ولد الفكر القومي العربي مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كرد على محاولات التتريك الذي تبنته جماعة الاتحاد والترقي بعد تسلمها السلطة عام 1909 وعزل السلطان عبد الحميد الثاني.
وقبل ذلك نشأت في لبنان مع احتكاكه المبكر بالثقافة الغربية نهضة فكرية وثقافية أحيت الثقافة العربية بالأدب والشعر والتراجم والقواميس اللغوية في مسعى لإبراز هوية مختلفة عن الهوية العثمانية، فوضعت بذلك الأسس الفكرية – الثقافية للقومية العربية السياسية.
وبينما شهد لبنان ولادة النهضة الفكرية الثقافية العربية شهدت إستانبول ولادة القومية العربية السياسية عبر الجمعيات العربية التي لم تكن سوى أحزاب سياسية مقنعة كما كانت حال التعبيرات السياسية العثمانية، فمقابل جمعية “تركيا الفتاة ” نشأت جمعية العربية الفتاة وجمعية العهد وجمعية المنتدى الأدبي وجمعية الإخاء العربي وكلها نشأت في إستانبول، لكن جمعية ” العربية الفتاة ” انتقلت سريعا ليصبح مقرها في باريس قبل أن ينزاح ثانية إلى دمشق بصورة نهائية.
ومقابل جمعيات إستانبول العربية وعلى نسقها نشأت جمعية اللامركزية في مصر وجمعية الاصلاح في بيروت.
حملت تلك الجمعيات مهمة تحويل الثقافة العربية والمشاعر التي استفزها التعصب القومي التركي إلى رؤية سياسية قومية عربية كانت البذرة للفكر القومي العربي. لكنها كانت تشعر باستمرار بالعجز عن تجسيد أهدافها في الواقع السياسي للدولة العثمانية.
وحين جاءتها الفرصة أو كما اعتقدت في ذلك الوقت لاستثمار ظروف الحرب العالمية الأولى وكذلك ثورة الشريف حسين في الحجاز والتي لم تكن في واقعها سوى محاولة تمرد محدودة سقفها استقلال الحجاز والفوز بتحويل شرافة مكة التي لم تكن سوى إمارة تحت حكم الدولة العثمانية إلى دولة – مملكة للشريف حسين مستقلة عن الدولة العثمانية بمساعدة بريطانيا.
أما الحديث عن دولة عربية كبرى فقد كان أقل من مشروع سياسي حقيقي وأكثر قليلا من الحلم بغض النظر عن مراسلات حسين – مكماهون والتي كانت لا تزيد عن مناورة بريطانية مكشوفة لتوريط الشريف حسين في مساعدة الجهد العسكري البريطاني واتخاذه واجهة عربية اسلامية أمام الجيوش البريطانية الزاحفة لاحتلال المشرق العربي.
بفعل قصر نظر الحركات القومية العربية في سورية ورغبتها الملحة في التخلص من الحكم العثماني ومحدودية الخيارات المتاحة وقعت الحركات القومية العربية والتي مثلت جمعية العربية الفتاة أقوى وجود تنظيمي سياسي لها وأكثره فعالية، والتي تحولت لاحقا إلى حزب الاستقلال العربي زمن العهد الفيصلي أو لنقل فضلت الجمعية إنشاء ذلك الحزب كواجهة سياسية واسعة للعمل الجماهيري بينما أبقت على لجنتها الادارية بعيدة عن الظهور العلني إلى حد كبير. أقول وقعت تلك الحركات فريسة سهلة للمخططات البريطانية بعيدة المدى للمشرق العربي.
على أية حال فنحن نجد باستمرار عند تلك الحركات محاولة التمرد على الفخ البريطاني، واستعادة المبادرة في إنشاء كيان عربي بدءا بسورية الطبيعية والعراق إن أمكن.
وبلا شك فقد نجحت تلك الحركات في اكتساح الشارع السياسي في سورية خاصة في دمشق على حساب الأرستقراطية السورية التقليدية التي خرجت مترهلة من عباءة الدولة العثمانية ووصفت با” الشيوخ ” وقال عنها فيصل الذي كان يرغب في أن تقدم له الدعم السياسي الضروري لانتهاج سياسة أكثر مهادنة للغرب وأقرب للقبول بسايكس بيكو مع بعض التعديلات إن أمكن: ” هؤلاء الشيوخ لا نفع منهم “.
المصدر: صفحة معقل زهور عدي
قراءة بحثية موضوعية لتحول أو تمرحل الفكر القومي بالعهد الفيصلي في سورية ، إعتماداً على إن الفكر القومي العروبي جاء كرد على سياسة التريك الطوراني مع نهاية الحرب العالمية الأولى ، لتكون مع بداية العهد الفيصلي الحديث عن الدولة العربية الكبرى أقل من مشروع سياسي حقيقي وأكثر قليلا من الحلم والتمرد على الفخ البريطاني بالتقسيم.