انشغل المراقبون بزيارة كلّ من رئيس مجلس الدوما الروسي فولدين فياتشيسلاف فيكتوروفيتش، وقائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) مايكل لانغلي، إلى الجزائر، نظراً لأهمية الحدث. وبحثوا في محرّكات الزيارة “المزدوجة” وأسبابها ومآلاتها، خصوصاً أنّ الرجلين حضرا إلى البلاد في ظرف زمني وجيز، ومن دون أي ترتيب مسبق.
وما إن غادر الضيف البرلماني الروسي الكبير الجزائر حتى حلّ الضيف العسكري الأميركي الرفيع المستوى، عقب زيارة لم يرافقها أي صخب إعلامي مسبق، والتقى خلالها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ورئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري) إبراهيم بوغالي.
وتعد زيارة قائد “أفريكوم” للجزائر الثانية من نوعها، بعد زيارة أولى في شباط (فبراير) 2023، بعد ستة أشهر كاملة من استلامه مهامه.
تنافس دبلوماسي
يدرج الدكتور عبد الرفيق كشوط، الأستاذ المحاضر في جامعة محمد الصديق بن يحيى بمحافظة جيجل، هذا التقاطع في زيارة المسؤولين الروسي والأميركي للجزائر في إطار “التنافس الشديد” بين الدولتين على إبرام التحالفات الدولية بعد الأزمة الأوكرانية.
ويقول لـ”النهار العربي”: “هذا دليل على ثقل الجزائر في المنطقة، وحاجة القوى الكبرى لها في العديد من الملفات الدولية، نظراً للصدقية التي تتمتع بها”.
ويضيف كشوط: “ليس من مصلحة أميركا ولا روسيا خسارة دولة بحجم الجزائر، لها دورها في ملفات يمكن معالجتها بالتفاوض، ويمكن توظيف الحنكة الدبلوماسية التي تتمتع بها الجزائر لتحريك قضايا عالقة بمنطقة الساحل الأفريقي، أو حتى في قطاع غزة”.
ملف جماعة “فاغنر”
إلى ذلك، يردّ مراقبون الحفاوة اللافتة في استقبال رئيس مجلس الدوما الروسي إلى السعي الجزائري لإزالة الغموض المحيط بحضور “ميليشيات فاغنر” في دول الساحل الأفريقي وليبيا، وهو الأمر الذي “يثير قلق الجزائر، وسبق أن عبرت عن رفضها هذا الوجود”، وفقاً لكشوط. ويضيف: “تأتي هذه الزيارة أيضاً في إطار السعي لتوضيح وجهات النظر بخصوص ملفي مالي والنيجر اللذين شكلا أخيراً حجر عثرة في مسيرة العلاقات بين الجزائر وروسيا، فحضر رئيس مجلس الدوما الروسي إلى الجزائر لترميم هذه العلاقات”.
وفي كانون الثاني (يناير) الماضي، أعلن وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف أنّ بلاده فتحت رسمياً ملف وجود قوات “فاغنر” خلف حدودها الجنوبية بمنطقة الساحل الأفريقي مع روسيا، وأكد في مؤتمر صحافي أنّه ناقش الأمر شخصياً مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، مضيفاً: “تم إنشاء لجنة مشتركة تضم دبلوماسيين وأمنيين برئاسة الأمين العام لوزارة الخارجية لوناس مقرمان عن الجانب الجزائري وميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية، والمبعوث الشخصي للرئيس فلاديمير بوتين، عن الطرف الروسي”، مهمتها متابعة هذه المسألة.
مرحلة جديدة
وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون انتقد بطريقة غير مباشرة، في لقاء مع صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية في العام 2022، وجود قوات “فاغنر” في الساحل الأفريقي، قائلاً: “لو رصدت الأموال التي تصرف على وجود هذه القوات في الساحل الأفريقي للتطوير لكانت هذه المنطقة في وضع أفضل”، في تلميح قوي إلى عدم رضى الجزائر عن وجود “فاغنر”، على الرغم من علاقاتها القوية بروسيا.
ويُرجّح المراقبون أن تبدأ العلاقات الدبلوماسية بين الكرملين والجزائر مرحلة جديدة بعد هذه الزيارة، نظراً إلى المتغيرات القائمة في منطقة الساحل الأفريقي، واحتدام المنافسة، والمصالح المتضاربة بين روسيا والقوى التقليدية التي تسعى جاهدة إلى بسط نفوذها في القارة السمراء.
استثمار سياسي أميركي
في المقابل، تؤكد الولايات المتحدة دائماً رغبتها في الحفاظ على علاقات ودية مع الجزائر، وتوطيد الصلات السياسية والاقتصادية معها، رغم امتعاض دوائر القرار في واشنطن من توجه الجزائر شرقاً. وسبق لنواب في الكونغرس الأميركي أن حرضوا إدارة الرئيس جو بايدن على فرض عقوبات على الجزائر بسبب مشترياتها من السلاح الروسي، من دون أن يلقى هذا التحريض آذناً صاغية في البيت الأبيض.
اليوم، تحمل زيارة لانغلي والوفد العسكري المرافق له العديد من الرسائل، فأميركا “ترفض البقاء مكتوفة اليدين حيال التمدد الروسي في الفضاء الأفريقي”، بحسب عمار سيغة، الباحث في الشؤون الأمنية والاستراتيجية.
ويقول سيغة لـ”النهار العربي” إنّ توقيت الزيارة العسكرية الأميركية “ينمّ عن رغبة واشنطن في الاستثمار في رفض الجزائر الوجود العسكري الروسي في الساحل الأفريقي، من منطلق أنّ التدخل العسكري في أفريقيا، من أي جهة أتى، هو أحد أهم أسباب تراجع الأمن والاستقرار وتصاعد وتيرة العنف والتطرف فيها”.
وبحسب سيغة، تسعى الولايات المتحدة جاهدة “لكبح جماح الدب الروسي، وتجنب استقواء المجالس العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر بقوات فاغنر الروسية”.
المصدر: النهار العربي
الإستعمار الإمبريالي يعيد تموضعه بالقارة السمراء، بعد أن تم ترحيل اللإستعمار الفرنسي، بدأت روسيا وأمريكا يتنافسان للإحلال مكانها بالقارة السمراء، والبوابة ستكون من الجزائر، فهل تنجح إحداهما؟ على الدول الأفريقية والعربية/الأفريقية بوحدتهما سيتجاوزا هذين الإستعمارين؟.