تصريحات الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة، مساء السبت الماضي والتي أكد عليها قائد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بقطاع غزة يحيى السنوار، حول استعداد الحركة لعقد صفقة تبادل شاملة بمبدأ “الكل مقابل الكل”- أثارت النقاش حول إمكانية إتمام صفقة تبادل للأسرى تتضمن وقفا لإطلاق النار، وعن الخيارات المطروحة أمام الجانبين لعقد صفقة وسط معركة شرسة.
ولم يتضح بعد إن كانت دولة الاحتلال معنية الآن بوقف النار مقابل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، خصوصا أن هذه الخطوة قد تحسب انتصار على أنها صريح لحماس، أو أن رئيس الوزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو والقادة العسكريين يمكن أن يضحوا بأسراهم، بناء على بروتوكول “هينبعل” (ويعني جندي قتيل أفضل من أسير) مقابل تسجيل انتصار على حماس وسحقها، وهو ما سيكون له تداعياته على الجبهة الداخلية لدولة الاحتلال.
لكن هذه الخطوة قد تشكل مخرجا لواشنطن لإعادة النظر في موقفها المتشدد من الحرب على غزة، خشية أن تقع في فخ صراع قد يطول في المنطقة ويستنزفها.
شكل الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال واحدة من أهم القضايا التي تؤكد حركة حماس أنها من الدوافع الرئيسية لإطلاق عملية “طوفان الأقصى” في السابع من الشهر الحالي، وبالنظر إلى نتائج هذه العملية فإن أحد أهم مخرجاتها العدد الكبير من دولة الاحتلال التي استطاعت المقاومة الفلسطينية السيطرة عليهم ونقلهم إلى قطاع غزة.
وشملت خريطة الأسرى والمحتجزين في يد المقاومة الفلسطينية تنوعا من الضباط والجنود بجيش الاحتلال وأجهزة الأمن، بالإضافة إلى مستوطنين يقطنون مستوطنات “غلاف غزة” بعضهم من النساء، ومحتجزون من جنسيات أخرى وجدوا في منطقة العمليات أثناء عملية “طوفان الأقصى”.
ونظرا لوجود عدد من الأسرى والمحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية من جنسيات أخرى بالإضافة إلى جنسية دولة الاحتلال، فقد شكلت القضية نقطة محورية في مواقف الأطراف الدولية، وأصبحت عنوانا من العناوين الرئيسية للمواجهة، حيث شكلت “قضية الرهائن” جزءا مركزيا من خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن وأركان إدارته في تعقيبهم على المواجهة في قطاع غزة.
ففي الأيام الأولى للمواجهة، قال بايدن إن أولويته عدم بقاء أي أميركي رهينة قيد الاحتجاز في أي مكان بالعالم، وقد وضعت واشنطن قضية المحتجزين لدى المقاومة أولوية لحواراتها مع الأطراف الإقليمية المعنية بالتواصل مع حركة حماس، كقطر ومصر وتركيا.
وهذه الأجواء حول مركزية قضية الأسرى والمحتجزين بالمشهد الدولي رافقها انعكاس كبير للقضية على البيئة الداخلية لدولة الاحتلال، التي وضعتها ومجلس حربها “تحرير الأسرى” كأحد أهداف الحرب على غزة. وأعلن رئيس الوزراء تعيين الجنرال المتقاعد غال هيرش مسؤولا عن ملف الأسرى والمفقودين في قطاع غزة.
وتضع هذه المقاربة حكومة نتنياهو أمام استحقاق التعامل مع ملف الأسرى، حيث تزداد الضغوط الداخلية عليها لإتمام صفقة تبادل مع المقاومة، إلا أنه ومجلس الحرب يدركان أن هذا يعد مشهدا من مشاهد “النصر” الذي تسعى إليه حماس والمقاومة الفلسطينية، لذا يحاول المناورة في الاستجابة للضغوط، والاستعاضة عنها بممارسة ضغط على المقاومة والحاضنة الشعبية لها في القطاع.
ويتمثل الضغط للاحتلال باستمرار استهداف المدنيين والتجمعات السكنية المأهولة، وتشديد الحصار وعزل القطاع المحاصر عن العالم الخارجي، بقطع الاتصالات وخدمات الإنترنت، وهي إستراتيجية للتفاوض بالنيران لدفع المقاومة لتقديم تنازلات بهذا المسار.
وشكلت تصريحات الناطق العسكري لكتائب القسام “أبو عبيدة” ومعها تصريحات قائد حماس في غزة- ضربة لهذه الإستراتيجية بإعلان استعداد حماس والمقاومة الفلسطينية لصفقة شاملة، ولا يستطيع نتنياهو الموافقة عليها كونها تشكل إعلان هزيمة له بتوقيعه.
وفي ضوء ذلك، يتم تقديم مقترحات بتجزئة مسار الإفراج عن الأسرى والمحتجزين، عبر التركيز على الأجانب والمستوطنين من النساء والأطفال، التي تزعم دولة الاحتلال وجودهم بالقطاع. إلا أن هذا المسار يرافقه تحد آخر في وجه حكومة نتنياهو ومجلس الحرب، إذا يثير الخلاف بالبيئة الداخلية لدولة الاحتلال، حول التفريق في نظرة الحكومة للأسرى والمحتجزين، كونها تعتبر رعايا الدول الغربية أكثر أهمية من رعاياها.
كما يثير ذلك عائلات الأسرى الجنود بجيش الاحتلال، حيث يضع ذلك حياتهم تحت تهديد الحرب الواسعة والاجتياح البري وتداعياته، إذ يرون في مقترحات الافراج عن الأجانب والمستوطنين، أو ما يسمى “بالمدنيين” استجابة من نتنياهو ومجلس الحرب لضغوط إدارة بايدن التي تعهدت بالإفراج عن “الأميركيين” المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية.
وطالب ممثلو تلك العائلات بعقد اجتماع “فوري” مع نتنياهو، ووزير الجيش يوآف غالانت، وأعضاء آخرين بالمجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت) لبحث مخاوفهم التي تترافق مع سجالات بالشارع بشأن فرص عودة الأسرى من قبضة فصائل المقاومة، في ظل التصعيد على غزة، وسط انتقادات حادة تناولت أداء نتنياهو في التعامل مع هذه القضية، ملوحين بالتصعيد إذا لم يلتقوا مع المجلس الوزاري المصغر، وفق القناة 12 الدولة الاحتلالية.
وعقب الاجتماع وتصريحات المقاومة في قطاع غزة، عاد أفراد من عائلات المحتجزين في غزة للتظاهر أمام منزل رئيس الوزراء في قيساريا جنوبي حيفا، وطالبوا بالاستجابة الفورية لعرض المقاومة بصفقة شاملة. وقال ممثلون عنهم إنهم طلبوا من نتنياهو إعادة ذويهم قبل أي عملية برية. كما أكدوا أن قبولهم بصفقة تبادل تقوم على مبدأ “الجميع مقابل الجميع” وأنهم طلبوا من نتنياهو وضع مصير هؤلاء في الاعتبار عند التخطيط لأي عمل، وأنهم أبلغوه بأن صفقة تبادل الأسرى ستحظى بتأييد كبير، وحملوا الحكومة وحدها مسؤولية سلامة ذويهم.
ويلوح في أفق هذه النقاشات، حول الأسرى الاحتلال التخوف من توجه لتفعيل خيار “هنيبعل” الذي يمنح جيش الاحتلال الإذن بقتل أسراه بحجة استهداف محتجزيهم، وهو ما يتم تطبيقه الآن، ويؤكد ما أعلنته كتائب القسام عن مقتل أكثر من 50 من الأسرى والمحتجزين بسبب قصف الاحتلال لهم.
ورغم أن هذا الخيار سبق واستخدم في تجارب سابقة، فإن تخلي حكومة نتنياهو عن قضية الأسرى والمحتجزين بهذه الطريقة سيكون له تداعيات آنية على الجبهة الداخلية، وسيصيب أحد أهداف الحرب بمقتل. كما أن وجود محتجزين أجانب يصعب من اللجوء لهذا الخيار، إلا أن الضغط الدولي على حكومة نتنياهو حول هذا القضية ما يزال بمراحله الأولى.
التحدي الأبرز الذي يواجهه نتنياهو ومجلس الحرب أن صفقة تبادل للأسرى سواء كانت جزئية أو شاملة تتطلب وقفا لإطلاق النار مع حماس والمقاومة بالقطاع، وهو ما سيفهم على أنه تراجع كبير، وكسر حدة موقف دولة الاحتلال التي تحاول التمسك به في إدارتها للحرب على غزة، لأسباب تتعلق بالبيئة الداخلية الدولة الاحتلالية التي تقف على أعتاب انفجار كبير من إلقاء اللوم وتحميل المسؤوليات المتبادلة.
كما يتوقع أن تشمل الصفقة كسرا للحصار وإدخال المساعدات والوقود للقطاع، وهي إنجازات مرحلية لحماس في وجه الحرب الشرسة التي يتعرض لها القطاع المحاصر، وتعزيزا لمسارها في أن امتلاك الفلسطينيين أوراق قوة -كملف الأسرى- يشكل نهجا يجبر الاحتلال على تقديم تنازلات ويسجل نقاطا في مرماه.
ويعد مشهد الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين -سواء بشكل شامل أو على مستوى النساء والأطفال الفلسطينيين الذي تعتقلهم دولة الاحتلال في سجونها- مشهدا تحتاجه المقاومة في سعيها للمحافظة على حالة الصمود والتماسك الداخلي في القطاع المنقطعة النظير.
وينظر للموقف الأميركي من القضية باهتمام كبير، كون أن سيناريوهات الصفقة المطروحة تشكل لإدارة بايدن فرصة في تقديم إنجاز داخلي، في تبرير موقفها المتطرف والحاد وغير المسبوق بتأمين غطاء لدولة الاحتلال في ارتكاب جرائم حرب واستهداف واسع للمدنيين، بالإفراج عن محتجزين ممن يملكون جنسيات أميركية.
غير أن المعطى الأهم في هذه القضية يتمثل باحتمال أن تنظر إدارة بايدن لمقترح عقد صفقة تبادل بين الجانبين كفرصة للتعديل من موقفها الحاد، خشية أن تؤثر المواجهة في غزة على إستراتيجيتها في منطقة الشرق الأوسط بخفض التصعيد وعدم اتساع نطاق المواجهة، مما قد يخلط الأوراق ويربك حساباتها بأن تجد نفسها وسط صراع إقليمي لا ترغب فيه ولا يخدم استراتيجيتها الدولية في تركيز قدراتها حول التنافس مع الصين والصراع بأوكرانيا.
ومع أن الموقف الأميركي “المتطرف” الذي تعبر عنه إدارة بايدن لا يشجع على احتمال أن تسعى لخفض التصعيد قريبا، إلا أن تضافر عدة عوامل بالبيئة الداخلية للاحتلال والولايات المتحدة وتصاعد المواقف الدولية والإقليمية الداعية لوقف الحرب على غزة، وتنامي تأثير الرأي العام الشعبي العالمي، بالإضافة إلى صمود المقاومة وعجز جيش الاحتلال على تنفيذ عملية برية واسعة بالقطاع، قد تسهم في دفع إدارة بايدن وحكومة نتنياهو للقبول بصفقة تبادل جزئية أو شاملة.
المصدر: الغد الأردنية
قراءة لسيناريوهات تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني وحلفائها ، كُلٍ يرفع سقف مطالبه وفق أجندته ، وبالأخير واقع الأحداث على الأرض والموقف الدولي الضاغط لأن موقف الأنظمة العربية للأسف مغيب ، وهي التي ستقرر السيناريو المتفق عليه ، وسيكون الوسط بين الطرفين ، ولن يكون كُلٌ مع كُلٌ وفق المقاومة ولا وفق مطالب الاحتلال .