في حوار مهم مع المحامي الأستاذ حسن عبد العظيم رئيس هيئة التنسيق الوطنية في سورية، عضو هيئة التفاوض، وضمن جولة على أهم قضايا الساعة، وما يدور حول المسألة السورية برمتها، تحدث (أبو ممدوح) عن الكثير من القضايا بشفافية واضحة كعادته، متوقفًا أمام تفاعلات ما يجري في إدلب وأين تسير مآلات الوضع هناك. وعن حال هيئة التفاوض، وإمكانية تفعيل اللجنة الدستورية ضمن هذه الظروف اليوم، وذلك التخلي والتجاهل لما يجري لأهلنا في إدلب. فكان الحوار التالي الذي خص به عبد العظيم موقع ملتقى العروبيين:
- كيف تقيمون تفاعلات ما يجري في إدلب اليوم؟ والى أين تسير مآلات هذه المحافظة حسب رؤيتكم؟
_ إن ما يجري في محافظة إدلب، من غارات جوية من طائرات الجيش وإلقاء البراميل المتفجرة والقنابل العنقودية المحرمة دوليًا وإطلاق مدفعية وراجمات صواريخ على المدنيين الأبرياء في القرى والبلدات والأحياء في المدن وفي المدارس والمشافي والأسواق الشعبية، بدعم الحرس الثوري الايراني والجماعات المسلحة والميلشيات المذهبية اللبنانية والعراقية وغيرها التابعة له ودعم جوي كثيف للطيران الروسي، وما يسببه من نزيف دماء لعشرات الآلاف وجرحى لإضعافهم، ودمار للبيوت والمرافق العامة، وموجات نزوح غير مسبوقة لمئات الآلاف من العائلات، من أبناء المحافظة والنازحين إليها سابقًا من المحافظات والمناطق المجاورة من مناطق خفض التصعيد السابقة في الجنوب والغوطة الشرقية والغربية والقلمون الشرقي ومنطقة الجنوب والوسط ودير الزور والرقة والفصائل المعتدلة وعائلاتهم بعد نزع سلاحهم وموجات المهجرين باتجاه الحدود الشمالية والشمالية الغربية باتجاه الحدود التركية، وتعرضهم للبرد والصقيع والمبيت في العراء بلا مخيمات أو مأوى أو مواد غذائية أو أدوية وتعرض أولادهم للموت بردًا أو جوعًا وإغلاق الحدود التركية والعراقية لمنعهم من اللجوء. كل هذه المعاناة والنكبات والمآسي يتعرضون لها من جراء خرق النظام لاتفاق سوتشي بين تركيا والاتحاد الروسي، باستثناء إدلب من إلغاء اتفاقيات خفض التصعيد، وبعد إعلان وقف إطلاق النار والهدنة، والتأكيد على أنه لا حل عسكري في إدلب بل حل سياسي في جنيف، لتنفيذ بيان جنيف1والقرارات الدولية وأهمها القرار2254 وعلى هذا الأساس تم إعلان الأمين العام للأمم المتحدة في مطلع شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2019 إطلاق أعمال اللجنة الدستورية و إجراء الجولة الأولى في جنيف في أواخر الشهر العاشر، قبل تعطيل الجولة الثانية من قبل النظام.
ومع أن النظام الحاكم يتحمل المسؤولية الأولى عن التعطيل والهروب إلى الأمام للتملص من العملية السياسية التفاوضية واللجنة الدستورية، وتنفيذ القرار2254 والرهان على مسار أستانة وسوتشي والتحالف الثلاثي الروسي الإيراني التركي، الذي يميل لصالح استمرار سلطته وتسلطه كأمر واقع من جهة ومتابعة رهانه على وهم الحسم الميداني مستغلًا الصمت الدولي عما يجري، والتواطؤ والعجز عن توفير الحماية للمدنيين من جهة ثانية والتردد في تنفيذ تهديدات أردوغان لعدم الصدام مع القوات الروسية الداعمة لقوات النظام مراعاة لحجم المصالح الاقتصادية والتجارية المتبادلة بين الدولتين والعلاقات الاستراتيجية وخط الغاز الروسي إلى أوروبا وصفقة صواريخ s400 وغيرها. وهذا ما يفسر تعدد اللقاءات والزيارات المتبادلة بين موسكو وأنقرة على مستوى وزراء الخارجية والدفاع والأمن وعلى مستوى الرؤساء، وتتسرب الأنباء عن إمكانية التوصل إلى اتفاق تعديل لاتفاق أضنة القديم مع الأسد الأب لصالح تركيا ووقف إطلاق النار بشكل دائم والعودة للحل السياسي في جنيف. وامكانية تحقيق زيادة عمق المنطقة الآمنة في الاتفاق. وهذا ما دفع تركيا للاكتفاء بإمداد الفصائل المسلحة السورية بأسلحة ضد الدروع وصواريخ ضد الطائرات محمولة على الكتف مكنتها من العديد من المناطق والمواقع التي سيطرت عليها قوات النظام وحلفائه حول الطريقين الدوليين م 4وm 5 واستمرار توقف حركة المرور عليهما وتلقت تركيا دعمًا أمريكيًا للضغط على الروس.
- وماذا عن كل الذي يقال من تعطيل هيئة التفاوض؟
_ الهيئة التفاوضية الجديدة التي انتخبتها الأمانة العامة التي انبثقت عن الاجتماع الموسع لقوى الثورة والمعارضة الثاني في الرياض بتاريخ 22- 25 / 11/ 2017. في الرياض كانت نقلة نوعية، بجهود وزارة الشؤون الخارجية للملكة العربية السعودية لأنها تمكنت من توحيد منصة القاهرة ومنصة موسكو في هيئة المفاوضات والوفد التفاوضي تنفيذًا لقرار مجلس الأمن ذي الرقم 2254 لعام 2015 من جهة والتزمت بالبيان الختامي للمؤتمر بالموافقة على تنفيذ بيان جينيف 1 تاريخ 30 /6/2012 والقرار 2254 والعملية السياسية التفاوضية بدون قيد أو شرط. وقد بذلت الهيئة ومكاتبها ولجانها المتخصصة جهودًا مهمة لإعداد الأوراق المتعلقة بمحاور العملية السياسية التفاوضية الثلاثة ( السلال ) هيئة الحكم، والدستور والانتخابات وسلة الأمن والإرهاب التي أصر عليها النظام والأوراق المتعلقة باللجنة التي اقترحها الروس وانخرطت في العملية السياسية التفاوضية في جولات مؤتمر جنيف 3 التي توقفت بعد تهرب الوفد الحكومي في مرحلة المبعوث الدولي السابق السيد ديمستور1 كما انخرطت في الاعداد والحضور في مرحلة المبعوث الدولي الجديد السيد (غير بيدرسن) مع استمرار مماطلة وتهرب وفد النظام بأعذار واهية بالتهرب من حضور الجولة الثانية للجنة الدستورية وتوقف الضغط الروسي على النظام بعد إلزامه في الجولة الأولى ومجاراته في محاولة السيطرة على مساحات واسعة من إدلب وريف حلب الغربي والريف الشمالي للاذقية ولم تجد الهيئة المدعومة من المملكة العربية السعودية ومصر العربية والاتحاد الأوربي والأمم المتحدة شريكًا لها في متابعة المسار السياسي التفاوضي بعد تهرب النظام بدعم طرفين من محور أستانة الاتحاد الروسي وإيران.
في الوقت الضائع بعد توقف العملية السياسية تمامًا وجهت الخارجية السعودية دعوة لعقد لقاء لتيار المستقلين في الهيئة بالرياض وطلبت من الأطراف الستة فيها ترشيح مستقلين من خارجها للمشاركة ، ودعوة أعداد من المستقلين السوريين المقيمين داخل المملكة وفي الخارج وأسفر اللقاء وأعماله عن انتخاب ثمانية أعضاء لتمثيل المستقلين دون المساس بأوضاع ممثلي المستقلين السابقين في اللجنة الدستورية الموسعة أو المصغرة التي تمثل الهيئة وتبين أن إشكالية حدثت بين الخارجية والائتلاف أخرت عقد اجتماع الهيئة الشهري في الرياض وثمة حرص متبادل على حل يحفظ كرامة الخارجية ودورها، ووحدة الهيئة وإنجازاتها ويحرص المكتب التنفيذي لهيئة التنسيق الوطنية ومجموعته في الهيئة التفاوضية لحل هذا الإشكال بموافقة الخارجية التي استضافت قوى الثورة والمعارضة في مؤتمري المعارضة الأول والثاني منذ شهر تشرين الثاني 2014 حتى اليوم دون أن تشارك في اجتماعاتها أو تتدخل في شؤونها وقراراتها وتقديم الدعم الكامل لها.
كما تقدم المساعدات الانسانية الغذائية والصحية للسكان والنازحين والمهجرين في الشمال السوري وتتمسك بالحل السياسي طبقًا لبيان جنيف ١ والقرار2254 ورفضت إعادة فتح السفارة بدمشق وإعادة الإعمار قبل إنجاز الحل السياسي الذي تتمسك به هيئة التفاوض وجميع قوى المعارضة الوطنية الديمقراطية وغالبية الشعب السوري.
ومن خلال حرصنا على حل الإشكال وزيارتي خلال الأيام الماضية إلى الرياض ولقائي بالسيد المستشار أحمد الشيخ ممثل الخارجية لدى هيئة التفاوض تأكد لي سعي الخارجية الجدي لتفعيل المجموعة العربية والدور العربي والعروبة بالتنسيق مع مصر العربية وتعزيز دور الجامعة العربية ومؤسساتها لمواجهة التحديات والمخاطر على سورية ودول المشرق العربي والدول العربية في شمال أفريقيا، من دول الاقليم إيران وتركيا وغيرهما، وفي ذلك استجابة لرؤية هيئة التنسيق الوطنية وهيئة التفاوض السورية وكل القوى الوطنية الديمقراطية والشعب السوري، ويضع حدًا للعدوان الاسرائيلي المتواصل على سورية ولبنان والشعب الفلسطيني في الضفة وقطاع غزة ويقطع الطريق على( صفقة القرن ) وإفشالها، ويعزز فرص الحل السياسي في سورية وليبيا واليمن.
- وهل تعتقدون بإمكانية إعادة تفعيل اللجنة الدستورية؟
_ طبعًا الارادة الثورية لدى قوى المعارضة الوطنية والثورة، وصمود الشعب السوري وتضحياته الكبيرة في الأنفس والأموال وصبره رغم النزوح المتكرر والتدمير والتهجير والغلاء والفقر وعدم رضوخه للقنوط واليأس وعودته للحراك الثوري السلمي وإصراره على تغيير جذري شامل للنظام عبر الانتقال السياسي وتشكيل هيئة الحكم الانتقالي ودستور جديد والاستفتاء عليه بعد توفير البيئة الآمنة، وانتخابات حقيقية بإشراف كامل للأمم المتحدة وتطبيق العدالة الانتقالية وبناء سورية المستقبل هذه الخطوات تتحقق انطلاقًا من إعادة تفعيل اللجنة كمفتاح للعملية السياسية. لأن فشل الحسم الميداني قريب وحتمي وثمة شبه إجماع دولي وعربي على الحل السياسي.
- تُرى أليس من المستغرب كل هذا التجاهل واللامبالاة لماجري من قتل للمدنيين في إدلب وذلك من قبل جل الأنظمة العربية؟
_ إن غياب الدور العربي الرسمي للأنظمة العربية وحالة الشلل والتعطيل للجامعة العربية ومؤسساتها السياسية والاقتصادية والدفاع المشترك بعد إفشال مبادرة الجامعة في عهد د. نبيل العربي وإحالة الملف بسرعة وبضغط قطري إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة، فتح الأبواب أمام التدخلات الاقليمية والدولية، وأمام القوى الإرهابية المتطرفة وتحولت سورية إلى بؤرة للصراعات والاحتلالات والصراع على النفوذ عززها رفض النظام للحل السياسي الوطني والعربي وأطال أمد الأزمة ومعاناة الشعب من حصادها المر، ونأمل في عودة حقيقية للعروبة والدور العربي لملء الفراغ وإنقاذ الشعب السوري وبناء سورية لجميع أبنائها على تعدد انتماءاتهم القومية والدينية.
- ولماذا تغيب الشعوب العربية أيضًا عن المشهد السوري رغم كل هذه الدماء التي تنزف؟
_ المجتمعات العربية تم تغييبها قهرًا وفقرًا عبر انشغال الأنظمة الجمهورية بالاستبداد والفساد واحتكار السلطة والتوريث وتأبيد الحكم والتخلي عن القضية الفلسطينية كقضية مركزية، وجاءت ثورات الربيع العربي لإسقاط هذه، ونجحت في تونس ومصر واليمن وفي ليبيا عبر تدخل عسكري للناتو وتجددت في السودان ونجحت بإسقاط حكم البشير ورموزه، وفي الجزائر وفي العراق وفي لبنان في مواجهة التدخل الخارجي الايراني والأميركي والمحاصصة الطائفية وهي مشغولة بأوضاعها وظروفها لكن نجاحها يعزز الثورة السورية والقضية الفلسطينية والدور العربي والعروبة والأنظمة الوطنية الديمقراطية وسيادة الشعب، واسترداد حرية الشعب وكرامته وسيادته والعدالة الاجتماعية وبناء الوحدة الوطنية على أسس ديمقراطية، والدولة الوطنية الديمقراطية منطلق ومرتكز أساسي لأية خطوات باتجاه الاتحاد والوحدة التدريجية بالأسلوب الديمقراطي وليست تجاوزًا لها.