في الشكل وفي المضمون، وضعت أميركا يدها على دولة إسرائيل وشرعت في إدارة شؤونها السياسية وحروبها العسكرية وحتى الاجتماعية، بشكل مباشر، كما لو أنها بالفعل ولاية أميركية تتخبط في مواجهة كارثة استثنائية كبرى، أوقعت نفسها بها، ولا تعرف كيفية الخروج منها، من دون مساعدة من المركز الذي يشعر بأن التحالف الاستراتيجي لم يعد يجدي نفعاً، ولا الارشادات والملاحظات والتحذيرات التي سبق أن وجهها الى البلد المضطرب والمجتمع المعطوب.
مثل الأب الأكبر، جاء جو بايدن، على وجه السرعة، مدفوعاً بعاطفة الأبوة العميقة والصادقة، لكي يقف الى جانب الولد الأعز على قلب أميركا ، الذي كاد يتهاوى أمام هذا العدد الاستثنائي من القتلى والجرحى والأسرى، الذين سقطوا في ضربة خاطفة ومن مجموعة فلسطينية مسلحة، متواضعة العدد والعدة، لا تملك إسرائيل في مواجهتها سوى اللجوء الى القوة المفرطة، والمجزرة المروعة، التي سبق أن اختبرت مراراً وتكراراً، من دون جدوى.
بحنان شديد، أحتضن بايدن، الابن الشقي، الازعر، الذي أفسده الدلال. عانقه بمحبة خالصة، وحرص شديد، أوحى له بأنه لن يحرمه حرية استخدام ألعابه النارية المدوية، ولن يشكك بروايته الصبيانية عن المجزرة الأخيرة في المستشفى المعمداني.. قبل ان يجلس معه في غرفة مغلقة، ويسأله “الأسئلة الصعبة” التي تأخرت كثيراً: ماذا بعد استخدام القوة المتفوقة، والعنف اللامحدود؟ كيف يمكن أن تسترد الاسرى على قيد الحياة ؟ كيف يمكن ان توقف العراك في محيط المنزل بل في داخله حيث يقيم الكثير من الاشقياء ورفاق السوء؟ وكيف يمكن أن تحمي نفسك من بقية جيرانك، لا سيما أولئك الثلاثة الذين أحرجتهم وأخرجتهم عن طورهم؟
وحسب الروايات الأميركية والإسرائيلية المنشورة عن تلك الجلسة الحميمة، أبلغ بايدن ابنه الضال نتنياهو، ان التجربة القاسية الحالية يجب ان تكون درساً مفيداً لا يمكن تجاهله. ليس بإمكان أميركا أن تفعل أكثر مما فعلت حتى الآن. هي تستطيع أن تحارب مع إسرائيل، وهذا ما تفعله تماماً، لكنها لا تستطيع ان تحارب بدلاً منها، في معركة لا تعرف مداها ولا جدواها ولا كلفتها العسكرية والسياسية، بل وحتى المالية، ولا تدرك كيف يمكن ان تكون نهايتها مختلفة عن النهايات الملتبسة للحروب والمعارك السابقة مع شعب عنيد، شديد البأس.
بعد العطف الشديد، والتوبيخ الصريح، والاستجواب الحرج، تم الاتفاق بين الأب والابن، كما يبدو، على سلسلة من الخطوات التدريجية لخفض التصعيد ومنع الانزلاق الى ما لا تحمد عقباه، ولا تقدر خسائره: تخفيف الحصار الإنساني على قطاع غزة، مقابل فتح باب التفاوض على استعادة الاسرى، من خلال الصليب الأحمر الدولي الذي سيزورهم قريبا، ثم الشروع في التفكير بمستقبل القطاع وحركة حماس والسلطة الفلسطينية، والبحث عن رعاية عربية لهذا المشروع، مصرية ، او مصرية اردنية وخليجية أيضا.. ثم وردت الفكرة، او النصيحة التي رددها الأب الأكبر علناً: لا تنسوا حل الدولتين الذي لا يزال يعتبر البديل الأنسب على المدى البعيد، البعيد.
من جهته، سيتولى فريق بايدن السياسي والعسكري والاستخباراتي مواصلة العمل اليومي على تهدئة بقية الجبهات، وترهيب بقية القوى المتربصة بإسرائيل وأميركا، وتوفير الغطاء اللازم لكي يستمر الإسرائيليون في حملاتهم وتجاربهم العسكرية المعروفة، في قطاع غزة، وعلى الجبهة الشمالية، من دون ان يشعروا بأن أحداً قد كفّ أياديهم عن السعي الدؤوب، وبالقوة اللازمة، الى كسر إرادة الفلسطينيين، وتحطيم أحلامهم الوطنية الواسعة، مهما كلف الأمر.
وبناء عليه، يمكن لبايدن ان يفاخر بأنه قد تخطى جميع أسلافه، بممارسة حقوق التبني الكامل لدولة إسرائيل، مع ما يفرضه ذلك من رعاية وعناية يومية مباشرة، قد لا تتمتع بها بقية الولايات الأميركية الخمسين حتى في حالات الطوارىء أو الكوارث الطبيعية. ولعل هذا ما كان ينشده الإسرائيليون، الذين فقدوا الثقة بمؤسساتهم وبمسؤوليهم السياسيين وقادة جيشهم وأجهزتهم الأمنية.
هل في ذلك التبني الأميركي لإسرائيل بعض الرحمة للفلسطينيين؟
المصدر: المدن
لماذا وضعت أميركا يدها على دولة إسرا/ئيل بإدارة شؤونها السياسية وحروبها العسكرية والاجتماعية، بشكل مباشر كأنها ولاية أميركية تتخبط في مواجهة كارثة استثنائية كبرى ؟ لأنها دويلة مصطنعة وجدت لخدمة الأجندات الاستعمارية ، كما قال بايدن لو لم تكن إسرا/ئيل لأوجدنا دولة إسرا/ئيل ، إنه العهر السياسي الاستعماري الدولي تجاه امتنا العربية .