم. حصل ذلك بعد ان تسلطت عليهم عصابة أرادت خطف اولادهم حتى يبيعون أعضاءهم بعد قتلهم. قتلوا بعض من العصابة وفروا من الدولة التركية خوفا من محاسبتهم.
رحل معهم خليل وكان قد مضى على فراقه لزينب حوالي العشرة أشهر. زينب كانت تسكن في بيت المعمر جوار النهر. وعندما عبر النور النهر انتشروا يمرون على البيوت يجمعون حاجاتهم من تبرعات الناس. ووصل خليل الى البيت الذي تسكنه زينب ورأته. وهكذا التقى الحبيبان بعد طول غياب وعذاب.
سكن خليل مع زينب عند المعمر واستمر متسترين عنده حتى لا يعرف الشرطة حالهم. فهم يجهزون انفسهم للانتقال الى انكلترا. وكانت زينب قد أجهضت حملها بعد بعدها عن خليل. وعادت حاملة مجددا. وكان قرارها وزوجها خليل أن تلد في انكلترا حيث يحصل ابنها على الجنسية مباشرة. ويطلبون هم اللجوء.
انتظر خليل وزينب في بيت المعمر لأشهر حتى يتسنى لهم فرصة الذهاب الى انجلترا. وذلك تهريبا مع شحنات الحبوب عبر نفق المانش بين فرنسا وانكلترا. عملوا ليجمعوا المال اللازم للمهربين. وهكذا ركبوا مع أكياس الحبوب وهي حامل في شهرها الأخير. عانت كثيرا وتألمت وأصابها المخاض في القاطرة التي كانت تنقلهم. وبعد عذاب ومرار واجهاد وصلوا وحولوها الى المشفى وولدت ابنها ولات الذي كانوا يحلمون به هي وخليل زوجها.
استقرت حياة خليل وزينب وطفلهما ولات يعملان ويعيشان في إحدى المدن الإنكليزية.
كانوا حريصين على أن يخفوا اصلهم ومن هم ومن اين. لانهم يعرفون ان اباها الآغا لن يتخلى عن مطاردتها وقتلها هي وزوجها وابنها.
اما الآغا فقد اصبح يحس بالعار انه لم يصل لابنته ويقتلها. استمر يبيع ملكياته متتبعا أثرها في كل مكان. ماتت زوجته أم زينب من قهرها ومرضها. وهو تزوج بفتاة صغيرة وكأن شيئا لم يكن.
استمرت حياة خليل وزينب وطفلهما بأحسن حال لسنوات. وكان في جوارهم جار عراقي تعاملوا بمودة معهم. وجاء يوم عاد هذا الجار لزيارة أمه في اربيل. ركب مع سائق من المعبر على الحدود التركية الى اربيل. كان كرديا وبالصدفة من قبيلة الأغا وأثناء الحديث عرف حكاية خليل وزينب واخذ عنوان بيتهم في انكلترا.
وصل الخبر للآغا واستنفر ابنه الذي كبر بعد مضي عشر سنوات على هرب ابنته. وباع ماتبقى عنده وامن له مالا وجواز سفر وشهادة دراسة ثانوية وارسله الى انكلترا على انه للدراسة بالرشاوي. وهدفه قتل أخته وزوجها وابنها. وأخبار والده ليطلق النار من سلاحه الناري في سماء البلدة ويسترد كرامته المهدورة.
ذهب الابن ووصل إلى حيث تسكن أخته وزوجها وابنها. استغرب أجواء تلك البلاد والانفتاح. والجنس المباح. تردد قليلا عندما سمع صوت الطفل وقول امه له انه يشبه خاله. واستعادة الاخ لتاريخ حياته مع اخته. تردد قليلا خابر ابيه واعاد توبيخه ودفعه لقتلهم جميعا. دخل الى بيت اخته وجد الطفل مع طفلة أخرى ابنة الجيران. هربت الطفلة . قتل الطفل. أخبرت الطفلة أهلها وجاءت الشرطة واعتقلته. وأعلن حكايته كاملة. وحكم بالسجن أربع سنوات.
داخل السجن بدأ يعي هول ما فعل. ودخل في دورات تأهيل نفسي في السجن. وبدأ يفكر بمستقبل مختلف لحياته. كان سلوكه بالسجن جيدا. وقرر دخول الجامعة . وبدأ يدرس. وخرج من السجن بعد ثلاث سنوات وبدأ حياة مختلفة وقطع حياته مع ماضيه بالكامل.
اما والده فقد يئس من أن يأتيه خبر يسترد بموجبه كرامته. بعدما باع قصره وتم الحجز على أملاكه لتسترد ديونه. وانتقل للعيش مع زوجته في خيمة وانفض من حوله كل أهله وأنصاره. وبدأ المرض يفتك به ومات بعلله الجسدية والنفسية.
اما زينب وخليل فقد انتقلوا الى مدينة اخرى وعاشوا فيها وقرروا انجاب ولات الذي انتظروه كثيرا.
لم تكن رحلة تغرب زينب وخليل إلى انجلترا دون متاعب فقد وقع خليل ضحية عنصريين من ذوي الرؤوس الحليقة الذين يرفضون الاجانب. وعاملوه بشكل سيء وكادوا يقتلوه. انه يسرق منهم أسباب عيشهم كما يدعون.
بدؤوا يفكرون بالهجرة إلى كندا فالحياة فيها أفضل ولا عنصرية هناك…
هنا تنتهي الرواية:
في التعقيب عليها اقول:
لقد تابعت بقلق حقيقة هذا الموقف الغير عقلاني والغير إنساني من والد زينب واستسهال قتل ابنته تحت دعوى رد الشرف والكرامة لمجرد أنها اختارت زوجا لا يقبل به الأهل. وان ذلك حصل في أواخر القرن الماضي.. أن ذلك مؤلم ومؤسف. القبلية والتسلط والاتباع الأعمى والظلم. والعادات والتقاليد العمياء… كلها مظاهر تدمي القلب والعقل والروح…
غير ذلك الأنظمة التي تعلن حروبا لا معنى لها مثلما حصل نع نظام صدام في حربه ضد إيران التي امتدت لثماني سنوات وراح ضحيتها مئات الآلاف من الناس وحربه في الكويت والحصار على العراق وتتوج ذلك بالاحتلال الأمريكي للعراق…
كل ذلك ادى لان يهرب المواطن العادي لاي بلد ليستطيع العيش بأمان وكرامة محصلا لقمة عيشه ويبني مستقبله.
كذلك واقع استغلال حاجة المرء للهروب من بلاده ليقع ضحية تجار البشر المهربين و تجّار الأعضاء البشرية. وعندما يصل إلى هناك تراه ضحية العنصرية التي تجعله منبوذا كل الوقت. وتحت الخطر والتهديد…
هذا واقع العراقيين سابقا والان وقبلهم الفلسطينيين وبعدهم السوريين وكثير من أبناء بلاد العرب…
ضحايا كل الوقت…
عندما لا تعطيك بلادك حقوقك و تحمي كرامتك. وتؤمن لك فرص العيش الكريم وتدفعك للهروب منها لتحصل على هذه الحقوق. فإن كل بلاد العالم لن تعوّض هذا الحرمان الذي يجعل اللاجئ يتيما خارج وطنه أينما حل…
رواية: ليل ولات الطويل” للكاتب السوري الكردي “د.آلان كيكاني” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” الرواية تسرد قصة قصة خليل وزينب الحبيبين هربا من قريتهما الكردية بشمال العراق لكي يستطيعا الزواج. فهربا الى تركيا ومن ثم لليونان وبعدها الى إنكلترا، حيث يسرد طبيعة العلاقة بالمجتمع ليقررا اللجوء لكندا.