ان يدعي قائد أركان جيش الاحتلال الصهيوني، هيرتسي هليفي، قبل أيام “أن الإسرائيليين يقاتلون في غزة “من أجل الدفاع عن النفس وحقهم في العيش بأمان، وان المقاومة الفلسطينية مجموعة من الارهابيين والمخربين والوحوش”، فهذا الادعاء يمكن فهمه. فالمتلبس بارتكاب جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، ينكر الجريمة المنسوبة اليه، ويصر على براءته منها. لكن ان يدعي حكام الردة العرب والموالون لهم والمرتزقة، بان المقاومة اعتدت على “الشعب الإسرائيلي الامن”، في عملية طوفان الأقصى، وان من حقه الدفاع عن النفس فهذه جريمة لا تغتفر.
ان هؤلاء الأشرار، بفعلتهم هذه، يبرئون ساحة الكيان، من تدمير غزة وارتكابه جريمة الإبادة الجماعية بحق أهلها، ويحملون المقاومة في غزة المسؤولية. في حين ادانت شعوب العالم قاطبة الكيان الصهيوني، بما فيها شعوب الدول التي تدعمه، في هذه الحرب على غزة، ومطالبته بوقف القتال فورا. بل ان دولا لا تربطها قومية او دين مع الشعب الفلسطيني، حملت الكيان الصهيوني جريمة الإبادة الجماعية، وقدمت احداها، جنوب افريقيا، طلبا الى محكمة العدل الدولية في لاهاي، لمحاكمة الكيان. وفعلا تم ذلك، بصرف النظر عن ما ستقرره المحكمة، وإمكانية التزام الكيان بتنفيذه.
ان “الحق في الدفاع عن النفس، الذي استند إليه الكيان بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة واضح تماما. إنه يخول الدولة لصد هجوم يأتي من دولة أخرى. وان “هناك تشريعاً لمحكمة العدل الدولية يؤكد على “إن الدفاع عن النفس، لا يمكن أن ينطبق في سياق الاحتلال العسكري، وفي هذه الحالة يحتل الكيان دولة أخرى وشعباً آخر”. اما الاعتراف الدولي بالكيان، وبوجوده عضوا في الأمم المتحدة، فقد حدث ذلك بسبب رغبة الدول الاستعمارية، وخاصة بريطانيا، التي احتلت فلسطين ودولا عربية أخرى، في الحرب العالمية الأولى، لأغراض استعمارية معروفة، وفرضته على العالم، هي والدول المنتصرة في الحرب. لكن ذلك لم يغير من الامر شيئا. فالاعتراف الدولي بالكيان الصهيوني، وقبوله كدولة في الأمم المتحدة، لا ينفي واقع الكيان، بوصفه محتلا لأرض فلسطين التاريخية، ومن حق الشعب الفلسطيني تحرير ارضه من دنس الاحتلال.
الأهم من ذلك، ان الاحتلال الصهيوني، لا يشبه أي احتلال من قبل اية دولة أخرى، فهو احتلال استيطاني لقيط لا أصول له، يتذرع بسرديات تخذلها الأرض وحفرياتها، ولا تحده فترة زمنية. أي ان هذا الكيان لم يكن دولة احتلت دولة أخرى، لتنسحب منها يوما، اما بقوة المقاومة المسلحة، او طواعية بعد تحقيق أهدافها، على خلاف الصهاينة الذين قدموا الى فلسطين، ليس كمحتلين ينسحبون منها بعد تحقيق أهدافهم، وانما جاءوا لتهجير الشعب الفلسطيني قسرا، وإقامة دولة مصطنعة لليهود، الذين يعيشون كجاليات في دول مختلفة من العالم، ومنها الدول العربية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فان الجيش الأمريكي احتل فيتنام وأفغانستان، واسحب منهما بالمقاومة المسلحة، والى حد ما من العراق، وفرنسا انسحبت من الجزائر وسوريا ولبنان. وكذلك بريطانيا وقبلها البرتغال وهولندا وكل الدول الاستعمارية.
وحتى إذا لم يواجه المحتل مقاومة، فانه يبدا بسحب قواته تدريجيا، ويكتفي أحيانا بإقامة قواعد عسكرية. كما لم يفكر المحتل، غير الصهاينة، في كل مراحله، بطرد او تهجير الشعوب التي تقع تحت الاحتلال. بعبارة أخرى، ان هذا الكيان احتلال استيطاني لإقامة وطن قومي لليهود، قائم على تهجير الفلسطينيين، أصحاب الأرض، وتشريدهم. وهذا ما حدث فعلا، حيث احتل الصهاينة فلسطين وهجروا شعبها قسرا، ليجعلوا منه اقلية او جالية مضطهدة. فليس غريبا ان يرفض الصهاينة، الذين كانت نسبتهم قبل الاحتلال 5%، تنفيذ اتفاق اوسلوا سيئ الذكر، الذي قام على أساس حل الدولتين. على الرغم من ان الاتفاق منح الصهاينة 78% من مساحة فلسطين مقابل 22%. لسكانها الأصليين.
لقد اكدت جميع الدراسات والمصادر، على ان الكيان الصهيوني كيان مصطنع. حيث بدأ التفكير في قيامه منذ أكثر من ثلاثة قرون، وتحديدا بعد حركة الإصلاح الديني، على يد مارتن لوثر في أوروبا، سنة 1517، وليس كما هو شائع، بعد وعد بلفور المشؤوم سنة 1917. حيث شرع أصحاب المذهب البروتستانتي الجديد، بترويج فكرة تقضي، بأن اليهود ليسوا جزءاً من دول الغرب وحضارتها، ويجب إيجاد وطن لهم في فلسطين. وقد رحبت بها الدول الاستعمارية، لزرع مثل هذا الكيان في الشرق الأوسط، لتحقيق الأطماع الاستعمارية الأوروبية، في تقسيم ممتلكات الرجل المريض، الدولة العثمانية. ومن بين هذه الدول بريطانيا الاستعمارية، وفرنسا في عهد نابليون بونابرت، الذي اقترح إنشاء دولة يهودية في فلسطين، أثناء حملته الشهيرة على مصر وسوريا. واشتدت حملة المطالبات للمشروع الاستيطاني اليهودي في فلسطين في القرن التاسع عشر. لتأخذ شكلها النهائي بعد ظهور الحركة الصهيونية، كحركة سياسية، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، التي سعت إلى السيطرة على الأراضي الفلسطينية، وفعلا حققت هذه الحركة الصهيونية أهدافها سنة 1948، حيث اقامت دولة على الجزء الأكبر من الأرض الفلسطينية، بعد تهجير شعبها، ليحل محله اليهود، الذين كانوا يعيشون كجاليات او اقلية، في انحاء مختلفة من دول العالم.
يؤكد العديد من المؤرخين هذه الحقيقة. فمثلا يذكر كتاب الدكتور محمد النحال، الصادر عام 1981، بعنوان “سياسة الانتداب البريطاني حول الأراضي العربية”، وكذلك الدكتور رياض العيلة في كتابه “تطور القضية الفلسطينية”، التاريخي والاجتماعي والسياسي، بان اول هجرة يهودية الى فلسطين بدأت بين سنة 1882 وسنة 1903، أي قبل وعد بلفور المشؤوم. حيث انتقل لفلسطين 25 ألف يهودي، والهجرة الثانية ما بين 1904 و1916، بلغ عددها 50 الفا. ليصل عدد اليهود في فلسطين، إلى نحو 85 ألف يهودي. وبلغت مساحة الأراضي التي امتلكوها آنذاك، إلى 418 ألف دونم، ونحو 44 مستعمرة زراعية. ثم الهجرة الثالثة، بين 1919 و1923، تجاوزت 35 ألف مهاجر يهودي، ثم الهجرة الرابعة لليهود في الفترة من 1924 الى 1932، وهي الهجرة التي تمت خلال فترة الانتداب البريطاني على الأراضي الفلسطينية، حيث توافد إلى فلسطين في هذه الموجة نحو 89 ألفا مهاجر يهودي، معظمهم من أبناء الطبقة الوسطى، خاصةً من بولندا، ووثق كما يذكر الكاتبان، المؤرخون أعداد اليهود خلال الهجرات الأربع، التي تمت. حيث وصل إجمالي عدد اليهود الذين انتقلوا إلى فلسطين، حوالي 175 ألفا، استوطن 136 ألف منهم في 19 مستوطنة مدنية. أما الباقون فقد انتشروا في نحو 110 مستوطنة زراعية، أو ما يطلق عليه بالعبرية “كيبوتس”. اما الهجرة الخامسة، التي بدأت من عام 1933 الى 1939، فقد بلغ عدد المهاجرين اليهود، الذين انتقلوا إلى فلسطين، نحو 215 ألفاً، جاء معظمهم من دول وسط أوروبا، التي انهكتها تداعيات وصول النازية إلى الحكم، فقد هاجر خلال هذه الفترة نحو 45 ألف مهاجر. وقد بلغت نسبة المهاجرين اليهود من ألمانيا إلى فلسطين سنة 1938 نحو 52% من المجموع العام لليهود المهاجرين.
وخلال الحرب العالمية الثانية، وصل إلى فلسطين نحو 55 ألف مهاجر يهودي بطرق غير شرعية، حيث كان الأسطول البريطاني مكلفا بإرشاد سفن المهاجرين اليهود، وامدادهم بالماء والتموين والوقود، وقيادتها إلى السواحل الفلسطينية. إلى جانب ذلك دخل الأراضي الفلسطينية من اليهود بين عامي 1940 و1948، نحو 120 ألف يهودي. ومع انتهاء فترة الانتداب البريطاني كان عدد اليهود قد وصل إلى 625 ألفاً، أي ما يقارب ثلث سكان فلسطين. واليوم وصل عدد الصهاينة في فلسطين المحتلة، تسعة ملايين و964 ألف نسمة. في حين ان عدد الفلسطينيين بلغ مليونين و400 ألف نسمة.
امام هذه الحقيقة، التي لم تتمكن دول الغرب من انكارها او تشويهها، وفي المقدمة منها بريطانيا، صاحبة وعد بلفور، والولايات المتحدة، الحاضن الأول لهذا الكيان، اكدت قوانين الأمم والاتفاقات الدولية، على ان الكيان الصهيوني، ليس من حقه استخدام القوة العسكرية ضد الشعب الفلسطيني، تحت ذريعة الدفاع عن نفسه، باعتباره كيانا محتلا. حيث ورد في قرار الأمم المتحدة الرقم 37/43 “تؤكد من جديد شرعية نضال الشعوب من أجل الاستقلال، والسلامة الإقليمية، والوحدة الوطنية والتحرر من الهيمنة الاستعمارية والأجنبية والاحتلال الأجنبي، بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك الكفاح المسلح”. فضلا عن ذلك قرار اخر، “تؤكد الأمم المتحدة من جديد، الحق المطلق للشعب الناميبي والشعب الفلسطيني، وجميع الشعوب التي ترزح تحت الهيمنة الأجنبية والاستعمارية في تقرير المصير، والاستقلال الوطني، والسلامة الإقليمية، والوحدة الوطنية والسيادة دون تدخل”. إضافة الى قرار اخر، صدر عام 1978، حددت فيه يوم 29 نوفمبر/ تشرين الثاني من كل سنة، يومًا عالميًّا للتضامن مع الشعب الفلسطيني. وإذا افترضنا جدلا، ان القانون الدولي لا يعالج مثل هذه المسالة. ترى اليس من حق أي شعب، ان يقاوم المحتل، الذي اغتصب ارضه بالقوة، إذا تعذر تحرير ارضه بوسائل سلمية؟
باختصار فان الكيان الصهيوني، كيان مصطنع، احتل ارض فلسطين وهجر أهلها، واستقدم اليهود من انحاء العالم اليها. وقد منحت الشرائع السماوية والوضعية، حق الشعب الفلسطيني بطرد المحتل، عن طريق المقاومة المسلحة دون غيره. فقد فشلت كل التنازلات المذلة، التي قدمتها منظمة التحرير، والتي تعترف فيها بالكيان الصهيوني، مقابل سلطة فلسطينية منزوعة السلاح والسيادة على مساحة 22 %. وهذه الحقيقة لم تعد قابلة للشك او التأويل.
المصدر: شبكة البصرة
إدعاء رئيس أركان قوات الاحتلال الصهيوني بأنهم “يقاتلون في غزة “من أجل الدفاع عن النفس وحقهم في العيش بأمان، وان المقاومة الفلسطينية مجموعة من الارهابيين والمخربين والوحوش” كلام نفاق ولعب بتوصيف المصطلحات ، استناداً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة الدفاع عن النفس يخول الدولة لصد هجوم يأتي من دولة أخرى وهذا لم يكن لأنها دولة محتلة ، قراءة دقيقة وموضوعية .