شكّلت المواجهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل تحدّياً أمنياً وسياسياً لإقليم كردستان العراق، وذلك بسبب تأثر مناطقه بشظايا المسيّرات التي أطلقتها إيران في هجومها على إسرائيل، والاتهامات المتتالية من إيران والفصائل العراقية الموالية لها للإقليم بإيواء وحدات ومراكز لجهاز الاستخبارات الإسرائيلية “الموساد”، وهو ما تنفيه حكومة الإقليم تماماً.
في سماء الإقليم
في التفاصيل، انفجرت طائرات إيرانية مُسيّرة في أجواء مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان، وبالقرب من بلدتي بيرمام وحاجي عمران شمال الإقليم، أثناء الهجوم، وقالت مصادر أمنية إنّ المضادات الأرضية في القاعدة الأميركية في منطقة حرير أو المركز اللوجستي الأميركي بالقرب من مطار أربيل أسقطتها أثناء اقترابها من أراضي الإقليم.
الحدث جاء بعد أيام من الترقب الشديد الذي كان يسود الأجواء السياسية والشعبية في الإقليم، مخافة من أن تهاجم إيران مناطقه مباشرة، بدعوى وجود بعض المراكز الاستخباراتية الإسرائيلية في داخلها، واعتبار ذلك رداً على الاستهداف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، مثلما فعلت أكثر من مرة خلال العامين الماضين، في استهداف لمنازل رجال أعمال أكراد في الإقليم.
مخاطر متزايدة
مراقبون أكراد أشاروا إلى زيادة المخاطر على الإقليم مع توسع دائرة الاستقطاب الإقليمي، سواء بين الولايات المتحدة وإيران، أو بين هذه الأخيرة وإسرائيل. فالقوى الكردستانية تعتبر الإقليم الكيان والجهة الأقل قوة وحصانة، وتالياً الأكثر قابلية لأن تتلقى الرسائل وردود الفعل العسكرية من القوى الإقليمية، خصوصاً أنّ الإقليم يشهد خلافات سياسية حادة، تزيد من مستويات ضعفه الأمني والسياسي.
لكن الأوساط الكردية أشارت إلى أنّ الوضع الكردي هو جزء من “الانكشاف الأمني” العام الذي يشهده العراق ضمن هذا السياق السياسي والصراع بين القوى الإقليمية. فالعراق كان الدولة الوحيدة التي عبرت في أجوائه المُسيّرات والصواريخ الإيرانية من دون أي ردّ فعل سياسي أو أمني، وبقيت أجواؤه مفتوحة للأسلحة الإيرانية في غياب أي مسعى للتصدّي لها، أو حتى مطالبة إيران بعدم استخدام الأجواء العراقية في حروبها وهجماتها العسكرية. وعلى العكس تماماً، فإنّ عدداً من الفصائل المسلحة التابعة للحشد الشعبي العراقي، التابعة رسمياً للحكومة المركزية، أعلنت تأييدها ومشاركتها في هذه المواجهة الإقليمية، في تباين واضح مع القرار الرسمي في البلاد.
طمأنة إيران… ولكن
طوال الشهور الماضية، سعت القوى السياسية في إقليم كردستان، ومثلها القيادات الحكومية، إلى طمأنة إيران والاستجابة لكل هواجسها الأمنية. فالاتفاق الأمني بين إيران والعراق المتعلق بمعسكرات ومخيمات الأكراد الإيرانيين في الإقليم نُفّذت بنوده بالكامل، واستجابت أربيل لكل تفاصيله، فيما أرسلت القيادات الكردية رسائل إلى إيران، نفت فيها كل الاتهامات الأمنية الإيرانية.
على مستوى مقابل، فإنّ الإقليم أعلن التزامه التام بكل متطلبات السياسة الخارجية والاستراتيجية الأمنية الحكومية العراقية، في ما يخص العلاقة مع الولايات المتحدة والاتفاق الأمني الاستراتيجي معها، نافياً تماماً وجود أي توجّه سياسي أو خيارات أمنية خاصة به ضمن العراق.
الكاتب والباحث شكري أخانجي شرح في حديث أسباب الهاجس الأمني الكردي مما يجري إقليمياً، قائلاً لـ”النهار العربي” “إنّ الاستمرار والاستقرار في إقليم كردستان قائم على أساس التوازن بين القوى الإقليمية، التي حدثت بشكل مثالي بعد احتلال النظام السابق لدولة الكويت. فاعتباراً من أوائل التسعينات من القرن الماضي، كانت مختلف القوى الإقليمية تدعم الإقليم وحقه في الوجود الخاص ضمن العراق، بسبب معاداتها لنظام صدام حسين. في مراحل لاحقة، أصبح الإقليم مكاناً وتجربة تسعى مختلف هذه القوى لأن تحظى بقبول منه، كجزء من سعيها لإحراز نفوذ ضمن العراق. ذلك الأمر الذي بدأ يتفكّك منذ حدوث الشقاق بين القوى العراقية الرئيسية، وسعي كل طرف إقليمي لدعم طرف أو تيار سياسي من العراق”.
أضاف أخانجي: “من بين الجماعات الأهلية العراقية الثلاث الرئيسية، فإنّ الأكراد كانوا الجهة الوحيدة التي ليس لها أية رافعة أو قوة حماية إقليمية، وصارت القوتان الإقليميتان الرئيسيتان، تركيا وإيران، تعتقدان بإمكان احتواء الأكراد جزئياً، من خلال ضمان ونسج روابط مع إحدى قواه السياسية، في وقت لا تُعرف فيه الاستراتيجية الأميركية حيال العراق. وزادت الضغوط على الإقليم عقب تصاعد المسألة الكردية في هذه البلدان، التي صارت تجد نفسها قادرة على الاتفاق في الملف الكردي أكثر من أي موضوع آخر”.
ويتهم الناشطون الأكراد إيران وتركيا بتصدير مشاكلهما الداخلية إلى إقليم كردستان، واعتباره ساحة لممارسة أفعال تحميها من ردود الفعل والحروب الكبيرة.
المصدر: النهار العربي
هواجس محقة للقيادة السياسية بكردستان العراق، وذلك لإنّ الأكراد كانوا الجهة الوحيدة التي ليس لها أية رافعة أو قوة حماية إقليمية، والقوتان الإقليميتان الرئيسيتان، تركيا وإيران، تعتقدان بإمكان احتواء الأكراد .