لقد أصبح من الواضح أن طرقنا التقليدية في التصرف لم تعد تعمل وتجدي، نحن بحاجة إلى البحث عن أفكار وأساليب جديدة، بل وعقول جديدة.
إننا نعيش حياة محفوفة بالمخاطر، فقد نجونا من آلاف المخاطر، لكننا ربما لم نواجه قط تحديات خطيرة مثل تلك التي نواجهها اليوم في المنطقة لاسيما الواقع السوري.
فهل نحن على دراية بالوضع؟
وهل لدينا الأساليب والإجراءات والأدوات والكفاءات المناسبة اللازمة للبقاء على قيد الحياة وعلى قيد الهدف؟
إن القيادة قد تساعد الناس في تطوير أنفسهم وفي أداء مهامهم بكل رضا واحترام للآخرين وحشد الناس نحو هدف، ولكن للأسف فإننا كثيراً ما نشهد ظاهرة عكسية تماماً، فمن المؤسف أن القيادة السائدة اليوم، بدلاً من الإلهام والدعم، كثيراً ما تقدم الإحباط والملل، بل وحتى السخرية.!
ثمة مجموعة جوانب مترابطة للتغيير والذي تمكّننا من القطيعة مع التأخر والانطلاق إلى مسارات النمو والتنمية الذاتية، والتحرر من المحنة العربية التي نعيش ومنها: ثقافة حسن الاختيار، إذ يترتب على القول بنسبية كل حقيقة أنّ أي اختيار يكون صائباً بقدر ما يتفق مع معطيات الواقع، ويحل بعض أهم معضلاته في مرحلة تاريخية ما. وثقافة الدور أو الواجب الحضاري، أي إحياء فكرة الإعمار، بما هي واجب الإنسان في الكون.
خاصة وأنّ القول قد حل محل الفعل في أداء رسالة الدور الحضاري في ثقافتنا العربية، حين اطمأن العرب إلى دورهم في الماضي، فعكفوا على تمجيده، دون الإضافة إليه.
إنّ الواجب الحضاري ليس خطبة فارغة، وليس عظة أخلاقية مجردة، كما أنها ليست فرضاً للرأي بالعنف، ولا ادّعاء صارخاً بالتفوق، إنها الإضافة الحقيقية إلى رصيد الإنسان من المعارف ودوافع الخير ووسائل الإعمار.
إننا إذا حكمنا من خلال ردود الأفعال تجاه أحداث معينة، وقدمنا الكم الكبير من القول متوهمين أننا قمنا بما علينا فنحن مخطئين، فنحن أناس نطرب للقول دون مقارنته بالفعل.
إن العالم القديم الذي يتسم بالصيغ التبسيطية في التعامل مع الاستراتيجيات والزعامة لم يعد صالحاً، فقد كشفت سلسلة الأحداث عن نقاط ضعف قاتلة، كما كشفت عن أزمة أعمق كانت تختمر منذ فترة أطول: أزمة الإدارة.
فالشكل القديم يفسح المجال أمام فوضى جديدة.
فمن الواضح أن هناك حاجة إلى كسر هيمنة النموذج الكلاسيكي
فنحن بحاجة حالة قيادية استثنائية تشاركية، فالحالة السائدة من القيادة الكلاسيكية لم تعد تجدي وتفيد في تحديات الواقع.
تتكون القيادة من العديد من العناصر، بدءًا من الأمور الشخصية مثل فهم الذات، والهوية، وتقدير الذات، والعلاقات مع الذات، ثم العلاقات مع الناس
فلا ينبغي أن تعتمد القيادة على شخصيات الأفراد، فالقيادة عملية معقدة يتم بناؤها وتجربتها في مجموعات حركية ميدانية تصقل قدراتها فتتحسن القدرات والإمكانات ميدانياً مع الآخرين.
فيجب على القادة الواعين العمل الجماعي التشاركي لخلق مواقف تمكن الجميع من التعلم والوعي وحل المشكلات.
لا يوجد وصفة واحدة للقيادة هناك استعارات وأفكار وسياقات ونماذج ذهنية، تركز القيادة على بناء العلاقات من خلال الشعور المشترك والمعاناة الواحدة والهدف المشترك.
يهيمن على العالم اليوم التقلب وعدم اليقين والتعقيد والغموض
هذا الوضع يجبرنا على التصرف والتخطيط وتنفيذ الإصلاحات التي تجلب لنا النتائج.
وأفضل وسيلة لبدء عملية التغيير هي تحويل الزعامة التقليدية إلى زعامات تشاركية ـ
وهي العملية التي تعمل على تسريع التعلم والتنمية والتعاون.
ولا شك أن السياسات الأكثر انفتاحاً وموثوقية سوف تساعد في هذا المسعى. ونحن ندرك أن البيئة الاجتماعية والسياسية الحالية لا تدعم الإصلاحات الديمقراطية، وأن التوجهات الاستراتيجية ليست مهيأة على النحو اللائق، ولهذا السبب لابد وأن تخضع عملية صياغة السياسات لتدقيق الرأي العام والخبراء. نحن أمام منعطف جديد تحتاج القيادة في مواجهة التحديات والمخاطر المحدقة اليوم على الصعيد السوري والعربي والإقليمي.
ما جرى ويجري ينبغي أن يدفعنا إلى جرأة في التفكير وجرأة في التنفيذ وجرأة في اتخاذ القرارات.
المصدر: مجلة الوعي السوري