بعد نصف سنة على بداية الحرب، بدا ميزان إسرائيل مقابل حماس بعيداً عن أن يكون مرضياً. وجدت إسرائيل نفسها في حرب كانت فيها من البداية في موقع متدن فظيع: غزو كثيف من حدود قطاع غزة، سيطرة فلسطينية على بلدات ومناطق، تقريباً 1200 قتيل معظمهم من المدنيين وأكثر من 250 مخطوفاً. لا توجد في الحقيقة أي طريقة لقلب هذه النتيجة. لقد أصبح من الواضح للجميع الآن، باستثناء بعض الأتباع الهستيريين، بأنه لا أهمية لوعود النصر المطلق التي ينثرها نتنياهو مرة كل يومين.
رد إسرائيل على المجزرة في 7 أكتوبر شمل ضربة شديدة لحماس، واحتلال مناطق، وإخلاء قسرياً للسكان من شمال القطاع، وقتلاً جماعياً لأعضاء المنظمة، الذي رافقه حسب التقديرات أكثر من 20 ألف مدني فلسطيني قتيل. كانت هناك درجة معينة من المنطق في قرار الغزو البري للقطاع. تفاجأت إسرائيل في ذروة الضعف، وغياب رد مؤلم كان يمكن أن يحث أعداءها في المنطقة على الانضمام لمعركة حماس. والآن بعد القتل والتدمير، لم يتم إزالة هذا الخطر (ازداد في هذا الأسبوع).
عملت الحكومة والجيش استناداً إلى إجماع عام واسع، الذي بحسبه حملة القتل التي نفذتها حماس والسادية الفظيعة التي استخدمها رجالها ضد السكان في الغلاف، لم تعد تسمح بجيرة طيبة قرب حكمها في القطاع. ولكن مع مرور الوقت، يجب الاعتراف بما لم يتحقق – كما كان متوقعاً هنا عندما بدأت العملية البرية. نسبة التوقعات لتدمير نظام حماس وتفكيك كل قدراتها العسكرية كانت مرتفعة جداً، خصوصاً في إطار زمني محدد، بضعة أشهر. حكم على الحرب أن تطول، ويصعب تصديق أنه بالإمكان تفكيك المنظمة بالكامل حتى في المستقبل.
إضافة إلى ذلك، فقد خلقت ظروف لإعادة المخطوفين: إذا كانت الحكومة والجيش ادعوا في بداية الحرب بأن العملية البرية هي التي أدت إلى عقد صفقة المخطوفين الأولى، فبات واضحاً الآن أنه يصعب فرض صفقة ثانية وثالثة على حماس بالقوة لإطلاق سراح الـ 134 مخطوفاً الباقين. والأصعب أن المزيد من المخطوفين يموتون في الأسر، وأي تأخير يستند إلى أمل نظري لتحقيق الهدف الأول فيما بعد، سيمس بتحقيق الهدف الثاني.
ما الذي يؤلم حماس؟ حسب ضباط في الجيش الإسرائيلي، فإن قيادة حماس تتأثر من قتل قادة كبار آخرين في المنظمة وفقدان الأرض لفترة زمنية طويلة ومن محاولات إسرائيل تقييد سيطرة حماس على القطاع. بخصوص قتلى حماس، عرض الجيش الإسرائيلي تقديرات مختلفة تراوحت بين 9 – 12 ألفاً. المنظمة نفسها، في تطرق نادر في منتصف شباط في مقال في “رويترز”، قدرت عدد شهدائها بحوالي 6 آلاف. من المرجح أن العدد الحقيقي في مكان بين هذين التقديرين. من الواضح أن الجيش الإسرائيلي، مثل جيوش غربية أخرى في حروب إرهابية وحروب عصابات، يميل إلى “إحصاء جثث مبالغ فيه، وأحياناً يحصي المدنيين، بالأساس الرجال الذين وجدوا في مبنى تم تفجيره أو في منطقة تم تحديدها قرب المواقع العسكرية، لمنع الخطر على القوات”.
يجب أيضاً عدم تجاهل الضغط من الأعلى لـ “تقديم أرقام”، أي قتل المزيد من الأعداء والنشر عنهم. لهذا الطلب دور في تفجير سيارات الإغاثة في دير البلح هذا الأسبوع، الذي قتل فيه سبعة من عاملي الإغاثة في منظمة دولية.
قتل هذا الأسبوع القتيل الـ 600 منذ بداية الحرب. سقط حوالي نصف القتلى في العملية البرية التي بدأت في نهاية تشرين الأول. ما زال هذا رقماً متدنياً بدرجة كبيرة عن التوقعات الكئيبة التي سمعت في الجيش عشية الغزو. أثبتت الحرب أنه لا توجد قدرة على الوقوف أمام فرقة إسرائيلية ووقف تقدمها. اختارت حماس طريقاً بديلة: تم تفكيك الكتائب والألوية القطرية إلى خلايا صغيرة تحت المكبس الإسرائيلي، التي حاولت المس بالقوات أثناء تقدمها، خاصة بعد أن توقفت واحتلت أراضي.
سلاح الفلسطينيين الأنجح في الحرب تبين أنه صاروخ “آر.بي.جي” القديم، الذي ما زال يسقط إصابات كثيرة، بالأساس في مواقع الحراسة الثابتة. جزء كبير من الجهد الحربي الفلسطيني مرتبط بالتوثيق. إذا لم يكن هناك فيلم فيديو لقتل جنود، الذي يتم نشره بسرعة، فكأن شيئاً لم يحدث، وفق رؤية حماس.
إلى جانب النصر المطلق، يعد نتنياهو أيضاً باحتلال رفح. فعلياً، الاستعدادات عالقة. في محادثات “الزوم” التي جرت هذا الأسبوع بين جهات رفيعة أمريكية وإسرائيلية، أوضحت الإدارة الأمريكية بأن على الجيش الإسرائيلي العثور على طريقة لإخلاء نحو 1.3 مليون مدني فلسطيني من رفح قبل دخول المدينة، هذا إذا دخلها أصلا. الطرفان اسمعا أيضاً تقديرات مختلفة بخصوص الفترة الزمنية المطلوبة لإخلاء السكان، لأن الذهاب إلى عملية في رفح سيستغرق وقتاً، فمن المرجح أن تبحث إسرائيل لنفسها عن أهداف أخرى. ثمة احتمالية معقولة، وهي اقتحام مخيمات اللاجئين، منها النصيرات ودير البلح في وسط القطاع.
قال رئيس الأركان هرتسي هليفي في لقاء مع الجنود في خان يونس بأن التوصل إلى اتفاق لتبادل المخطوفين “مهمة عليا ستأتي بضغط أقوى. سنضغط كلما كانت حاجة لذلك”. الجديد هو في الشطر الأول للجملة الذي يوضع للمرة الأولى في الأفضلية العليا، وهو المشاعر التي سمعت الآن من القيادة العسكرية العليا. ولكن لتحقيق ذلك، ستكون حاجة للتنازل عن رفض إسرائيل السماح بعودة جماعية للسكان الفلسطينيين إلى شمال القطاع، وهو موقف يتبناه ليفي أيضاً.
في الفترة الأخيرة، على خلفية مهاجمة قافلة المساعدات، جرت محادثات متوترة بين جهات رفيعة في واشنطن والقدس. انتقد الأمريكيون نشاطات الجيش الإسرائيلي بشدة وطلبوا شفافية كاملة حول التحقيق واستنتاجاته. نجحت إسرائيل بشكل ما في المس بكل ما تقول الإدارة الأمريكية إنه مهم لها – منع الجوع وتجنب قتل المدنيين وتدمير المباني وحماية المنظمات الدولية. من المرجح أن الأحداث الأخيرة المؤسفة للجيش الإسرائيلي ستزيد الضغط من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار. ولكن في موقف المساومة الإسرائيلي الحالي، ليس من المؤكد أن يرتبط ذلك بصفقة لتبادل المخطوفين. ويمكن التقدير أن حماس، التي لاحظت وجود موقف أفضلية لها، ستستغل ذلك للتشدد في طلباتها. في المحادثة الهاتفية الليلية أمس بين بايدن ونتنياهو، طلب الرئيس الأمريكي من إسرائيل التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار.
الإرساليات تتأخر
التوتر مع الولايات المتحدة قد يؤثر سلباً على ما يحدث في الجبهة الآخذة في التطور بين إسرائيل وإيران. في الوقت الذي كان فيه الرئيس الأمريكي يشتاط غضباً من نتنياهو، كم سيكون الدعم الذي سيعطيه إياه إزاء تهديدات إيران بالانتقام من إسرائيل؟ في خطابه المشهور في 10 تشرين الأول، وقف الرئيس بصورة كاملة إلى جانب إسرائيل وحذر جميع الأطراف، لا سيما إيران وحزب الله، من الانزلاق إلى حرب إقليمية. الآن النظام في طهران يتهم إسرائيل بعملية الاغتيال في دمشق لشخصية رفيعة في حرس الثورة الإيراني، حسن مهداوي.
رئيس الأركان الأمريكي، تشارلز براون، قال مؤخراً في محادثة مع المراسلين إن إسرائيل لم تتسلم من الولايات المتحدة كل السلاح الذي طلبته أثناء الحرب في غزة. جهات رفيعة في جهاز الأمن في إسرائيل أكدت أن هناك إبطاء في وتيرة إرسال السلاح من الولايات المتحدة، ويبدو أن السبب سياسة متعمدة من البنتاغون بتوجيه من البيت الأبيض.
نشرت “نيويورك تايمز” أمس بأن الرئيس الأمريكي يفحص بجدية وقف المساعدات الأمنية أثناء الحرب بسبب غضبه من إسرائيل. يظهر الأمريكيون تسامحاً نسبياً حتى الآن، مع الأخذ في الحسبان قوة الانتقاد الدولي لإسرائيل بسبب سلوك الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة.
وفي مركز البلاد في الفترة الأخيرة، كان يمكن ملاحظة حركة متزايدة لطائرات قتالية في السماء، التي ذكّرت بوضع الأشهر الأولى للحرب. السبب في هذه المرة ليس فقط الخوف من اشتعال شامل على حدود لبنان مع حزب الله، بل استعداد لسيناريو من رد إيراني مباشر الذي قد يشمل هجوماً بصواريخ مجنحة ومسيرات من إيران والعراق، أو إطلاق نار كثيف لصواريخ من مليشيا شيعية في دولة مجاورة. وتقرر على هذه الخلفية تجنيد استثنائي للاحتياط في سلاح الجو وإلغاء الإجازات في نهاية الأسبوع للجيش النظامي. وتشويشات الـ جي.بي.اس التي بادر إليها الجيش الإسرائيلي وصلت إلى مركز البلاد وعملت على شل نشاط تطبيقات مثل “الويز”، وهذه مشكلة يعرفها السكان في الشمال منذ تشرين الأول.
موجة المنشورات والتصريحات حول هذا الأمر أثارت الذعر في أوساط الجمهور. واضطر المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي إلى نشر توضيح يفيد بأنه لم يطلب من المواطنين التزود بالمولدات الكهربائية والمعلبات. تقدير نوايا إيران يرتبط أيضاً بالتقويم السنوي. فاليوم هو الجمعة الأخيرة من رمضان، الذي هو يعد “يوم القدس” الذي يحتفل به النظام الإيراني. هناك احتمالية كبيرة لعمليات، وفي الساحة الفلسطينية.
تهدد إسرائيل إيران منذ فترة طويلة. ففي السنوات الأخيرة وفي ظل الحكومات المتبدلة برئاسة نتنياهو ونفتالي بينيت ويئير لبيد، يبدو أن هناك جرأة إسرائيلية متزايدة في اختيار الأهداف الإيرانية التي تتم مهاجمتها.
لكن السؤال هو ما إذا كانت عملية الاغتيال الأخيرة لن تحقق نتيجة معاكسة. على الأغلب، يتولد انطباع بأن إسرائيل انجرت إلى مثل هذه الخطوات من خلال رغبة في استغلال فرصة عملياتية محصورة الوقت دون أن تفحص التداعيات بعمق. كان هذا صحيحاً أيضاً عند عملية اغتيال رئيس حزب الله عباس موسوي في 1992، وهي العملية التي عرضت على العالم وريثه حسن نصر الله، وأدت إلى عمليات انتقامية قاسية في الأرجنتين.
تهديدات إيران بالانتقام تضاف إلى المواجهة مع حزب الله. الجيش الإسرائيلي في الحقيقة أبعد معظم أعضاء قوة الرضوان، قوة النخبة في الحزب، عن المنطقة القريبة من الحدود، ودمر جزءاً كبيراً من مواقع حزب الله في جنوب لبنان. ولكن لم يحقق بذلك أي حل يتيح له عودة الـ 60 ألف مواطن إسرائيلي الذين اضطروا إلى ترك بيوتهم بتعليمات من الجيش والحكومة في تشرين الأول الماضي. في ظل غياب وقف إطلاق النار وعدم وجود اتفاق تبادل في الجنوب، سيكون من الصعب تهدئة النفوس في الشمال. وإن إطالة زمن الأزمة مع حزب الله قد تسرع حرباً واسعة تشمل غزواً برياً إسرائيلياً لأراضي لبنان. وهي احتمالية يجب أخذها في الحسبان رغم أنها ليست حتمية تماماً كما يمكن أن يظهر في بعض التصريحات العلنية في إسرائيل.
المصدر: هآرتس /القدس العربي
قراءة منحازة للعدو الصhيوني من ناحية النظر الى المقاوم الوطنية الفلسطينية بضحاياها والتركيز على “حماS” وعدم لحظ بأنها مقاومة وطنية فلسطينية، أكيد هناك ضحايا وهي ضمن فرق القوة، ولكن صمود المقاومة لأكثر من ستة أشهر بحرب تشارك بها قوات لأنظمة غربية وأمريكا بالإضافة للدعم اللوجستي وإمداد غير محدود بالأسلحة والذخائر يعتبر إنتصار لها، السؤال هل ستعوض إSرائيل إجتياح جنوب لبنان بدلاً من رفح لتعوض هزيمتها؟.