شيّع أهالي محافظة السويداء في جنوب سورية، يوم الخميس، قائد فصيل “لواء الجبل” مرهج الجرماني، إلى مثواه الأخير في بلدته أم الزيتون، وذلك بعد يوم على اغتياله في منزله الكائن بمدينة السويداء، والتي تشهد حراكاً مناهضاً للنظام السوري، كان الجرماني أحد وجوهه.
اغتيال رقم صعب في حراك السويداء
الجرماني شكّل رقماً صعباً أمام النظام السوري والمجموعات المدعومة من أجهزة الأمن في المحافظة، حيث وضع وجوده وفصيله في السويداء حدّاً لعصابات الخطف والقتل، وكان سبباً بفرض إيقاف أنشطتها الإجرامية بالقوة خلال العامين الأخيرين، وكان له دور بارز ومحوري في انطلاقة حراك السويداء السلمي، وإغلاق مقار حزب البعث في مدينة السويداء. كما كان للجرماني دور كبير في تحرير العديد من المواطنين الذين اعتقلتهم أجهزة النظام الأمنية على مرّ السنوات الأخيرة.
وحظي الجرماني بمأتم كبير حضره شيخا عقل طائفة الموحدين الدروز، (الأول) حكمت الهجري و(الثاني) حمود الحناوي، إلى جانب حشود كبيرة من مختلف مناطق المحافظة. واعتبر الهجري أن “الفقيد شهيد الواجب، وفقيد الشرف والكرامة”، مؤكداً أن الكثير من السوريين وفي جميع المحافظات حمّلوه أمانة العزاء بالراحل. وردد المشيعون هتافات تصف الجرماني بـ”شهيد الحرية والكرامة”، ونادوا بإسقاط النظام ورحيله، مؤكدين أن “من يقتل شعبه خائن”، في إشارة واضحة إلى اتهام النظام باغتيال الجرماني.
وصباح أول من أمس الأربعاء، استفاق أهالي محافظة السويداء على خبر اغتيال الجرماني قائد فصيل “لواء الجبل” في منزله، حيث أكد مصدر مقرب من الجرماني، لـ”العربي الجديد”، أن عملية الاغتيال طاولته فجر الأربعاء في منزله، وأن المعلومات الأولية تُشير إلى أنه اغتيل بسلاح كاتم للصوت من إحدى نوافذ المنزل أثناء نومه، حيث كان يقطن في منزل بحي الخريج شرقي المدينة، وينام وحيداً منذ أن بدأ يستشعر الخطر قبل أشهر، وذلك حرصاً على عائلته.
وقال عبادة.ح، أحد المشيعين لجثمان الجرماني: “أنا لم أزر ساحة الكرامة (مكان تظاهر واعتصام أهالي السويداء) يوماً، ولم أكن من روادها لظروفي الخاصة، ولكنني عرفت الشهيد مرهج ولامست نخوته وكرامته وطيب أخلاقه”. وأضاف، لـ”العربي الجديد”: “في أحد الأيام وقعت في مأزق معيشي، وأنا موظف حكومي حيث احتجت للقيام بعملية مُكلفة جعلتني طريح الفراش وليس لي من معيل، وصل الخبر عن وضعي إلى الشهيد مرهج الذي لم يتوان عن مساعدتي خلال فترة مرضي بالطعام والدواء كما تكفّل بمصروف ابنتي الجامعي، لأعلم في ما بعد أنه استدان بعضاً من المبلغ الذي ساعدني به من أصدقائه، ولم يقبل أن يسترد أي مبلغ بعد أن تعافيت وذهبت لأشكره”. وتابع عبادة: “رغم أنه كان يعرفني موالياً للنظام حينها، إلا أنه لم يتردد في مساعدتي، لم يأخذ أي اعتبار غير أننا أبناء بلد واحد. للحقيقة كان يتحلى بمزايا الجبل الأصيلة، كان بحق ابناً باراً لسورية والسويداء”.
من جهته، حمَّل ممثل القوى الوطنية في المحافظة، الناشط حمد أبو حلا، النظام السوري، مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في جميع أنحاء البلاد من دمار وظلم وتهجير وتغييب للعدالة والقانون، مشدداً على ضرورة التغيير السياسي والوصول إلى دولة المواطنة والقانون التي تضمن حقوق كل السوريين.
وكانت العديد من مواقع التواصل الاجتماعي المحلية تحدثت يوم أمس عن مواقف وأحداث من تاريخ الجرماني، كان أبرزها ما جاء عن لسان الطبيبة لجين حمزة التي تحدثت عن حادثة إنقاذ الجرماني لطفلة يتيمة دون الـ12 سنة من براثن عصابة، بعدما أصبحت رهينة للمخدرات، ويستخدمها أفراد العصابة طعما للخطف والسلب والسرقة، وكيف آواها الجرماني في منزله وبين عائلته وعالجها حتى أوصلها إلى برّ الأمان.
خيارات النظام والحراك
إحدى الناشطات التي طلبت من “العربي الجديد” عدم الكشف عن اسمها، لأسباب أمنية، قالت: “لقد شكّل حضور الجرماني منذ اليوم الأول للحراك الشعبي في ساحة الكرامة الثقة والطمأنينة لعامة الناس السلميين، وكان بمثابة الرادع لأي أعمال تخريبية أو تشبيحية ضد المتظاهرين”. وأضافت: “كلنا يذكر كيف استطاع مع عدد من زملائه قادة الفصائل إغلاق معظم المؤسسات والدوائر الرسمية لعدة أيام في بداية الحراك، الأمر الذي أعطى زخماً كبيراً للتظاهر السلمي في ساحة الكرامة، وكيف سخّر معظم وقته للمشاركة في كل فعالية ثورية دعت إليها قرى وبلدات المحافظة، وكم كان حضوره يبعث على الحماس والطمأنينة”. وأضافت: “أما اليوم وبعد اغتياله، فأنا ما زلت في حالة من الصدمة حتى الآن، ولا أنكر أنني أشعر بشيء من الخوف وأخشى على الحراك السلمي من العسكرة. وكل ما أتمناه أن نستطيع مواجهة مخططات السلطات الأمنية بكثير من الصبر والتعقل، وأن يُدرك الجميع أن الاستمرار بحراكنا السلمي مقتل للخطط الأمنية”. أما الخوف من ملاحقة النشطاء واعتقالهم أو تصفيتهم، فهذا الأمر بالنسبة للناشطة “لن يكون إلا بوجود دماء كثيرة على الأرض، وربما بحسابات وخسائر لا تتوقعها جميع الأطراف”.
ودعا عادل الجرماني، شقيق مرهج خلال كلمته في التشييع، رفاق الراحل في ساحة الكرامة إلى “المضي قدماً على مسيرته في حفظ دماء أبناء الجبل”. وتحدث لـ”العربي الجديد”، داني عبيد، وهو أحد أفراد عائلة الجرماني، والمعتقل سابقاً لدى الأجهزة الامنية، مشيداً بدور الجرماني في إطلاق سراح ولدهم والعشرات من شباب السويداء الذين تم اعتقالهم على الحواجز الأمنية في دمشق أو على الحدود اللبنانية.
وتوقع متابعون للأوضاع في السويداء، أن يشكل مقتل مرهج الجرماني أبرز وجوه حراك المحافظة، منعطفاً جديداً في مسار الأوضاع. وقال الناشط المدني طارق العيسمي، لـ”العربي الجديد”، إن “الحراك الشعبي بدأ واستمر سلمياً بحماية من الفصيل الذي يقوده الجرماني وعدد من المنتمين للفصائل المحلية، وبكل تأكيد كان لوجوده أثر نفسي على الحضور، ولغيابه آثار سلبية”. وأضاف العيسمي: “جميعنا في حراك السويداء يعرف الجهد الكبير الذي بذله الجرماني في تذليل العوائق والخلافات بين التيارات ومكونات الحراك الشعبي، واليوم نحن أمام منعطف جديد في حراكنا واختبار لمدى قدرتنا على متابعة النضال السلمي، وبكل تأكيد نتوقع المزيد من العنف والاغتيالات، خصوصاً بعد إفشال انتخابات مجلس الشعب في المحافظة وتحجيم السلطات المسيطرة وفي مقدمتها حزب البعث والقوى الرديفة”.
وأعرب العيسمي عن اعتقاده بأن السلطات “بدأت تنفيذ خططها الأمنية للقضاء على حراك السويداء منذ أطلقت النار العشوائي قبل أيام، وأصابت أحد المواطنين”. وتابع: “من جهتنا في الحراك السلمي، مستمرون حتى يتم الاعتداء علينا بشكل مباشر وأمام أعين الجميع، وهذا ما لا نتوقعه في المدى القريب، فالسلطة تحاول زجّ الأهالي والفصائل في اقتتال داخلي، وهو أمر لن ينجح أبداً”.
أما الناشطة المدنية سلمى العلي (اسم مستعار لدواع أمنية)، فرأت أن “أبعاد اغتيال الجرماني خطيرة وتتمثل بأمرين: الأول هو أن السلطة التي فشلت باستفزاز الحراك واستنهاض الشارع الموالي لها ضده، تختبر اليوم صبر الحراك ومرونته في تلقي الأحداث، وتسعى بقوة إلى جرّه للعسكرة، وهذا الأمر أصبح محتملا بشكل يساوي احتمال بقاء الحراك على سلميته”. أما الأمر الثاني، وفق رأيها، فـ”يتمثل برسالة مفادها: أيها المنتفضون لا تنجرّوا إلى العسكرة لكننا سنجتثّكم واحداً تلو الآخر، ولهذا الأمر وقع سلبي على نفوس الكثيرين في المحافظة”. ولفتت إلى أنه في هذه الحالة، فإن “الحراك سيقع بين أمرين اثنين: الأول عدم الرد وسوف يتهم في هذه الحالة بالجبن والهوان، والأمر الآخر الرد بالقوة مقابل القوة، وهنا سوف يلام الحراك ويتهم بزعزعة الأمن الذي هو في الأساس غير موجود في ظل سلطة القمع”.
وعن مستقبل الحراك، وما إذا كان اغتيال الشخصيات البارزة فيه سيشكّل رادعاً لاستمراره، قالت العلي: “قد يتشكل الخوف في نفس المظلوم بداية أي حدث، لا يمكن أن ننكر ذلك، لكن التوقف عن المطالبة بكرامتنا سيكون مقتلاً أكبر لنا ولجميع أبناء المحافظة من كل التوجهات. لذلك نحن مصرون على الاستمرار بسلميتنا”.
ومنذ قرابة العام، تشهد السويداء احتجاجات شعبية بدأت ضد تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وسرعان ما تحولت إلى حراك سياسي مدني سلمي يطالب بإسقاط النظام وإخراج المليشيات الأجنبية من البلاد، لاسيما تلك التابعة إلى إيران، وتطبيق القرار الأممي 2254 الخاص بالحل السوري.
المصدر: العربي الجديد
ألف تحية وإكبار لشعبنا الحر بالسويداء وتشبثه بالحراك السلمي لثورته وإنتفاضته بالرغم من محاولات نظام دمشق شيطنتها وإغتيال قائد فصيل “لواء الجبل مرهج الجرماني” لمواقفه المؤيدة للحراك السلمي وحمايتها.