محمد المنسي قنديل روائي مصري قرأنا له رواية: قمر على سمرقند. مقل ومتميز ويحصل على جوائز على رواياته..
.الرواية تتحدث عن مرحلة الثلاثينات وما بعدها من القرن الماضي. ايام الاحتلال الانكليزي لمصر. الانكليز حكام حقيقيين والخديوي اسماعيل و عباس..الخ.. مجرد واجهات لسلطه الانكليز ..
.تبدأ الرواية من هروب عائشة ووالدتها من قريتهم في الصعيد الى اقصى الجنوب في الأقصر . عائشة الطفلة الصغيرة التي توفي والدها وليس لها الا امها التي أجبرت على الزواج من أخ زوجها. المعروف عنه سلوكياته المنحرفة وعدم احترامه للأعراف او القيم وتصرفاته الجنسيه المخزية. هربت الأم بابنتها لتحميها وتبحث لها عن مستقبل أفضل.. اخذتها الى اسيوط. وقبل ذلك وشمتها على ذراعها باسم ماري لتؤكد أنها مسيحية قبطية. في أسيوط توجهت للديّر الذي أنشأه الامريكان. وادعت أنها امرأة مسلمة تنصرت وأنها تريد أن تحمي ابنتها. وتهبها للدير لتتعلم وتكون تحت رعايتهم.. تقبلوها بصعوبة من خلال شابة امريكية تتواجد في الدير المقتصر على الأجانب وعلى ابناء الاقباط المصريين فقط.. في الدير تأقلمت صار لها أصدقاء جدد اعترفت بقصتها للامريكيه روزا.. وصادقت قبطية أخرى من الصعيد. أجواء الدّير عادية لكنها تتأثر بالمحيط وخاصة بالفيضان. الذي اجتاح المدينة والذي كاد أن يزهق روح روزا .والتي أنقذها رزوق المصري الذي وقعت روزا بحبه وعاشا علاقة جسدية، كُشفت بعد حين وادت لقتله، وماتت روزا من الحزن والغم. ولم يعد هناك بد من المغادرة. فالدير اغلق. وهي لم تعرف الى اين تذهب . والتجأت الى صديقتها القبطية التي اخذتها الى قصر أهلها وتعرفوا عليها وتقبلوها لأجل ابنتهم وبسبب تشردها. العائله من اعيان المنطقة وعلى علاقة مع الانكليز اصحاب السلطه . ويأتي اللورد كرومر مندوب بريطانيا في مصر وقتها بزيارة العائلة ويتعرف على عائشة. ويطلبها لتكون مترجمة لزوجته في تواصلها مع المصريين. وتتعرف ايضا على كارتر الانكليزي الذي يعمل في الآثار والتنقيب والرسم والارشفه لاثار مصر. نطل عبر ذلك على شبكة ناهبي آثار مصر من كل الجنسيات الاوربية وامريكا. تنتقل عائشه للعيش في قصر كرومر وتصبح مطلعة على حركة الحاكم الفعلي لمصر. مصر التي كانت تغلي وقتها من اجرام الجنود الانكليز وقتلهم للناس في قرية دنشواي . والتي لقيت صداها الشعبي والدولي . مصر التي تعيش ذاكرتها القريبة . محاولة احمد عرابي أن يسترد حكم مصر للمصريين بمواجهة الخديوي بقوله: نحن لسنا عقارا لنورث .واكد حق المصريين بالحرية. وألقى الإنجليز القبض عليه وعلى من معه ونفي إلى جزيرة نائية. وتعرفت عائشه على مصطفى كامل حامل لواء العمل لنهضة المصريين عبر صحيفته اللواء. واغتياظ كرومر منه ومن دوره. تتعرف عن قرب على عبد الرحمن الرافعي المحرر بالصحيفة. ومن ثم على مصطفى كامل نفسه .وعندما غادرت قصر كرومر وماتت زوجته ولم يعد يحتاجها كرومر كمترجمة له أيضا. التحقت بطاقم صحيفة اللواء وأصبحت قريبة من مصفى كامل وراقبت دوره بالعمل لحرية مصر وفضح الانكليز واتباعهم الخديو وعصبته. تتعرف على زميلها مختار الفنان ويحصل بينهما علاقة حب وحاول التواصل مع أهلها ووالدتها لكي يتزوجا . ولكنها لم تكلل بالنجاح . مختار انهار نفسيا بعد أن اعتقل إثر مظاهرة بمواجهة كرومر نفسه. وخرج يبحث عن خلاصه الفردي وسافر لاوربا ليكمل دراسته الفنيه بالنحت.. والصحيفة لم تستمر بعد موت مصطفى كامل . الذي واكب خروج كرومر من مصر وانزياح احد اعدائها الاساسيين عن ترابها. كخطوة على طريق التحرير. الصحيفة التي دعمها محمد فريد لفترة أخرى لكنه نفى أيضا.. لم يكن أمام عائشه الا ان تتعامل مع صديقة مختار القديمة التي كانت تعمل بالدعاره والتي كان يستفيد منعا كنموذج للنحت.. دخلت عالما يمثل حقيقة الواقع المصري . مجتمع الباشاوات والقبضايات والشباب المراهق وكل يبحث عن متعة سريعة سرية. تعرفت على واقع فتيات المتعة. وتأكدت ان ظروفهم القاهرة وضعتهم في هذا الطريق السيئ وانهم اصبحوا جزء من تجارة لا يحصدون منها إلا العار.. جاء عمّ عائشة إليها حيث هي. واستدرجها لتشاهد أمها التي على وشك الموت. ولم تثق به لكنها ذهبت معه أخيرا. لتجد ان امها ماتت من زمن ويسجنها في بيتها ويغتصبها لمدة طويلة. كان حريص عليها لمتعته ولكونها وريثة أملاك أخيه.. واتفق اخيرا معها أن يتركا البلدة ويبيع املاكها و يعيشان بعيدا. بعد أن تقبلته كقدر ولا حل عندها الا ان تقبل. لكن الذئاب كانت له بالمرصاد تناهشتة في ليلة مظلمة.. رافقت الذئاب صديقتنا عائشة من بداية رحلة هروبها. دائما حاضرة خاصة في الصعيد. الذئاب روح الماضي والارواح وزوار الليل والمتربصين دوما وحماة قبور الأسلاف.. عادت عائشة الى القاهرة الى صديقتها بائعة الهوى . وعملت حتى تجهض نفسها من حملها من عمها وحصل ذلك. والتقت ثانية بالانكليزي كارتر المنقب والرسام. كارتر الذي نتعرف على قصته كشاب انكليزي مولع بالرسم للآثار والذي جاء مع تجار الآثار حتى يقوم بالرسم لأرشفة الاثار المصريه وسرقتها ايضا. وانتقاله في العمل مع كثيرين منهم ومن جنسيات أوروبية وأمريكية. واصابته بلوثة الوصول للقيا متميزة. وكان البحث جار عن قبر الفرعون اخناتون المفقود. الفراعنة الذين يبنون قبورهم مثل قصورهم فيها كل شيء ليذهبوا الى العالم الاخر كفراعنة وملوك. كارتر الذي خدم اسياده . والذي لم يستطع أن يصل لمبتغاه. يتفق مع عائشة على السفر معه مجددا الى الصعيد والتنقيب مجددا .عبر لها عن حب واهتمام وسافرت معه. ليعود منقبا في هوس الوصول إلى قبر اخناتون.. تأخذنا الرواية إلى الفرعون اخناتون . الذي ولد وترعرع في أجواء عبادة آلهة كثيرة ومتصارعة يسيطر عليها الكهنة ورجال المعبد . عبادة تبرر ألوهية الفرعون وتسلط رجال المعبد وجعل الناس جميعهم عبيد. عبيد للاستخدام بالحرب والغزو وبناء الأهرامات وحفر المقابر الملكية والزرع والحصاد وجني الثمار واعمار البلاد وفوق ذلك طقوس لا تحترم انسانية او مشاعر خاصة . وقرر انه يعبد الاها جديدا يوحد الكل انه آتون (الشمس). رافضا الاله السابق آمون رمزا لكل ما كرهه وخاصة أنه رأى أمه في طقس ديني يحتفل بجنس جماعي شاركت به أمه وشاهده في طفولته وحقد عليهم وعلى دينهم.. غادر طيبة مدينة الفراعنة التاريخية. وبنى مدينة أخرى (اخت آمون). طبعا بعد صراعه مع الكهنة . كان يرفض الحرب ويبحث عن السلام بين الشعوب. قائد جنده قال له ان لا مملكه دون حرب اما أن تهاجم أو يهاجمك الاخرين. اختلف مع قائده وصديق عمره وغادره بعد أن حارب وانهزم. كان يبحث عن إله واحد يساوي بين البشر وكان الهه الشمس آتون. لكنه لم يستطع الصمود والاستمرار .. فبعد زيارته لأمه في طيبه ووداعها قبل موتها. وبعد أن التقط طفل ترضعه الذئاب وعيشه بين بناته وانسنته وقراره ان يزوجه ابنته الكبرى ليكون فرعونا مع ابنته الفرعونه. وبعد هجوم قوات قائده عليه وكذلك مدينة طيبه . وكهنتها.. يقرر الموت مسموما ويسلم السلطة لقائده السابق .على أن تزوج ابنته بابن الذئاب الذي اسماه توت.. وهكذا صار.. مات الفرعون اخناتون ومات معه الدين الجديد .وعاد الحكم الى طبقة الكهنة وقادة الجند والحرب بشكل دائم بمواجهة الحثيين في الشرق. توّج توت باسم توت عنخ آمون كتأكيد لسيطرة الالهه آمون وكهنته. لكن الفرعونة وتوت لم ينسجما وبدأ توت بالعمل في بناء مقبرته الخاصة. مستحضرا روح طفولته أيام رعاية الذئاب له. ولم تجد الفرعونه بدا من التعويض عنه بابن ملك الحثيين الرهينة عندهم (نيفور). وتعمل معه لقتل توت عنخ آمون لتعينه فرعونا بديلا.. ويقتل توت ودفن في مقبرته التي عمل لإنشائها.. هذه المقبرة التي يبحث عنها كارتر مقبرة اخناتون وهاهو يصل لمقبرة ابنه توت عنخ آمون. والتي توصل إليها في بحثه عبر سنوات طويلة…
.هنا تنتهي الرواية..
.الرواية طويلة وممتلئة وفيها نفسا إنسانيا خاصا. أننا كقراء ننغمس بها ونصبح جزءا من تفاعلاتها الكثيرة والمثيرة. طبقات الرواية كثيرة ومتداخلة فهي تتحدث عن مصر ام الدنيا من الفراعنة .تستحضر فرعونا يبحث عن العدالة والحق والسلام ومساواة البشر. تتحدث عن مصر الاستعمار الانكليزي ومصر الشعب الفقير المنتج والباني والمستهلك والضحية. عن الحكام المستعبدين للشعب والعبيد لاسيادهم الخارجيين أو الكهنة الذين يتقاسمون معهم استغلال واستعباد الناس. عن التاريخ المعاصر ومصر في لحظة حضور بريمر والشعب المصري الذي لم يستسلم وأنجب أحمد عرابي ومصطفى كامل ومحمد فريد. عن المرأة وأنها قادرة أن تصنع مستقبلها ضمن مجتمعها وان الظلم والقهر والفساد يخرب كل شيء بما فيهم الإنسان امرأة ورجل..
الرواية تستحضر الواقع فما زال هناك فراعنة في مصر وكل بلاد العرب وما زال الناس ينجبون ثوارا يطالبون بحقوقهم.. وهاهو الربيع العربي يعيد تأكيد حق الانسان بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل.
10.8.2015