منذ سنوات، تشن الطائرات الحربية الإسرائيلية غارات على أهداف في سوريا، ولطالما اقتصر تحديد هوية هذه الطائرات على الإعلانات التي تصدرها وزارة الدفاع بحكومة النظام السوري، التي تكشف عقب كل استهداف عن مصدر القصف، لكنها تتجاهل موقع الاستهداف بمعظم الأحيان.
ومع اندلاع “طوفان الأقصى” في 7 من تشرين الأول الماضي، بات يجري الإعلان عن جزء من هذه الاستهدافات الإسرائيلية، بذريعة الرد على صواريخ أُطلقت من سوريا.
ويربط الجيش الإسرائيلي غاراته وقصفه المعلَن على سوريا، بصواريخ أو قذائف أُطلقت من الجنوب السوري على وجه الخصوص، بينما يخرج في أوقات زمنية مختلفة لاستهداف مناطق حيوية تشمل مطارات، دون إعلان رسمي.
قصف متكرر
في 17 من تشرين الثاني الحالي، استهدف جيش الاحتلال الاسرائيلي بهجوم جوي مواقع في محيط العاصمة دمشق مخلفًا أضرارًا مادية.
وقالت وزارة الدفاع بحكومة النظام السوري، إن إسرائيل هاجمت من اتجاه الجولان السوري المحتل عددًا من النقاط في محيط العاصمة دمشق، واقتصرت الأضرار على المادية.
وأضافت أن وسائط دفاعاتها الجوية تصدت للصواريخ وأسقطت معظمها، وهو ما نقلته الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا) أيضًا عن مصدر عسكري لم تسمِّه.
وبينما لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن الهجوم، اكتفت وسائل إعلام إسرائيلية بنقل خبر القصف عن وسائل إعلام النظام الرسمية.
منذ منتصف تشرين الأول الماضي، تكررت الاستهدافات الإسرائيلية لمناطق من الجنوب السوري، لكن جيش الاحتلال كان يعلن مسؤوليته عن هذه الاستهدافات على أنها جاءت ردًا على مصادر إطلاق نار من الأراضي السورية.
وفي الوقت نفسه، لم تغب الاستهدافات التي يقول النظام السوري إنها إسرائيلية، وطالت مواقع متفرقة في الجغرافيا السورية.
وفي 9 من تشرين الثاني الحالي، قصفت إسرائيل موقعًا في الجنوب السوري، ما خلّف أضرارًا مادية، بحسب ما نشرته وكالة “سانا” حينها.
واتضح لاحقًا، بحسب ما نقله موقع “السويداء 24” المتخصص بتغطية أخبار محافظة السويداء جنوبي سوريا، أن القصف طال مواقع عسكرية في السويداء وريف دمشق، وأسفر عن تدمير نقطتي رادار وإنذار مبكر في تل قليب وتل مسيح بريف السويداء الشمالي الشرقي، تبعه تصاعد ألسنة اللهب من الموقعين.
وفي 27 من تشرين الأول الماضي، استهدفت إسرائيل بغارة جوية موقعًا في العاصمة دمشق بعدة صواريخ دون معلومات عن حجم الأضرار.
وقالت “سانا” حينها، إن الدفاعات الجوية السورية تصدت لـ”عدوان جوي” استهدف نقاطًا لم تحددها في محيط مدينة دمشق.
وفي 22 من الشهر نفسه، استهدف الطيران الإسرائيلي مدرجي مطاري “دمشق” و”حلب” الدوليين، في هجوم متزامن يعد الثاني من نوعه خلال عشرة أيام، وأخرجهما عن الخدمة.
ونقلت “سانا” عن مصدر عسكري لم تسمِّه قوله، إن “عدوانًا جويًا” برشقات من الصواريخ من اتجاه البحر المتوسط غرب اللاذقية ومن اتجاه الجولان السوري المحتل، استهدف المطارين.
سبق ذلك، في 12 من الشهر نفسه، استهداف جوي إسرائيلي للمطارين في حلب ودمشق، ما أدى إلى عودة طائرة كانت تقل وزير الخارجية الإيراني نحو إيران.
استراتيجيتان لإسرائيل
يعتقد المحلل السياسي المتخصص بالشأن الإيراني مروان فرزات، أن هناك نوعين من القصف الإسرائيلي في سوريا، نظرًا إلى وجود نوعين من قواعد الاشتباك التي وضعتها إسرائيل بحربها “الباردة” مع إيران.
فرزات قال لعنب بلدي، إن قواعد الاشتباك الأساسية التي بدأت منذ سنوات تلخصت بمنع وصول أسلحة إيرانية متطورة إلى أذرع طهران في كل من سوريا ولبنان وفلسطين.
وشكلت هذه القواعد مداومة إسرائيلية على ضرب شحنات الأسلحة الإيرانية، سواء القادمة عبر سوريًا برًا أو بحرًا أو جوًا، بالإضافة إلى استهداف الطرق ومحطات التوقف والتبديل التي تتبعها الشحنات في طريقها نحو لبنان.
ويعتقد فرزات أن قواعد اشتباك جديدة شكلتها إسرائيل عقب أحداث “طوفان الأقصى” في 7 من تشرين الأول الماضي، فإيران وإسرائيل هما طرفا الحرب هنا، نظرًا إلى كون النظام السوري بعيدًا كل البعد عن هذه الجبهة ولا يمتلك أي قرار فيها، ومن هنا وضع الطرفان قواعد الاشتباك هذه بحيث لا تتجاوز مسافة خمسة كيلومترات من طرفي الحدود، وألا تستخدم فيها إلا الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والصواريخ ذات القدرة التدميرية المتواضعة.
من جانبه، يرى المحلل المتخصص في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، أن الاستهدافات الإسرائيلية تأتي بمسارين، الأول استخباري يهدف لمتابعة النشاط اللوجستي لتحرك قيادة الميليشيات الموالية لإيران، مبني على تقاطع للمعلومات أمريكي- إسرائيلي.
والثاني عسكري يهدف لضرب شحنات الأسلحة كهدف استراتيجي عبر المقاتلات الأمريكية أو الإسرائيلية في سوريا، لا سيما بعد النشاط “الكبير” الذي أبدته ما يطلق عليها غرفة عمليات “المقاومة الإسلامية في العراق”، والتي تستهدف القواعد الأمريكية في سوريا والعراق بشكل متكرر.
سياق منفصل
منذ بدء المواجهات، أبدت الولايات المتحدة وإسرائيل رغبتهما بضمان عدم توسعها، أو دخول أطراف جديدة، في إشارة إلى ميليشيات تدعمها إيران في المنطقة، أبرزها “حزب الله” اللبناني.
المحلل مروان فرزات يرى في هذا الصدد أن إسرائيل تتعامل مع الضربات التي تستهدف شحنات الأسلحة الإيرانية المتجهة نحو لبنان عبر سوريا، كأنها منفصلة عن الحرب الدائرة في غزة، لذلك بقيت وتيرتها وشكلها كما كانت سابقًا.
وفي الوقت نفسه، لفت فرزات إلى أن هذه الضربات ارتفعت وتيرتها بسبب استغلال الإيرانيين لانشغال إسرائيل بحرب غزة لتمرير عدد كبير من شحنات الأسلحة لـ”حزب الله”، لكن إسرائيل كانت تشاهد التحركات الإيرانية، فكثّفت ضرباتها على هذه الشحنات.
المحلل مصطفى النعيمي يرى من جانبه أن بعض الهجمات العسكرية تتجاهلها إسرائيل لتجنب رد إيراني، وخاصة عندما تكون تلك العمليات في سياق الرد على انتهاكات إيرانية سابقة، أو لإخراج بعض النقاط العسكرية السورية عن الخدمة، كما حصل في استهداف محيط مطار “دير الزور” العسكري قبل أيام.
وفي الوقت نفسه، لا يمكن لإيران الإعلان عن تعرضها لاستهداف إسرائيلي في منطقة معينة، فهي ملزمة بالرد في هذه الحالة، إذ يميل الجانبان إلى السير في طريق “الصمت الاستراتيجي” حول الأضرار الناجمة عن الاستهدافات المتبادلة، لإخراج مسألة الحرج عن الردود، وهو مسار اعتمده الطرفان في مواجهتهما داخل الجغرافيا السورية.
النعيمي لم يرَ أي تغيير جذري في قواعد الاشتباك خلال الشهرين الماضيين، حتى مع العوامل المشار إليها سابقًا، لكنه لم يستبعد تغيرها مستقبلًا وفقًا لحجم التهديدات التي يشعر بها الطرفان.
وتصاعد التوتر في المناطق الجنوبية السورية إثر تكرار الاستهدافات الإسرائيلية للمنطقة منذ إطلاق عملية “طوفان الأقصى” من قبل “حماس”.
وردت إسرائيل على العملية بإعلان هجوم حمل اسم “السيوف الحديدة” تزامن مع قصف مكثف ومتواصل على قطاع غزة ثم تحول لاجتياح بري لم تعرف نتائجه، في حين خلّف القصف 12 ألف قتيل بحسب إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، حتى 17 من تشرين الثاني الحالي.
كما وصل عدد الاستهدافات للقواعد الأمريكية في سوريا إلى 57 هجومًا، بحسب أحدث إعلان رسمي أمريكي حول هذه الهجمات، ردت أمريكا على جزء منها بثلاث غارات جوية طالت مواقع لميليشيات موالية لـ”الحرس الثوري الإيراني” شرقي سوريا.
المصدر: عنب بلدي
الكيان الصه يو ني ونظام ملالي طهران وجهان لعملة واحدة يقودهما المايسترو الأمريكي ، وذلك لتنفيذ اجندتهم بالمنطقة العربية متفقان على السيطرة والنفوذ على المنطقة ويختلفان على الحدود ، لذلك قواعد الاشتباك تختلف حول مضمون الحدود المسموح فيها .