آخر حوار مع الأستاذ عبد القادر- كما كنت أخاطبه دائماً – دار حول منتدى ثقافي – سياسي في منزله في بني غازي في ليبيا ، وكان مطلبي منه وانا في بيروت ان يتم توثيقه صوتاً وصورة وإرساله شريطاً مصوراً لنشره في الشراع وتعميمه على المواقع المحلية والعربية…
غير ان الأستاذ عبد القادر غادرنا قبل ان يحقق هذه المهمة، وهو ما اعتاد ان يخلف وعداً منذ ان ولد وترعرع في شرق ليبيا التي انشأ فيها وزميله الراحل الكبير عبد الوهاب الرنتاني جمهورية ناصرية في وجود النظام الملكي الليبي الذي أسقطته ثورة الفاتح من سبتمبر 1969, بقيادة العقيد معمر القذافي .
رحل الأستاذ عبد القادر شاباً في التسعين من عمره ، فشبابه كان في الفكر وفي الحماس وفي الايمان بالعروبة ،وبقيادة جمال عبد الناصر ، وبفلسطين عربية حرة مستقلة كلها من البحر إلى النهر ،
ظل شاباً والعمر يجري به وبنا ، وحقن شبابه كل مواقع المسؤوليات التي حملها ، مناضلاً ومتطوعاً من اجل فلسطين ، ناصرياً حتى الرمق الأخير وما توقف ، وزيراً في اتحاد الجمهوريات العربية بين مصر وسورية وليبيا ، متمرداً على السلطة اذ حاولت تقييده ، ضارباً بها عرض الحائط سفيراً في لبنان وفي مصر ، حاملاً أفكاره الوحدوية في كل منتدى ومؤتمر ولقاء ومناظرة … وعندما استقر به الحال في بني غازي ، كانت احاديثه معنا ابنة المدينة بل المحافظة التي رفع فيها راية عبد الناصر التي زحفت للقاء القائد المعلم حين زارها عام 1970 .
كان في لبنان سفيراً ومناضلاً ومتحدثاً وسياسياً … ومن روح ثقافته القومية العربية، أن بذل جهداً غير عادي كي يعرف اللبنانيين على الفن العربي الليبي ، فكانت دعوته للفرقة الشعبية الفنية الليبية بقيادة الفنان حسن العريبي ،التي سحرت جمهوراً لبنانياً تابعها، والفنان الليبي المعروف محمد حسن خصوصاً عندما لحن وغنى قصيدة نزار قباني الأشهر : الهرم الرابع مات ، وقدكتبها بعد رحيل جمال عبد الناصر ، واراد الأستاذ عبد القادر ان يجعل وجود الفرقة الشعبية الليبية فرصة كي يوحد اللبنانيين حولها ، فكان عرضها الشيق والمميز على مسرح البيكاديلي في شارع الحمرا ، قبل ان تقل على مسرح كازينو لبنان في جونية في عز بروز بشير الجميل ، قائداً للقوات اللبنانية ،فلما نجح العرض ، صدمته الاستخبارات السورية بتفجير سيارة مفخخة في بيروت اودت بحياة عشرات اللبنانيين .
ادرك الاستاذ عبد القادر انها رسالة دم من استخبارات الاسد ، بأن احداً لا يملك فعل اي شيء في لبنان ، حتى لو كان فنياً إلا بموافقة هذه الاستخبارات ،
وكانت رسالة إهم إلى ليبيا بأن الانفتاح على الطرف الآخر في لبنان غير مسموح ، لأن سورية هي التي تحكم لبنان ، ولا ترضى معها شريكاً حتى لو كانت الجماهيرية العربية الليبية ، التي تدعم نظام الاسد بإمكانات اقتصادية وسياسية كبيرة .فضلاً عن السلوك المعروف عن هذه الإستخبارات، بأن كل تفجير في لبنان خلال الحرب الاهلية ، هو إما من عمل الصهاينة ، او من عمل القوى المسيطرةفي المنطقة الشرقية في بيروت !!!
تعرض الاستاذ عبّد القادر لمحاولة اغتيال نفذها خالد عليوان ، مطلقاً عليه ثماني رصاصات حملها جسد الاستاذ ولم تنل منه ،
وخالد عليوان هو بطل عملية الويمبي في الحمرا ، خلال احتلال بيروت في الاجتياح الصهيوني للبنان ، صيف 1982التي قتل فيها ضباطاً صهاينة ، وقد قتل خالد بعد هروبه مع مئات السجناء بعد حركة 6 شباط 1984 من سجن عاليه.
التقيت الاستاذ عبد القادر طويلاً في القاهرة حيث اقام لفترة وتعرفت على احد احفاده الشبان ، وكان مجلسه مليئاً بالثقافة والمعرفة والفكاهة والطرافة ، وكان ملك من يؤلف النكات ومن يلقيها ، وأكثرنا ضحكاً عليها وبقهقهة مشهودة .
استقر الاستاذ عبد القادر في بني غازي ، وما توقف التواصل بيننا ، وكنا نجري أحاديثاً إعلامية نشرناها على فترات ، كذلك ننشر تغريداته ، وكم اورد فيها تشابه الوقائع بين ليبيا ولبنان الذي احبه كثيراً وقد بادله اللبنانيون حباً بحب يستحقه ، كما استحقت ليبيا حب كل اللبنانيين بعطاءاتها التي شملت الجميع ( قبل جريمة اخفاء الامام موسى الصدر والشيخ محمد يعقوب والزميل عباس بدر الدين في 31/8/1978)
برحيل الاستاذ عبد القادر غوقة يفقد التيار الناصري في الوطن العربي وفي ليبيا رمزاً قيادياً من نوع فريد
الوداع يا استاذ عبد القادر ، الإنسان والمناضل والصديق
المصدر: الشراع
إن رحيل الاستاذ عبد القادر غوقة المناضل العروبي الناصري يفقد التيار الناصري في الوطن العربي وفي ليبيا رمزاً قيادياً من نوع فريد، الله يرحمه ويغفر له ويجعل مثواه الفردوس الأعلى .