محمد ديبو كاتب وشاعر سوري، شهادته في كتاب كمن يشهد موته هو أول عمل اقرؤه له.
يعتمد محمد ديبو في شهادته كمن يشهد موته لغة المتكلم مقدما نفسه عبر مقاطع متتابعة، لا يسرد بطريقة متسلسلة زمنيا وفق ما حدث معه، يقدم ما يريد طرحه عبر انطباعات مقرونة مع أحداث مرت معه ما قبل الثورة السورية 2011م وما بعدها بسنوات قليلة.
محمد ديبو ابن احدى قرى الساحل السوري التابعة لمدينة بانياس. وهو ينتمي للطائفة العلوية، كان والده شيوعيا، توفي قبل ولادته. عاش مع امه واخواته حياة كفاف، حيث عملت أمه لتؤمن لقمة عيشهم، وتساعدهم في شق طريقهم بالحياة.
كان محمدا مدركا المعادلة السياسية في سوريا، يعلم أن سوريا لا تتسع الا للنظام ورمزه الاسد الاب اولا ثم الابن ومن حولهم من العائلة والطائفة. لم يتورط و يلتحق بأي حزب معارض لإدراكه العواقب المؤلمة التي تصاحب ذلك. ومع ذلك لم يسلم من الاعتقال و التحقيق معه مطولا لكونه اصدر كتاب “تحقيق انتخابي” عام 2008م. حيث احتجز الكتاب على الحدود اللبنانية ومنع من الدخول الى سورية ومن التداول ايضا. كان تحقيقا قاسيا عليه، أدرك من خلاله تغول الامن واستعداده لأن يفعل أي شيء لمواجهة أي معارضة للنظام، أو حتى شبهة معارضة.
يبدأ محمد ديبو شهادته من الأشهر الاولى للثورة السورية، حيث التظاهر السلمي. ومشاركته مع الناشطين في بدايات الربيع السوري، كانوا يترصدون تطور الربيع العربي في تونس ومصر. وكيف حاولوا مرات عدة أن يجمعوا بعض المعارضين والناشطين في أماكن مختلفة في دمشق وفشل المحاولات، تحدث عن متابعات الأمن لهم ومطاردتهم، إلى أن نجحوا في في 15 آذار في اطلاق الربيع السوري.
استقر محمد في دمشق يشارك في نشاطات التظاهر والإعداد والتحشيد ايضا. إلى أن بدأت تأتيه اتصالات كثيرة تطمئن عليه. حيث صدر خبر يعلن مقتل محمد ديبو في مدينة دوما أثناء مواجهة بين النظام والمتظاهرين. أدرك محمد أن هناك تشابه بالاسماء وأنه مازال حيا ليقوم بدور مستمر في التظاهر.
محمد يعلن انه علماني، وانه حيادي او حتى عدواني تجاه الأديان، يعيش حياة منفتحة، يستعيد ذكراه مع حبيبته التي افتقدها خاصة أيام الاعتقال. والتي اعتقلت بعد ذلك. لذلك لم يكن يهتم بكونه علويا لا بالمعنى الديني ولا بالمعنى المجتمعي.
محمد ديبو الشاب العلوي الذي رفض أن يستمر في الساحل ايام بدايات الثورة لسببين أولهما أن يبتعد عن أمه التي تشكل مانعا معنويا له من أن يقوم بأي دور سياسي عام خوفا عليه. والثاني هو إحساسه بالانفصال الشعوري والواقعي عن بيئته الاجتماعية العلوية، التي كانت ردود فعلها تجاه الحراك الشعبي السوري عدوانيا جدا. العلويون يرون أن السلطة لهم وان ابناءهم المتواجدون في سلك الجيش والأمن واغلب مرافق الدولة يشكلون الضمانة لهم ليعيشوا حياة أفضل. يدرك محمد أن هذا الإدراك ليس صحيحا، وان النظام يحقق مصالح العائلة الحاكمة وطبقة من المسؤولين العسكريين والأمنيين وكثير من الانتهازيين وأن العلويين هم أداتهم في الحكم، وهم ضحايا صراعهم مع الشعب، فالقاتل والمقتول من الشعب، علويين وغير علويين. لكن النظام واجهزته الامنية واشاعاته وإصراره على اللغة الطائفية منذ اللحظة الاولى للثورة السورية، جعلت التحشيد العلوي وراءه كبيرا جدا. سيستفيد من ذلك في استجلاب مزيد من الشبيحة و المتطوعين ليكونوا أدواته التي تعوض عن من انشق من الجيش السوري، اضافة الى المرتزقة الطائفيين الشيعة القادمين من لبنان وايران وافغانستان. لذلك قرر محمد أن يشارك في التظاهر في دمشق.
اعتقل محمد في الشهر الأول من الثورة عندما واجهتهم دورية أمنية في احدى المظاهرات. اقتيد إلى المخابرات الجوية في دمشق. عايش مأساة الاعتقال الضرب والتعذيب والاساءة. أدرك في داخل المعتقل أن النظام السوري مستعد ان يقتل كل الشعب السوري ليستمر بالحكم. أُفرج عنه بعد شهر وعاد ليقوم بدوره مع ناشطي الثورة، لم يرتدع…
أدرك محمد أن الثورة تتجه لتكون عنفية وان ذلك مقتلها برأيه، لم يحمّل المسؤولية للنظام بتحويل الثورة السورية للعنف، ولا بكونها السبب في تلوين الثورة السورية بالاسلمة التي جاءت ردا طبيعيا على طائفية النظام. ومع ذلك استمر بالتواجد في البلدات الثائرة، والتي أصبح أغلبها خارجا عن سيطرة النظام. كان ذلك في السنوات الأولى للثورة. بدأ الجيش الحر بالظهور ثم تشكلت مجموعات اسلامية مسلحة تنتمي للثورة السورية. كانت ردا طبيعيا على طائفية النظام وعلى استدعائه لحزب الله الشيعي اللبناني والايرانيين و المرتزقة الأفغان، الذين جاؤوا للدفاع عن المزارات المقدسة حسب ادعائهم.
لم يستطع محمد التوافق مع ما حصل في الثورة والتطورات التي جعلتها أخيرا ضحية صراعات دولية وتوافقات مصلحية كان ضحيتها كل الشعب السوري، وأهم أدواتها النظام السوري وحلفاؤه.
تنتهي الشهادة ومحمد متواجد في احدى البلدات المحررة في الغوطة الشرقية، حيث تنهال عليهم البراميل المتفجرة والصواريخ مع ما تؤدي من قتل وتدمير وخوف مزمن، يعيشون حياة أقرب للموت الغير معلن…
في التعقيب على الشهادة اقول:
مهمة هذه الشهادة في الثورة السورية، فهي تؤكد أن الثورة هي ثورة الشعب السوري كله، وان وجود محمد ديبو وأمثاله من الطائفة العلوية على قلّتهم يؤكدون البعد الوطني الديمقراطي العام للثورة السورية وأنها قامت من ناشطين من كل مكونات الشعب السوري.
كما توضح الشهادة مدى العطب الذي أصاب البنية الوطنية السورية داخل أغلب الطائفة العلوية، حيث جعلها النظام أداة حكمه على مدى عقود، وسلاحه الحي ضد ثورة الشعب السوري التي راح ضحيتها مئات الآلاف من الكل. وان ماحصل بعد ذلك من تطور الحراك الثوري ليصبح عنيفا ثم تواجد الجماعات الاسلامية الثورية، ثم انحراف البوصلة عند البعض وتوالد القاعدة وداعش الارهابيتين من جهة واستدعاء الطائفيين الشيعة من حزب الله وإيران والافغان، جعل الثورة السورية والوضع السوري يدخل متاهة لم يخرج منها للآن…
لكن كل ذلك لن يغطي على حقيقة أن النظام المستبد المجرم هو أس كل مشاكل السوريين. وأنه مسؤول عن قتل واعتقال وتشريد ملايين من الشعب السوري بالتعاون مع حلفائه إيران وروسيا. وان العالم كله صمت عن قتل السوريين وتشريدهم وتدمير بلادهم وتقسيمها الواقعي بتبعات دولية. الشمال السوري و شرق الفرات تحت حكم حزب العمال الكردستاني وممثله السوري ال ب ي د برعاية امريكية، والشمال الغربي السوري المحرر تحت الرعاية التركية، وادلب تحت سيطرة النصرة الملتبسة، وبقية سوريا الغير مفيده تحت حكم النظام وحلفائه إيران وروسيا. وحياة فقر وفاقة ونقص في كل مقومات الحياة.
ما زالت الثورة السورية مشروعة وأهدافها محقة الحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية والحياة الأفضل لكل السوريين…
25/2/2022م.
ضمن سلسلة شهادات سورية كانت شهادة “كمن يشهد موته” للكاتب والشاعر السوري “محمد ديبو” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي للكاتب “احمد العربي” الكتاب مجموعة انطباعات مقرونة مع أحداث مرت مع الكاتب لما قبل الثورة السورية 2011م وما بعدها بسنوات قليلة غير متسلسلة زمنياً. تؤكد بأن الثورة السورية هي ثورة الكل وعلى البعد الوطني الديمقراطي العام للثورة.