قراءة في المجموعة القصصية: الرئيس شريكا || حكايات سورية متصلة منفصلة

أحمد العربي

غيث حمور روائي سوري متميز، منتمي للثورة السورية، قرأت له سابقا رواياته: “امبراطورية فسادستان”، و”ابيض قاني” و”غراب وصنمان”، وكتبت عنهم…

الرئيس شريكا ” حكايات سورية متصلة منفصلة” المجموعة القصصية التي اكتب عنها تحمل مضمون عنوانها الفرعي بدقّة. فهي فعلا مجموعات قصصية منفصلة، لكنها أيضا متصلة سواء بأن بعض شخصيات قصصها مشتركين في أكثر من قصة، كذلك كون المجموعة كاملة تعالج ذات الواقع السوري بكل تنوعه في سنوات الثورة الاولى، بدء من ثورة الشعب السوري عام ٢٠١١م  ومرورا بفعل النظام الوحشي وانتهاء بتداعيات كل ذلك وتنوع المآلات التي عاشها السوريين جميعا…

كالمراتون تنقل عصى السرد القصصي من قصة إلى أخرى لتكتمل المجموعة وتصبح صورة الواقع السوري بعد مضي سنوات على الثورة السورية اقرب للوضوح و إطلالة على واقع الحال…

القصة الاولى : النكتة المضحكة.

لامع يساري سوري ينتمي الى احد الاحزاب الرمادية، يعني لا يعادي النظام علنا ولكنه يظهر بعض النقد المحسوب والمدروس، الاهم ان مراد ومن حوله يعيشون أجوائهم النفسية والفكرية والسياسية وكأنهم من كوكب آخر، هناك انقطاع بين هؤلاء وبين ما يعيشه الناس. لذلك عندما حصلت ثورة الشعب السوري كان لامع سلبيا اتجاهها ولم ينخرط فيها بأي شكل. وعندما وصل الأمر إلى دعوته للخدمة العسكرية، خاف أن يكون ضحية لما يحصل في سوريا خاصة بعد أن قرر النظام أن يقاتل الشعب ليحافظ على السلطة، هرب الى اسطنبول وهناك وجد نفسه بين الكثير من السوريين الهاربين مثله مضطرا أن يكون طرفا في المعادلة السورية، صنع لنفسه قصة نضال مع الثوار وأنه كان ناشطا في مجال الاغاثة.

تعرف على بيلسان الفتاة المتمكنة اقتصاديا. والدها كان معارضا. كان شعور لامع بالدونية الاقتصادية تجاه بيلسان يحرجه. حيث تهتم به وتدعوه إلى كثير من الفعاليات وعلى حسابها. ومع ذلك توطدت العلاقة وأعلنت بيلسان حبها له وهو يبادلها المشاعر. لم يستطع التقدم إلى فكرة الزواج فكيف يعيش…

جاء الفرج الى لامع على يد نمير المسؤول الأمني عند النظام الذي تواصل معه واغراه بمبلغ شهري مجزي وان يتغلغل في صفوف المعارضة ويقدم المعلومات المطلوبة منه عن طريق الايميل لضابط أمن . فكر بداية الأمر ثم قبل بذلك. وبعد فترة تحسنت ظروفه المادية، وتزوج من بيلسان وبدأ يستخدم وضعه العائلي  مصيدة المعارضين ليكتب تقاريره الدورية إلى مسؤوله الأمني.

كتب عن المعارض مراد الذي كان من رموز المعارضة وأوضح كيف تم الحديث عن الرئيس الابن وتم التهجم عليه…؟!.

حملت زوجته بيلسان وقررت زيارة والدتها في سوريا وهناك تم اعتقالها لانها ضحكت على النكتة التي تحدثت عن الرئيس، وهكذا عاش لامع حياة الجحيم ولم يشفع له انه يكتب للمسؤولين التقارير الكثيرة لقد إجابة المسؤول:

“السيد الرئيس فوق الجميع”.

القصة الثانية: اللا عودة.

تتابع هذه القصة حياة مراد الشاب السوري الذي درس الهندسة المعمارية ولم يجد فرصة عمل  مناسبة له في سوريا. لذلك قرر ان يسافر الى احدى دول الخليج وهناك عمل لسنوات وعاد الى بلده اشترى بيتا وسيارة وتزوج من احدى قريباته وأنجب ابنتين. افتتح مكتبة واصبح يعيش من مدخولها، أصبح وجها اجتماعيا وله دور في معالجة المشاكل البينية في البلدة .

عندما حدثت الثورة كانت بلدتهم من البلدات الثائرة وكان من الناشطين مع التنسيقيات، وبعض مضي سنوات على الثورة، قصف النظام الكيماوي على بلدته، مما أدى لوفاة زوجته وإحدى ابنتيه. لذلك قرر الفرار من سوريا وذهب الى بلدة مجاورة ثم الى اسطنبول، وهناك عمل في أجواء المعارضة السورية. وكان يعرف عائلة بيلسان زوجة المخبر لامع وكانوا يتواصلون فيما بينهم. وكان يلاحظ تساؤلات لامع الأمنية وأحسوا انه مخبر واصبحوا يقدموا له معلومات امنية مزيفة عن المعارضة. علم بعودة بيلسان إلى سوريا واعتقالها. وسرعان ما ساء حال ابنته التي تبين أن إصابتها بالكيماوي سابقا قد فاقمت وضعها الصحي أدت لوفاتها. مما أدى إلى انهياره النفسي ولولا وجود الفتاة فرح التي هربت من سوريا ايضا والتي اعتبرته بمثابة والدها بجواره لكان حاله سيئة جدا. ومع ذلك انعزل عن الناس وتخلى عن كل أدواره السياسية…

وفي ذات يوم خرج من بيته ولم يعد، لقد فقدته فرح الفتاة التي كانت تعيش معه وترعاه كوالدها…

القصة الثالثة: بعيدا عن الحاقدين.

فرح الشابة ابنة إحدى بلدات الساحل السوري شاركت مع اخواها في التظاهرات ضد النظام، وتم اعتقالهم إثر اجتياح النظام للبلدة، وفي المعتقل عايشت ما عاناه المعتقلين. اخواها قتلا تحت التعذيب، وهي سمعت وشاهدت التعذيب والاغتصاب والجثث المرمية في ممرات المعتقل. وبعد مضي فترة من الزمن تم الإفراج عنها. وسرعان ما سافرت الى اسطنبول بالاتفاق مع أمها التي قررت أن لا تغادر بلدتها.

في اسطنبول حاولت فرح ان تعمل في أكثر من مكان وكانت تقع ضحية تحرش دائم. الى ان تعرفت على مراد الذي كان يعيش مع ابنته في اسطنبول ايضا وتعامل مع فرح وكأنها ابنته. وساعدها في التسجيل الجامعي لتكمل دراستها. وسرعان ما انتقلت للعيش في منزله بعدما تفاقم الوضع الصحي لابنته ومن ثم وفاتها مما أدى لتفاقم وضعه الصحي النفسي وخروجه من البيت دون عودة. ترك لفرح مبلغا مجزيا من المال ورسالة  يحضها على استمرارها بالعلم وبناء حياتها. تعرفت فرح على ميشيل وتوطدت العلاقة بينهما إلى الحب ومن ثم ان يتزوجا رغم الاختلاف الديني والرفض المجتمعي. استشارت فرح والدتها بالزواج فكان جوابها أن هذا مستقبلك و تصرفي وفق ما ترينه مناسبا. ثم قررت الزواج من ميشيل. لكن ذلك ليس سهلا. حيث علم عمّها أبو خطاب القيادي في تنظيم جهادي متطرف فرح بحالها وقرر منع الزواج بالقوة. وارسل احد عناصره أبو سياف لقتلها وقتل ميشيل في اسطنبول. وبالفعل جاء القاتل وأطلق النار على ميشيل ولم يستطع إطلاق النار على فرح. أصيب ميشيل وأودع المشفى وكان رأي الاطباء ان لا شفاء له. لكنه شفي وتزوجوا وغادروا إلى بلد بعيد لعله الى أوروبا.

القصة الرابعة: الاختطاف .

ميشيل مهندس ناجح يعمل في شركة والده وأحوالهم المادية جيدة ، لم يكن مهتما بما يحصل في سوريا الثورة ورد فعل النظام. المهم احوالهم واعمالهم بخير. لكن متغيرا حصل قلب حياتهم جحيما. لقد اختطف والده وزوج خالته. من قبل عصابات إجرام مسلحة مدعومة على الأغلب من النظام وأدى هذا ليبحث عن طريقة لينقذ والده وقريبه من الاختطاف وبدأت رحلة المساومة. وظهر أن ذلك كان وسيلة اعتمدها النظام وعصابات المجرمين لاستنزاف أموال الذين يملكون المال ويصرون أن يبقوا على الحياد. حيث لا مكان للحياد.

ساوموا على الفدية ودفعوا المال وانقذوا الوالد وقريبهم وقرروا بعد ذلك المغادرة خارج سوريا. توجهوا الى اسطنبول و عاشوا وعملوا بها. حيث كان لهم معارف وعلاقات تجارية. في اسطنبول تعرف ميشيل على فرح واحبا بعضهما وقررا الزواج وحاول ابوسياف الإرهابي قتل ميشيل وفرح ولم يفلح أصيب ميشيل وعولج وشفي وقرر ميشيل وفرح بعد الزواج أن يغادرا إلى أوروبا دفعا الكثير من المال ليستطيعوا الوصول إلى أوروبا بشكل آمن وهكذا حصل. انهم هناك يعيشون بأحسن حال لكن فرحتهم لم تكتمل حيث لم تستطع فرح ان تنجب اطفالا …؟.

القصة الخامسة: تاجر في كل الممنوعات.

تتابع القصة هذه حياة محمد الملقب ابو سياف الشاب الذي كان يعمل في تجارة المخدرات وكل الممنوعات قبل الثورة السورية بسنوات. وكيف تم القبض عليه ومحاكمته والحكم عليه  بالسجن المؤبد. وعندما قامت الثورة السورية أفرج النظام عن الكثيرين من أصحاب السوابق والمخترقين أمنيا وتركهم ليصنعوا لهم مجموعات مسلحة و عصابات سرقة ومجموعات إرهابية القاعدة وداعش وغيرهما. وجد أبو سياف فرصته أن يلبس ثوب التدين ادعاءا وأن يلتحق بإحدى التنظيمات الإرهابية في احدى ولاياتها التي سيطرت عليها، وان يصبح مقربا من أحد امرائها ابو خطاب ويعمل في السلب والنهب وفي ترويج المخدرات وبيعها ويتقاسمون الأرباح سويّة.

كان أبو سياف رجلا موتور شاذا جنسيا ساديا قد أثرت به المخدرات أضرت بصحته النفسية. لذلك كان تعامله مع النساء قاسيا. يمتهن كرامتهن ويعذهن ويذلهن. قتل اثنتين كانتا تخدمانه وتلبيان حاجاته الجنسية وغيرها. وقتل ابن إحداها الطفل الصغير. وعامل الثالثة بقسوة وهربت قبل أن تموت كسابقاتها…

ارسل ابو سياف من قبل أبو خطاب عم فرح  التي قررت الزواج من ميشيل في اسطنبول لكي يقتلها هي وزوجها ميشيل. وبالفعل ذهب الى هناك و حاول قتلهم بالقناصة، أصاب ميشيل ولم يتمكن من الاطلاع على فرح. هرب الى بيته الأمن وهناك قبضت عليه الشرطة التركية. وحققت معه، اعترف بكل ما عاشه بحياته …

هنا تنتهي المجموعة القصصية.

في التعقيب عليها اقول:

لقد نجحت المجموعة القصصية في القبض على القارئ وإدخاله في أجواء القصص المتتابعة متوالية ماراتونية لحكاية متكاملة أقرب لرواية تطال الحال السوري بعد الثورة السورية من كل جوانبه تقريبا.

كما اني اود التأكيد أن كل قصة من قصص المجموعة على حدى تصلح لتكون مادة أولية وعمود فقري لرواية مستقلة تغطي الحالة السورية بوجوهها المختلفة…

كما أرى ان الرواية في عمقها تريد ان تؤرخ لما حصل في سوريا قبل الثورة ضمنا وبعدها بكثير من الكثافة والتركيز: الثورة السلمية والمتظاهرين والانطلاقة النبيلة العفوية في مواجهة مظلومية سياسية ومجتمعية تطالب بالحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية والحياة الأفضل لكل السوريين. وما فعله النظام بعد ذلك القتل والاعتقال واجتياح المدن والبلدات والقصف بالبراميل المتفجرة والصواريخ والطائرات، والحقها القصف بالكيماوي ولأكثر من مرة وفي أماكن مختلفة. وما انعكس على الشعب السوري من كوارث حياتية. موت وقتل واعتقال وتشريد والانتقال الى حياة جحيم داخل سوريا وخارجها…

كما أشارت الرواية الى بعض فئات المجتمع الذين اعتقدوا أنهم خارج ما يحصل في سوريا وكيف اكتشفوا أنهم ضحية النظام واذنابه ولو بعد حين وان الكل مطلوب منه موقف اما مع مطالب أغلب الشعب السوري وحقوقه او مع النظام وأداة بيده ضد الشعب السوري…

تظهر الرواية ان النظام يأكل أبناءه سواء العسكر الذين يقتلون ويُقتلون في معاركهم ضد الشعب السوري. او الذين يخونون الشعب كمخبرين أو مرتزقة من داخل سوريا وخارجها. وأولئك الذين يقعون في حبائل الإرهابيين مثل داعش والقاعدة.

ونزيد كيف حول النظام المستبد المجرم سوريا الى دولة مستباحة من المستعمرين الأمريكيين ورعايتهم لحزب العمال الكردستاني وال ب ي د وقوات سوريا الديمقراطية وينهبون نفط سوريا وخيراتها ويجهزون لانفصال اثني كردي في سوريا. وكذلك الإيرانيون وحزب الله والميليشيات الطائفية الشيعية والتشييع الطائفي وهو نوع من الاحتلال الفارسي. وكذلك روسيا التي تقبض مع الإيرانيين على ما تبقى من سوريا تحت حكم النظام وتستثمره لها كل الوقت. والشعب السوري داخل سوريا بأسوأ حال…

كل ذلك استدعته المجموعة القصصية :

 الرئيس شريكا…

فعلا تبين أن الرئيس شريكا في كل مآسي وآلام ونكبات السوريين…

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. المجموعة القصصية: “الرئيس شريكا -حكايات سورية متصلة منفصلة” للروائي السوري “غيث حمور” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” مجموعة قصصية منفصلة وأيضا متصلة سواء لأن بعض شخصيات قصصها مشتركين في أكثر من قصة، لأن المجموعة كاملة تعالج ذات الواقع السوري بكل تنوعه في سنوات الثورة الاولى,

زر الذهاب إلى الأعلى