أثار التفجير الإجرامي الذي استهدف حفل تخريج ضباط في الكلية الحربية في حمص؛ موجة من التساؤلات حول المنفذين والمستفيدين من هكذا عمل؛ ففي الوقت الذي اتهم النظام المجموعات المسلحة المعادي له؛ فإن الوقائع تبين بما لا يدع مجالًا للشك أن النظام هو مدبر هذا التفجير ليعيد شد عصب وعصبية الجماعات المنتسبة إليه وإلجماعات التي تشكل بيئته…ولطالما عاش النظام على هذه المظلومية التي تدعي أن جماعات إرهابية تستهدفه لارتباطها بمؤامرة كونية عليه..
فبعد جملة متغيرات محلية وعربية لم تكن في مصلحة النظام بل أدت إلى مزيد من عزلته وتهافت ادعاءاته التي يبرر بها إجرامه ودمويته تجاه الشعب السوري وإصراره على نهجه الأمني المجرم في التعامل مع كافة المسائل المتعلقة بهذا الشعب الجبار ورفضه تقديم أية تنازلات مهما كانت من أجل تحقيق تغيير سياسي سلمي؛ وجد النظام نفسه في حاجة ملحة إلى عمل عسكري ملفت ومدوي يعيد تنشيط تلك الإدعاءات وتفعيل دورها الخبيث في تغطية جرائمه وتبريرها..
١ -.تأتي هذه العملية العسكرية بعد اندلاع حراك شعبي متواصل منذ شهرين في السويداء والجنوب السوري وما صاحبه من طرد لمؤسسات النظام في المحافظة وتماسك المطالب الشعبية بتغيير الوضع السياسي القائم وإسقاط القهر والتخلي وتحصيل حرية وكرامة الشعب السوري ..وبعدما تأكدت وطنية مطالب أهل الجنوب وتمسكهم بهويتهم السورية ووحدة الأرض السورية بعيدًا عن أية مطالبات فئوية أو طائفية الأمر الذي أثار هلع النظام في الوقت الذي عجز فيه عن البطش الدموي بأهل السويداء والجنوب لاعتبارات كثيرة بعدما فشل في الإلتفاف على التحركات الشعبية فيها أو استيعابها أو تفجيرها من الداخل نظرًا لوحدة الوضع الشعبي المتحرك والمتفاعل عضويًا مع بقية الشعب السوري في كل المناطق..
٢ – بعدما تصاعد التذمر الشعبي في المناطق الخاضعة لسيطرته نتيجة الإنهيار المعيشي والخناق الإقتصادي المدروس والمتعمد والذي يفرضه على الشعب ..والحال هكذا، يتوقع النظام بناء على خبراته السابقة ؛ أن هذا التذمر الشديد سوف ينفجر في وجهه قريبًا بما لا يترك له فرصة للبقاء ..
٣ – بعد تصاعد وتكاثر أصوات مواطنين من الساحل السوري ممن كانوا ينتمون للنظام سياسيًا وفئويًا ؛ تتحدى النظام وتطالبه بالرحيل بعد انكشاف أمره وتخليه عن أقرب الناس الذين دفعوا أثمانًا كبيرة وهم يدافعون عنه ضد ما يسمى زورًا الإرهاب ..
٤ – بعدما انسحبت المساعي الرسمية العربية للتطبيع مع النظام بسبب إصراره على درب الكبتاغون وتصنيعه وتهريبه ؛ ورفضه أية تغييرات سياسية من شأنها تحقيق جزء من المطالب الشعبية..فقد أدركت النظم العربية استحالة أي تغيير سياسي يلتزم به النظام بل تمسكه التام بواقعه القائم..
٥ – بعد تفاقم عمليات التهريب عبر الحدود مع لبنان حتى وصلت إلى الإتجار بالبشر وتهريب المخدرات والممنوعات مما زاد في أزمة لبنان الداخلية ورفع وتيرة العداء الشعبي اللبناني له وتصاعد الأصوات المطالبة بمعاقبته وترحيله..
٦ – بعد تواصل الإعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية والمنشآت العسكرية فيها وإعادة احتلال أجزاء من قرى الجولان وتغيير أوضاعها الجغرافية والعمرانية وإقامة منشآت إسرائيلية فيها دون أن يصدر أي رد رسمي سوري والإكتفاء بالكلام الإنشائي التخديري الكاذب..وهو ما ساهم في تصعيد الكراهية الشعبية له وإفتضاح أكاذيبه وطبيعته للجميع..
٧ – بعد أن تفاقمت عمليات التغيير الديمغرافي الذي تقوم به إيران وأدواتها وميليشياتها في أنحاء الأرض السورية وحيث تتواجد لها فيها أذرع خبيثة حاقدة تعمل في شراء الأرض والذمم الضعيفة والتعليم المخادع والتثقيف الديني المشبوه حتى ليكاد يؤدي إلى تغيير هوية بعض القرى والمناطق السورية ومنها بعض أحياء دمشق حتى بلغت ذروتها في احتفالات عاشوراء وما صاحبها من تحريض مذهبي فاجر وخطير وإحراق أماكن وأحياء أثرية لتهجير أهلها ثم الإستيلاء عليها ..فكانت هذه الممارسات سببًا إضافيًا لمزيد من التذمر الشعبي حتى في بعض أوساط المحسوبين للنظام وعليه..
٨ – بعد انفجار خلافات دموية بين أفراد العائلة المالكة الحاكمة بسبب الصراع على المغانم والحصص والسرقات والتعديات الأمر الذي أثار ويثير الكثير من الهلع في صفوف النظام وبيئته ومؤيديه العميان ..
لهذا الأسباب جميعًا وجد النظام ذاته في عزلة خانقة وتحد مصيري جدي وجديد ومتجدد مما دفعه إلى إرتكاب تلك المجزرة بالتعاون مع أزلام الإحتلال الإيراني من العسكريين في السلطة ؛ لتجديد مخاوف جميع تلك الأطراف الناقمة عليه والمتذمرة منه ومن سلوكه وفساده وإجرامه؛ تجديد مخاوفها ممن يسمون إرهابيين يهددون الناس الأبرياء وليس غير النظام من يواجههم ويدفع خطرهم وبالتالي فهو يمنع عدوانهم من الوصول إلى بلاد العرب ومن العودة إلى مناطق سورية التي يدعي أنه حررها منهم..أراد النظام المجرم بهذه العملية الإجرامية توجيه رسالة للجميع بأنه يحميهم من الإرهاب العالمي وبالتالي لا غنى لهم عنه وعليهم التوقف عن انتقاده أو الخوض في أخطائه وسلبياته لا بل الوقوف إلى جانبه ودعمه وتأييده وتحمل الصعوبات المعيشية فداء له وللوطن..وها هو عدوانه المجرم على إدلب يثبت كذب ادعاءاته السابقة بالقضاء على الإرهابيين وإنتهاء الحرب في سورية..مستميتًا في إبقاء ذلك الإنقسام الطائفي البشع الذي يعيش عليه ويتعيش منه..
وفي ذات الوقت فإن تلك المتغيرات سواء التحرك الشعبي في السويداء والتذمر الشعبي في كل سورية وتخلي الكثيرين عن تأييده والدفاع عنه وصراعات عائلته بينهم وتراجع العرب عن مصالحته؛ تدل بوضوح عن قرب نهايته ورحيله على أيدي أبناء سورية الشرفاء من كل المناطق والطوائف والأديان ..وليس بناء على تدخلات أجنبية مشبوهة تدعي حصاره فيما هي تحميه وتحاصر شعب سورية الأبي..كلمة أخيرة نجدد بها مطالبتنا لجميع الوطنيين السوريين الشرفاء من كل الخلفيات السياسية والعقائدية والطائفية بتوحيد جهودهم وتضحياتهم في إطار جبهة وطنية شعبية ذات برنامج عمل مرحلي وطني يرسم الأولويات ويجمع الطاقات في سبيل هدف مركزي واحد: بناء دولة المواطنة المدنية والعدالة والحرية وسيادة القانون.