قيصر هو الأسم المستعار لمصور من أفراد الشرطة العسكرية بدمشق. تمّ تكليفه مع انطلاقة الإحتجاجات السلمية ضد نظام الأسد بالذهاب إلى المشافي العسكرية لتصوير جثث المعتقلين المحالين إليها من اللذين تم قتلهم تجويعا وتعذيبا حتى الموت في سجون النظام وأفرعه الأمنية بقصد التوثيق قبل ترحيلهم إلى مقابر جماعية.
جمع قيصر وخلال سنتين تقريبا 55 ألف صورة ل 11 ألف ضحية بينهم الآلاف من النساء والأطفال وكبار السن . وكان يرسل هذه الصور تباعا لصديقه سامي (وهو اسم مستعار) ايضا لحفظها تحوّطا وخوفا من فقدانها , إلى إن قرر الإنشقاق عن نظام الأسد بالتنسيق مع سامي وغادرسورية في شهر آب لعام 2013 ومعه هذا الكم من الصور والوثائق .
وصل قيصر للولايات المتحدة الأمريكية بمساعدة بعض افراد الجالية السورية هناك , وأدلى بشهادته أمام الكونجرس بتاريخ 31 تموز لعام 2014 .وتم عرض الصور أمام مجلس الشيوخ وكانت آثار التعذيب والتوحش البادي عليها صادما .
طالبت هيمون رايس بالتحقيق فيها , وأصدرت تقريرها في كانون الأول لعام 2015 عرضت فيه تلك الأدلة في متحف الهولوكست بالولايات المتحدة تحت عنوان (إذا كان الموتى يستطيعون الكلام )
وجرى فحص الصور وتحليلها في مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي والتحقق من صحتها.
وسبّب عرضها ومشاهدتها صدمة كبيرة للعالم أجمع بعد مشاهدته مدى التوحّش الواقع عليها من فقئ للعيون وتقطيع للأطراف وتكسيرر للعظام . والمآساة الكبرى كانت عند أهالي الضحايا الذين تعرّفوا على جثث ابنائهم بعد إن كان الأمل يحدوهم بأنهم لايزالون أحياء
وينتظرون الإفراج عنهم من معتقلات النظام .
تمت بعد ذلك الصياغة الأولى لمشروع القانون. لكن الرئيس الأسبق باراك اوباما جمّد حراكه تحت ذريعة (إن صدوره يعطّل الجهود الرامية لإنهاء الصراع في سورية ).
في العام 2017 تمّ تمريره لأول مرة من مجلس النواب , لكنه تعطّل في مجلس الشيوخ. وجرت أكثر من محاولة في هذا الصدد حتى تكللت بالنجاح بعد ربطه بميزانية وزارة الدفاع في 11 ديسمبر لعام 2019 , وأقره مجلس الشيوخ بتاريخ 17 ديسمبر , وصدقه الرئيس ترامب في ال20 منه على أن يدخل حيّز النفاذ بعد ستة أشهر من إقراره .
أهم مايميّز القانون .
- مرجعيته . هو قانون داخلي أمريكي صدر في السياقات الطبيعية لاستصدارالقوانين المحلية , وهذا يعني امتلاكه آليات مراقبة ومتابعة تنفيذ نصوصه عبر المؤسسات المعنية وذات الصلاحية أصولا.بعكس قرارات مجلس الأمن التي تصدر بدون أنياب وتحتاج حين تطبيقها جزء اوكلا إلى إعادة توافق وتوحّد إرادات ومصالح الدول دائمي العضوية بمجلس على كلّ تفصيل فيها , وغالبا لايحدث ذلك إلّا نادرا . لذلك نلاحظ بأن عشرات القرارات بل مئات منها حبيسة الورق الذي كُتبت عليه .
- صدوره . صدر بإجماع أصوات الحزبين الجمهوري والديمقراطي ب 86 صوتا مقابل 8 اصوات عارضته . ما يجعله لايتأثر كثيرا بتبدّل الإدارات الأمريكية على الحكم والسلطة .
- مطرحه . يستهدف هذا القانون .
- رموز نظام الأسد وشركائه وداعمي آلته العسكرية والأمنية التي تواصل وللسنة العاشرة على التوالي أعمال القتل والتدمير . وارتكاب مختلف أنواع الجرائم الموصوفة والواقعة على سورية والسوريين .وتجفيف منابع تغذيتها .
- يتيح هذا القانون للرئيس الأمريكي فرض العقوبات ضد الأشخاص او الكيانات المشاركة بأعمال القتل في سورية سواء كانوا فاعلين أو شركاء او متدخلين أو داعمين . بالإضافة للدول والكيانات والأشخاص التي تقوم بتمويلهم . أو تقدم الخدمات المختلفة لهم في مجال الدفاع أو المعلومات ذات الطابع العسكري .وهذا يطال الكيانات الروسية والإيرانية ووكلائهم من مقاولين عسكريين ورجال اعمال ومنتجي أسلحة وقيادات عسكرية ومليشيات .
- رأس النظام بشخصه وحاشيته العائلية ومختلف أركان حكمه من نواب ووزراء ومحافظين , ورؤساء الفرق العسكرية , والأفرع الأمنية وأجهزة الإستخبارات , ومدراء السجون ومركز الدراسات والبحوث العلمية , والبنك المركزي في حال ثبوت قيامه بغسل الأموال .
- قطاع الطاقة والنفط والإتصالات والطيران التي تساهم في تغذية واستمرار الحملة العسكرية لنظام الأسد. وعلى أي شركة مهما كانت عائديتها او جنسيتها , أو أي كيان, أو اوشخص يستثمرفيها . او يزوّد الخطوط الجوية بقطع غيار او صيانة .
- على أي شركة أو كيان اوشخص يشارك في مشاريع إعادة الإعمار حيث عوّل نظام الأسد على ذلك . وأصدر بعض التشريعات والقوانين بهذا االخصوص وأهمها القانون رقم ( 10)الذي يخوّل مجالس المحافظات إعداد المخططات الهندسية لإعادة إعمار بعض المناطق. وقد تم فعلا وعلى سبيل المثال في القصير ومناطق عدة في ريف دمشق. وأخطر مافي هذا القانون إعطاء الحق لهذه المجالس بتملّك حصصا في أملاك السوريين من الذين نزحوا وهاجروا قهرا خارج سورية بفعل الملاحقة أوهروبا من الموت ولو لم يوافقوا على ذلك . بمعنى آخر نزع ومصادرة أملاك معارضيه والإستيلاء عليها .
قانون قيصر عطّل مشروع إعادة الإعمار لنظام الأسد وداعميه , ومن عوّل عليه قبل سقوطه أو دخوله في العملية السياسية والإيفاء باستحقاقاتها ومتطلباتها.
- ما يستثني القانون من عقوباته .
- المساعدات الإنسانية ,والأدوية ومستلزماتها وجميع المنظمات غير الحكومية التي تعمل على تأمينها وإدخالها لتصل إلى السوريين .
- مما يفيد بأن هذا القانون لايستهدف الشعب السوري . وإنّما نظام الأسد وبنيته العسكرية والأمنية والإقتصادية . وعلى سبيل المثال وبحسب توثيقات الأمم المتحدة دخل الى سورية مساعدات انسانية وطبية منذ بداية الأحداث في العام 2011 الى عام 2019 أكثر من 30 مليار دولار . منها 10 ملايين من الولايات المتحدة لوحدها . استولى النظام على أكثر من 95% منها لأنها كانت تصل عبره ومن خلاله كونه ومع الأسف لازال الإعتراف القانوني به دوليا قائم , ولا زالت عضويته كاملة في الأمم المتحدة . ووزع هذه المساعدات على اتباعه وميلشياته , ولم يصل اي شيئ منها للسوريين , لابل كان يحاصر المدن والبلدات , ويمنع وصول الغذاء والدواء إليها وفق سياسته التي أتبعها لإخضاع المناطق التي خرجت عن سلطته ( الجوع أو الركوع ).
فهذا القانون قد تم تصميمه بعناية ليستهدف المجرمين اللذين أرتكبوا الجرائم بحق السوريين , والكيانات والأشخاص اللذين شاركوا بأعمال القتل والجريمة , اوساعدوا على ارتكابها . أوقدّموا المساعدات أو المعلومات الداعمة لاستمرارها . كما يستهدف تفكيك آلة القتل والدمار التي تفتك بالسوريين وتهدم مدنهم للسنة العاشرة على التوالي لتجفيف منابعها . وقطع الأقنية التي تغذيها وتصب فيها . وتؤمن لها استمرار عملها .
غير إنه ترك الباب مفتوحا أمام نظام الأسد إذا أراد تفادي تلك العقوبات , واشترط لذلك أن يستوفي المعايير التالية (قسم 7431)
- الشروط المطلوبة لوقف تنفيذ هذا القانون .
- وقف النظام وروسيا استخدامهما للمجال الجوي فوق سورية واستهداف المدن والبلدات والمشافي والمدارس والمرافق الطبية والمناطق السكنية والأسواق .
- اطلاق سراح المعتقلين, والسماح للمنظمات االدولية لحقوق الإنسان بالوصول الى مراكز الإحتجازومعاينتها .
- فك الحصارعن المناطق المحاصرة من قبل النظام او روسيا أو ايران ووصول المساعدات إليها. بانتظام .
- تأمين العودة الطوعية والإمنة والكريمة للنازحين والمهجّرين .
- محاسبة مرتكبي الجرائم في سورية , وتحقيق العدالة للضحايا.
- التزام الحكومة السورية باتفاقية جنيف لعام 1992 والخاصة بحضر استخدام وتخزين واستعمال الأسلحة الكيماوية .
كل هذه الشروط هي لصالح الشعب السوري . ونظام الأسد مُطالب بالإيفاء بها منذ العام 2012 .
لكنه لم يفعل واستمر بخياره العسكري .
وتنسجم أيضا مع متطلبات قراري مجلس الأمن 2254 و2118 . لكنه لم يستجب لذلك وعطّل مسار العملية السياسية . واستمر في مراهنته على الحسم العسكري . وكان بإمكانه تفادي هذه العقوبات لو كان فعلا حريصا على الشعب السوري كما يدعي لكان قام بالوفاء بمتطلبات هذا القانون خلال ال6 أشهر السابقة التي اًعطيت له كمهلة لاستيفاء هذه المعايير التي ذكرنا أعلاه لتحاشي تطبيقه . لكنه لم يفعل .
أما فقدان المحروقات والمواد والإحتياجات المعيشية من الأسواق وتراجع القوة الشرائية لليرة السورية التي جعلت أكثر من 85 % من الشعب السوري تحت خط الفقر وملايين الأسر السورية تعاني الجوع فعلا وهي عاجزة عن تأمين الحد الأدنى من متطلبات العيش . هذا الإنهيارالعام لم يبدأ مع قانون قيصر وإنّما هو نتيجة تراكمية لتسخيره لكل موارد الدولة لتغذية حربه المجنونة على السوريين . إن تذخير طائرة لطلعة واحدة بمهمة قذف حمم الموت والبراميل المتفجرة على السوريين , تكفي لسد حاجة أسرة كاملة من الوقود والتدفئة لمدة عام كامل.فمن يحمل مسؤلية ذلك الإنهيار هو من دمّر المدن والمنشآت الإقتصادية والبننى التحتية ببراميله المتفجّرة . ومن أحرق الحقول وقتل الناس تحت التعذيب والجوع .
- المخاوف من عدم جدية الإدارة الأمريكية بتطبيق نصوصه ودخوله بزارات المساومات والإبتزاز السياسي.
- بالرغم من إن غالبية السوريين ينظرون لهذا القانون بعين الإرتياح إلّا إن الغالبية ينتظرون الكيفية والمصداقية التي سترافق تطبيقه .فالعبرة بالتطبيق والحكم على النتائج .
- تأخر إقرار القانون
أكثر من خمس سنوات بعد استماع الكونجرس لشهادة قيصر والتأكد من صحة الصور ومصداقيتها . ورغم إن غالبية اعضاء مجلس الشيوخ آنذك وصفوها بأنها الأفضع منذ معسكرات الإبادة النازية . ورغم ذلك لم تبذل الولايات المتحدة أي جهد لدفع النظام للإفراج عن المعتقلين اللذين لازالوا في سجونه لإنقاذ حياتهم وجميعهم مشاريع شهداء في معتقلاته وسجونه. رغم إنها قادرة على ذلك ولم تفعل . وهذا يثير مخاوف السوريين بعدم الجدية في تطبيقه ,ومن دخوله سوق البازارات السياسية ولعبة المصالح .
- مواد القانون تٌعطي هامشا من المرونة للرئيس الأمريكي في إلغاء العقوبات أو وقفها على أساس كلّ حالة على حدى استنادا لقاعدة البيانات والمعلومات المتعلقة بالكيانات المشمولة به أو التي يطالها القانون بعقوباته . مما قد يسمح التباطئ في إعدادها الى تمييع تطبيق القانون وتخفيف آثاره .
- القلق من القرارات المتسرعة للرئيس الأمريكي ترامب بالإنسحاب من سورية وهذا إن حدث سيضعف القانون ويحدّ من فعّاليته .
- القانون يعطي الرئيس الأمريكي الحق في تعليقه العقوبات في هذا القانون جزئيا أو كليا دون أن يتطلب ذلك الوفاء بكافة الإلتزامات المشروطة به .
- رؤية القانون من خلال مشهد الصراع في المنطقة وتداخلاته مع الحدث السوري
قراءة اللوحة الدولية والإقليمية وتقاطعاتها في المنطقة . وزيادة الحضور الأمريكي الفاعل في ضبط مسارات المشهد السوري . والتصعيد الأمريكي بمواجهة وكبح جماح إيران وميلشياتها ودورها المقوّض لاستقرار المنطقة . ومحاولة تقليص نفوذها وتغوّلها في سورية والعراق ولبنان . وضيق هامش المناورة للروس بعد صدور القانون . وخذلان الأسد لهم وعدم استجابته لضغوطهم بتسيير المسار السياسي ولو بحدوده الدنيا بدعم وتشجيع من إيران . وإيفاء لتعهداتها الدولية وأمام الأطراف المتنفذة بالملف السوري بتنسيق المواقف مع الجانب التركي .والإنفكاك عن إيران والعمل على تقليص نفوذها في سورية . ومصلحتها باستعجال تحريك العملية السياسية بعد فشلها في خطف الملف السوري والإستفراد به وبرسم نهاياته . لكن قانون قيصر أغلق أمامها الباب على أي مقاربات جديدة في هذا السياق. ولخوفها الغرق بالوحل السوري . ومن تكرار سيناريو إفغانستان . بدأت تتقارب وتنحاز لوجهة النظر الأمريكية في مقاربة الملف السوري .
يأتي كل هذا أيضا بموازة إدانة نظام الأسد . ولأول مرة بتقريرمنظمة حضر الأسلحة الكيماوية الصادر في 8 نيسان لعام 2020 م . يدين نظام الأسد باستخدامه السلاح الكيماوي بقنابل أسقطتها طائراته من الجو على اللطامنة بريف حماه لثلاث مرات على الأقل في الثلث الأخير من شهر آذار لعام 2017 مما يعتبر ذلك إقرارا دوليا بصحة مانُسب له . فكان متهما قبل صدور التقرير لشبهة الإستخدام .ما يمكّنه من الإنكار . ويمكّن حلفائه من الدفاع عنه لعدم الثبوت . والآن وبعد صدوره أصبح مُدان كون التحقيق تم بتكليف من الأمم المتحدة . مما يكون هذا التقرير والحال ماذكر وثيقة إدانة ثابة .وبمثابة حكم قضائي يؤكّد كل ماجاء فيها . رغم استخدامه السلاح الكيماوي قبل ذلك وبعدها أي منذ عام 2011 أكثر من ثلاثمائة مرة وطلعة جوية في مختلف الجغرافية السورية مستهدفا المناطق السكنية والمدنيين داخل المدن والبلدات والتجمعات البشرية المكتظة بالسكان . فمن يقتل المعتقلين العزّل في سجونه تحت التعذيب . ويقصف شعبه بالسلاح الكيماوي , يكون قد تجاوز كل الإعتبارات والمعايير الإنسانية والأخلاقية والقانونية . وفي تحدّ صارخ ووقح للمجتمع الدولي .فمثله لم يعد يصلح للحكم ولو ليوم واحد . ولاتستطيع أي قوة أو دولة في العالم إعادة تأهيله من جديد في مستقبل سورية .فأصبح استمراره في خطف سورية وعلى رأس السلطة هو وصمة عار في جبين العالم الذي يدعي التحظر والإنسانية . فمكانه وأركان نظامه أمام محكمة الجنايات الدولية . وعلى مزابل التاريخ .كل هذا يعطي مؤشرات على جدية الولايات المتحدة في تطبيق القانون للوصول لغاياته وأهدافه التي استدعت وجوده .
8 -النتائج السياسية التي قد تترتب في حال تم تطبيق القانون .
- يحاصر نظام الأسد إقتصاديا وسياسيا ويعزله عن المجتمع الدولي جاعلا منه بؤرة أمراض فيروسية معدية. فكل من يقترب منه ويتعامل معه ستطاله العدوى بعقوبات قيصر.
- يحبط المحاولات الروسية لإعادة الإعمار وعودة اللاجئين قبل الدخول في العملية السياسية . ويحول دون الإستثمار السياسي لماحققوه على الأرض عسكريا .ويجهض مشروعهم بتحويل سورية لمستعمرة روسية .
- يحول دون إعادة تأهيل الأسد في السلطة .
- يفكك منظومة الدعم العسكري والسياسي والإقتصادي للنظام .
- سيدفع الروس لمقاربة جديدة للمشهد السوري . بعد فشل كل محاولاتهم بالتفرّد بالملف السوري ومخرجاته .
- سيضعف ويحجّم إيران وأذرعها السرطانية ودورها العدواني المدمّر والأخطر على سورية والمقوّض لأمن كامل المنطقة واستقرارها .وخاصة بأن القانون يترافق مع تصاعد الإحتجاجات الشعبية في العراق ولبنان رفضا للوجود الإيراني وتنديدا به
- سيدفع الروس للضغط على النظام للدخول بالعملية السياسية وفق متطلبات جنيف والقرار 2254 . وهذه العملية مهما كان شكلها وسقفها ستخرج نظام الأسد نهائيا من مستقبل سورية.