شهر واحد يفصلنا عن موعد مهم.. إنه إطلاق اسم دمشق لتكون عاصمة للثقافة العربية.. نعم شهر واحد فقط وتتربع دمشق الفيحاء على صهوة المجد الثقافي العربي احتفاءً بها لتكون عاصمة العرب ثقافياً للعام / 2008 /.. وهذا موعد- لمن يدرك ماهيته – غاية في الأهمية، فماذا أعددنا له؟ وهل تهيأنا لاستقباله كما تحب دمشق أن نستقبلها به.
دمشق الحضارة.. جلق التاريخ.. ما زالت خجلى من حاضرها الثقافي.. فكيف تحتضن العرب الذين يحجون إليها من كل فج عميق.. وهي لم تكتس بعد حلتها الجميلة التي نود وتود هي أن تكتسيها.. فالأبنية ما زالت ملطخة بالسواد، والشوارع ما زالت تغص بعوادم الآليات، والصروح الثقافية ما زالت خاوية إلا من عامليها القائمين عليها، وأضرحة قادتها العظام وأعلامها السياسيين والمبدعين، العلمـاء والفلاسفـة، الأطبـاء والموسيقيين، وصانعي الأمجاد.. مازالوا جميعاً كمـا كان حالهـم عبـر عشرات السنين.. ومـا زالـت بعـض قبورهـم مكبـاً للقمامـة أو مجـالاً ومرتعـاً للفئران.. أو لعلهم (فئران الأنابيب) وسارقوا النور من جوانية انبلاج الصباحات.
دمشق صباحـك مجـد، وتاريخـك عطـاء، ورائحتـك ياسمين، وشاعرك نزاري، واحتضانك وحدوي، وقلبك مسك وعنبر وحزنـك وجـد، ومستقبلـك روض، وانتظارك مخاض، فهل واكبنا عظمتك تلك وهل نحن على قدر شموخك، ومن نواكب انطلاقتك، أو نتساوق مع حداثية فكرك، أيتها الشاهدة على تاريخ الأمة.. في انتصاراتها وهزائمها، في حزنها وفرحها، في انكسار الحلم فيها، وفي توهج وألق مستقبلاتها.
فـي الثقافة والمثاقفـة التي تندمـج فـي المعطى القيمـي لدمشق العروبة عاصمة لهـذه، ومتماهية مع تلك، نستحضر العشق النزاري الممزوج بحب تراب الوطن.. ذاك الوطن الكبير الممتد من تطوان إلى عُمان.. ومن الخرطوم إلى كركوك.. ومن المنامة إلى الصحراء الغربية.. وفي استحضارنا لكل هذا وذاك نتألم ونتلوى وجداً، عندما ندرك قلة حيلتنا، وندرة ملموسيتنا، وشح مواردنا، فـي أوج ضيق المسافة مع استقبالك عاصمة للعـرب ثقافيـاً.. كنا وكنت يا جلق أكثر أمـلاً فـي أن تكـون الإعدادات أفضل، والاستقبالات أرحب، لكنك تبقين كما أنت أبداً، على مر العصور موئلاً لا ينضب للأمل الحضـاري.. ومن يوقد مشعـل الحضارة الـذي تتناقله الشعـوب والأمم.. ويبدو أنها ليست مصادفة أن يحتضنك العرب عاصمة لثقافتهم وحضارتهم وهم يحتفلون بك وبالقاهرة في شباط القادم مشعلين حضاريين للوحدة فـي ذكرى اليوبيل الذهبي للوحـدة السوريـة المصريـة.. منذ خمسين عاماً بالتمام والكمال.. يوم وقف شكري القوتلي وجمال عبد الناصر يعلنان قيام الجمهورية العربية المتحدة لترفلين يا دمشق في عيدين اثنين في آن واحد. هنيئاً لك يا دمشق.. بأريج ياسمينك وطيبة ناسك.. وقاسيونك الشامخ أبداً.
كانون الأول – 2007
المصدر: ديوان العرب/ صحيفة أسرار
بعام 2008 تم إطلاق اسم دمشق لتكون عاصمة للثقافة العربية ، مقال يظهر مدى تفاهة نظام طاغية الشام بالإستعداد لتمثل اللقب ، دمشق صباحـك مجـد، وتاريخـك عطـاء، ورائحتـك ياسمين، وشاعرك نزاري، واحتضانك وحدوي، وقلبك مسك وعنبر وحزنـك وجـد، ومستقبلـك روض، وانتظارك مخاض، فهل واكبنا عظمتك تلك بالإستعداد لتكوني عاصمة العرب الثقافية ؟.