تحل هذا العام الذكرى الـ71 على قيام ثورة 23 يوليو عام 1952، ورغم مرور كل هذه الأعوام على حركة التغيير السياسي والثوري التي حدثت في مصر وما أعقبها من نتائج ضخمة وتغيرات كبيرة في المجتمع المصري، إلا أن الخلاف على نتائجها وتأثيرها مازال قائماً سواء في مذكرات من عايشوها وساهموا فيها أو في مقالات الكتاب والسياسيين، ومن بين هذه الخلافات التي شغلت مساحة في المجلات الأدبية، ما وقعت في الذكرى 40 على الثورة عام 1992، بين الكاتبة نوال السعداوي، والكاتب السوري أحمد مظهر سعدو على صفحات مجلة “الآداب”.
في العدد 10 بمجلة الآداب كتبت نوال السعداوي بعنوان “ذكرياتي عن ثورة يوليو”، والذي حمل طابعاً نقدياً حاداً لما حدث بعد الثورة، وقالت: “اليوم بعد مرور 40 عاماً على الثورة والحب الأول، أدرك أن الحب الأول وهم والثورة خيال أو مجرد حلم”.
وجهت السعداوي عددا من الانتقدادت بداية من النظام الصحي والمسئولين بوزارة الصحة، وانفصالهم عن الأهداف التي كانت تسمعها في خطب جمال عبدالناصر عبر الإذاعة.
وقالت في مقالها: “وفي 56 بعد تأميم قناة السويس والاعتداء الثلاثي على مصر، سمعت صوت عبدالناصر يدوي طالبا من الشعب الاشتراك في الحرب والمقاومة، فحولت الوحدة المجمعة إلى ساحة لتدريب الشباب والشابات على الإسعافات الأولية والأعمال الطبية التي تتطلبها المعركة وكان الحماس كبيراً، لكن سرعان ما جاءني إنذار من الوزارة بالإيقاف لأن ذلك نشاطاً سياسياً وصدر قرار بنقلي إلى وحدة أخرى، وبدأ أشكك في الخطب التي يلقيها جمال عن القماومة أو ضرورة المشاركة، ولم أعد أصدق ما يقوله جمال عن الحرية أو مشاركة الشعب في الحكم، ولكن أصدق كراهيته للاستعمار وأنه حاكم وطني يريد أن يحقق أحلاماً كثيرة لكنه يريد أن يحقق كل شيء وحده دون مشاركة إلا بعض الموظفين المطيعين اللذين يخضعون لآرائه خضوعا تاماً”.
كما انتقدت مقص الرقيب، وهي تحكي عن كتابتها خلال هذه الفترة، وأنه لم يكن يمر نص سواء للطابعة في كتاب أو للصدور في صحيفة أو مجلة دون أن يمر على الرقيب.
وأضافت: “حاول الكثير حول عبدالناصر تبرير ما يحدث وقالوا إن الشعب المصري في حاجة إلى ما أسموه المستبد العادل، لكني كنت أرى التناقض الصارخ بين الاستبداد والعدل وبدأ حماسي لعبدالناصر يفتر وحلم الثورة يتبدد، وتزايد النفاق في الصحف واشتدت الرقابة ضراوة وزادت الهوة بين من أطلق عليهم أهل الثقة وأهل الخبرة، وأهل الثقة هم القادرون على النفاق وادعاء الاشتراكية”.
لم يمر المقال في هدوء بل قرر الكاتب أحمد مظهر سعدو الرد عليه بمقال مضاد، تحت عنوان “ذكرياتها غير الموضوعية عن ثورة يوليو” في العدد 12 الصادر عن نفس المجلة.
وقال في افتتاحية المقال: “إن ثورة يوليو التي قادها جمال عبدالناصر ليست بحاجة لمن يدافع عنها في وجه مطلقي النار اليوم، هي قادرة بما رسخت من قيم ومبادئ قومية في الشارع المصري والعربي أن تدافع عن نفسها، بل تصمد في وجه كل من تسول له نفسه أن ينال من هذه الثورة القومية التي انطلقت من أرض الكنانة مصر”.
ودلل سعدو في مقاله على انتصار الأفكار الناصرية وما رسخته الثورة من خلال “النهوض الشعبي الناصري في مصر بعد الترخيص للحزب الناصري وهذا الالتفاف الجماهيري العريض حول المبادئ الناصرية إلا تأكيداً قوياً على أن يوليو ليست ذكرى فقط، بل هي بما حملت من قيم ملاذ الأمة وقبلتها نحو بلوغ أهدافها”، على حد وصفه.
وأضاف: “أن بعض القصور الديموقراطي في التجربة الناصرية لا يجب أن ينسينا ما فعلته عبر إنزال السياسة من القصور إلى الشوارع وما طرحته من صيغة ديموقراطية هي صيغة تخالف قوى الشعب العامل، فقد أعجت ثورة يوليو مؤشرات وتقدماً على طريق الثورة الديموقراطية الوطنية”.
وأكد أن عبدالناصر لم يكن يقبل إلا بالأسلوب الديموقراطي، وهذا ما دفع إليه بالفعل في بيان 30 مارس وقبلها في ميثاق الثورة وقبلها في فلسفة الثورة نفسها، وقال عبدالناصر في بيان 30 مارس: “علينا أن نعيد بناء الاتحاد الاشتراكي عن طريق الانتخاب من القاعدة إلى القمة، إن أسلوب التعيين ليس أفضل الأساليب، وإن التعيين في النهاية قد لا يعطينا إلا ما تفرزه مراكز القوى أو ما تقدمه المجموعات والشلل إن طريق الانتخاب سوف يعطينا الحل الأوفق”.
واختتم مقاله: “لن نطيل على الدكتورة كثيراً، إن الذين ينتقدون الثورة أحكامهم تقف بهم عند نقطة معينة أو مرحلة محددة من مراحل نضجها أو أخذوا بفكرها في أحد جوانبه دون الإحاطة بها في كليتها ومسار نضجها أو وضعوا فيها منظورهم الخاص وقناعاتهم المسبقة”.
المصدر: نشر في 23 يوليه 2023 – في مجلة الشروق المصرية
و كان قد تم نشر المقالتين المشار إليهما عام 1992 في مجلة الآداب اللبنانية