ستواجه الحركة مسارات صعبة وستتعامل في ظل خيارات محددة مع الحاجة إلى تغيير قواعدها والانتقال إلى مرحلة أخرى من المواجهة.
مع استمرار المواجهات الراهنة في حرب غزة – إسرائيل فإن السؤال المطروح هو كيف تفكر حركة “حماس” في التعامل وكيف ترى إطار المواجهات؟ وإلى أي حد وأي درجة تعمل عليها الحركة في ظل ما يجري بعد أن دخلنا الأسبوع الخامس من المواجهات بخاصة وأنها تعمل في مساحات من الخيارات الضيقة التي تحتاج إلى مراجعات حقيقية من داخل الحركة وخارجها، وهو ما يؤكد أنها باتت تبحث عن خيارات محددة عاجلة ومرحلية ونهائية تخوفاً مما هو قادم من تطورات تعمل عليها إسرائيل خلال الفترة الراهنة، وتريد بالفعل القفز على نتائجها في المديين المتوسط والطويل الأجل؟
تسعى “حماس” في الوقت الراهن إلى البقاء في صدارة المشهد على اعتبار أن ما تحقق في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي كان مرحلة مختلفة تماماً عما قبلها من تغيير قواعد الاشتباك مع إسرائيل وبناء نظرية ردع في مقابل ما تطرحه تل أبيب، لكن بعد أسابيع عدة من المواجهة الأولى اكتشفت “حماس” أن التقييمات السياسية والاستراتيجية تحتاج إلى مراجعة في ظل ما يجري من تحديات حقيقية أدت إلى تدمير مواقعها ومخزون سلاحها إضافة إلى تدمير البنية الأساس، وإن ظلت الحركة تناور وتؤكد تدمير 10 في المئة فقط من بنيتها الأساس، وإن لوحظ أن مستوى استهداف الحركة قد جرى في سياق محدد حيث خف تماماً إطلاق الصواريخ من القطاع إلى المدن الإسرائيلية.
أوراق ضغط
وستظل “حماس” ممسكة بأوراق ضاغطة وعلى رأسها ورقة الرهائن والأسرى مما سيطيل التعامل معها كطرف رئيس في المشهد الفلسطيني من خلال قدرة الحركة، من واقع الخبرات المتراكمة، على المرونة والتلون وفق حساباتها وقدراتها، مما جعلها تصدر وثيقة لتعديل مسارها التاريخي والأيديولوجي مع استقوائها، وبخاصة المكتب السياسي في الجانب المصري في ظل التباين اللافت في المواقف بين الجناح العسكري والمكتب السياسي في الداخل والخارج (الموقف من إيران والموقف من حزب الله)، إضافة إلى الجانب القطري.
وستقوم “حماس” بتقييم لمساحات التعامل المحتملة مرحلياً مع إسرائيل وحاجتها الماسة إلى طرف موثوق فيه لتمرير الرسائل والمواقف والاتجاهات، وهو ما ينطبق على الجانب المصري.
وتتخوف “حماس” من تقليص مساحة القطاع وسيطرة إسرائيل على مساحة محددة منه، مما سيتطلب الاستمرار في المواجهة حتى لو جرى وقف إطلاق النار أو القبول بخيارات سلمية والاعتراف بحدود الخامس من يونيو (حزيران) 1967 مما يقرب رؤيتها من مقاربة حركة “فتح”.
مسارات واتجاهات
وفي ظل هده الأجواء تتحرك “حماس” في ثلاث مسارات، الأول الاستمرار في المقاومة ومحاولة نقل رسالة إلى الجمهور الفلسطيني سعياً إلى تغيير قواعد الاشتباك بصورة كبيرة على رغم الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها الحركة، ومن ثم فإن خط الاستمرار سيكون مكلفاً وبخاصة أن المستوى العسكري يريد أن ينقل رسالة مباشرة بأن الحركة متماسكة وليس لديها أية إشكالات في الاستمرار مع إطالة أمد المواجهة، وهو أمر قد يذهب بالحركة في ظل استمرار توجيه الضربات المباشرة وتعرضها لخسائر كبيرة.
وعلى رغم ذلك فإن كلفة الاستمرار في المشهد الراهن يعني انتحار الحركة سياسياً وعسكرياً، بخاصة وأن هذا المسار سيعني أن الحركة قد تواجه الخيار الصفري في المواجهة الراهنة، بل وإمكان إنهاء حكمها فعلياً والتحول إلى جيوب في كل الأحوال داخل القطاع إذا كان التصميم على الذهاب إلى مواجهة مفتوحة.
أما المسار الثاني فهو الدخول مباشرة والنفاذ إلى خط المواجهة من خلال اتباع استراتيجية حقيقية للتعامل، ومنها الذهاب إلى التفاوض المرحلي مع الإعلان عن القبول بكل الأطروحات في دائرة من السرية من خلال الوسطاء مثل مصر وقطر، مما يعني الاستمرار في التفاوض مع الإمساك مجدداً بورقة الأسرى العسكريين مع عدم الممانعة في تسليم الرهائن المدنيين شرط الاستمرار في الحكم أو في الأقل وفي أسوأ الخيارات الذهاب إلى شراكة مع السلطة أو التحول إلى حزب سياسي، مما يعني أن الحركة ستعمد إلى تنفيذ مخطط مرحلي من التفاوض إلى المقاومة المتقطعة مع إطالة أمد المواجهة لإيقاع خسائر أخرى اقتصادياً لإسرائيل، والعزف هنا على دور الجمهور الإسرائيلي واستمرار التظاهرات في بعض العواصم الأوروبية مع التأكيد على الخيار الأخير، وهو التحول إلى السياسة والإعلان تدريجياً قبولها بالخيارات العامة، ومن ذلك إقدام المكتب السياسي للحركة على تنازله رسمياً عن فكرة فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر والقبول بمبدأ الخامس من يونيو على حدود 1967، وهنا تكون اقتربت من أفكار ومبادئ حركة “فتح” لتكون شريكاً في الحكم في أي توقيت، مع الالتزام بمبدأ محدد ووفق أسس منظمة التحرير الفلسطينية من دون تحديد أنصبة مقترحة على عكس ما كان مطروحاً، خصوصاً أن “حماس” ستحتاج إلى مراجعة في إطار ترميم النظام السياسي الفلسطيني بأكمله، مما يضعها في مرحلة جديدة من دون خسائر كاملة أو تنازلات مؤلمة أو حتى الاعتراف بإسرائيل أو نبذ العنف والتحول إلى السياسة، وهنا قد ستكون تجربة “حزب الله” ماثلة في الأذهان وقابلة للتكرار في الداخل الفلسطيني، لكن الإشكال سيكون مرتبطاً بما يمكن أن يطرح في المقابل، بخاصة مع عدم تحقيق المصالحة الفلسطينية حتى الآن واستمرار الانقسام السياسي بين حركتي “فتح” و”حماس”.
أما المسار الثالث فسيكون الذهاب إلى المواجهة الأخيرة الصفرية مع اعتماد استراتيجية عدم الممانعة في التفاوض حول أسرى الحرب الراهنة، مع الاتجاه قدماً إلى تحقيق مكاسب سياسية أو معنوية لرفع أسهم الحركة في الساحة الفلسطينية، ومحاولة تحويل الخسائر إلى مكاسب ولو شكلياً، مما يؤدي إلى إعادة تعويم دور الحركة في محيطها الفلسطيني والعربي ويعطي دلالات معينة مرتبطة بالذهاب إلى المواقف والاتجاهات السياسية الراهنة، بخاصة أن التحول يحتاج إلى مراجعات حقيقية وإقدام على استراتيجية مخالفة لما هو قادم مع التوقع بوجود خسائر حقيقية إن استمرت في اتباع هذا المسار واحتمال إقدام الأطراف الوسيطة على العمل في اتجاهات منضبطة ترفض سياستها وتذهب إلى استراتيجية بديلة تضع الأولويات الفلسطينية والعربية على أي اعتبار آخر في التوقيت الراهن، حتى مع احتمال القبول بدور للحركة ولو على الهامش مع التسليم بأن الحركة نجحت في تغيير شكلي للمقاومة وفقاً لمنظورها.
القبول بنزع سلاح المقاومة سواء بقرار من الحركة أو من خلال السلطة الفلسطينية لن يكون سهلاً وسيحتاج إلى مراجعات من مستويات مختلفة في إطار معادلة ردع مقابلة يمكن أن تؤدي إلى مزيد من المواجهات المحتملة من قبل كل الأطراف في ظل رفض المستوى العسكري للحركة هذا المسار لأنه سيؤدي إلى ذهاب “حماس” في غزة حال تصميم إسرائيل على الوجود لبعض الوقت داخل القطاع والعمل من الداخل مع سلطة فلسطينية، ومراقبة دولية وبخاصة من الـ “ناتو”، مما يؤكد أن الحركة يمكن أن تواجه خيارات صعبة حقيقية وغير نمطية.
وسيظل الدور الإسرائيلي في مرحلة ما بعد الحرب ماضياً في مسار تشكيل حكومة عسكرية إسرائيلية موقتة تشرف على قطاع غزة بالكامل، من خلال ضمان توفير الأمن والدعم الدولي لإعادة تأهيل غزة إلى أن يحظى حل إقليمي بدعم دولي شامل مع السعي نحو دمج القوى العسكرية المحلية والإقليمية، بما في ذلك القوات الإسرائيلية والفلسطينية والمصرية والإقليمية في قوة واحدة تحكم القطاع، على أن يلعب جيش الدفاع الإسرائيلي دوراً رئيساً في هذه القوة متعددة الجنسيات.
الخلاصات الأخيرة
وفي كل الأحوال ستواجه “حماس” مسارات صعبة وقد تبدأ بوجود مرحلي على غرار ما كان يمضي في مرات سابقة مع الفارق أن الحكومة الإسرائيلية لا تريد تكرار السيناريو السابق في ظل الحرب الراهنة التي لن تنتهي إلا بعد تسليم الرهائن وبدء مرحلة أخرى لن يكون فيها وجود لـ “حماس” كطرف مسؤول في قطاع غزة، مما يعني أن الحركة ستتعامل في ظل خيارات محددة غير كاملة مع الحاجة بالفعل لتغيير قواعدها والانتقال إلى مرحلة أخرى في المواجهة، وهو ما قد يعطي دلالات معينة متعلقة بوجود أطراف مؤثرة منها عودة السلطة أو الاستمرار في احتلال القطاع جزئياً وفرض إجراءات أمنية واستراتيجية على أرض الواقع وعدم الاتجاه إلى خيارات بديلة.
إن استبعاد إيران من أية محادثات أو إجراءات رامية إلى تسكين الأوضاع في قطاع غزة من شأنه أن يعرض تلك المحادثات للفشل في ظل الرغبة الإيرانية بأن تلعب دوراً محورياً من خلال تحركاتها الدبلوماسية ووكلائها بالمنطقة في التصعيد الراهن في مقابل رفض الدول العربية والإقليمية وعلى رأسها مصر لأي مقترح إسرائيلي من شأنه تعزيز الوجود الإسرائيلي داخل قطاع غزة، بخاصة في ظل التعنت الإسرائيلي في شأن تمرير جميع المساعدات الإنسانية والإغاثية لأهالي قطاع غزة.
وفي كل الخيارات فإن “حماس” ستعمل في مساحات صعبة وغير مؤثرة ومن خلال سياسات رد الفعل والاتجاه إلى طلب المعاونة لتحديد الخيارات الحقيقية في ظل التصميم على قواعد بديلة للاستمرار في المشهد السياسي والأمني في حكم القطاع، ولو على حساب بقاء الشعب الفلسطيني في القطاع حتى مع تصميم إسرائيل على تقليص مساحة القطاع وإعادة ترتيب خياراتها السياسية والأمنية في مواجهة ما يجري، وهو سيناريو اليوم الأسود أو جهنم كما يراه المستوى السياسي للحركة على مختلف درجاته، والساعي إلى استمرار إدارة المشهد الراهن على ما هو عليه.
المصدر: اندبندنت عربية
كيف تفكر حركة “حماس” للتعامل بإطار المواجهات بغزة والضفة؟ وخاصة بعد أن دخلنا باليوم 40/39 من المواجهات وضمن مساحة من الخيارات ضيقة ، إنها تحتاج إلى مراجعات حقيقية من داخل الحركة وخارجها، وعلاقتها مع حلف المقاولة والمماتعة والأنظمة العربية ، فهل هي قادرة ؟ وضمن الموقف الدولي الغربي الداعمة للاحتلال ومحاولات الكيان الصه يو ني إنهاء القطاع والتهجير .