قراءة في رواية: امرأة في زمن الحرب

أحمد العربي

عن دار مكتبة الأسرة العربية في اسطنبول صدر كتاب امرأة في زمن الحرب. للكاتبة منال الشّلاح…

امرأة في زمن الحرب يكاد يكون سيرة ذاتية لكاتبته. والذي يعتمد في سرده تارة على لسان الراوية وتارة لغة المتكلم…

“هي” ابنة دمشق التي تعشقها. وتجد نفسها جزء من نسيجها المجتمعي والنفسي. متزوجة ولها العديد من الأولاد الذكور والإناث. تعيش في قلب دمشق. أعمالها وزوجها جيدة. ومواردهم مقبولة. بعض أعمالها وزوجها تحتاج للسفر إلى الخارج. يقومون بذلك دوما وبراحة كاملة.

هي امرأة ملتزمة دينيا. والبيئة كلها كذلك. والداها واخوتها واخواتها يحيطونها. تعيش في جو عائلي متماسك متحاب ومتضامن ايضا. نستطيع القول أن الحياة كانت تبتسم لها ولاسرتها واهلها كل الوقت…

تدخل بما حصل في سورية ربيع عام ٢٠١١م دون مقدمات. تسميها “الحرب” تعيشها كلعنة حلت على دمشق لا تدري من أين ؟ ولا لماذا حصلت؟.

عندما وصلت الحرب الى دمشق واطرافها وبدأت تحصل انفجارات وقصف في بعض أحياء دمشق. قررت وأسرتها أن تغادر مع أسرتها بشكل مؤقت إلى بلد مجاور لبنان. كان الحال قاسيا كان نزوحا جماعيا إلى هناك. صعوبة العبور من الحدود. صعوبة الحصول على فندق متاح حتى يتمكنوا المبيت والعيش بشكل مؤقت. يستمرون في لبنان لوقت. ثم يقررون العودة إلى دمشق. لكن الحال هناك يزداد سوءا. مما جعلها وعائلتها يفكرون بالانتقال إلى مصر “ام الدنيا” وهناك وجدوا أن فترة الأقامة قد تطول لذلك عملوا على نقل قيد أولادهم الدراسية وإدخالهم في الجامعات والمدارس حسب الحاجة…

كانت قد مضت سنة وأكثر على ما حصل في سورية. وكادت ظروفهم تستقر نسبيا. لكن واقع الحال في مصر تغيّر. لم تتحدث عن الانقلاب الجديد في مصر وما صاحبه من توتر مجتمعي واعتصامات ومواجهات مع الأمن والشرطة والعسكر في الساحات في مواجهة الشعب الثائر. لكن وجدوا أنفسهم مرة أخرى أمام ضرورة البحث عن مكان آخر يلجأون إليه. فكانت تركيا “بلاد الأعاجم “هي الحل. انتقلوا الى تركيا و توزعوا في مدنها حسب ظروف أعمالهم التي استطاعوا نقلها الى هناك ايضا. واستمر تواصلهم مع مصر من اجل اتمام تعليم الاولاد وربطهم بالجذور العربية والاسلامية اكثر. استمروا بالتنقل بين مصر وتركيا. مع صعوبات بالفيزا والاقامات. ووقعوا في مشكلة مع أحد المسؤولين بخصوص أوراقهم الثبوتية وحلّت بعد عناء وحجز اقرب للسجن للبعض.

استقرت هي وبقية العائلة في تركيا. كما جاء والداها واخوتها الى تركيا وبدؤوا رحلة حياة جديدة في مدنها المختلفة. أصبحت حياتهم شبه مستقرة. لكن امتحانات الحياة لا تنتهي. فبعد سنوات حصل زلزال في الحدود التركية السورية طال مدنا وبلدات، وأثر عليهم لكن لا ضحايا منهم في الزلزال. ثم حصل متغير آخر وهو محاولة الانقلاب في تركيا ٢٠١٦م التي استطاع الشعب التركي القضاء عليه، واستمرت الدولة الشرعية الديمقراطية.

وزاد واقع الحال سوءا في تركيا والعالم مجيء فيروس كوفيد ١٩. وما صاحبه من استنفار عالمي. ووفيات ومنع سفر وعدم تواصل. كان كوفيد ١٩. امتحانا قاسيا مر على البشرية حتى استطاعت إيجاد لقاح له وتم تجاوزه بعد عناء كبير وعلى حساب ضحايا كثيرين في جميع أنحاء العالم…

هي لم تكن مرتاحة في بعدها عن دمشق كل الوقت. لذلك كانت ترنو بقلبها لها دائما. وانتظرت وقتا حتى استطاعت أن تحضر اختها الاصغر الوحيدة إليهم من دمشق الى تركيا في زيارة ترضي النفس والروح والقلب…

مرت هي على واقع الذين قصدوا أوربا هروبا من الحرب في سورية وموت بعضهم في البحر غرقا. وحصول لم الشمل للبعض مع ما يؤدي لحصول صدام بين قيم السوريين وتدينهم وانفتاح الغرب وصراع الذكورية المتضخمة عند بعض السوريين ضد حقوق المرأة التي لم تعد مستعدة لتقديم مزيد من التنازلات في مجتمع ودولة تحمي النساء والأطفال وحقوقهم. وانعكاس هذا الصدام في داخل بعض العائلات لخسارتهم حضانة ابنائهم وانتقال الكل للحياة في المجهول. هل ينجحوا بالحفاظ على قيمهم و ذواتهم أخلاقيا ومجتمعيا.؟. ام يذوبوا في المجتمعات الجديدة وقيمها.؟…

مرت السنوات على خروجها من سورية وظهر أن الوضع في سورية مستقر ولا حرب وان امكانية العودة الى سورية أصبح ممكنا دون خوف او معيقات. عادت بصحبة زوجها وبعض أسرتها الى دمشق بعد سنوات من الغربة. لكنها وجدتها قد ذبلت ولم تعد كما كانت. فعدى عن مظاهر العنف السابق والتقطيع والحواجز. فإن أسباب الحياة اصبحت معدومة في دمشق التي تحبها. لذلك سرعان ما عادت هي وعائلتها الى تركيا تتابع حياتها لعلها تصحو يوما من كابوس الغربة وتجد نفسها في قلب دمشق التي أحبت وما تزال تحب…

هنا تنتهي السيرة التي دونتها منال الشّلاح.

في التعقيب عليها اقول:

اعذر الكاتبة ابنة دمشق الاصيلة في حبها وانتمائها. انها لم تقترب من الأسباب التي أدت لحصول ثورة السوريين على الظلم و الاستبداد والفساد و…الخ. التي انتهت إلى حرب خاضها أطراف كثيرين اسمتها في سيرتها بكلمة الحرب… لعلها مازالت تتردد على دمشق ومازالت الكلمات محسوبة هناك. ولها ثمن قاس ومؤلم… او لعل منال لا ترى ما حصل ثورة بل أعمال عدائية لسورية وشعبها ونظامها…؟.

لماذا قامت الثورة ؟ وما الذي جعلها حرب بعد ذلك ؟ لن اتوسع بالاجابة الحالة أصبحت بعد ثلاث عشر سنة واضحة للعيان.

ملايين السوريين لاجئين ونازحين خارج سورية وداخلها غير الضحايا المليون والمصابين بمئات الآلاف. والبلاد المدمرة. والحياة التي أصبحت غير ممكنة في سورية بعد كل هذه السنوات…

السيرة تنتصر للارتباط الأسري والعائلي وقيم العمل والالتزام الديني القيمي . تعري التضخم الذكوري عند بعض السوريين. تنتصر لقيم العمل والانجاز.

بعض السوريين خرج منها لا يحمل الا روحه لذلك كان خروجه مأساة جديدة في لقمة عيشه وفي العيش في الخيام وفي مواقف الدول المجاورة لسورية وأدوارها السلبية. وحتى في أوروبا التي مات الكثيرين في بحار العبور إليها وفي التكيف للعيش فيها بعد ذلك.

 وإن الإنسان المتمكن ماديا. جابه ظروف الحياة القاسية بقوة تجعل انعكاس هذه الظروف عليه أقل سلبية. فالأسرة في السيرة حافظت على حياتها وعملها وسكنها وكرامتها وتعليم أولادها وبناء آفاق مستقبلية لهم و لحياتهم الجديدة في الغربة التي يبدو أنها قد تمتد لتعطيهم اوطانا بديلة…مع الاسف…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى