قال الكاتب والصحفي “أحمد مظهر سعدو” لـ ”أزمات” إن روسيا عبر إصرارها في البقاء على معبر واحد فقط لإدخال المساعدات الأممية إلى الشمال السوري، خارج سيطرة النظام، تحاول إرسال رسائل عديدة، منها رسالة إلى الإدارة الأميركية والغرب، بأنها قادرة على تحديد الممكن والمتاح في الجغرافيا السورية، دون الرجوع أو الاستناد إلى أية مرجعية، ومن ثم فإنها تستطيع أن ترد الصاع صاعين إلى الإدارة الأميركية التي تصر على عدم البدء بعملية إعادة الإعمار في سورية، قبل الدخول في عملية جادة للانتقال السياسي وفق القرارات الأممية، وهي التي بدأت بتطبيق قانون قيصر، الذي سيترك آثاره ليس على النظام السوري فقط، بل أيضًا على المصالح الروسية والاقتصاد المتهالك، جراء العقوبات الغربية والنفط الرخيص، وجائحة كورونا وأشياء أخرى، وهنا تريد روسيا بالتحالف مع الفيتو الصيني المشترك أن تؤكد للأمريكان أن بإمكانها إعاقة سياسات غربية أوربية وأميركية، حتى لو كانت روسيا تعيش حالة تقويض اقتصادي وإنهاك جيوسياسي.
وأوضح “سعدو” أن روسيا من خلال إصرارها على معبر واحد أنها أيضًا ترسل رسالة أخرى إلى الضامن الثاني وهو تركيا، نتيجة الخلافات البينية في موضوع ليبيا، وكذلك في مواضيع أخرى متعلقة بشمال شرق سورية، وأيضًا الحال في إدلب الذي تمت توافقات وتفاهمات عليه بينهما منذ تاريخ 5 آذار / مارس الفائت، فروسيا تريد أن تقول للحليف التركي، أنها متمكنة من التضييق على حالات وأبواب مساعدات وطرق هي بالضرورة من تركيا وإليها وتدخل المصالح التركية فيها، علاوة على أن حالة التنافس الواضحة المعالم التي نشهد فصولها على الأرض عسكريًا وصفقات عسكرية واقتصادية في الواقع السوري، بين إيران وروسيا، تحتاج هي الأخرى للتأكيد على أن روسيا مازالت هي المتحكم الأول في الخريطة السياسية والإنسانية والعسكرية، وليس إيران، حتى لو وقعت الأخيرة اتفاقًا عسكريًا مهمًا مع النظام السوري، لم يجف حبره بعد.
ولفت إلى أنها رسالة أيضًا إلى الشعب السوري المكلوم والمحاصر إقليميًا ودوليًا، تبين فيه روسيا أن عليه الاتكاء على سياسات روسية فقط، وهي التي ماتزال قادرة على التحكم حتى في قوت يومه ومعاشه.
إذًا فروسيا اليوم تحاول العمل سياسيًا على إثبات الوجود وإرسال كل هذه الرسائل، عبر مصالحها القيصرية الروسية، بعد تعديل الدستور الروسي ليتم التمديد لهذا القيصر الدكتاتوري إلى فترة زمنية ملفتة، ولم يسبق وأن حصلت في دول تدعي الديمقراطية، خلا طبعًا ما يحصل في أنظمة أو عصابات كما جرى ويجري في سورية المخطوفة من آل الأسد منذ خمسين عامًا.
هل تريد روسيا “شرعنة” الأسد؟
في السياق ذاته أكد الخبير الاقتصادي الدكتور “أسامة قاضي” لـ”أزمات” أن الروس يريدون من الولايات المتحدة الأمريكية أن تتعاون معهم باتجاه حل الأزمة السورية على الطريقة الروسية، ومقابل فرض قانون قيصر للحل السياسي، يعملون على إظهار امتلاكهم ورقة هامة هي ورقة الإغاثة للضغط على المجتمع الدلي، لأخذ المصالح الروسية في المنطقة بعين الاعتبار.
وأضاف “قاضي” لقد قدمت الحكومة الروسية هدية ثمينة للولايات المتحدة الأمريكية، حيث قامت بمشاركة النظام بحملة إعلامية تحمل قانون قيصر مسؤولية الجوع القادم لسوريا، ونفي ذلك عن سوء إدارة النظام للبلاد خلال 20 عاما، ما يبدو تناولا للشأن السياسي برعونة مطلقة، وبالمقابل قامت الولايات المتحدة الأمريكية ومؤيدو قانون قيصر بحملات توضيحية بأنه لا علاقة لقانون قيصر بالمواد الإغاثية أو الطبية أو الغذائية، فيما بدأت الولايات المتحدة بإثبات دور روسيا في تجويع الشعب السوري عبر إلغائها المعابر في وجه الإغاثات الأممية للشعب السوري، ما يدفع المواطنين بالمطالبة بالتقسيم، حيث يطالب كل سكان منطقة القوى المسيطرة عليها بتوفير الغذاء لها، ما يجعل أمريكا مسؤولة عن الشمال الشرقي، وتركيا مسؤولة عن إدلب وريف حلب، وروسيا مسؤولة عن مناطق سيطرة النظام، ما يكرس وجود كل القوى في سوريا، نافيا رغبة روسيا من خلال إغلاق المعابر بشرعنة النظام، واصفا ما يجري بالابتزاز السياسي واللعب بالملف الإنساني الواجب تحييده عن المماحكات السياسية بين القوى النافذة على الأراضي السورية.