مع تنامي المخاوف من هجوم عسكري بري إسرائيلي على مدينة رفح التي تستضيف أكثر من نصف سكان غزة، قامت السلطات المصرية في تطهير الأراضي المحاذية لحدودها مع القطاع، وحتى تسييج منطقة لاستقبال أي تدفق للاجئين، وفق ما نقلته وسائل إعلام عدة مؤخرا.
السلطات المصرية ومنذ بدء الحرب كررت رفضها لأي عمليات تهجير للفلسطينيين من غزة، من ضمن ذلك إقامة أي منطقة معزولة، ولكن سياستها تكشف أنها ستتعامل مع ما قد يحدث على أرض الواقع من سيناريوهات، بما في ذلك استقبال لاجئين من غزة.
وبحسب تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي تكشف صور أقمار صناعية أن السلطات المصرية قامت ببناء سياج مسور وتطهير منطقة كاملة في شمال سيناء، والتي تشير وسائل إعلام غربية أنها قد تتسع لنحو 100 ألف شخص، فيما قالت منظمة سيناء لحقوق الإنسان أن المنطقة مُسيَّجة بجدران إسمنتية ارتفاعها يصل لـ7 أمتار.
وتمتلك مصر المعبر الحدودي الوحيد مع غزة الذي لا تسيطر عليه إسرائيل، فيما كرر وزير الخارجية المصري، سامح شكري، نفيه بأن هذه المنطقة المسيجة مخصصة لإيواء اللاجئين الفلسطينيين.
وأشار الوزير في تصريحات مؤخرا أن هذه الأعمال لا تتجاوز أعمال “الصيانة على الحدود”، منتقدا القفز إلى استنتاجات تفسير “ماهية تلك الأنشطة”.
ووسط ترقب لوقف إطلاق نار مؤقت قريبا تأمل واشنطن أن يمتد لهدنة دائمة، يشعر المجتمع الدولي في الوقت ذاته بقلق إزاء تداعيات أي هجوم بري على رفح في أقصى جنوب قطاع غزة حيث يتكدس 2.4 مليون شخص معظمهم نازحون على الحدود مع مصر ويعيشون في ظروف قاسية جدا وسط شح في مياه الشرب والأغذية.
ويشير تقرير المجلة إلى أنه على ما يبدو “تحاول مصر حماية نفسها من العواقب المترتبة على التصعيد المحتمل للهجوم البري الإسرائيلي لرفح”، مضيفة أن “المسؤولين المصريين يدركون أن الهجوم سيجبر مئات الآلاف من الفلسطينيين على عبور الحدود إلى سيناء”.
وكان الوزير شكري قد قال في تصريحاته: “إنه ليست هناك أي نية لتوفير مناطق أو مرافق آمنة، ولكن إذا كان هذا هو الوضع سنتعامل بالإنسانية الضرورية وسنقدم الدعم للمدنيين الأبرياء إذا حدث ذلك”.
وكرر قوله: “لا ينبغي تفسير هذا على أنه قبول لاحتمال من هذا النوع”.
ولفت التقرير إلى أن الفترة القريبة الماضية نقلت العديد من وسائل الإعلام عن دبلوماسيين مصريين لم تذكر أسماءهم قولهم إن الهجوم الإسرائيلي في رفح قد يدفع القاهرة إلى “إلغاء معاهدة كامب ديفيد للسلام الموقعة مع إسرائيل عام 1979”.
مايكل وحيد حنا، من مجموعة الأزمات الدولية، قال لـ”فورين بوليسي” إنه “يكون من المستحيل تصور انسحاب القاهرة من المعاهدة نفسها، لأن القاهرة تستفيد منها بشكل كبير”.
وأشار إلى أن هذه المعاهدة فتحت الباب للقاهرة للحصول على “مساعدات واسعة النطاق من واشنطن، وتبادل معلومات استخباراتية حول مكافحة الإرهاب في سيناء، ناهيك عن زيادة صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر بنحو 25 في المئة خلال العام الماضي”.
ويلفت حنا إلى أن مصر قد تتخذ خطوات أقل من إلغاء المعاهدة، مثل “استدعاء سفيرها من إسرائيل أو خفض علاقاتها الأمنية”.
وأكد التقرير أن مصر رغم أنها قد تستقبل لاجئين فلسطينيين، إلا أنها تتخوف من “انعدام الأمن في الداخل إذا شن مسلحو حماس الهاربون هجمات ضد إسرائيل من الأراضي المصرية”، وهو ما عبر عنه الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، صراحة في أكتوبر الماضي.
كما تخشى مصر من أن اللجوء الفلسطيني قد يضيف أعباء عليها، في وقت تواجه فيه تحديات اقتصادية، ناهيك عن مخاوف من أن إسرائيل قد لا تسمح أبدا للفلسطينيين بالعودة أبدا، لأن عمليات اللجوء الفلسطينية السابقة لم تفض إلى إعادة أي لاجئين لاحقا.
هددت إسرائيل بمواصلة هجومها في قطاع غزة بما فيه منطقة رفح في شهر رمضان الذي يحل في مارس، إذا لم تطلق “حماس” بحلول ذلك الوقت سراح الرهائن المحتجزين، في وقت يتواصل القصف العنيف على القطاع المحاصر.
وقبل أسبوع دعت 26 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي من أصل 27 إلى “هدنة إنسانية فورية” في غزة، مطالبة إسرائيل بالإحجام عن أي عمل عسكري في رفح.
وارتفعت حصيلة ضحايا العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، الأربعاء، لحوالي 30 ألف قتيل منذ السابع من أكتوبر، وفق وزارة الصحة في حركة حماس.
وأشعل فتيل الحرب هجوم غير مسبوق على جنوب إسرائيل شنته حماس في 7 أكتوبر، قتل خلاله أكثر من 1160 شخصا، معظمهم مدنيون، وخطف نحو 250 شخصا نقلوا إلى غزة، وفقا لحصيلة أعدتها وكالة فرانس برس بناء على بيانات إسرائيلية رسمية.
وتهدد إسرائيل باجتياح رفح منذ أسابيع بعد دخول جنودها الى مناطق واسعة من قطاع غزة وبينها خان يونس على بعد بضعة كيلومترات من رفح. وتقول إسرائيل إن رفح هي “المعقل الأخير” لحماس وتتحدث عن خطط “لإجلاء المدنيين” منها ما زالت غير واضحة.
وحذر الوزير الإسرائيلي بيني غانتس، عضو حكومة الحرب برئاسة، بنيامين نتانياهو، مؤخرا من أن “العالم يجب أن يعرف وعلى قادة حماس أن يعرفوا أنه إذا لم يعد الرهائن إلى ديارهم بحلول شهر رمضان، فإن القتال سيستمر في كل مكان، بما في ذلك في منطقة رفح. سنفعل ذلك بطريقة منسقة لتسهيل إجلاء المدنيين بالحوار مع الشركاء الأميركيين والمصريين وتقليل الخسائر في صفوف المدنيين قدر الإمكان”.
وقال غانتس: “لدى حماس الخيار. يمكنهم الاستسلام وتحرير الرهائن وسيتمكن المدنيون في غزة من الاحتفال برمضان” الذي يتوقع أن يحل في 10 مارس تقريبا.
وجدد نتانياهو في تصريحاته التأكيد على أنه يريد تحقيق “النصر الكامل” ضد حماس. وقال: “كل من يريد أن يمنعنا من تنفيذ عملية في رفح فهو في الواقع يقول لنا أن نخسر الحرب. وأنا لن أرضخ لذلك”.
ومع تزايد التلويح بهجوم بري على رفح، لم تذكر إسرائيل أين أو كيف سيتم إجلاء المدنيين الذين تكتظ بهم المدينة. وعبرت مصر عن رفضها أي “تهجير قسري” للفلسطينيين نحو أراضيها.
المصدر: الحرة نت