شكلت المراحل التاريخية للاستعمار الغربى الأسوأ فى استغلال ونهب ثروات الشعوب والجماعات المستعمرة التى خضعت للاحتلال في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وغيرها من مجموعات الجزر الأخرى. ارتبط الاستغلال الاقتصادى، بممارسات القهر والاستعباد، والقتل، والسجن، والاعتقالات، والنفي لكل جهود مقاومة المستعمر الوحشي، التي وصلت بعضها إلى محاولة افناء إسكان الأصليين، في عديد الحالات مثل الولايات المتحدة الأمريكية، واستراليا، وغيرها. من هنا يشكل التاريخ الأستعمارى، الأسوأ في تاريخ عالمنا ومن ثم شكل ذاكرة أجيال وراء أخرى فى هذه البلدان، وعلى نحو يناقض كل دعاوى، وقيم الحداثة الغربية الأخلاقية ، والإنسانية حول المساواة، والعدالة، والحرية، والأخوة ، ومرجعياتها الفلسفية والسياسة، ومعها التنوير!
كان الاستغلال، ونهب ثروات الشعوب المستعمرة، جزءًا من عمليات تشكل الرأسماليات الغربية، وصراعاتها من أجل تعظيم، ونقل الفوائض الرأسمالية إلى المركز الكولونيالى فى أوروبا –بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا والبرتغال الخ – الذى ساهم فى تطور اقتصادياتها، وفى تسريع عمليات التصنيع التى أدت إلى تحولات نوعية فى نسيج هذه البلدان الكولونيالية، فى نظمها السياسية والاقتصادية الرأسمالية، وهياكلها الاجتماعية، والطبقية، والثقافية، التى أدت إلى إنتاج الفردانية، والفرد كفاعل اجتماعي وسياسي ، والنظام الليبرالى، ومعه التعددية السياسية، والتنافس، حول المصالح الاجتماعية المتصارعة، ونشأة الطبقة العاملة مع تطورات التصنيع.
من فوائض النهب الاستعمارى، اتسعت القواعد الاجتماعية للتعليم، وحركة البحث العلمى، والتطور التكنولوجى، ومعها الإنتاج فى العلوم الاجتماعية، ونظرياتها، المدارس الفلسفية ، وأنظمتها القانونية، والصحف، ثم وسائل الإعلام المختلفة. بعض من هذه التطورات هى نتاج لتوظيف جزءً من تراكم فوائض النهب، والاستغلال للمجتمعات المستعمرة.
كانت مقاومة المستعمر الغربى الوجه المقابل للاستغلال والاستعباد والقهر للسياسات الكولونيالية- الحكم غير المباشر البريطانى ، والحكم المباشر الغربى.. إلخ-، واعتمدت ثقافة وسياسة المقاومة بعديد المرجعيات لدى بعض الشعوب والجماعات المستعمرة فى عالمنا، بعضها تشكل من داخل التكوينات الاجتماعية التقليدية –ثقافة القبيلة ، والعائلة الممتدة، والجماعات العرقية والدينية الوضعية-، وفى التمسك بذاكرتها الشفاهية النقلية والمكتوبة ، وثقافاتها الموروثة ، وطقوسها، وأساطيرها وسردياتها الاجتماعية ” الشعبية “، ونظامها فى المأكل والمشرب والملبس، وفى أحياء ذاكرتها الجماعية، وسردياتها الشفوية، لبناء تماسكها الجمعى وتعاضدها في مواجه استعلاء المستعمر الغربى، وممارساته المتغطرسة، وطقوس الاستعلاء بالقوة الغاشمة، والوحشية والسلوك إزاء الجماعة/ الجماعات المستعمرة.
مع بعض التغير، والتعليم التقليدي الديني والحديث الغربي ، تبنى بعض أبناء الجماعات المستعمرة، بعض من الأفكار الغربية، حول قيم الحرية والكرامة، والمساواة، والعدالة، والأخوة الإنسانية، سبيلًا للمقاومة مع بعض الوشائج بينه وبين ثقافة الجماعة/ الجماعات المستعمرة، حول الخصوصية الثقافية والدينية والعرقية، والتميز، والتركيز على فظائع الممارسات الاستعمارية فى بلدانهم. بعض هؤلاء القادة التاريخيين المقاومين للاستعمار، وظفوا خطاب الحرية والاستقلال الوطنى مع تشكيل حركات المقاومة المسلحة، والمدنية, بعضهم الآخر –مع التعليم فى الغرب- كانوا جزءًا من بعض تشكيلات البرلمان فى إطار نموذج الحكم الفرنسى المباشر، مثل ليبولد سنغور اثناء الكلونيالية الفرنسية للسنغال ، وكان ذلك يعطيهم المجال لطرح خطاب الاستقلال لبلدانهم، ولأفريقيا الفرنسية جنوب الصحراء ، بعضهم الآخر طرح خطابًا مضادًا للخطاب الاستعمارى حول تاريخ البلدان المستعمرة مثل شيخ انتاديوب فى السنغال.
فى البلدان العربية المحتلة ، كانت ثقافة المقاومة وحركات التحرر والاستقلال الوطنى، تعتمد على خطاب للمقاومة والاستقلال والحرية متعدد المصادر المرجعية، وذلك على النحو التالى:
1- خطاب النخب الدينية التقليدية، من مشايخ الأزهر فى مصر –على سبيل المثال- الذى يعتمد على السرديات الدينية التاريخية حول الإسلام، حول النص المقدس القرآن – تعالي وتنًزه – ، والسنة النبوية الشريفة، والمتون الفقهية التأسيسية ، شحذا للهمم، والكبرياء الدينى، والتغاير مع ديانة وثقافة المستعمر منذ الحملة الفرنسية، والغزو الاستعمارى البريطانى بعد ذلك! من هنا كان أحد الأدوار التاريخية للإسلام، والأزهر ومشايخه هو التصدى للاستعمار، ودعم الحركة الوطنية فى بُعدها الدينى، والتماسك الاجتماعى، ورفض مظاهر التغريب.
2- خطاب النخب المتعلمة والمثقفة والسياسية التى وظفت التاريخ المصرى، والخصوصية الثقافية، والقيم السياسية الغربية فى المطالبة بالاستقلال، والدستور معًا، فى إطار تطور الحركة القومية.
3- الانتفاضات الوطنية الكبرى المتعددة، من حركة العرابيين إلى قيامه 1919 المجيدة، التى رفعت مطلب الاستقلال والدستور معًا في إطار الوحدةالوطنية .
4- توظيف البرلمان، فى طرح خطاب الاستقلال، واحترام الدستور ضد الملك، والمستعمر البريطانى، وأيضا فى المفاوضات من اجل الاستقلال.
فى بعض الحالات العربية الأخرى، كانت ثقافة المقاومة ضد المستعمر من خلال العمل المسلح، والثقافة والقيم والعقيدة الإسلامية على نحو ما تم فى إطار الحركة الوطنية الجزائرية. كان خطاب الحرية، والاستقلال مندمجان، فى اطار حركات التحرر من الكولونيالية الغربية، وكانت الخصوصيات الثقافية جزءًا من نسيج بعض خطاب الحرية والاستقلال الوطني .
لا شك أن زرع الكولونيالية الإسرائيلية الصهيونية الاستيطانية فى فلسطين، من خلال الكولونيالية البريطانية اعتمد على الأيديولوجيا الصهيونية، واحد مصادرها الديانة اليهودية، وتجميع يهود أوروبا، والعالم- ومن المنطقة العربية ، اعتمد على وحدة الديانة الجامعة لكل هذا الشتات ذو الأصول العرقية الإشكنازية، والسفاردية ، فى فلسطين، وعلى القوة المسلحة، ودعم لا حدود له، من الدول الأوروبية، والولايات المتحدة، وتوظيف التطهير العرقى لليهود، في تبرير وتسويغ تأسيس الدولة الإسرائيلية فى فلسطين.
اعتمد إنشاء الدولة والمجتمع – ذو المصادر العرقية والقومية المتعددة- على غطرسة القوة، والتطهير العرقى، والتهجير القسرى، والقتل الممنهج للفلسطينيين، والعقاب والحصار الجماعى، وشن الحروب على الدول الغربية، منذ إنشاء الدولة واحتلال أراضى عربية، منذ عدوان 5 يونيو 1967، ثم تحرير بعض هذه الأراضى بعد حرب 1973.
السياسة الإسرائيلية الاستيطانية، اعتمدت على الدعم الأمريكى والأوروبى، فى رفض قرارات الشرعية الدولية –القرار 242 والقرارات ذات الصلة-، والأخطر استمرار سياسة الإستيطان، فى الضفة الغربية، والحصار والعقاب الجماعى لقطاع غزة، وسياسة الاغتيالات لقادة المقاومة، والضربات العسكرية المتتالية، التى تدمر الحجر وتقتل البشر من المدنيين العزل!
فى إطار الحرب الإسرائيلية على القطاع، والاعتقالات والقتل والتدمير فى الضفة الغربية، الممنهجة، تطرح مسألة الدفاع الشرعى لإسرائيل فى مواجهة المقاومة، على أساس أن هناك سلطة فلسطينية على الضفة الغربية، وجماعات المقاومة فى القطاع، فى إطار الحكم الذاتى الانتقالى فى أعقاب اتفاقية أوسلو، ويتناسي خطاب الدفاع الشرعى – من المنظور الإسرائيلي والأمريكي والغربي – أن الحكم الذاتى لا يعنى نهاية الاحتلال الإسرائيلي، والكولونيالية الاستيطانية، والحصار والعقاب الجماعى للقطاع وإعاقة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة – وخاصة اليمينية والأئتلافات مع اليمين الديني المتطرف في الحكومة الحالية – التفاوض من اجل الحل النهائي ، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ، ومن ثم المقاومة المسلحة من أجل التحرر والاستقلال الوطنى عمل مشروع أساسًا.
بعضهم صهيونيا، وغربيا وعربيا يعتبرون أن الأيديولوجيا الإسلامية للمقاومة ضد الاحتلال وسياسة الحصار البري والبحري والجوي والأغتيالات ، والعقاب الجماعي ، هي جماعتين ارهابيتين ! ويتناسى أن إسرائيل، والصهيونية والدولة الإسرائيلية، تعتمد على وحدة الديانة اليهودية –لاعراق متعددة الأعراق -، وإنها مصدر هوية جماعية للشعب الإسرائيلي وتشكل مكونا رئيسا من خطاب القادة الإسرائيليين والأحزاب السياسية علي نحو ما هيمن مؤخرا في توظيف النصوص التوراتية السبعينية في خطابهم ، وذلك على الرغم من النظام السياسى الليبرالى على النمط الغربى، وأن وحدة الديانة، يرتكز عليها أطياف الأحزاب السياسية وخاصة اليمين الدينى العنصرى الداعم للتطهير العنصري والابادة الجماعية ، والدعم المسيحى الصهيونى فى الولايات المتحدة الامريكية للحرب !. يعتمد هذا الخطاب على الدين اليهودى سندًا لشرعنة أساطيره الدينية التأويلية التاريخية حول أرض تاريخية متوهمة في فلسطين، ورفض حل الدولتين، ودعم سياسة الاستيطان، وخروج الدولة الإسرائيلية، والنظام السياسى، والجيش على القانون الدولى العام، وقانون الحرب، والدولي الانسانى، كما فى الحرب الحالية على قطاع غزة.
يتناسى بعض هؤلاء أن الإسلام –والمسيحية الشرقية- هما مرجعية تاريخية لثقافة المقاومة، وحركات الاستقلال الوطنى العربية، وان هناك فارق بين حماس كسلطة حكم ذات إيديولوجيا دينية فى القطاع، وأساس شرعيتها الانتخابات، ويمكن رفضها ومعارضتها سياسيا وإيديولوجيا، وبين حماس كحركة مقاومة للحصار والتهجير القسري، والعقاب الجماعى، والإبادة الجماعية، ومن ثم لها شرعية قانونية، وسياسية، وسند اجتماعى وشعبى واسع فى القطاع.
المصدر: الأهرام
عمليات الرأسماليات الغربية قامت باستغلال ونهب ثروات الشعوب المستعمرة، ونقلت الفوائض الرأسمالية إلى المركز الكولونيالى فى أوروبا ليساهم فى تطور اقتصادياتها، ومقاومة المستعمر الغربى كانت للاستغلال والاستعباد والقهر للسياسات الكولونيالية وثقافة وسياسة المقاومة اعتمدت مرجعيات عديدة ومنها الديني ، ولكن للأسف أصبحت الأيديولوجيا الإسلامية للمقاومة ضد الاحتلال للبعض إرهاب متناسين أن إسرائيل تعتمد على وحدة الديانة اليهودية –لاعراق متعددة قراءة وتحليل دقيق .