توافد العشرات من أبناء محافظة السويداء جنوبيّ سورية، الخميس، للمشاركة في مظاهرة للتضامن مع المعتقلين، تلبيةً لدعوة وجهها تجمُّع معتقلي الرأي والمفصولين تعسفيّاً ضمن حملة لمناصرة المعتقلين بالتنسيق مع اتحاد تنسيقيات السوريين حول العالم.
وانطلقت المظاهرة من دوار المشنقة في السويداء، وجابت شوارع المدينة حتى وصلت إلى ساحة الكرامة. وطالب المحتجون بالإفراج عن معتقلي الرأي السوريين الذين اعتقلتهم قوات النظام السوري تعسفياً، رافعين لافتات كُتبت عليها عبارات تطالب بالإفراج عن معتقلي الرأي، وأخرى تدعو المجتمع الدولي لمحاسبة المسؤولين عن حالات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري في سورية.
قضية المعتقلين حاضرة طوال انتفاضة السويداء
تُعَدّ قضية معتقلي الرأي والمغيبين قسرياً من أبرز القضايا وأكثرها إلحاحاً في الملف السوري، حيث لم تغب الشعارات واللافتات التي تطالب بالكشف عن مصير هؤلاء منذ عام 2011 في سورية. كذلك كانت القضية حاضرة طوال الانتفاضة الشعبية في السويداء، وتحظى بأكبر إجماع في الساحة، حيث لا تغيب يوماً عنها منذ بدء الحراك الشعبي.
وقال الناشط المدني هاني عزام لـ”العربي الجديد” حول مشاركته بهذه الحملة: “هذه الفعالية من أجل هؤلاء الذين دفعوا ثمن مواقفهم، لا يجب أن تكون قضيتهم عابرة تحملها لافتة أو صورة، بل يجب أن يكون لها جانب مهم من الحل، وعلينا أن نفعّل دور الحراك للضغط على سلطات الأمر الواقع لإخلاء سراح المعتقلين منهم، وتقديم المعلومات عن المختفين قسرياً، وإبراز وثائق الذين قتلوا تحت التعذيب في السجون والمعتقلات”.
وأضاف: “أي حل لا تكون قضية المعتقلين والمغيبين فيه ركناً أساسياً مرفوض وناقص، لأن الحقوق لا يمكن تجزئتها، وخصوصاً أن نحو 300 ألف من هؤلاء كانت التهم الموجهة لهم كيدية ومبنية على مواقفهم المعارضة للنظام من الناحية السياسية، ولا خلفيات جنائية بحقهم”.
وتابع عزام: “على العكس، كثير من أصحاب الجنايات والجنح جرى إسقاط وتخفيف العقوبة عنهم، رغم ثبوت تورطهم بجرائم”، متسائلاً: “أي عدل هذا؟ أليس من الحري أن يخرج أصحاب الفكر من السجون بدلاً من مرتكبي الجنايات؟ أليس واضحاً أن ذلك التصرف ممنهج لتدمير البلاد وتعويم مفهوم استسهال الجريمة، والقضاء على ثقافة التفكير؟”.
مفارقات في قضية المعتقلين!!
من جانبها، قالت الشابة ميادة أبو العز، التي شاركت في المظاهرة، وفضلت الإشارة إليها باسم مستعار لأسباب أمنية، ولدواعٍ تتعلق بمسألة السفر: “أحد أقاربي مغيب منذ ما يزيد على عشرة سنوات، على خلفية اعتقاله في أثناء مشاركته في مظاهرة في منطقة الميدان بدمشق، وحتى اللحظة لا نعلم عنه شيئاً، حاولنا كثيراً الحصول على معلومات عنه خلال هذه المدة، إلا أننا لم نستطع الوصول إلى أية معلومة تفيدنا إن كان ميتاً أو على قيد الحياة”.
وتابعت في حديثها لـ”العربي الجديد”: “لم يكن ذنبه سوى أنه خرج عن صمته على الظلم والذل”، مشيرة إلى أن والدته أصيبت بنوبة دماغية أفقدتها الحركة بعد أن سمعت بخبر اعتقاله وماتت على إثرها بعد ثلاثة أشهر.
وأكدت الشابة الثلاثينية حق معتقلي الرأي في أن يعانقوا الحرية، وحق أهالي المفقودين أن يعرفوا مصير أبنائهم، وأن يعرف أين دفنت جثامين من قضوا تحت التعذيب.
وتوقفت عند مفارقة واقعية عاينتها مع أحد أبناء معارفها، وقالت إنه رغم تورطه بجريمة سطو مسلح وقتل، وإدانته في عدة جنايات سرقة ارتكبها قبل عام 2011 وبعده، خرج من السجن أكثر من مرة خلال سنوات الحرب، وكان يقاتل على جبهات محافظة حلب بعد خروجه من السجن.
وأضافت أن “الأغرب من ذلك أنه حين زار قريته بعد إجازة عسكرية كان يحمل على كتفه بندقية عسكرية”، وباستهجان قالت أبو العز: “هل يعقل أن يتم الإفراج عن مثل هذا الشخص وأن يتم تسليمه سلاحاً، وفي الوقت نفسه تعتبر السلطة أن الإفراج عن صاحب رأي أمر خطير وتعتبره إرهابياً؟”.
ماذا عن مراسيم العفو؟
منذ عام 2015 حتى أواخر 2023، صدر نحو 15 مرسوم عفو رئاسياً عاماً، كان آخرها بتاريخ 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، لكنه في الحقيقة لم يشمل سوى الفارين من الجيش الذين سلّموا أنفسهم، وأسقط الحكم المؤبد أو المؤقت عن المصابين بمرض عضال، والأحكام المبرمة بحق من بلغ سبعين عاماً، وكامل العقوبة للجنح والمخالفات، وأيضاً شمل إسقاط العقوبة عن جرم الخطف إن بادر الخاطف لتحرير المخطوف دون مقابل، أو سلّمه لأي جهة مختصة خلال عشرة أيام من تاريخ نفاذ المرسوم.
وترى الناشطة الحقوقية سلام عباس في هذه الجزئية أنها “العلامة الأبرز للمراسيم”، مشيرة إلى أن “ظاهرة اقتصاد الخطف في سورية تُدار من قبل مجموعات تابعة للجهات الأمنية، وأحياناً كثيرة تكون الأطراف الكبيرة فيها مقربة من السلطة وأصحاب النفوذ. لذلك، من خلال هذه المراسيم التي في باطنها رحمة وإحقاق للحق، نجد أن غايتها الأساسية تبييض سجلات أدوات الترهيب والذراع الأمنية الأكثر بطشاً”.
ومن خلال عملها محاميةً، فإنها تجزم بأن “مراسيم كهذه صممت لتقديم صكّ براءة وغفران للخاطفين والمجرمين المرتبطين بالنظام في حال تقديم شكاوى ضدهم أو ثبوت تورطهم بجرائم من هذا النوع”.
يُذكر أن عدد المعتقلين في سجون النظام السوري بلغ أكثر من 200 ألف شخص، فيما يُعَدّ قرابة 85 ألفاً آخرين في عداد المختفين قسرياً، فيما تشير إحصائيات غير متطابقة إلى أن عدد الذين قتلوا تحت التعذيب في السجون والمعتقلات السورية بلغ نحو 15 ألفاً منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011.
المصدر: العربي الجديد
الف تحية وإكبار للأحر بالسويداء بإنتفاضتهم وثورتهملافي يومها الـ 148 وهي حاملة أهداف ثورتنا ومطالب شعبنا ، بالتغيير السياسي وفق القرارات الأممية خاصة 2015/2254 وإطلاق سرح معتقلي الرأي ،