نتنياهو غير مؤهل للخدمة؛ وعليه أن يستقيل الآن

ألون بن مئير*

لا أوهام عند الإسرائيليين

منذ الهجوم الذي شنته حماس ضد 1.200 إسرائيلي في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي، أصبح هناك أمر واحد واضح تماماً. نتنياهو، وليس أي شخص آخر، هو الذي عجل بشكل غير مباشر بهجوم حماس الذي أدى إلى انتشار الرعب في غزة والذي كان من الممكن تجنبه. إن انشغاله بمتاعبه، وتقصيره في أداء واجبه، وتعطشه الشديد للتشبث بالسلطة لإنقاذ حياته، وفشله الذريع في صياغة نهاية للحرب ضد حماس، كلها أمور عادت لتطارده. والمظاهرات واسعة النطاق في إسرائيل التي تطالب باستقالته وسط الحرب تثبت مدى الاشمئزاز الشعبي من قيادته. يتعين عليه الآن أن يستقيل -ليس فقط بسبب إهماله لواجبه وسوء قراءته المأساوية لنوايا حماس قبل الحرب، بل وأيضاً بسبب الضرر المروع الذي قد يلحقه بالبلاد إذا استمر في الحكم.

إن الحقائق على الأرض، وأفعاله، وكيفية إدارته للحرب، وتصريحاته العلنية تؤكد عشرة أسباب تدفع نتنياهو إلى ضرورة الاستقالة الآن.

1) إن هجوم حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر) وقع تحت إشرافه. وكرئيس للوزراء، لم يرفض فقط تحمل أي مسؤولية، بل حاول إلقاء اللوم على الآخرين بسبب فشله الكارثي. لقد أنكر وجود تقارير تفيد بأن حماس كانت تخطط لهجوم واسع النطاق على إسرائيل، مدعيا أن حماس ببساطة غير قادرة على تنفيذ هجوم بهذا الحجم. وشخص يدعي أنه “السيد أمن” يجب محاسبته بصفته رئيسا للوزراء. وقد أظهر الهجوم ورد فعله اغتراره بنفسه وجبنه عن تحمل المسؤولية. أي رئيس وزراء آخر يتمتع بذرة من النزاهة كان سيستقيل، ولكن ليس نتنياهو.

2) بينما كان مشغولاً بمحاولة “إصلاح القضاء”، الأمر الذي كان سيدمر ديمقراطية إسرائيل، لم يلتفت إلى تخطيط حماس وتدريبها على الهجوم لأكثر من عام. ولمدة 16 عامًا تحت حكمه، كانت حماس تبني شبكة ضخمة من الأنفاق يبلغ طولها حوالي 400 ميل؛ أي حوالي ثلثي طول مترو أنفاق مدينة نيويورك بأكمله. وإذا كان على علم بهذه البنية التحتية الهائلة ولم يفعل شيئاً حيالها، لكان عليه أن يستقيل. وإذا لم يكن على علم بتصميم حماس المذهل في تعزيز هذه المقاومة للقتال من تحت الأرض، وهو ما كان ينبغي أن يكون عليه كرئيس للوزراء، لكان عليه أن يستقيل. أي زعيم في منصبه يتمتع بقدر ضئيل من المساءلة كان سيستقيل، إلا نتنياهو.

3) سمح نتنياهو لأعوام بتدفق مليارات الدولارات إلى خزائن حماس. وفي العام 2019 والأعوام اللاحقة، صرح مرارًا وتكرارًا أن “كل من هو ضد الدولة الفلسطينية ينبغي أن يكون مع (تمويل حماس)”، مدركا تمامًا أن حماس كانت تستخدم أكثر من 50 بالمائة من الأموال لبناء الأنفاق وشراء وتصنيع الأسلحة وتدريب عشرات الآلاف من مقاتليها للحرب القادمة. ومع ذلك، وحتى تشرين الأول (أكتوبر)، استمر في تشحيم آلة الحرب التابعة لحماس، والتي دفع المدنيون الإسرائيليون لها ثمناً باهظاً. وأي شخص قد يكون في مكان نتنياهو سيستقيل لأنه مكن حماس من القيام بمثل هذا الهجوم غير المسبوق، ولكن ليس نتنياهو.

4) ما تزال الحرب بين إسرائيل وحماس مشتعلة، وبعد مرور أكثر من ستة أشهر ما يزال نتنياهو بلا استراتيجية خروج ولا طريق واضح لكيفية تحقيق هدفه الوهمي المتمثل في القضاء على حماس. وهو يعلم أنه بمجرد انتهاء الحرب، ستنتهي مسيرته السياسية أيضًا. وبالتالي لديه كل الحوافز لإطالة أمد الحرب، على أمل أن يؤدي تحقيق نصر حاسم على حماس إلى تبرئته. وفي الوقت نفسه، يموت المئات من الجنود الإسرائيليين وعشرات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء بسبب سوء إدارته للحرب. إن يديه ملطختان بدماء الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يموتون عبثاً. أي رئيس دولة مسؤول كان سيستقيل بسبب سوء إدارته القاتلة للحرب، لكن ليس نتنياهو.

5) أصر نتنياهو طوال الوقت على أن حماس تحت السيطرة، ووصفها بأنها منظمة متشرذمة تستخدم الألعاب النارية. وقد أظهر هجوم حماس وقدراتها ومهاراتها القتالية بشكل صارخ كيف تطور هؤلاء الفلسطينيون المتطرفون وأصبحوا قوة قتالية شاقة لا يستطيع حتى الجيش الإسرائيلي العظيم هزيمتها متى شاء. وهذه ثاني أطول حرب في تاريخ إسرائيل، ولا يتحمل أحد غير نتنياهو المسؤولية عن حساباته الخاطئة الكارثية لشجاعة حماس ومقاومتها. أي رئيس وزراء يتمتع بالحد الأدنى من احترام الذات ويرتكب مثل هذا الخطأ الفادح كان سيستقيل، ولكن ليس نتنياهو.

6) منذ عودته إلى السلطة في العام 2008، فرض نتنياهو حصارًا صارمًا على غزة. من الصعب وصف القنوط واليأس الذين اجتاحا السكان البالغ عددهم حوالي 2.1 مليون نسمة والذين يعيشون في ما يرقى إلى معسكر اعتقال. أكثر من 70 في المائة من السكان تحت سن 25 عامًا يعيشون بلا أمل، محرومين من تحقيق أحلامهم على الإطلاق. وقد استخدم نتنياهو تهديدات حماس ضد إسرائيل كذريعة لتبرير حصاره الوحشي، مدركا أنه يزرع بذورًا سامة تصيب كل شاب فلسطيني نشأ وهو لا يطمح لشيء إلا الانتقام من إسرائيل. لقد خلق نتنياهو برميلاً باروداً في غزة كان لا بد أن ينفجر، وهو ما حدث. أي رئيس وزراء يتمتع بضمير حي كان سيستقيل، إلا نتنياهو.

7) على الرغم من أن لإسرائيل كل الحق في الدفاع عن نفسها، وأن الحرب ضد حماس يمكن تبريرها لأسباب أخلاقية وأمنية وطنية بهدف عدم السماح لحماس بإعادة تشكيل نفسها، فإنه ببساطة لم يكن هناك أي مبرر لعمليات القصف المكثف، التي كانت عشوائية ومليئة بالرغبة الفجة في الانتقام. فكيف يمكن تفسير موت ما يقرب من 33 ألف فلسطيني، 70 في المائة منهم من النساء والأطفال؟ هل فكر نتنياهو يومًا في الشعب الفلسطيني باعتباره بشرًا لهم آمال وأحلام، مثل أي إسرائيلي؟ هل خطر بباله أنه مقابل كل طفل فلسطيني يقتل في هذه الحرب، يولد أربعة أو خمسة للانتقام لمقتلهم؟ سوف تستمر دورة الانتقام بفضل نتنياهو الذي ضل طريقه. إن آثار الموت والدمار قد طغت بالكامل على ذبح 1.200 إسرائيلي. لقد جعل نتنياهو إسرائيل مفلسة أخلاقيا -وهي وصمة عار لطخت القيم اليهودية وقللت تعاطف العالم وإعجابه بالدولة اليهودية وأدت إلى ظهور معاداة السامية. أي رئيس حكومة لديه ولو لمسة من التعاطف والقلق كان سيستقيل، إلا نتنياهو.

8) طوال فترة ولايته التي دامت 16 عاماً كرئيس للوزراء، كان نتنياهو فخوراً بانتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني، وأكثر فخراً بسحق طموحهم إلى إقامة دولة. وفي كانون الثاني (يناير) 2024، قال: “لن أتنازل عن السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على المنطقة بأكملها غرب نهر الأردن -وهذا يتعارض مع الدولة الفلسطينية”. لقد ضلل نتنياهو الإسرائيليين عمدًا وبشكل مستمر ليعتقدوا أن احتلال الضفة الغربية والحصار المفروض على غزة أمران أساسيان لأمنهم. ولم يكن هناك شيء أكثر خطورة على أمن الدولة من الاحتلال. إن أعمال العنف التي لا تنتهي في الضفة الغربية والتي تتشابك مع استياء الفلسطينيين اليائسين في غزة، والعكس صحيح، تشهد على فشله الذريع. واليوم وصلت العلاقات الإسرائيلية-الفلسطينية، تحت حكم نتنياهو، إلى الحضيض، وأسوأ مما كانت عليه في أي وقت مضى منذ العام 1948. وأي رئيس وزراء يعي التاريخ والواقع الحتمي للتعايش الإسرائيلي-الفلسطيني كان ليقدم استقالته، ولكن ليس نتنياهو.

9) لم ينجح أي رئيس وزراء إسرائيلي في استقطاب الجمهور أكثر من نتنياهو من خلال تشكيل الحكومة الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل. وقد أدت حرب غزة إلى تعميق الانقسام بين الإسرائيليين اليمينيين المتشددين الذين يريدون إعادة احتلال غزة ودفع الفلسطينيين إلى البحر، وأولئك الإسرائيليين الذين يريدون رؤية نهاية للاحتلال والحصار والسعي إلى السلام. لكن الاستقطاب والكراهية والحقد بين الجمهور الإسرائيلي لا تشكل مصدر قلق لنتنياهو، الذي يركز فقط على بقائه السياسي ولتذهب البلاد إلى الجحيم. يضاف إلى ذلك الشرخ الذي خلقه بين إسرائيل ويهود العالم الذين أصبحوا أكثر اغتراباً عن البلد الذي يعتزون به ويحبونه. لقد كانوا فخورين بإنجازاتها المعجزة، لكنهم رأوا أنها مشوهة في صراع عنيف لا نهاية له. وهذا وحده كان سيجبر أي رئيس وزراء على الاستقالة، باستثناء نتنياهو.

10) لم يتمكن أي رئيس وزراء في تاريخ إسرائيل من استعداء الولايات المتحدة -الحليف الأقرب الذي لا يمكن الاستغناء عنه- أكثر من نتنياهو. لقد تجاوز الدعم العسكري والغطاء السياسي والمساعدات المالية الأميركية لإسرائيل منذ نشأتها أي دولة أخرى. ووقفت الإدارات الأميركية المتعاقبة إلى جانب إسرائيل في السراء والضراء، ولم تتخل قط عن التزامها بأمنها القومي. وبينما تحتاج إسرائيل في الوقت الحاضر إلى الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى، أظهر نتنياهو مرة أخرى مدى وقاحته. وبينما جثا على ركبتيه متوسلاً المزيد من القنابل والمتفجرات والغطاء السياسي، تحدى إدارة بايدن في كل منعطف.

أجل، لم يُظهِر أي رئيس وزراء إسرائيلي قدراً من الوقاحة أكثر من نتنياهو. قال في آذار (مارس) الماضي، “إن إسرائيل دولة ذات سيادة وتتخذ قراراتها بإرادة شعبها وليس بناء على ضغوط من الخارج، بما في ذلك من أفضل الأصدقاء”. إن رفض نتنياهو المستمر للرئيس بايدن فيما يتعلق بالحاجة الماسة للغذاء والدواء للفلسطينيين الجائعين والمرضى في غزة يوضح مدى عدم تعاطفه وقسوته، ومدى جحوده وحماقته. ولهذا السبب وحده، كان من الممكن أن يستقيل أي شخص آخر في منصبه، باستثناء نتنياهو.

لا بد أن مؤسسي إسرائيل يتقلبون الآن في قبورهم بينما يكتب نتنياهو الآن ويدير الفصل الأكثر قتامة في تاريخ إسرائيل. إن إسرائيل تواجه تحت قيادته اليوم مفترق طرق مصيرياً: فالكيفية التي ستنتهي بها حرب غزة وما سيأتي بعد ذلك سوف ستحدد مستقبل إسرائيل. وسوف تصبح البلاد إما ما كان مقدراً لها أن تكون، أي “نوراً للأمم الأخرى” أو دولة فصل عنصري، منبوذة وقوة احتلال تعيش بالسيف.

يجب على الجمهور الإسرائيلي أن يستمر في التدفق إلى الشوارع بمئات الآلاف للمطالبة بإجراء انتخابات جديدة في غضون أسابيع قليلة. ويجب عليهم ألا يدخروا أي وسيلة مشروعة، بما في ذلك العصيان المدني والإضرابات العمالية المستمرة، لإجبار نتنياهو على التنحي عن السلطة وإنقاذ البلاد.

في كل يوم يبقى فيه نتنياهو في السلطة، فإنه يشكل على إسرائيل خطراً أكبر من أسوأ عدو لها.

*ألون بن مئير Alon Ben-Meir: صحفي إسرائيلي مختص بسياسات الشرق الأوسط، وخاصة مفاوضات السلام بين إسرائيل والعالم العربي.

المصدر: (ميدل إيست أونلاين)/الغد الأردنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى